أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - اقتصاد سياسي – مُتابعات















المزيد.....



اقتصاد سياسي – مُتابعات


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7485 - 2023 / 1 / 8 - 02:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أي مُستقبل لنا على ضوء الوضع الإقتصادي لسنة 2022 وآفاق 2023
استمرت مظاهر التناقضات بين القوى الإمبريالية وتمثلت في استمرار الصراعات بين القوى العظمى (الولايات المتحدة والصين وروسيا) خلال عام 2022، ورغم حالة الهشاشة التي تبرز بين الحين والآخر، لا تزال الإمبريالية الأمريكية تُمثِّل الخطر الأعْظَمَ على الإنسانية، خصوصًا وإنها تقود حلف شمال الأطلسي، وتقود وراءها أستراليا واليابان وكندا وكذلك أوروبا التي تقَهْقَرَ دورها ضمن الرأسمالية المُعَوْلَمَة، فخاطرت بربط مستقبلها الاقتصادي بمستقبل الولايات المتحدة. أما الاقتصاد الصيني الذي حل محل الولايات المتحدة، كقاطرة للاقتصاد الرأسمالي العالمي، فإنه دَوْرَهُ يتعزّز، رغم الحرب الإقتصادية والتجارية التي تشُنّها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وتمكنت الصين من الإلتفاف على مُعظم القرارات الأمريكية، من خلال استثماراتها الخارجية ومن خلال خطة "الحزام والطّريق"، أو طريق الحرير الجديدة، وإذا ما تحقّقَ تحالف الصين مع روسيا، فمن المتوقّع أن يضع حداً للهيمنة الأمريكية التي بدأت منذ الحرب العالمية الثانية، وتعززت بفعل التحالف مع الاتحاد الأوروبي، لإطلاق الحرب التجارية والاقتصادية ضد روسيا والصين، وسياسات الحصار المالي والتجاري التي بدأت بكوبا وكوريا الشمالية وإيران ولا تزال متواصلة ضد سوريا وفنزويلا وغيرها، ويُعاني المواطنون من عواقب هذه الحرب الاقتصادية، بمن فيهم مواطنو أوروبا، بفعل ارتفاع أسعار الطاقة واضطرابات سلسلة المبادلات التجارية وشبكات التوريد، وبسبب التضخم والارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة ...
نشر مركز الدراسة والبحث الفرنسي ( "Ecole de Guerre Economique" )، خلال تشرين الأول/اكتوبر 2022، كتابًا بعنوان "الحرب الاقتصادية: من هو العدو؟ (Guerre économique : Qui est l’ennemi ? - (Economic War: Who Is the Enemy?) ) عرض (الكتاب) نتائج استطلاع أجري خلال شهر تموز/يوليو 2022 بين خبراء الأعمال الفرنسيين، وطلب الباحثون من المستَطْلَعَة آراؤهم تسمية خمس قوى أجنبية تهدد مصالح فرنسا بدرجة أولى، وأجابت الأغلبية الساحقة ( أكثر من 90% ) بأن الولايات المتحدة شكلت أكبر تهديد لفرنسا، تليها الصين وألمانيا وروسيا وبريطانيا، بترتيب تنازلي. هل يمكننا اعتبار هؤلاء الذين أشاروا إلى الولايات المتحدة كخطر أساسي، حُلَفَاءَ للبروليتاريا أو للشعوب المُسْتَعْمَرَة والمُضْطَهَدَة، في كفاحها ضد الإمبريالية الأمريكية والسلطات المَحَلِّيّة؟ بالتأكيد لا، لأن العديد من القادة والمُتَنَفِّذِين (اقتصاديا وسياسيا) حول العالم ينتقدون ويستاءون من الهيمنة الاقتصادية التي مارستها الولايات المتحدة لمدة 75 عامًا، لكن طُمُوحاتهم لا تتجاوز الحصول على حصة إضافية من ثمار استغلال الكادحين وثروات الشعوب والبلدان الواقعة تحت الهيمنة...
تكاد تُجْمِعُ البحوث والدّراسات على تراجع الإمبريالية الأمريكية وفقدانها بعض قُوَّتِها، خصوصًا في آسيا، منذ هزيمتها في فيتنام، لكن لم تستفد البروليتاريا والشعوب المضطهدة من هذه الهزيمة، ويُمكن التّأكيد على استفادةِ النظام الصيني من تلك الهزيمة، على حُدُوده، وأصبحت الصين (تدريجيًّا، وليس بين عشية وضحاها) المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة التي نجحت في القضاء على الحليف الياباني، والمنافس في ذات الوقت، كما عرقلت تَحَوُّل أوروبا إلى منافس قوي، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين.
تم استبعاد العمال والفقراء، لعقود من الزمن، من إعادة توزيع الثروة والدخل، ولذلك أطلقت الطبقة العاملة في الولايات المتحدة، وبالأخص منذ صيف 2021، سلسلة من الاحتجاجات، من أجل رفع الرواتب (انطلقت الحملة منذ 2015) وتحسين ظروف العمل وتجديد عقود العمل الجماعية وتضمينها التأمين الصحي، وفي العام 2022، لم تعد الطبقة العاملة في العديد من البلدان مستعدة للإستمرار في الإكتفاء بدور الضحية الأبدية، المتضررة من إعادة التوزيع غير المتكافئ والظالم والتوزيع غير المتكافئ لثمرة الإنتاج، بين رأس المال والعمل، ولكن، ولسوء الحظ، لم ينسق ضحايا الرأسمالية في أمريكا الشمالية والعالم تحركاتهم ونضالاتهم، ولم يتمكّنوا من عقد التحالفات الكافية القادرة على هزيمة أعدائهم الرأسماليين الذين استخدموا تكتيكاتهم المعتادة (زيادة الأسعار والتضخم ورفع أسعار الفائدة...) والتّعَلُّل ب"صعوبة الوضع"، لكسب المعركة مرة أخرى، بمساعدة وسائل الإعلام التي يمتلكها نفس الرأسماليين الأعداء!
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح النظام الرأسمالي العالمي، بقيادة الولايات المتحدة، يُتيح لأقلية، تمثل 1% فقط من سكان العالم، السيطرة على الاقتصاد العالمي وفرض ظروف العيش وظروف العمل السيئة والهشاشة على غالبية سكان العالم، ولو تمكّنَت أغلبية سكان كل بلد على حدة أو أغلبية سكان العالم من الأُجَراء وصغار الفلاحين والعمال والفقراء، من تنسيق نضالاتهم وتنظيمها بهدف إنجاز الدّيمقراطية الحقيقية (حُكْم الأغلبية الكادحة، أو المُنْتِجَة للثروات) لتَغَيَّرَ ميزان القوى لأصْبَحَ بالإمكان الإطاحة بهذا النظام الجائر الذي يسيطر على الاقتصاد ولكنه أيضًا يوجه النظام السياسي ووسائل الإعلام التي ليست سوى أداة للدعاية الأيديولوجية.
لا يتميز قادة وشعوب بلدان "الجنوب" بالتّجانس (بسبب التطور والنمو والتاريخ المختلف ) بما فيه الكفاية وهي ليست مُنَظَّمَة بما يكفي لمقاومة نهب مواردها (المادية والبشرية) والمشاركة في انهيار هذا العالم الرأسمالي القديم. في الواقع ، لا يزال البديل غير واضح، إذْ يطمح بعض خصوم الولايات المتحدة إلى استبدال العالم "أحادي القطب" بـ "عالم متعدد الأقطاب"، في إطار النظام الرأسمالي العالمي نفسه، وإن تحقَّقَ ذلك، فلن يشكل تغييراً جذرياً لوضع الطبقة العاملة أو الشعوب المضطَهَدَة، هذا إن حصل تغييرٌ مَا في الوضع العالمي.
لقد تعثرت الرأسمالية العالمية مرات عديدة ، خلال عقدين من الزمن ( من ذلك أزمة شركات الإتصالات والإنترنت سنة 2000 وأزمة الرهن العقاري سنة 2008 وأزمة كوفيد -19 سنة 2020)، لكن الأزمات جزء من مسيرة النظام الرأسمالي الذي تمكّنَ من التّعافِي في كل مرة، وذلك بفضل ميزان القوى الذي كان دائمًان ولا يزال، لصالح الرأسمالية التي قد تُبادِرُ أو تضطَرُّ إلى تحوير بعض مظاهر أو جزئيات الإستغلال والإضطهاد، لكن النظام الرأسمالي لن ينهار من تلقاء نفسه، جراء الأزمات، أو من خلال المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، بل ينهار إذا اشتدّت المُقاومة ضدّه من قِبَلِ أعدائه الطّبَقِيِّين (الطبقة العاملة والشُّعُوب المُضْطَهَدَة) إن التحول من الرأسمالية الاحتكارية المُعَوْلَمَة النيوليبرالية، بقيادة الولايات المتحدة، إلى "القومية الاقتصادية المُعَوْلَمَة" بقيادة النظام الصيني، لن يُساهم في تحرير الطبقة العاملة الصينية ولا الطبقة العاملة الأمريكية، ولا البروليتاريا العالمية من الاستغلال، ولا الشعوب المضطَهَدَة من قِبَلِ الإمبريالية الأمريكية والأوروبية ولا الشعب الفلسطيني من الإحتلال الإستيطاني الصّهيوني...
كان بالإمكان أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تغيير ميزان القوى داخل النظام الرأسمالي، لو لم يشكّلْ الاتحاد الأوروبي درعًا للإمبريالية الأمريكية التي لا تتردد في تفضيل مصالح الشركات الأمريكية، بل تقدّم الولايات المتحدة مُساعدات حكومية جديدة لشركات قطاعات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا، ضاربة عرض الحائط بمصالح "الحلفاء" وشركاتهم في كندا أو الإتحاد الأوروبي، أو أستراليا واليابان، وفرضت السّلطات الأمريكية حظرًا على المحروقات الروسية التي تستوردها أوروبا، دون الإهتمام بنتائج هذا القرار على الاقتصاد الأوروبي الذي يطبق قرارات الولايات المتحدة رغم الضّرر الذي يلحق مصالح القطاعات الاقتصادية والمواطنين الأوروبيين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار والتضخم، جراء تطبيق هذا القرار...
من المحتمل أن تكون الإمبريالية في حالة انحدار (بطيء للغاية)، لِتَبْرُزَ الصين كقوة رأسمالية جديدة ذات نفوذ عالمي، والقوة العظمى الوحيدة الأخرى المحتملة هي الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال غير منسجم، فضلا عن "خضوعه" للولايات المتحدة، سواء عبر حلف شمال الأطلسي أو عبر المؤسسات الرأسمالية الدّولية الأخرى...
يُمكن اعتبار الاقتصاد الصيني نسخةً هجينةً تجمع بين رأسمالية الدولة من خلال الشركات والمصارف التي تسيطر عليها (النسخة الصينية من "الاشتراكية") والشركات الرأسمالية الخاصة، ويشترك الصّنفان من الشركات في العلاقات العمودية أو الهَرَمِية بين العُمّال وأرباب العمل (أو طاقم التّسْيِير الذي تُعيّنه الحكومة)، ولا يُمكن لهذا النوع من "الاشتراكية" أن يحرر البروليتاريا أو يمكّنها من حُكْمِ البلاد وتوجيهها، لذا لا يمكن أن تكون النسخة الصينية لما يسمى "الاشتراكية" هدفا لنضال البروليتاريا والشعوب المضطهدة.
