أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد باقر علوان - العربية الفصحى، الى أين؟















المزيد.....

العربية الفصحى، الى أين؟


محمد باقر علوان
استاذ متقاعد للادب المقارن واالغة العربية


الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 30 - 11:25
المحور: الادب والفن
    



لا شك أن للعربية الفصحى ميزات تجعلها الاولى بين أرقى لغات العالم وأعقدها. يمكن للشاعر أن يكتب قصيدة بمئتي بيت شعر أو أكثر على قافية واحدة، ويستطيع أن يكتبها على واحد من ستة عشر وزن. وإذا أراد أن يستخدم الرجز فيستطيع عندئذٍ أن يكتب قصيدة بألف بيت أو أكثر، كما صنع ابن مالك في قصيدته "ألفية ابن مالك" التي تحتوي على كل قواعد النحو العربي. وهذا يذكرني بأبي العلاء المعري الذي وجد الالتزام بقافية واحدة سهلا لدرجة أنه كتب ديوانًا كاملا ملتزمًا فيه بقافيتين، أي ان القافية في كل بيت من أبيات القصيدة ينتهي بنفس الحرفين وسماه "ديوان لزوم ما لا يلزم". ويذكرني هذا أيضًا بقصة دخول أبي العلاء المعري الى مجلس الشريف المرتضى وكان المجلس غاصًا بالرواد فعثر أبو العلاء بأحدهم فصرخ هذا عليه: مَن هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف سبعين أسمًا للكلب. وحين ندخل في اللغة العربية الى الجمع فليس هناك شبيه له في لغات العالم قاطبة. فكلمة نَهْر أو نَهَريمكن جمعها على أنهار ونهور وأنهر ونُهُر وأنهرة. أما العدد فحدث عنه ولا حرج.
فهذه اللغة التي قضيت عمري كله أتعلمها آيلة الى الذبول. لماذا أقول هذا؟
من المعروف أن الشعوب اللاتينية مثل الطليان والاسبان والفرنسيين تخلوا عن اللغة الكنسية، أي اللغة اللاتينية، التي كانت الاساس الكهني في حياتهم الدينية الى شيء أسهل بكثير وهي الطليانية للطليان والاسبانية للاسبان والفرنسية للفرنسيين ومع ذلك بقوا على ديانتهم وهي الكاثوليكية. وهذا غير ممكن للغة العربية الآن لأن القرآن والدين الاسلامي يقفان بوجه التفكك اللغوي ولكن تأثيرهما سيقل تدريجيًا ولن ينعدم.
إن التطور اللغوي في جميع اللغات يحدث على الشكل التالي عندما تصل لغةٌ ما درجة عالية من التعقيد تبدأ تدريجيًا في التفكك بين المتكلمين بهذه اللغة في المناطق التي تحوي الاكثرية من الناطقين بهذه اللغة ثم تصبح اللهجات لغات في ذاتها. هذا ماحدث في اللغات التي تنتمي الى السلافية واللاتينية والسامية والصينية الكلاسيكية والهندو-أوروبية، وغير ذلك من اللغات في العالم.
والعالم العربي يقف الآن عند مفترق الطرق. فعلى الرغم من أن الأكثرية الساحقة من الكتب والمجلات تُكتب باللغة الفصحى فإن أكثر الإذاعات الرادوية والتلفزيونية تستخدم اللهجات المحلية. وقد كتب لويس عوض "مذكرات طالب بعثة" بالعامية المصرية بعد سنة 1940 وكتب مصطفى مصطفى مشرفة روايته "قنطرة الذي كفر" بالعامية المصرية، سنة 1965. وحديثًا كتبت صفاء عبد المنعم روايتها "من حلاوة الروح" بالعامية المصرية، سنة 2001. وقد تُرجم هذا العنوان بكلمة "يوفوريا" الانكليزية.

ذهب الزمان بشوقي وحافظ ابراهيم والزهاوي والرصافي والجواهري وبدر شاكر السياب وأتى زمان أشهر الشعراء كتبوا أو يكتبون فيه بالعامية مثل صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وهشام الجخ في مصر ومظفر النواب وعريان السيد خلف وعمر قره غولي وأدهم عادل في العراق. أما الاغاني العربية فأكثرها باللهجات المحلية.

إن اختلاف اللهجات العربية ليس حديثًا. فوراء ذلك قرون من العزلة والفرقة والانشقاق. ولقد توسعت رقعة الاسلام بتدفق الجيوش القادمة من المدينة وحواليها بسرعة هائلة الى الشرق والشمال من جزيرة العرب والى مصر. وتبع هذا التوسع نزوح قبائل عديدة الى المناطق التي سيطرت عليها الجيوش الاسلامية.