بالنسبة لنا، كشعوب عربية مضطهدة أو مستعمَرة أو تسيطر عليها الإمبريالية ووُكلاؤها، فإن استبدال هيمنة قوة رأسمالية مَقَرُّها أمريكا الشمالية، بقوة رأسمالية أخرى، مقرّها آسيا، لا يمكن أن يساعدنا في تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة. إن تحرُّرَنا، كشعوب مُضْطَهَدَة أو طبقات مستغَلّة، لا يمكن أن يتحقق إلا باتحادنا ونضالنا، ضد الإمبريالية والصهيونية والقادة المحليين، الذين يمثلون مصالح الرأسمالية المعولمة... يجب أن نستخلص الدُّرُوسَ ونتعلم من مصير ونتائج الانتفاضات التّلْقائية التي لم تؤد إلى التغييرات المنشودة، بسبب التفاف القوى الرجعية على نتائجها، وبسبب عدم وجود تنظيم مستقل للبروليتاريا والمستغَلّين والكادحين والمُضْطَهَدين ...
مظاهر الإنحدار الأمريكي البطيء
باتَت الولايات المتحدة في حالة حرب دائمة لا نهاية لها، منذ حوالي قَرْن، ولا تزال القوات الأمريكية، في بداية سنة 2023، تحتل أجْزاء من سوريا والعراق والصومال والعديد من الدول الأخرى، ولها قرابة 850 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة، وميزانية حرب بنحو تريليون دولار سنويًا، وتُعَدُّ الأسلحة من أهم الصادرات الأمريكية، حيث يتغير الرؤساء لكنهم جميعًا يؤيدون توسيع نطاق العدوان المسلح ضد شعوب العالم، ويترافق كل عدوان مُسلّح مع إجراءات اقتصادية مثل الحصار والتطويق و "العقوبات" التي يُمكن فَرْض تطبيقها بفضل سيطرة الدولار على النظام المالي والتبادلات التجارية، ما يجعل الجيش الأمريكي يدمر دولاً مثل صربيا أو الصومال أو العراق أو أفغانستان، وينهب الثروة ولا يقدم أي تعويض أو جبر للأضرار.
اتّفق السياسيون والرئيس الأمريكي وأعضاء الكونغرس والباحثون ومعظم الصحفيين الأمريكيين على ترديد الأسطورة الكاذبة، القائلة بأن الولايات المتحدة نموذج للديمقراطية الفريدة والإستثنائية التي لا غنى عنها للشعوب والدول الأخرى، والتغاضي عن التهديد الذي يُمثله النظام الاقتصادي النيوليبرالي وعسكرة السياسة الخارجية الأمريكية، سواء للخصوم أو للأعداء ولكن أيضًا للحلفاء، مثل اليابان أو الاتحاد الأوروبي.
كانت الولايات المتحدة تلوح بعبع "الشيوعية" في حقبة الحرب الباردة ثم استبدلتها ب"الإرهاب"، للتلاعب بالرأي العام الأمريكي والعالمي، عندما شعرت ببداية انهيار نفوذها في العالم، وهو انهيار بطيء وتدريجي، وتسعى الولايات المتحدة إلى تعطيل وتأجيل إعادة توزيع النفوذ في العالم، عبر الدعاية والإعلام وعبر الحُروب، المُباشرة أو بالوكالة، خصوصًا ضدّ القوى التي تسعى إلى إرساء "عالم متعدّد الأقطاب" (روسيا والصّين)، ولو كان ذلك ضمن إطار الرأسمالية، وأعربت الولايات المتحدة عن استعدادها لاستخدام جميع الأدوات، منها الإعلام والحصار التجاري والمالي و"العقوبات" والعدوان المُسلّح، للحفاظ على مواقعها ونفوذها...
أظهرت الحرب في أوكرانيا قُدْرَةَ الولايات المتحدة ومُجَمّع الصّناعات العسكرية – مركز قُوّة الإقتصاد الأمريكي- على التّكيّف مع الوضع والمزج بين الانخراط في حروب ساخنة مباشرة، كما في الصومال وأفغانستان والعراق، وهي باهظة الثّمن، وتكتيك نقل الحرب إلى عقر دار الخصوم، عبر وكلاء (تنظيم "داعش" ومليشيات الأكراد في سوريا، وجيش أوكرانيا ضد روسيا وتايوان ضدّ الصّين...)، ويُمكّن هذا التّكتيك من إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى وكلاء الولايات المتحدة واستخدام جميع أدوات الحرب، لإغراق خصومها في نزاعات طويلة الأمد، تُقوّض الاستقرار السياسي والاقتصادي والإجتماعي للدولة "المعادية" (روسيا مثلا)، وإعاقة تنميتها وتطورها الإقتصادي...
من غير المُستبْعَد أن تشن الولايات المتحدة حربًا بالوكالة ضدّ الصّين، فقد بدأ المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، منذ بداية 2021، في تشجيع تايوان على استفزاز ومواجهة الصّين، وأعد المُجمّع ميزانية أولية بقيمة 22,7 مليار دولارا مخصصة ل"مبادرة الردع في المحيط الهادئ"، وتكثيف الحُضور العسكري الأمريكي في المحيطَيْن الهادئ والهندي، وفي بحر الصين، وتعدّد المناورات العسكرية بمشاركة بريطانيا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، بهدف استعراض القُوّة واستفزاز الصّين...
طبقت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تكتيكات مماثلة في الخليج العربي لاستفزاز إيران، بالتوازي مع الحصار والعقوبات والاغتيالات والحرب الإلكترونية، واستغلّت الولايات المتحدة الإحتجاجات والمُظاهرات التي اجتاحت إيران طيلة الربع الرابع من سنة 2022، لتكثيف الدّعاية حول حرية التعبير وحقوق الإنسان (والمرأة بشكل خاص) ودعم المُعارضة الليبرالية المُسلّحة (مثل منظمة مُجاهدي خَلْق) التي تدعو علنًا إلى الحرب الأهلية والتّخريب (تصريح بمحطة سي إن إن بتاريخ 17 تشرين الأول/اكتوبر 2022)، ودعت وكالة "إيران الدّولية" ( 31 تشرين الأول/اكتوبر 2022) التي تُمولها السعودية، ومقرها لندن إلى اغتيال "كل من يتعاون مع النظام... كالمحامين والمحققين والقضاة الإيرانيين المتورطين في قضايا متعلقة بالاحتجاج"، وأطلقت منظمات إيرانية مقرها أمريكا الشمالية وأوروبا على عمليات الإغتيال صفة "التخريب المشرف" و "القتل الأخلاقي"، وفق موقع شبكة "الجزيرة" بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2022...
حاولت دول الإتحاد الأوروبي التخفيف من حدّة الهجومات الإعلامية ضد إيران، بعد أزمة المحروقات وانقطاع إمدادات الغاز الرّوسي، لكن الولايات المتحدة استخدمت أذربيجان الغنية بالغاز (وبها قواعد أمريكية وصهيونية وتركية) لشن حرب إعلامية ولإعاقة أي تقارب مع إيران، من خلال إنشاء "ممر توران" الهادف إلى جلب قوات حلف شمال الأطلسي إلى الحدود الشمالية لإيران، والحدود الجنوبية لروسيا، والحدود الغربية للصين (شينجيانغ)، وتطويق روسيا من البحر الأسود والصين من بحر الصين الجنوبي وإيران من الخليج، وإثارة الاضطرابات العرقية بين الأذاريين في إيران والتتار في روسيا والأويغور في الصين، وفق وكالة "رويترز" بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2022...
لا شك في الإنحدار الأمريكي، لكنه بطيء وقد يدوم عُقُودًا، قبل أن تتجاوزها قوى أخرى، لكن هل تستفيد الشُّعُوب والطبقة العاملة والكادحون من هذا التّغْيِير إذا ما انحدرت قوة رأسمالية احتكارية وحَلّتْ محلّها قوى أُخْرى مماثلة؟
لا تمتلك الطبقة العاملة والشعوب الواقعة تحت الإستعمار والإضطهاد – في الظّرف الحالي – قوى مُستقلّة، قادرة على إلحاق الهزيمة بالإمبريالية ورأس المال، وتحقيق انتصارات لصالح الكادحين والشّعوب والأُمم المُضْطَهَدَة، وهو الأمر الذي يجب تلافيه لتكون هزيمة الإمبريالية والرأسمالية انتصارًا للشعوب وللكادحين...
الحرب بالوكالة
أجرت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ – 30 كانون الأول/ديسمبر 2022) مقابلة مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرغ" الذي دعا أعضاء الحِلْف إلى إمداد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، لأن من مصلحتنا الأمنية أن تنتصر أوكرانيا وأن تهزم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين..." وكان رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، قد طلب أسلحة ومعدّات وأنظمة دفاع جوي، وأعلنت الولايات المتحدة مَدّ جيش أوكرانيا – الذي يُصمم عملياته ويشرف على إنجازها الضباط الأمريكيون والأطلسيون – بنظام الدفاع الجوي "باتريوت" وصورايخ كروز، وبأسلحة إضافية تفوق قيمتها مليارَي دولار، وسبق أن أعلن وزير الحرب الفرنسي، يوم 28 كانون الأول/ديسمبر 2022، خلال زيارته الأولى إلى كييف، أنه سوف يرسل أسلحة بقيمة بقيمة 200 مليون يورو
قَدَّرَ مؤشر رصد الدعم العسكري لأوكرانيا التابع لمعهد كيل، "مُساعدات" الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا بأكثر من 50 مليار دولار (حتى يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022) وبلغَ إجمالي "مساعدات" دول الاتحاد الأوروبي 55 مليار دولار، منها 15 مليار دولارا من ألمانيا... وطلبت إدارة الرئيس جوزيف بايدن ضخ 37 مليار دولار إضافية في أوكرانيا، غير أنَّ أعضاء الكونغرس رفعوا المبلغ إلى 45 مليار دولار، فضلاً عن أسلحة بقيمة فاقت خمسين مليار دولارا ( بين بداية آذار/مارس و30 تشرين الأول/اكتوبر 2022) وتدريب القوات الأوكرانية، ومساعدات استخباراتية لتحديد مواقع القوات الروسية في أرض المعركة وتدميرها، وفق الرئيس بايدن، وكتبت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، يوم 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، أن الرئيس الأوكراني طلب من جوزيف بايدن مرة أخرى صواريخ «ATACMS» ( ATACMS ) التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر لتدمير مواقع روسية هامة مثل جسر القرم والقواعد الجوية وخطوط الاتصالات، وسبق أن أرسلت الولايات المتحدة إلى الجيش الأوكراني صواريخ جافلين وهيمارس قبل إرسال باتريوت...
في نفس اليوم (29/12/2022) أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية موافقتها على بيع أنظمة مضادّة للدبابات لتايوان مقابل 180 مليون دولار، بعد أسبوع من توقيع الرئيس الأميركي قانوناً للإنفاق الدفاعي، ينص على "مساعدة" عسكرية بقيمة عشر مليارات دولار لتايوان بين سَنَتَيْ 2023 و2027، وأعلن بيان صادر عن وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون) أن صفقات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا وتايوان تخدم المصالح الوطنية والاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة...
تندرج هذه "المُساعدات" (الصفقات) ضمن المخططات العدائية الأمريكية والإستفزازات ضد روسيا والصّين، حيث تعدّدت شحنات الأسلحة الأمريكية والأوروبية والدعم العسكري واللُّوجستي والمالي والإعلامي، لأوكرانيا، واتخذت دول الإتحاد الأوروبي قرارات العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية ضدّ روسيا، ما أضَرّ بمصالحها، بضغط من الحليف الأمريكي الذي قَطَعَ كل خُطُوط التعاون بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز النفوذ الأميركي،
تُقدّر الميزانية العسكرية الروسية بنحو 67 مليار دولارا، وقدرت النفقات العسكرية الأطلسية منذ بداية حرب أوكرانيا بأكثر من مائة مليار دولار، وترفض حكومات أوروبا وأمريكا الشمالية إنفاق مثل هذه المبالغ على تحسين الرعاية الصحية والقضاء على الفقر، وأدّت سياسات "العقوبات" الأوروبية (التي قَرّرتها واشنطن) ضد روسيا إلى ارتفاع معدل أسعار الطاقة بنسبة 41% في شهر تشرين الأول/اكتوبر 2022، وارتفاع نسبة التضخم بمعدل فاق 11,5% وتقلص النمو، وفق رئيسة المصرف المركزي الأوروبي، وتتوقع منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية ارتفاع نسبة التضخم في روسيا سنة 2022 إلى 14% وإلى 6,8% سنة 2023، وسجّل الاقتصاد الروسي نمواً بنسبة 3,4 %، سنة 2022، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدّولي
تُشير بعض وسائل الإعلام الأوروبية (القليلة) إلى التأثيرات السلبية لحرب أوكرانيا على دول الاتحاد الأوروبي، لتبقى الولايات المتحدة الرابح والمستفيد الوحيد من حرب الإستنزاف الطويلة التي تُخطط لها ضد روسيا لإنهاكها...
الإستثمار الأمريكي في الحرب
زار الرئيس الأوكراني الولايات المتحدة يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2022، وألقى خطابا أمام نواب المجلس (الكونغرس) حيث طلب المزيد من السلاح والعتاد المُتَطَوِّر، مؤكدًا: "إن المساعدات الأمريكية ليست صدقة بل هي استثمار في الأمن العالمي" واغتنم الفُرصة لمهاجمة إيران:" تُشكّل المُسَيّرَات التي أرسلتها إيران بالمئات إلى روسيا تهديدا لبنيتنا التحتية الإستراتيجية... وسوف يحين الوقت لتهاجم إيران حلفاءكم الآخرين". أما الرئيس الأمريكي فنَوّهَ، خلال مؤتمر صحفي مشترك، بالإنسجام الكامل بين كافة أعضاء حلف شمال الأطلسي (بزعامة الولايات المتحدة) والاتحاد الأوروبي حول زيادة الدّعم لأوكرانيا، وحول كل المواضيع الأمنية والإستراتيجية الأخرى، وأعلن تقديم دعم عسكري إضافي عاجل لأوكرانيا بقيمة حوالي مليارَيْ دولار، فضلاً عن قرار الكونغرس تقديم مجموعة من المساعدات العسكرية والتقنية والإقتصادية لأوكرانيا بقيمة 45 مليار دولارًا، ضمن الميزانية السنوية الأمريكية، ليفوق مبلغ المساعدات (الإستثمارات) الأمريكية لأوكرانيا، منذ بداية الحرب (أي خلال عشرة أشهر) مائة مليار دولارا.
أعلن السيناتور الجمهوري "ميتش ماكونيل"، بموقعه الإلكتروني يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2022: إن الدعم الأميركي للحرب في أوكرانيا جزء من استراتيجية الهيمنة الأميركية. إنه استثمار مباشر لتعزيز المصالح الأميركية الحيوية، وأكّدت الوقائع صحّة هذا الرأي، فقد ارتفعت أسعار أسهم الشركات الأمريكية لصناعة الأسلحة بنسب هامة، منها بي أيه إي بنسبة 37% و"نورثروب غرومان" بنسبة 39% وجنرال دايناميكس بنسبة 15%، ما يبرّر دعم رأس المال للحروب، لأنها فرصة لتعظيم الثروة...
كانت هذه الزيارة فُرصة لتعزيز العداء لروسيا التي لا يزال البعض يعتبرها "شيوعية"، بعد أكثر من ثلاثة عُقُود من انهيار الإتحاد السُّوفيِيتي، وتَفَوَّهَ الرئيس الأوكراني خلال المؤتمر الصحفي المشترك بعبارات عنصرية، اقتبسَها من قاموس حُلفائها النّازِيِّين، منها: " إن الشعب الروسي همجي ولا إنساني"، بعد أن أعلن أمام نُوّاب الكونغرس: "إن روسيا دولة إرهابية"، ورَدّدَ (مع أعضاء الكونغرس الأمريكي) شعارات حلفائهم النّازيين، مثل "المجد لأوكرانيا" لتتخذ بذلك هذه الزيارة طابع تصعيد الحرب "مهما طال بها الزمن"، بحسب تعبير الرئيس الأمريكي، كمقدّمة لتصعيد وتيرة المواجهة العسكرية في مناطق أخرى من العالم، باعتبار الحرب "استثمارًا" لصالح الإقتصاد الأمريكي والهيمنة الأمريكية على العالم ضمن سياسة القُطْب الرأسمالي الواحد (بزعامة أمريكا) ورفض "عالم متعدد الأقطاب"، تتقاسم فيه الولايات المتحدة النّفُوذ مع الصّين وروسيا...
يُمثل مبلغ 45 مليار دولارا الذي تقرر منحه لأوكرانيا، ضمن الميزانية الأمريكية، مجموع الدعم الفيدرالي الأميركي لنحو43 ولاية مجتمعة، لكن يحتوي هذا المبلغ على نحو سبعة مليارات دولار، تقتطعها الولايات المتحدة، وتمثل رواتب المستشارين الأميركيين في أوكرانيا، وحوالي 13 مليار دولار تضخها الولايات المتحدة كسيولة مصرفية في المصرف المركزي الأوكراني، إضافة إلى صادرات بعض السلع...
من جهة أخرى، يُعاني المواطن الأمريكي، من ذوي الدّخل الضعيف والمتوسط، أي أغلبية الشعب الأمريكي، من التّدهوُر المتسارع والمُستمر لمستوى العيش، وارتفاع معدّلات البطالة، وارتفاع الأسعار، رغم البيانات الرسمية المتفائلة، ما يُؤَكّد أن مجلس النّواب لا يُمثل أغلبية شرائح الشعب بل مصالح الشركات الكبرى ومُجَمّع الصناعات العسكرية...
رأس المال المُعَوْلَم
ترتيب أكبر الشركات العالمية وأهم القطاعات المُرْبِحَة
تهيمن الشركات الأمريكية على سوق الأوراق العالمية (وعلى النظام الرأسمالي العالمي)، بحسب التصنيف السّنوي لشركة الإستشارات والمُحاسبات "إرنست أند يونغ"، حيث احتلت 61 شركة أمريكية قائمة أكبر مائة شركة بحسب رأسمالها في السوق العالمي بنهاية العام 2022، وتأتي شركة آبل ( Apple ) في صدارة الترتيب بقيمة 2,3 تريليون دولار، رغم انكماش قطاع التكنولوجيا وتباطؤ نَسَق المبيعات سنة 2022، وتجني آبل نصف إيراداتها الإجمالية من مبيعات هواتف "إيفون"، تليها شركة مايكروسوفت ( Microsoft ) في المركز الثاني، بقيمة 1,9 تريليون دولارا، رغم انخفاض الطلب على أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وأصبحت شركة النفط السعودية "أرامكو" ثالث أكبر شركة، بقيمة 1,8 تريليون دولار، وهي الشركة الوحيدة غير الأمريكية ( ظاهريًّا أو إسْمِيًّا ) في المراكز العشرة الأولى، بفعل ارتفاع أسعار المحروقات، تليها شركة "ألفابت"، الشركة الأم لغوغل بقيمة 1,2 تريليون دولار، وأمازون، بقيمة 924 مليار دولارا...
شهدت معظم الشركات الكبرى تراجعاً في قيمها السوقية، أهمها شركة "تسلا" التي خسرت حوالي 70% من قيمتها بالأسواق، بسبب انخفاض الطلب وخاصة في الصين، فيما حصلت شركة التأمين "يونايتد هيلث غروب" على أقوى أداء بين أفضل 10 شركات بفضل ارتفاع أرباح قطاع التأمين المُصنّف ضمن الشركات المَالية، مثل المصارف.
أصبحت الشركات الصينية (بما فيها هونغ كونغ التي تتمتع بوضع خاص) تحتل 15 موقعًا في قائمة أكبر مائة شركة عالمية، سنة 2022، مقابل عشر شركات سنة 2021، وأصبح لدى الهند شركتان، واليابان شركة واحدة.
أظهر التصنيف انخفاض عدد شركات التكنولوجيا من 28 شركة سنة 2021 إلى 21 شركة سنة 2022، في قائمة أكبر مائة شركة، خلافًا لشركات قطاعَيْ "الطاقة" و"الصناعة" التي ارتفع عددها من خمسة إلى ثمانية خلال عام واحد.
تحتل سويسرا "المُحايدة" مرتبة خامس أكبر مركز للشركات العالمية الأعْلَى قيمةً في سوق الأسهم، وموطنٌ لثلاث شركات من بين مائة أكبر شركة عالمية، منها "نستليه" بقيمة 321,2 مليار دولار، إضافة إلى مجموعَتَيْ "روش" و "نوفارتيس" المختصتان في صناعة الأدوية والمستحضرات العلاجية، فيما يستمر تراجع تصنيف أوروبا، منذ الأزمة المالية، من 46 شركة أوروبية ضمن الشركات المائة الأكبر والأهم في العالم، سنة 2007، إلى 15 شركة فقط تقع مقراتها الرئيسية في أوروبا، سنة 2022، مقارنة ب 19 شركة في آسيا، ووردت خمس شركات فرنسية ضمن أكبر مائة شركة عالمية، منها مجموعة السلع الفاخرة الفرنسية "أل في أم أش" (LVMH)، التي احتلت المركز الخامس عشر، سنة 2022، وغابت شركات ألمانيا عن التصنيف، فيما صمدت أربع شركات بريطانية وبقيت ضمن الشركات المائة الأعلى قيمة.
عرب – فقر وبطالة
قدر تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( إسكوا)، الخميس 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 ، أن الدول العربية تحتاج أكثر من 570 مليار دولارًا، حتى سنة 2030، لتمويل تحسين التكيف مع تغير المناخ الذي يؤثر على جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في هذه المنطقة، ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الآثار في السنوات القادمة، ومعها مخاطر على الأمن والاستقرار، إلا أن الموارد المالية المتاحة لمواجهة هذا التحدي الهائل ليست كافية على الإطلاق.
سبق أن قرّر مؤتمر باريس للمناخ، سنة 2015، ضرورة قيام الدول الصناعية الأكثر تلويثًا للمحيط بتسديد مائة مليار دولار سنويًا، لدعم البلدان النامية والبلدان الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ، وفي مؤتمر شرم الشيخ (كوب 27) لهذا العام، قال خبراء المناخ إن البلدان النامية تحتاج إلى 500 مليار دولار سنويًا، حتى العام 2030، لإدارة سِجِلِّها المناخي والتحول نحو استخدام الطاقة "النظيفة".