وقد نزحت قبيلة تميم الى جنوب العراق والى يومنا هذا تتمتع قبيلة تميم، أو بالاحرى أحفادهم بنو كعب، بعدد كبير في محافظة البصرة وهم الاغلبية الساحقة الى عهد قريب في الاهواز (الآحواز) أي خوزستان الفارسية ولذلك يطالب بعض العرب بعودة الاهواز الى العراق ويسمونه بالقطاع المسلوب. وأنا شخصيًا لا أحبذ ذاك وأنادي بترك الأمر الى سكان المنطقة.

ونزحت قبيلة كنانة الى ضفاف النيل ولذلك سُمي النيل بوادي الكنانة. أما بنو هلال فلهم تاريخ طويل في الجزيرة العربية وخاصة في العراق حيث ناصروا ثورة القرامطة ضد الخلفاء العباسيين فاضطروا الى اللجوء لدى الفاطميين في مصر طمعًا في الحصول على إقطاعهم أرضًا فيها فحلوا في شمال الصعيد ولكن تجاوزاتهم الكثيرة وفوضاهم أدت الى إجلائهم عن أرض مصر فنزحوا غربًا في أواسط القرن الحادي عشر لأن حكام المناطق الغربية أرادوهم لحماية مناطقهم ولجباية الضرائب لأنهم سمعوا عن شجاعتهم، وقوة أبدانهم وجلدها، وصبرهم أيام الشدة، وبلائهم في المعارك . وأكثرية الهلاليين بلغوا تونس وسكنوا فيها واختلطوا بسكان تلك البلاد. وخلفت هذه الهجرة القصة الفولكلوية المشهورة "تغريبة بني هلال" و"قصة أبي زيد الهلالي". ولهذا تعتبر تونس أكثر اختلاطًا بالعرب في الشمال الافريقي عدا وادي النيل.
وانا واثق أن فلاحًا عراقيًا بعد الحمد والشكر والسلام لن يستطيع ان يفهم شيئًا مما يقوله زميله الفلاح المغربي. وأنا أقول ان ما يقوله العراقي هي لغة عراقية وان ما يقوله المغربي هي لغة مغربية لأن علماء اللغويات يقولون ان الحد الفاصل بين لغتين هو عدم التفاهم. هذا هو الفارق بين اللهجة واللغة. كلتا اللغتين من أصل واحد. وهذا هو الفرق بين الفرنسية والطليانية والاسبانية وأصل الثلاث واحد وهو اللاتينية. فما أشبه الليلة بالبارحة. في اعتقادي أن الطالب في المدرسة الابتدائية سيكتب في دفتره خليطًا من الاملاء الكلاسيكي الفصيح والاملاء العامي الى أن يتوحد الاملاء في جميع الاقطار العربية. وقد يكون من الافضل للغة الضاد أن تتوحد لاجل الحفاظ على الشخصية العربية والدفاع عنها. وكلما أستمع لقصيدة هشام الجخ "التأشيرة" تعصف بي موجة من الغضب والغليان على أولياء الامر في بلادنا. لقد كان بالامكان تقريب اللهجات العربية لو رفع المسؤلون الحواجز بين الاقطار المنتمية لما يسمى الجامعة العربية. ومن الضروري اليوم أن نطالب من أولياء الامر برفع الحواجز والتأشيرات ويكون التعامل مع جميع الناس في هذه المنطقة على أساس هوية الولادة.

كون العامية لغة مكتوبة ومتداولة ليس غريبًا، فاللغة المالطية في الاساس احدى اللهجات العربية أما نحوها وقواعدها فيشبهان اللهجات الشامية وفيها كثير من الكلمات الطليانية والانكليزية. وهي لغة مكتوبة ومتداولة ومعترف بها ولها شعرها وأدبها. وللتأثير الكبير للغة الطليانية على أهل مالطا فضلت هذه اللغة الكتابة بالحروف اللاتينية.

ألفصحى لن تحتضر ليس فقط لأن اللاتينية لم تحتضر ولكن الفصحى بالاضافة الى ذلك مرتبطة بالقرآن وبالصلاة والشعائر الاسلامية وبالتجويد. ثم انها تُدرس كلغة من الصف الاول حتى التخرج من الجامعة. ولكن هذه اللغة بحكم الفروق الكبيرة بين لهجاتها يجب أن تتغير ونترك الآن نحو اللغة واملائها الى اولي الامر في كل منطقة من المناطق.

الاستعمال اليومي هو الذي يعطي لأي لغة الغذاء الذي تعيش به وغير ذلك يذبل ويذوي ويموت. واللغة العربية التي نستعملها اليوم في الكتابة والخطابات لن تستتطيع أن تعيش بعد مدة طالت أو قصرت لانها لغة صعبة وتعلمها أصعب. وستأتي بدلها لغة أسهل استعمالا وابسط نحوًا ونطقًا. وكثير من المتزمتين سيرفضون ما أقول ولكنني أرى أن البداية قد بدأت فعلا.



#محمد_باقر_علوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد باقر علوان - العربية الفصحى، الى أين؟