من جهة أخرى، نشرت نفس اللجنة (إسكوا) يوم الجمعة 30 كانون الأول/ديسمبر 2022، نتائج مسح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي، كشف أن الفقر يصيب أكثر من 130 مليون شخص، أو حوالي ثلث السكان، باستثناء دُوَيْلات مجلس التعاون الخليجي، وليبيا، ويتوقع التقرير زيادةً في مستويات الفقر لِتَصِلَ إلى 36% من السكان سنة 2024، بينما بلغ معدل البطالة في المنطقة 12% وهو الأعلى في العالم سنة 2022، فيما يُتوقّع أن ينمو اقتصاد المنطقة بنحو 4,5% سنة 2023 و 3,4% سنة 2024، وهي معدّلات ضعيفة لاقتصاد غير متطور، يعتمد على قطاعات لا تُحقق قيمة زائدة مُرتفعة، ولذلك لا يمكن للإقتصاد أن يستوعب الوافدين الجدد على "سوق العمل"، ناهيك عن العدد المتراكم من العاطلين طيلة السنوات السابقة.
ستوقع التقرير استمرار البلدان المصدرة للنفط في الاستفادة من ارتفاع أسعار المحروقات، بينما ستعاني البلدان المستوردة من العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الطاقة ونقص الغذاء وتراجع الإستثمارات الأجنبية والسياحة.
الإقتصاد الرأسمالي العالمي بنهاية سنة 2022
مرت الرأسمالية العالمية بثلاث أزمات خلال عشرين عامًا: أزمة شركات تكنولوجيا الاتصالات (دوت كوم) سنة 2000 ، وأزمة الرهن العقاري سنة 2008 ، وأزمة كوفيد -19 سنة 2020، وكانت حِدّة أزمة 2008/2009 تُضاهي أو تفوق أزمة 1929، فقد كان انهيار وول ستريت سنة 2008 أحد أكثر الانهيارات التّاريخية المُدَمِّرَة، سببها رأس المال المالي والمضارب، حيث أفلس بنك Lehman Brothers ، واستحوذ بنك أوف أمريكا على مصرف Merrill Lynch، ومع ذلك ادّعى المصرف الإتحادي "إن أُسُس اقتصادنا صلبة "، وأكدت هذه الأزمة دور الاقتصاد الصيني كقاطرة الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
استعانت أوروبا والولايات المتحدة، على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، بمصادر خارجية لتصنيع ما تحتاجه أسواقها، وحافظتا على الصناعات ذات التقنية العالية وقطاع الإتصالات والمعلوماتية وغيرها من القطاعات التي تتطلب تقنيات وخبرات ومهارات وتسمح بتحقيق قيمة زائدة عالية ...
انتصرت الليبرالية الجديدة وسادت على مدى العقود الأربعة الماضية، خصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، فقد تراكمت ثروة ضخمة واستثنائية لدى 1% من سكان العالم، على حساب ملايين العمال غير المستقرين والعاطلين عن العمل والفقراء، سواء في البلدان الرأسمالية المتقدمة ("المَرْكز") أو في البلدان الفقيرة ("بلدان المحيط")، وعانى العاملون والأُجراء من رُكُود الدّخل، بل ومن تراجُعِ قيمته، وترافق ركود الأجور مع تراجع النشاط النقابي، ومع تراجع تأثير الفكر الإشتراكي والتقدمي، ولم يعد ميزان القوى في صالح العمال، كما ترافق ذلك مع هيمنة النيوليبرالية والعولمة ونقل الأنشطة الصناعية الملوثة والتي تتطلب عددًا كبيرًا من العُمّال والعاملات إلى البلدان الفقيرة حيث ظروف العمل سيئة للغاية والأجور منخفضة للغاية.
لجأ السياسيون إلى عدة حيل لخداع العُمّال والفُقراء مثل استبعاد تكلفة الطاقة والغذاء من حساب معدل التضخم في الولايات المتحدة، مما يقلل بشكل مصطنع من ارتفاع أسعار الضروريات الأساسية، ويتم استخدام حيل مماثلة لحساب معدلات البطالة، وعلى سبيل المثال، لا يعتبر الشخص الذي يعمل بضع ساعات في الشهر عاطلاً عن العمل، مما يقلل بشكل مصطنع من معدل البطالة ...
رفعت معظم حكومات العالم حجم الإنفاق العام على الأسلحة والحروب و "الأمن الداخلي"، بالتوازي مع انخفاض حصة الإنفاق الاجتماعي من ميزانيات الدّول، كالصحة والتعليم والنقل العام وما إلى ذلك.
باختصار، إن الأزمات هي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي ولكن هذه الأزمات مفيدة للأقلية الأكثر ثراءً، فقد وزّعت حكومات العالم ومصارفها المركزية المال العام على المصارف والشركات الكُبْرى، خلال أزمة سنة 2008 وبعد سنوات قليلة، في العام 2020، تم توزيع مبالغ كبيرة، من جديد، على أكبر الشركات، فيما فقد أكثر من 200 مليون عامل في العالم وظائفهم وأجورهم ومصادر دخلهم، بحسب منظمة العمل الدولية.
أما الصراعات والحروب فهي من الأدوات التي تستخدمها الرأسمالية لحل أزماتها، وبعد عدة سنوات من المنافسة الشرسة وحروب زيادة الرُّسُوم الجمركية والحروب التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية والصين من ناحية أخرى، لا يزال النمو الاقتصادي الصيني إيجابيًا وأصبح الإقتصاد الصّيني قاطرة تَجُرُّ وراءها الاقتصاد الرأسمالي العالمي، بعد أن كانت الولايات المتحدة هي القاطرة التي تتحكّم بِنَسَق الإقتصاد العالمي، وردّت الولايات المتحدة على هذه المنافسة (التي بقيت في إطار قوانين الرأسمالية) بشكل عُدْواني جَارَّةً وراءها أوروبا وحلفاءها في منظمة حلف شمال الأطلسي، ما أدّى إلى ردّ فعل الصين وروسيا بتعزيز تحالفهما، خصوصًا بعدما ترافقت الحرب الاقتصادية، سنة 2022، بحرب عسكرية - بالوكالة عن الولايات المتحدة - كانت تختمر منذ الإنقلاب الذي قاده اليمين المتطرف، في شباط/فبراير 2014 في أوكرانيا، بدعم أمريكي وأوروبي وصهيوني، وهي حرب يعاني الشعبان الأوكراني والروسي من أهوالِها ومن عواقبها الاقتصادية والاجتماعية، كما أصبحت جميع شعوب العالم تعاني من التضخم، كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وانقطاع سلسلة التوريد، وخاصة فئات العمال والأُجَراء وصغار المزارعين والفقراء هم أول ضحايا عدم المساواة، والفوارق المتزايدة بين حصة رأس المال وحصة العَمَل من الدخل الوطني، ويخشى البنك العالمي وصندوق النقد الدولي من أن تؤدي التفاوتات إلى عدم استقرار أنظمة العديد من الدّوَل ...
زادت عُدْوانية الولايات المتحدة، منذ أزمة سنة 2008، وانضم إليها أعضاء الناتو والاتحاد الأوروبي وقوى أخرى مثل اليابان، ضد الصين وروسيا وإيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا وغيرها، وما الحرب في أوكرانيا سِوى نتيجة توسع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتضاعف الاستفزازات ضد روسيا والصين على حُدُودَيْهِما ...
أما النظام الرأسمالي فيتمثل ظُلْمُهُ في عدم التناسب بين سلطة أقلية الأثرياء التي تقودة والأغلبية الساحقة من سُكّان العالم التي تتحمّل نتائجه كل سكان العالم تقريبًا، وعلى المستوى الدولي، تهيمن الولايات المتحدة على المنظومة الإقتصادية الرأسمالية، وترفض انخفاض نفوذها، أو تقاسم النفوذ مع قُوى أخرى صاعدة، كالصين التي بدأ نفوذها الإقتصادي يتزايد، ولمجابهة ذلك شرعت الولايات المتحدة، منذ عدّة سنوات، في تعبئة حلفائها في حلف شمال الأطلسي للرّد عسكريا، إن لزم الأمر، ولحماية الهيمنة الأمريكية التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
نشرت المؤسسة البحثية الفرنسية "مدرسة الحرب الإقتصادية" ( Ecole de guerre économique - EGE )، وهي مدرسة أبحاث استراتيجية، في تموز/يوليو، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، دراسةً ثم كتابًا بعنوان "الحرب الاقتصادية: من هو العدو؟" وجَمعَ الكتاب نتائج دراسة استقصائية لرجال الأعمال والمديرين التنفيذين الأوروبيين، الذين اعتبر غالبيتهم أن الولايات المتحدة هي أكبر تهديد للاقتصاد الأوروبي وأن الصين أصبحت أول منافس اقتصادي جاد للولايات المتحدة التي انتقلت من سياسة العولمة الليبرالية الجديدة إلى تطبيق سياسة الحمائية الاقتصادية، كما انتقد قادة الأعمال الأوروبيون تبعية أوروبا وتحالفها مع الولايات المتحدة منذ العام 1945، عندما كان الاتحاد السوفيتي قويًا بما يكفي ليكون بمثابة القوة الموازية للقوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وينتقد معظمهم استمرار هذه التبعية التي أضرّت باقتصاد دول الإتحاد الأوروبي...
لقد خلقت الرأسمالية الظروف والسّياق الذي أدّى إلى اندلاع اللحربين العالميتين، ولم تتغير طبيعة الرأسمالية فهي تميل إلى حلّ تناقضاتها بواسطة الحروب، وهي بصدد تحويل الحرب في أوكرانيا إلى حرب مستمرة، لا تنتهي، ما قد يُؤثر على موازين القوى الدّولية، لأن الولايات المتحدة "إمبراطورية قديمة" في حالة تدهور بطيء، مثل بريطانيا العظمى في نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما تُمثّل الصين قوة جديدة صاعدة، أما القوة العظمى الوحيدة المحتملة الأخرى فهي الاتحاد الأوروبي الذي فَقَدَ مصداقيته من خلال الانحياز وراء مواقف الولايات المتحدة، ولو كان ذلك الموقف ( والممارسة) مناقضًا لمصلحة الشعوب والدّول الأوروبية...
لن يتمكن العالم أبدًا من العيش بسلام دون رفض في أسس الرأسمالية، لأن الإقتصاد الرأسمالي يقوم على الاستيلاء على ثمار العمل المنتج لملايين العمال ( عمل جماعي) من قبل أقلية ثرية تمتلك أدوات الإنتاج، ما يُؤدّي حتمًا إلى إنتاج وإعادة إنتاج عدم المساواة داخل المجتمعات، وبين دول العالم.
إن المجتمع العادل والنظام الإقتصادي والسياسي العادل والجدير بالإحترام هو الذي يضمن لكل مواطن الغذاء والدواء والملبس والتعليم والسكن اللائق والثقافة والترفيه، كحدّ أدْنى من مقومات الحياة الدّيمقراطية...




أي مُستقبل لنا على ضوء الوضع الإقتصادي لسنة 2022 وآفاق 2023
استمرت مظاهر التناقضات بين القوى الإمبريالية وتمثلت في استمرار الصراعات بين القوى العظمى (الولايات المتحدة والصين وروسيا) خلال عام 2022، ورغم حالة الهشاشة التي تبرز بين الحين والآخر، لا تزال الإمبريالية الأمريكية تُمثِّل الخطر الأعْظَمَ على الإنسانية، خصوصًا وإنها تقود حلف شمال الأطلسي، وتقود وراءها أستراليا واليابان وكندا وكذلك أوروبا التي تقَهْقَرَ دورها ضمن الرأسمالية المُعَوْلَمَة، فخاطرت بربط مستقبلها الاقتصادي بمستقبل الولايات المتحدة. أما الاقتصاد الصيني الذي حل محل الولايات المتحدة، كقاطرة للاقتصاد الرأسمالي العالمي، فإنه دَوْرَهُ يتعزّز، رغم الحرب الإقتصادية والتجارية التي تشُنّها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وتمكنت الصين من الإلتفاف على مُعظم القرارات الأمريكية، من خلال استثماراتها الخارجية ومن خلال خطة "الحزام والطّريق"، أو طريق الحرير الجديدة، وإذا ما تحقّقَ تحالف الصين مع روسيا، فمن المتوقّع أن يضع حداً للهيمنة الأمريكية التي بدأت منذ الحرب العالمية الثانية، وتعززت بفعل التحالف مع الاتحاد الأوروبي، لإطلاق الحرب التجارية والاقتصادية ضد روسيا والصين، وسياسات الحصار المالي والتجاري التي بدأت بكوبا وكوريا الشمالية وإيران ولا تزال متواصلة ضد سوريا وفنزويلا وغيرها، ويُعاني المواطنون من عواقب هذه الحرب الاقتصادية، بمن فيهم مواطنو أوروبا، بفعل ارتفاع أسعار الطاقة واضطرابات سلسلة المبادلات التجارية وشبكات التوريد، وبسبب التضخم والارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة ...
نشر مركز الدراسة والبحث الفرنسي ( "Ecole de Guerre Economique" )، خلال تشرين الأول/اكتوبر 2022، كتابًا بعنوان "الحرب الاقتصادية: من هو العدو؟ (Guerre économique : Qui est l’ennemi ? - (Economic War: Who Is the Enemy?) ) عرض (الكتاب) نتائج استطلاع أجري خلال شهر تموز/يوليو 2022 بين خبراء الأعمال الفرنسيين، وطلب الباحثون من المستَطْلَعَة آراؤهم تسمية خمس قوى أجنبية تهدد مصالح فرنسا بدرجة أولى، وأجابت الأغلبية الساحقة ( أكثر من 90% ) بأن الولايات المتحدة شكلت أكبر تهديد لفرنسا، تليها الصين وألمانيا وروسيا وبريطانيا، بترتيب تنازلي. هل يمكننا اعتبار هؤلاء الذين أشاروا إلى الولايات المتحدة كخطر أساسي، حُلَفَاءَ للبروليتاريا أو للشعوب المُسْتَعْمَرَة والمُضْطَهَدَة، في كفاحها ضد الإمبريالية الأمريكية والسلطات المَحَلِّيّة؟ بالتأكيد لا، لأن العديد من القادة والمُتَنَفِّذِين (اقتصاديا وسياسيا) حول العالم ينتقدون ويستاءون من الهيمنة الاقتصادية التي مارستها الولايات المتحدة لمدة 75 عامًا، لكن طُمُوحاتهم لا تتجاوز الحصول على حصة إضافية من ثمار استغلال الكادحين وثروات الشعوب والبلدان الواقعة تحت الهيمنة...
تكاد تُجْمِعُ البحوث والدّراسات على تراجع الإمبريالية الأمريكية وفقدانها بعض قُوَّتِها، خصوصًا في آسيا، منذ هزيمتها في فيتنام، لكن لم تستفد البروليتاريا والشعوب المضطهدة من هذه الهزيمة، ويُمكن التّأكيد على استفادةِ النظام الصيني من تلك الهزيمة، على حُدُوده، وأصبحت الصين (تدريجيًّا، وليس بين عشية وضحاها) المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة التي نجحت في القضاء على الحليف الياباني، والمنافس في ذات الوقت، كما عرقلت تَحَوُّل أوروبا إلى منافس قوي، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين.
تم استبعاد العمال والفقراء، لعقود من الزمن، من إعادة توزيع الثروة والدخل، ولذلك أطلقت الطبقة العاملة في الولايات المتحدة، وبالأخص منذ صيف 2021، سلسلة من الاحتجاجات، من أجل رفع الرواتب (انطلقت الحملة منذ 2015) وتحسين ظروف العمل وتجديد عقود العمل الجماعية وتضمينها التأمين الصحي، وفي العام 2022، لم تعد الطبقة العاملة في العديد من البلدان مستعدة للإستمرار في الإكتفاء بدور الضحية الأبدية، المتضررة من إعادة التوزيع غير المتكافئ والظالم والتوزيع غير المتكافئ لثمرة الإنتاج، بين رأس المال والعمل، ولكن، ولسوء الحظ، لم ينسق ضحايا الرأسمالية في أمريكا الشمالية والعالم تحركاتهم ونضالاتهم، ولم يتمكّنوا من عقد التحالفات الكافية القادرة على هزيمة أعدائهم الرأسماليين الذين استخدموا تكتيكاتهم المعتادة (زيادة الأسعار والتضخم ورفع أسعار الفائدة...) والتّعَلُّل ب"صعوبة الوضع"، لكسب المعركة مرة أخرى، بمساعدة وسائل الإعلام التي يمتلكها نفس الرأسماليين الأعداء!
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح النظام الرأسمالي العالمي، بقيادة الولايات المتحدة، يُتيح لأقلية، تمثل 1% فقط من سكان العالم، السيطرة على الاقتصاد العالمي وفرض ظروف العيش وظروف العمل السيئة والهشاشة على غالبية سكان العالم، ولو تمكّنَت أغلبية سكان كل بلد على حدة أو أغلبية سكان العالم من الأُجَراء وصغار الفلاحين والعمال والفقراء، من تنسيق نضالاتهم وتنظيمها بهدف إنجاز الدّيمقراطية الحقيقية (حُكْم الأغلبية الكادحة، أو المُنْتِجَة للثروات) لتَغَيَّرَ ميزان القوى لأصْبَحَ بالإمكان الإطاحة بهذا النظام الجائر الذي يسيطر على الاقتصاد ولكنه أيضًا يوجه النظام السياسي ووسائل الإعلام التي ليست سوى أداة للدعاية الأيديولوجية.
لا يتميز قادة وشعوب بلدان "الجنوب" بالتّجانس (بسبب التطور والنمو والتاريخ المختلف ) بما فيه الكفاية وهي ليست مُنَظَّمَة بما يكفي لمقاومة نهب مواردها (المادية والبشرية) والمشاركة في انهيار هذا العالم الرأسمالي القديم. في الواقع ، لا يزال البديل غير واضح، إذْ يطمح بعض خصوم الولايات المتحدة إلى استبدال العالم "أحادي القطب" بـ "عالم متعدد الأقطاب"، في إطار النظام الرأسمالي العالمي نفسه، وإن تحقَّقَ ذلك، فلن يشكل تغييراً جذرياً لوضع الطبقة العاملة أو الشعوب المضطَهَدَة، هذا إن حصل تغييرٌ مَا في الوضع العالمي.
لقد تعثرت الرأسمالية العالمية مرات عديدة ، خلال عقدين من الزمن ( من ذلك أزمة شركات الإتصالات والإنترنت سنة 2000 وأزمة الرهن العقاري سنة 2008 وأزمة كوفيد -19 سنة 2020)، لكن الأزمات جزء من مسيرة النظام الرأسمالي الذي تمكّنَ من التّعافِي في كل مرة، وذلك بفضل ميزان القوى الذي كان دائمًان ولا يزال، لصالح الرأسمالية التي قد تُبادِرُ أو تضطَرُّ إلى تحوير بعض مظاهر أو جزئيات الإستغلال والإضطهاد، لكن النظام الرأسمالي لن ينهار من تلقاء نفسه، جراء الأزمات، أو من خلال المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، بل ينهار إذا اشتدّت المُقاومة ضدّه من قِبَلِ أعدائه الطّبَقِيِّين (الطبقة العاملة والشُّعُوب المُضْطَهَدَة) إن التحول من الرأسمالية الاحتكارية المُعَوْلَمَة النيوليبرالية، بقيادة الولايات المتحدة، إلى "القومية الاقتصادية المُعَوْلَمَة" بقيادة النظام الصيني، لن يُساهم في تحرير الطبقة العاملة الصينية ولا الطبقة العاملة الأمريكية، ولا البروليتاريا العالمية من الاستغلال، ولا الشعوب المضطَهَدَة من قِبَلِ الإمبريالية الأمريكية والأوروبية ولا الشعب الفلسطيني من الإحتلال الإستيطاني الصّهيوني...
كان بالإمكان أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تغيير ميزان القوى داخل النظام الرأسمالي، لو لم يشكّلْ الاتحاد الأوروبي درعًا للإمبريالية الأمريكية التي لا تتردد في تفضيل مصالح الشركات الأمريكية، بل تقدّم الولايات المتحدة مُساعدات حكومية جديدة لشركات قطاعات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا، ضاربة عرض الحائط بمصالح "الحلفاء" وشركاتهم في كندا أو الإتحاد الأوروبي، أو أستراليا واليابان، وفرضت السّلطات الأمريكية حظرًا على المحروقات الروسية التي تستوردها أوروبا، دون الإهتمام بنتائج هذا القرار على الاقتصاد الأوروبي الذي يطبق قرارات الولايات المتحدة رغم الضّرر الذي يلحق مصالح القطاعات الاقتصادية والمواطنين الأوروبيين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار والتضخم، جراء تطبيق هذا القرار...
من المحتمل أن تكون الإمبريالية في حالة انحدار (بطيء للغاية)، لِتَبْرُزَ الصين كقوة رأسمالية جديدة ذات نفوذ عالمي، والقوة العظمى الوحيدة الأخرى المحتملة هي الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال غير منسجم، فضلا عن "خضوعه" للولايات المتحدة، سواء عبر حلف شمال الأطلسي أو عبر المؤسسات الرأسمالية الدّولية الأخرى...
يُمكن اعتبار الاقتصاد الصيني نسخةً هجينةً تجمع بين رأسمالية الدولة من خلال الشركات والمصارف التي تسيطر عليها (النسخة الصينية من "الاشتراكية") والشركات الرأسمالية الخاصة، ويشترك الصّنفان من الشركات في العلاقات العمودية أو الهَرَمِية بين العُمّال وأرباب العمل (أو طاقم التّسْيِير الذي تُعيّنه الحكومة)، ولا يُمكن لهذا النوع من "الاشتراكية" أن يحرر البروليتاريا أو يمكّنها من حُكْمِ البلاد وتوجيهها، لذا لا يمكن أن تكون النسخة الصينية لما يسمى "الاشتراكية" هدفا لنضال البروليتاريا والشعوب المضطهدة.
بالنسبة لنا، كشعوب عربية مضطهدة أو مستعمَرة أو تسيطر عليها الإمبريالية ووُكلاؤها، فإن استبدال هيمنة قوة رأسمالية مَقَرُّها أمريكا الشمالية، بقوة رأسمالية أخرى، مقرّها آسيا، لا يمكن أن يساعدنا في تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة. إن تحرُّرَنا، كشعوب مُضْطَهَدَة أو طبقات مستغَلّة، لا يمكن أن يتحقق إلا باتحادنا ونضالنا، ضد الإمبريالية والصهيونية والقادة المحليين، الذين يمثلون مصالح الرأسمالية المعولمة... يجب أن نستخلص الدُّرُوسَ ونتعلم من مصير ونتائج الانتفاضات التّلْقائية التي لم تؤد إلى التغييرات المنشودة، بسبب التفاف القوى الرجعية على نتائجها، وبسبب عدم وجود تنظيم مستقل للبروليتاريا والمستغَلّين والكادحين والمُضْطَهَدين ...
مظاهر الإنحدار الأمريكي البطيء
باتَت الولايات المتحدة في حالة حرب دائمة لا نهاية لها، منذ حوالي قَرْن، ولا تزال القوات الأمريكية، في بداية سنة 2023، تحتل أجْزاء من سوريا والعراق والصومال والعديد من الدول الأخرى، ولها قرابة 850 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة، وميزانية حرب بنحو تريليون دولار سنويًا، وتُعَدُّ الأسلحة من أهم الصادرات الأمريكية، حيث يتغير الرؤساء لكنهم جميعًا يؤيدون توسيع نطاق العدوان المسلح ضد شعوب العالم، ويترافق كل عدوان مُسلّح مع إجراءات اقتصادية مثل الحصار والتطويق و "العقوبات" التي يُمكن فَرْض تطبيقها بفضل سيطرة الدولار على النظام المالي والتبادلات التجارية، ما يجعل الجيش الأمريكي يدمر دولاً مثل صربيا أو الصومال أو العراق أو أفغانستان، وينهب الثروة ولا يقدم أي تعويض أو جبر للأضرار.
اتّفق السياسيون والرئيس الأمريكي وأعضاء الكونغرس والباحثون ومعظم الصحفيين الأمريكيين على ترديد الأسطورة الكاذبة، القائلة بأن الولايات المتحدة نموذج للديمقراطية الفريدة والإستثنائية التي لا غنى عنها للشعوب والدول الأخرى، والتغاضي عن التهديد الذي يُمثله النظام الاقتصادي النيوليبرالي وعسكرة السياسة الخارجية الأمريكية، سواء للخصوم أو للأعداء ولكن أيضًا للحلفاء، مثل اليابان أو الاتحاد الأوروبي.
كانت الولايات المتحدة تلوح بعبع "الشيوعية" في حقبة الحرب الباردة ثم استبدلتها ب"الإرهاب"، للتلاعب بالرأي العام الأمريكي والعالمي، عندما شعرت ببداية انهيار نفوذها في العالم، وهو انهيار بطيء وتدريجي، وتسعى الولايات المتحدة إلى تعطيل وتأجيل إعادة توزيع النفوذ في العالم، عبر الدعاية والإعلام وعبر الحُروب، المُباشرة أو بالوكالة، خصوصًا ضدّ القوى التي تسعى إلى إرساء "عالم متعدّد الأقطاب" (روسيا والصّين)، ولو كان ذلك ضمن إطار الرأسمالية، وأعربت الولايات المتحدة عن استعدادها لاستخدام جميع الأدوات، منها الإعلام والحصار التجاري والمالي و"العقوبات" والعدوان المُسلّح، للحفاظ على مواقعها ونفوذها...
أظهرت الحرب في أوكرانيا قُدْرَةَ الولايات المتحدة ومُجَمّع الصّناعات العسكرية – مركز قُوّة الإقتصاد الأمريكي- على التّكيّف مع الوضع والمزج بين الانخراط في حروب ساخنة مباشرة، كما في الصومال وأفغانستان والعراق، وهي باهظة الثّمن، وتكتيك نقل الحرب إلى عقر دار الخصوم، عبر وكلاء (تنظيم "داعش" ومليشيات الأكراد في سوريا، وجيش أوكرانيا ضد روسيا وتايوان ضدّ الصّين...)، ويُمكّن هذا التّكتيك من إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى وكلاء الولايات المتحدة واستخدام جميع أدوات الحرب، لإغراق خصومها في نزاعات طويلة الأمد، تُقوّض الاستقرار السياسي والاقتصادي والإجتماعي للدولة "المعادية" (روسيا مثلا)، وإعاقة تنميتها وتطورها الإقتصادي...
من غير المُستبْعَد أن تشن الولايات المتحدة حربًا بالوكالة ضدّ الصّين، فقد بدأ المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، منذ بداية 2021، في تشجيع تايوان على استفزاز ومواجهة الصّين، وأعد المُجمّع ميزانية أولية بقيمة 22,7 مليار دولارا مخصصة ل"مبادرة الردع في المحيط الهادئ"، وتكثيف الحُضور العسكري الأمريكي في المحيطَيْن الهادئ والهندي، وفي بحر الصين، وتعدّد المناورات العسكرية بمشاركة بريطانيا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، بهدف استعراض القُوّة واستفزاز الصّين...
طبقت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تكتيكات مماثلة في الخليج العربي لاستفزاز إيران، بالتوازي مع الحصار والعقوبات والاغتيالات والحرب الإلكترونية، واستغلّت الولايات المتحدة الإحتجاجات والمُظاهرات التي اجتاحت إيران طيلة الربع الرابع من سنة 2022، لتكثيف الدّعاية حول حرية التعبير وحقوق الإنسان (والمرأة بشكل خاص) ودعم المُعارضة الليبرالية المُسلّحة (مثل منظمة مُجاهدي خَلْق) التي تدعو علنًا إلى الحرب الأهلية والتّخريب (تصريح بمحطة سي إن إن بتاريخ 17 تشرين الأول/اكتوبر 2022)، ودعت وكالة "إيران الدّولية" ( 31 تشرين الأول/اكتوبر 2022) التي تُمولها السعودية، ومقرها لندن إلى اغتيال "كل من يتعاون مع النظام... كالمحامين والمحققين والقضاة الإيرانيين المتورطين في قضايا متعلقة بالاحتجاج"، وأطلقت منظمات إيرانية مقرها أمريكا الشمالية وأوروبا على عمليات الإغتيال صفة "التخريب المشرف" و "القتل الأخلاقي"، وفق موقع شبكة "الجزيرة" بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2022...
حاولت دول الإتحاد الأوروبي التخفيف من حدّة الهجومات الإعلامية ضد إيران، بعد أزمة المحروقات وانقطاع إمدادات الغاز الرّوسي، لكن الولايات المتحدة استخدمت أذربيجان الغنية بالغاز (وبها قواعد أمريكية وصهيونية وتركية) لشن حرب إعلامية ولإعاقة أي تقارب مع إيران، من خلال إنشاء "ممر توران" الهادف إلى جلب قوات حلف شمال الأطلسي إلى الحدود الشمالية لإيران، والحدود الجنوبية لروسيا، والحدود الغربية للصين (شينجيانغ)، وتطويق روسيا من البحر الأسود والصين من بحر الصين الجنوبي وإيران من الخليج، وإثارة الاضطرابات العرقية بين الأذاريين في إيران والتتار في روسيا والأويغور في الصين، وفق وكالة "رويترز" بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2022...
لا شك في الإنحدار الأمريكي، لكنه بطيء وقد يدوم عُقُودًا، قبل أن تتجاوزها قوى أخرى، لكن هل تستفيد الشُّعُوب والطبقة العاملة والكادحون من هذا التّغْيِير إذا ما انحدرت قوة رأسمالية احتكارية وحَلّتْ محلّها قوى أُخْرى مماثلة؟
لا تمتلك الطبقة العاملة والشعوب الواقعة تحت الإستعمار والإضطهاد – في الظّرف الحالي – قوى مُستقلّة، قادرة على إلحاق الهزيمة بالإمبريالية ورأس المال، وتحقيق انتصارات لصالح الكادحين والشّعوب والأُمم المُضْطَهَدَة، وهو الأمر الذي يجب تلافيه لتكون هزيمة الإمبريالية والرأسمالية انتصارًا للشعوب وللكادحين...
الحرب بالوكالة
أجرت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ – 30 كانون الأول/ديسمبر 2022) مقابلة مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرغ" الذي دعا أعضاء الحِلْف إلى إمداد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، لأن من مصلحتنا الأمنية أن تنتصر أوكرانيا وأن تهزم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين..." وكان رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، قد طلب أسلحة ومعدّات وأنظمة دفاع جوي، وأعلنت الولايات المتحدة مَدّ جيش أوكرانيا – الذي يُصمم عملياته ويشرف على إنجازها الضباط الأمريكيون والأطلسيون – بنظام الدفاع الجوي "باتريوت" وصورايخ كروز، وبأسلحة إضافية تفوق قيمتها مليارَي دولار، وسبق أن أعلن وزير الحرب الفرنسي، يوم 28 كانون الأول/ديسمبر 2022، خلال زيارته الأولى إلى كييف، أنه سوف يرسل أسلحة بقيمة بقيمة 200 مليون يورو
قَدَّرَ مؤشر رصد الدعم العسكري لأوكرانيا التابع لمعهد كيل، "مُساعدات" الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا بأكثر من 50 مليار دولار (حتى يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022) وبلغَ إجمالي "مساعدات" دول الاتحاد الأوروبي 55 مليار دولار، منها 15 مليار دولارا من ألمانيا... وطلبت إدارة الرئيس جوزيف بايدن ضخ 37 مليار دولار إضافية في أوكرانيا، غير أنَّ أعضاء الكونغرس رفعوا المبلغ إلى 45 مليار دولار، فضلاً عن أسلحة بقيمة فاقت خمسين مليار دولارا ( بين بداية آذار/مارس و30 تشرين الأول/اكتوبر 2022) وتدريب القوات الأوكرانية، ومساعدات استخباراتية لتحديد مواقع القوات الروسية في أرض المعركة وتدميرها، وفق الرئيس بايدن، وكتبت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، يوم 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، أن الرئيس الأوكراني طلب من جوزيف بايدن مرة أخرى صواريخ «ATACMS» ( ATACMS ) التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر لتدمير مواقع روسية هامة مثل جسر القرم والقواعد الجوية وخطوط الاتصالات، وسبق أن أرسلت الولايات المتحدة إلى الجيش الأوكراني صواريخ جافلين وهيمارس قبل إرسال باتريوت...
في نفس اليوم (29/12/2022) أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية موافقتها على بيع أنظمة مضادّة للدبابات لتايوان مقابل 180 مليون دولار، بعد أسبوع من توقيع الرئيس الأميركي قانوناً للإنفاق الدفاعي، ينص على "مساعدة" عسكرية بقيمة عشر مليارات دولار لتايوان بين سَنَتَيْ 2023 و2027، وأعلن بيان صادر عن وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون) أن صفقات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا وتايوان تخدم المصالح الوطنية والاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة...
تندرج هذه "المُساعدات" (الصفقات) ضمن المخططات العدائية الأمريكية والإستفزازات ضد روسيا والصّين، حيث تعدّدت شحنات الأسلحة الأمريكية والأوروبية والدعم العسكري واللُّوجستي والمالي والإعلامي، لأوكرانيا، واتخذت دول الإتحاد الأوروبي قرارات العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية ضدّ روسيا، ما أضَرّ بمصالحها، بضغط من الحليف الأمريكي الذي قَطَعَ كل خُطُوط التعاون بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز النفوذ الأميركي،
تُقدّر الميزانية العسكرية الروسية بنحو 67 مليار دولارا، وقدرت النفقات العسكرية الأطلسية منذ بداية حرب أوكرانيا بأكثر من مائة مليار دولار، وترفض حكومات أوروبا وأمريكا الشمالية إنفاق مثل هذه المبالغ على تحسين الرعاية الصحية والقضاء على الفقر، وأدّت سياسات "العقوبات" الأوروبية (التي قَرّرتها واشنطن) ضد روسيا إلى ارتفاع معدل أسعار الطاقة بنسبة 41% في شهر تشرين الأول/اكتوبر 2022، وارتفاع نسبة التضخم بمعدل فاق 11,5% وتقلص النمو، وفق رئيسة المصرف المركزي الأوروبي، وتتوقع منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية ارتفاع نسبة التضخم في روسيا سنة 2022 إلى 14% وإلى 6,8% سنة 2023، وسجّل الاقتصاد الروسي نمواً بنسبة 3,4 %، سنة 2022، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدّولي
تُشير بعض وسائل الإعلام الأوروبية (القليلة) إلى التأثيرات السلبية لحرب أوكرانيا على دول الاتحاد الأوروبي، لتبقى الولايات المتحدة الرابح والمستفيد الوحيد من حرب الإستنزاف الطويلة التي تُخطط لها ضد روسيا لإنهاكها...
الإستثمار الأمريكي في الحرب
زار الرئيس الأوكراني الولايات المتحدة يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2022، وألقى خطابا أمام نواب المجلس (الكونغرس) حيث طلب المزيد من السلاح والعتاد المُتَطَوِّر، مؤكدًا: "إن المساعدات الأمريكية ليست صدقة بل هي استثمار في الأمن العالمي" واغتنم الفُرصة لمهاجمة إيران:" تُشكّل المُسَيّرَات التي أرسلتها إيران بالمئات إلى روسيا تهديدا لبنيتنا التحتية الإستراتيجية... وسوف يحين الوقت لتهاجم إيران حلفاءكم الآخرين". أما الرئيس الأمريكي فنَوّهَ، خلال مؤتمر صحفي مشترك، بالإنسجام الكامل بين كافة أعضاء حلف شمال الأطلسي (بزعامة الولايات المتحدة) والاتحاد الأوروبي حول زيادة الدّعم لأوكرانيا، وحول كل المواضيع الأمنية والإستراتيجية الأخرى، وأعلن تقديم دعم عسكري إضافي عاجل لأوكرانيا بقيمة حوالي مليارَيْ دولار، فضلاً عن قرار الكونغرس تقديم مجموعة من المساعدات العسكرية والتقنية والإقتصادية لأوكرانيا بقيمة 45 مليار دولارًا، ضمن الميزانية السنوية الأمريكية، ليفوق مبلغ المساعدات (الإستثمارات) الأمريكية لأوكرانيا، منذ بداية الحرب (أي خلال عشرة أشهر) مائة مليار دولارا.
أعلن السيناتور الجمهوري "ميتش ماكونيل"، بموقعه الإلكتروني يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2022: إن الدعم الأميركي للحرب في أوكرانيا جزء من استراتيجية الهيمنة الأميركية. إنه استثمار مباشر لتعزيز المصالح الأميركية الحيوية، وأكّدت الوقائع صحّة هذا الرأي، فقد ارتفعت أسعار أسهم الشركات الأمريكية لصناعة الأسلحة بنسب هامة، منها بي أيه إي بنسبة 37% و"نورثروب غرومان" بنسبة 39% وجنرال دايناميكس بنسبة 15%، ما يبرّر دعم رأس المال للحروب، لأنها فرصة لتعظيم الثروة...
كانت هذه الزيارة فُرصة لتعزيز العداء لروسيا التي لا يزال البعض يعتبرها "شيوعية"، بعد أكثر من ثلاثة عُقُود من انهيار الإتحاد السُّوفيِيتي، وتَفَوَّهَ الرئيس الأوكراني خلال المؤتمر الصحفي المشترك بعبارات عنصرية، اقتبسَها من قاموس حُلفائها النّازِيِّين، منها: " إن الشعب الروسي همجي ولا إنساني"، بعد أن أعلن أمام نُوّاب الكونغرس: "إن روسيا دولة إرهابية"، ورَدّدَ (مع أعضاء الكونغرس الأمريكي) شعارات حلفائهم النّازيين، مثل "المجد لأوكرانيا" لتتخذ بذلك هذه الزيارة طابع تصعيد الحرب "مهما طال بها الزمن"، بحسب تعبير الرئيس الأمريكي، كمقدّمة لتصعيد وتيرة المواجهة العسكرية في مناطق أخرى من العالم، باعتبار الحرب "استثمارًا" لصالح الإقتصاد الأمريكي والهيمنة الأمريكية على العالم ضمن سياسة القُطْب الرأسمالي الواحد (بزعامة أمريكا) ورفض "عالم متعدد الأقطاب"، تتقاسم فيه الولايات المتحدة النّفُوذ مع الصّين وروسيا...
يُمثل مبلغ 45 مليار دولارا الذي تقرر منحه لأوكرانيا، ضمن الميزانية الأمريكية، مجموع الدعم الفيدرالي الأميركي لنحو43 ولاية مجتمعة، لكن يحتوي هذا المبلغ على نحو سبعة مليارات دولار، تقتطعها الولايات المتحدة، وتمثل رواتب المستشارين الأميركيين في أوكرانيا، وحوالي 13 مليار دولار تضخها الولايات المتحدة كسيولة مصرفية في المصرف المركزي الأوكراني، إضافة إلى صادرات بعض السلع...
من جهة أخرى، يُعاني المواطن الأمريكي، من ذوي الدّخل الضعيف والمتوسط، أي أغلبية الشعب الأمريكي، من التّدهوُر المتسارع والمُستمر لمستوى العيش، وارتفاع معدّلات البطالة، وارتفاع الأسعار، رغم البيانات الرسمية المتفائلة، ما يُؤَكّد أن مجلس النّواب لا يُمثل أغلبية شرائح الشعب بل مصالح الشركات الكبرى ومُجَمّع الصناعات العسكرية...
رأس المال المُعَوْلَم
ترتيب أكبر الشركات العالمية وأهم القطاعات المُرْبِحَة
تهيمن الشركات الأمريكية على سوق الأوراق العالمية (وعلى النظام الرأسمالي العالمي)، بحسب التصنيف السّنوي لشركة الإستشارات والمُحاسبات "إرنست أند يونغ"، حيث احتلت 61 شركة أمريكية قائمة أكبر مائة شركة بحسب رأسمالها في السوق العالمي بنهاية العام 2022، وتأتي شركة آبل ( Apple ) في صدارة الترتيب بقيمة 2,3 تريليون دولار، رغم انكماش قطاع التكنولوجيا وتباطؤ نَسَق المبيعات سنة 2022، وتجني آبل نصف إيراداتها الإجمالية من مبيعات هواتف "إيفون"، تليها شركة مايكروسوفت ( Microsoft ) في المركز الثاني، بقيمة 1,9 تريليون دولارا، رغم انخفاض الطلب على أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وأصبحت شركة النفط السعودية "أرامكو" ثالث أكبر شركة، بقيمة 1,8 تريليون دولار، وهي الشركة الوحيدة غير الأمريكية ( ظاهريًّا أو إسْمِيًّا ) في المراكز العشرة الأولى، بفعل ارتفاع أسعار المحروقات، تليها شركة "ألفابت"، الشركة الأم لغوغل بقيمة 1,2 تريليون دولار، وأمازون، بقيمة 924 مليار دولارا...
شهدت معظم الشركات الكبرى تراجعاً في قيمها السوقية، أهمها شركة "تسلا" التي خسرت حوالي 70% من قيمتها بالأسواق، بسبب انخفاض الطلب وخاصة في الصين، فيما حصلت شركة التأمين "يونايتد هيلث غروب" على أقوى أداء بين أفضل 10 شركات بفضل ارتفاع أرباح قطاع التأمين المُصنّف ضمن الشركات المَالية، مثل المصارف.
أصبحت الشركات الصينية (بما فيها هونغ كونغ التي تتمتع بوضع خاص) تحتل 15 موقعًا في قائمة أكبر مائة شركة عالمية، سنة 2022، مقابل عشر شركات سنة 2021، وأصبح لدى الهند شركتان، واليابان شركة واحدة.
أظهر التصنيف انخفاض عدد شركات التكنولوجيا من 28 شركة سنة 2021 إلى 21 شركة سنة 2022، في قائمة أكبر مائة شركة، خلافًا لشركات قطاعَيْ "الطاقة" و"الصناعة" التي ارتفع عددها من خمسة إلى ثمانية خلال عام واحد.
تحتل سويسرا "المُحايدة" مرتبة خامس أكبر مركز للشركات العالمية الأعْلَى قيمةً في سوق الأسهم، وموطنٌ لثلاث شركات من بين مائة أكبر شركة عالمية، منها "نستليه" بقيمة 321,2 مليار دولار، إضافة إلى مجموعَتَيْ "روش" و "نوفارتيس" المختصتان في صناعة الأدوية والمستحضرات العلاجية، فيما يستمر تراجع تصنيف أوروبا، منذ الأزمة المالية، من 46 شركة أوروبية ضمن الشركات المائة الأكبر والأهم في العالم، سنة 2007، إلى 15 شركة فقط تقع مقراتها الرئيسية في أوروبا، سنة 2022، مقارنة ب 19 شركة في آسيا، ووردت خمس شركات فرنسية ضمن أكبر مائة شركة عالمية، منها مجموعة السلع الفاخرة الفرنسية "أل في أم أش" (LVMH)، التي احتلت المركز الخامس عشر، سنة 2022، وغابت شركات ألمانيا عن التصنيف، فيما صمدت أربع شركات بريطانية وبقيت ضمن الشركات المائة الأعلى قيمة.
عرب – فقر وبطالة
قدر تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( إسكوا)، الخميس 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 ، أن الدول العربية تحتاج أكثر من 570 مليار دولارًا، حتى سنة 2030، لتمويل تحسين التكيف مع تغير المناخ الذي يؤثر على جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في هذه المنطقة، ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الآثار في السنوات القادمة، ومعها مخاطر على الأمن والاستقرار، إلا أن الموارد المالية المتاحة لمواجهة هذا التحدي الهائل ليست كافية على الإطلاق.
سبق أن قرّر مؤتمر باريس للمناخ، سنة 2015، ضرورة قيام الدول الصناعية الأكثر تلويثًا للمحيط بتسديد مائة مليار دولار سنويًا، لدعم البلدان النامية والبلدان الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ، وفي مؤتمر شرم الشيخ (كوب 27) لهذا العام، قال خبراء المناخ إن البلدان النامية تحتاج إلى 500 مليار دولار سنويًا، حتى العام 2030، لإدارة سِجِلِّها المناخي والتحول نحو استخدام الطاقة "النظيفة".
من جهة أخرى، نشرت نفس اللجنة (إسكوا) يوم الجمعة 30 كانون الأول/ديسمبر 2022، نتائج مسح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي، كشف أن الفقر يصيب أكثر من 130 مليون شخص، أو حوالي ثلث السكان، باستثناء دُوَيْلات مجلس التعاون الخليجي، وليبيا، ويتوقع التقرير زيادةً في مستويات الفقر لِتَصِلَ إلى 36% من السكان سنة 2024، بينما بلغ معدل البطالة في المنطقة 12% وهو الأعلى في العالم سنة 2022، فيما يُتوقّع أن ينمو اقتصاد المنطقة بنحو 4,5% سنة 2023 و 3,4% سنة 2024، وهي معدّلات ضعيفة لاقتصاد غير متطور، يعتمد على قطاعات لا تُحقق قيمة زائدة مُرتفعة، ولذلك لا يمكن للإقتصاد أن يستوعب الوافدين الجدد على "سوق العمل"، ناهيك عن العدد المتراكم من العاطلين طيلة السنوات السابقة.
ستوقع التقرير استمرار البلدان المصدرة للنفط في الاستفادة من ارتفاع أسعار المحروقات، بينما ستعاني البلدان المستوردة من العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الطاقة ونقص الغذاء وتراجع الإستثمارات الأجنبية والسياحة.
الإقتصاد الرأسمالي العالمي بنهاية سنة 2022
مرت الرأسمالية العالمية بثلاث أزمات خلال عشرين عامًا: أزمة شركات تكنولوجيا الاتصالات (دوت كوم) سنة 2000 ، وأزمة الرهن العقاري سنة 2008 ، وأزمة كوفيد -19 سنة 2020، وكانت حِدّة أزمة 2008/2009 تُضاهي أو تفوق أزمة 1929، فقد كان انهيار وول ستريت سنة 2008 أحد أكثر الانهيارات التّاريخية المُدَمِّرَة، سببها رأس المال المالي والمضارب، حيث أفلس بنك Lehman Brothers ، واستحوذ بنك أوف أمريكا على مصرف Merrill Lynch، ومع ذلك ادّعى المصرف الإتحادي "إن أُسُس اقتصادنا صلبة "، وأكدت هذه الأزمة دور الاقتصاد الصيني كقاطرة الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
استعانت أوروبا والولايات المتحدة، على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، بمصادر خارجية لتصنيع ما تحتاجه أسواقها، وحافظتا على الصناعات ذات التقنية العالية وقطاع الإتصالات والمعلوماتية وغيرها من القطاعات التي تتطلب تقنيات وخبرات ومهارات وتسمح بتحقيق قيمة زائدة عالية ...
انتصرت الليبرالية الجديدة وسادت على مدى العقود الأربعة الماضية، خصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، فقد تراكمت ثروة ضخمة واستثنائية لدى 1% من سكان العالم، على حساب ملايين العمال غير المستقرين والعاطلين عن العمل والفقراء، سواء في البلدان الرأسمالية المتقدمة ("المَرْكز") أو في البلدان الفقيرة ("بلدان المحيط")، وعانى العاملون والأُجراء من رُكُود الدّخل، بل ومن تراجُعِ قيمته، وترافق ركود الأجور مع تراجع النشاط النقابي، ومع تراجع تأثير الفكر الإشتراكي والتقدمي، ولم يعد ميزان القوى في صالح العمال، كما ترافق ذلك مع هيمنة النيوليبرالية والعولمة ونقل الأنشطة الصناعية الملوثة والتي تتطلب عددًا كبيرًا من العُمّال والعاملات إلى البلدان الفقيرة حيث ظروف العمل سيئة للغاية والأجور منخفضة للغاية.
لجأ السياسيون إلى عدة حيل لخداع العُمّال والفُقراء مثل استبعاد تكلفة الطاقة والغذاء من حساب معدل التضخم في الولايات المتحدة، مما يقلل بشكل مصطنع من ارتفاع أسعار الضروريات الأساسية، ويتم استخدام حيل مماثلة لحساب معدلات البطالة، وعلى سبيل المثال، لا يعتبر الشخص الذي يعمل بضع ساعات في الشهر عاطلاً عن العمل، مما يقلل بشكل مصطنع من معدل البطالة ...
رفعت معظم حكومات العالم حجم الإنفاق العام على الأسلحة والحروب و "الأمن الداخلي"، بالتوازي مع انخفاض حصة الإنفاق الاجتماعي من ميزانيات الدّول، كالصحة والتعليم والنقل العام وما إلى ذلك.
باختصار، إن الأزمات هي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي ولكن هذه الأزمات مفيدة للأقلية الأكثر ثراءً، فقد وزّعت حكومات العالم ومصارفها المركزية المال العام على المصارف والشركات الكُبْرى، خلال أزمة سنة 2008 وبعد سنوات قليلة، في العام 2020، تم توزيع مبالغ كبيرة، من جديد، على أكبر الشركات، فيما فقد أكثر من 200 مليون عامل في العالم وظائفهم وأجورهم ومصادر دخلهم، بحسب منظمة العمل الدولية.
أما الصراعات والحروب فهي من الأدوات التي تستخدمها الرأسمالية لحل أزماتها، وبعد عدة سنوات من المنافسة الشرسة وحروب زيادة الرُّسُوم الجمركية والحروب التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية والصين من ناحية أخرى، لا يزال النمو الاقتصادي الصيني إيجابيًا وأصبح الإقتصاد الصّيني قاطرة تَجُرُّ وراءها الاقتصاد الرأسمالي العالمي، بعد أن كانت الولايات المتحدة هي القاطرة التي تتحكّم بِنَسَق الإقتصاد العالمي، وردّت الولايات المتحدة على هذه المنافسة (التي بقيت في إطار قوانين الرأسمالية) بشكل عُدْواني جَارَّةً وراءها أوروبا وحلفاءها في منظمة حلف شمال الأطلسي، ما أدّى إلى ردّ فعل الصين وروسيا بتعزيز تحالفهما، خصوصًا بعدما ترافقت الحرب الاقتصادية، سنة 2022، بحرب عسكرية - بالوكالة عن الولايات المتحدة - كانت تختمر منذ الإنقلاب الذي قاده اليمين المتطرف، في شباط/فبراير 2014 في أوكرانيا، بدعم أمريكي وأوروبي وصهيوني، وهي حرب يعاني الشعبان الأوكراني والروسي من أهوالِها ومن عواقبها الاقتصادية والاجتماعية، كما أصبحت جميع شعوب العالم تعاني من التضخم، كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وانقطاع سلسلة التوريد، وخاصة فئات العمال والأُجَراء وصغار المزارعين والفقراء هم أول ضحايا عدم المساواة، والفوارق المتزايدة بين حصة رأس المال وحصة العَمَل من الدخل الوطني، ويخشى البنك العالمي وصندوق النقد الدولي من أن تؤدي التفاوتات إلى عدم استقرار أنظمة العديد من الدّوَل ...
زادت عُدْوانية الولايات المتحدة، منذ أزمة سنة 2008، وانضم إليها أعضاء الناتو والاتحاد الأوروبي وقوى أخرى مثل اليابان، ضد الصين وروسيا وإيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا وغيرها، وما الحرب في أوكرانيا سِوى نتيجة توسع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتضاعف الاستفزازات ضد روسيا والصين على حُدُودَيْهِما ...
أما النظام الرأسمالي فيتمثل ظُلْمُهُ في عدم التناسب بين سلطة أقلية الأثرياء التي تقودة والأغلبية الساحقة من سُكّان العالم التي تتحمّل نتائجه كل سكان العالم تقريبًا، وعلى المستوى الدولي، تهيمن الولايات المتحدة على المنظومة الإقتصادية الرأسمالية، وترفض انخفاض نفوذها، أو تقاسم النفوذ مع قُوى أخرى صاعدة، كالصين التي بدأ نفوذها الإقتصادي يتزايد، ولمجابهة ذلك شرعت الولايات المتحدة، منذ عدّة سنوات، في تعبئة حلفائها في حلف شمال الأطلسي للرّد عسكريا، إن لزم الأمر، ولحماية الهيمنة الأمريكية التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
نشرت المؤسسة البحثية الفرنسية "مدرسة الحرب الإقتصادية" ( Ecole de guerre économique - EGE )، وهي مدرسة أبحاث استراتيجية، في تموز/يوليو، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، دراسةً ثم كتابًا بعنوان "الحرب الاقتصادية: من هو العدو؟" وجَمعَ الكتاب نتائج دراسة استقصائية لرجال الأعمال والمديرين التنفيذين الأوروبيين، الذين اعتبر غالبيتهم أن الولايات المتحدة هي أكبر تهديد للاقتصاد الأوروبي وأن الصين أصبحت أول منافس اقتصادي جاد للولايات المتحدة التي انتقلت من سياسة العولمة الليبرالية الجديدة إلى تطبيق سياسة الحمائية الاقتصادية، كما انتقد قادة الأعمال الأوروبيون تبعية أوروبا وتحالفها مع الولايات المتحدة منذ العام 1945، عندما كان الاتحاد السوفيتي قويًا بما يكفي ليكون بمثابة القوة الموازية للقوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وينتقد معظمهم استمرار هذه التبعية التي أضرّت باقتصاد دول الإتحاد الأوروبي...
لقد خلقت الرأسمالية الظروف والسّياق الذي أدّى إلى اندلاع اللحربين العالميتين، ولم تتغير طبيعة الرأسمالية فهي تميل إلى حلّ تناقضاتها بواسطة الحروب، وهي بصدد تحويل الحرب في أوكرانيا إلى حرب مستمرة، لا تنتهي، ما قد يُؤثر على موازين القوى الدّولية، لأن الولايات المتحدة "إمبراطورية قديمة" في حالة تدهور بطيء، مثل بريطانيا العظمى في نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما تُمثّل الصين قوة جديدة صاعدة، أما القوة العظمى الوحيدة المحتملة الأخرى فهي الاتحاد الأوروبي الذي فَقَدَ مصداقيته من خلال الانحياز وراء مواقف الولايات المتحدة، ولو كان ذلك الموقف ( والممارسة) مناقضًا لمصلحة الشعوب والدّول الأوروبية...
لن يتمكن العالم أبدًا من العيش بسلام دون رفض في أسس الرأسمالية، لأن الإقتصاد الرأسمالي يقوم على الاستيلاء على ثمار العمل المنتج لملايين العمال ( عمل جماعي) من قبل أقلية ثرية تمتلك أدوات الإنتاج، ما يُؤدّي حتمًا إلى إنتاج وإعادة إنتاج عدم المساواة داخل المجتمعات، وبين دول العالم.
إن المجتمع العادل والنظام الإقتصادي والسياسي العادل والجدير بالإحترام هو الذي يضمن لكل مواطن الغذاء والدواء والملبس والتعليم والسكن اللائق والثقافة والترفيه، كحدّ أدْنى من مقومات الحياة الدّيمقراطية...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسألة القومية
- المسألة الكُرْدِيّة، قضية حق أُرِيدَ بها باطل
- الذّكرى المائوية للإتحاد السّوفييتي 30 كانون الأول/ديسمبر 19 ...
- فساد عابر للقارات
- تأثير السياسة والمال في كرة القدم
- تونس على عتبات سنة 2023
- دروس اقتصادية وسياسية من مونديال قطر 2022
- الإقتصاد الرأسمالي العالمي بنهاية سنة 2022
- فصْل من برنامج -الشرق الأوسط الكبير-
- الحرب التكنولوجية
- العلاقات الصينية العربية
- غذاء -حاميها حراميها- أو خدعة -الثورة الخضراء-
- من دَواعي الحرب في أوكرانيا
- أخبار اقتصادية قصيرة
- مختصرات وأخبار اقتصادية
- الرياضة -أفيون الشعوب-؟ ملاحظات على هامش بطولة العالم لكرة ا ...
- وجه آخر لأمريكا - صفحات من تاريخ نضال الشيوعيين
- نظرة على -بيت الجيران- - الحبشة
- الفن في خدمة الثورة - السينما كأداة نضال
- هوامش من الإنتخابات النصفية الأمريكية


المزيد.....




- أين يمكنك تناول -أفضل نقانق- في العالم؟
- ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع ...
- بلينكن: إدارة بايدن رصدت أدلة على محاولة الصين -التأثير والت ...
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمارات ...
- أطفال غزة.. محاولة للهروب من بؤس الخيام
- الكرملين يكشف عن السبب الحقيقي وراء انسحاب كييف من مفاوضات إ ...
- مشاهد مرعبة من الولايات المتحدة.. أكثر من 70 عاصفة تضرب عدة ...
- روسيا والإمارات.. البحث عن علاج للتوحد
- -نيويورك تايمز-: واشنطن ضغطت على كييف لزيادة التجنيد والتعبئ ...
- الألعاب الأولمبية باريس 2024: الشعلة تبحر نحو فرنسا على متن ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - اقتصاد سياسي – مُتابعات