|
|
حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟
آمال عوّاد رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 7471 - 2022 / 12 / 23 - 18:36
المحور:
الادب والفن
مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، اقْتَحَمَتْ سُكَونَهَا، جَرَفَتْ خَيَالَهَا إِلَى الْبَعِيدِ، وَ..
كَرَّتْ خَرَزَاتُ الْأَيَّامِ وَالْأَعْوَامِ السَّالِفَةِ، وَحَامَتِ الْأَفْكَارُ فِي سِنِيهَا الْخَوَالِي الْجَمِيلَةِ الْمَا تَلَاشَتْ، تُفْضِي بِهَا إِلَى جِرَارِ طُفُولَتِهَا الْتَلَذُّ لِرُوحِهَا، وَتُسْعِدُ قَلْبَهَا.
وَمَا لَبِثَتْ حَنَان تَلْهَجُ بِمَآثِرِهَا الْحَمِيدَةِ، بِحَنِينِ طِفْلَةٍ تَفَرَّدَتْ بِمَحَبَّةِ الْأُسْرَةِ، وَبِمَوَاهِبَ وَمَزَايَا عَالِيَةٍ..
جَعَلَتْ تَفْتَحُ بِأَصَابِعِهَا الطُّفُولِيَّةِ جُعْبَتَهَا الْحَافِلَةَ بِالذِّكْرَيَاتِ، وَمَا أَعْيَتْهَا ذَاكِرَتُهَا الشَّمْعِيَّةُ الرَّهِيفَةُ..
أَخَذَتْ تَسْبُرُهَا بِعَشْوَائِيَّةٍ، تُقَلِّبُهَا، تَنْقُشُ أَحْدَاثَهَا الْمَا عَرَفَتْ لِينَ الْعَيْشِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، لكِنَّ وَالِدَهَا كَانَ عَطُوفًا، يَرِقُّ لَهَا، يُغْضِرُ عَلَيْهَا حَنَانَهُ وَيُغْدِقُهُ..
وَبِكُلِّ أَسًى.. أَلْفَتْ نَفْسَهَا عَاجِزَةً عَنْ مُغَالَبَةِ حُلُمِهَا فِي الثَّرَاءِ.. كَمْ كَانَ يَحْدُوهَا الْأَمَلُ وَالرَّجَاءُ.. كَمْ كَانَتْ تُمَنِّي نَفَسَهَا بِالْفَوْزِ وَلَوْ بِبَعْضِ قُرُوشٍ.. وَكَم وَكَم..
ويَهُزُّهَا صَوْتُ أُمِّهَا مِنَ الْمَاضِي السَّحِيقِ الْبَعِيدِ يُغَنِّي الدّلْعُونَا:
الشّايب ما ألوشُه الشّايب ما ألــوشُه لـو حطولي الدّهب مَلاة طربـوشُـه
يـلعــن الشـايب ويلــعــن قروشُه شـوفـة حبــيــبي تسـوى مليــونا
لكِنَّ حَنَان عَنِيدَةٌ، لَمْ تَنْطَوِ عَلَى أَحْلَامِهَا الْغَافِيَةِ، وَلَمْ يَكُفَّ رَجَاؤُهَا، فَهَل تَعْجَزُ عَنْ كَسْبِ بَعْضَ قُرُوشٍ تَلْمَعُ، وَهِيَ ذَاتُ بَدِيهَةٍ حَاضِرَةٍ وَسَرِيعَةٍ؟
فَجْأَةً انْدَاحَتْ فِي خَاطِرِهَا فِكْرَةٌ طَارِئَةٌ، فَانْفَرَجَتْ أَسَارِيرُهَا، وَهَتَفَتْ فِي نَفْسِهَا:
- "نَعَم هُوَ.. هُوَ وَلَا غَيْرُهُ.. إِنَّهُ كَامِلُ الْأَهْلِيَّةِ.. نَعَم.. هُوَ.. بِقَوَامِهِ الرَّشِيقِ.. بِثِيَابِهِ الْأَنِيقَةِ..
بِوَجْهِهِ الْوَسِيمِ الْمُشْرِقِ، يَتَأَلَّقُ بِشْرًا، وَيَفِيضُ حَيَوِيَّةً.. هُوَ .. بِابْتِسَامَتِهِ الرَّقِيقَةِ الْجَذَّابَةِ الْتَتَلَاعَبُ عَلَى شَفَتَيْهِ..
فَرْخُ شَابٍّ هُوَ، يَبْحَثُ عَنْ رِيشٍ، حُلْوُ الْحَدِيثِ وَالتَّغْرِيدِ.. نَعَم.. هُوَ .. وَقَد دَخَلَ فِي فُرْنِ الْمُرَاهَقَةِ.. يَااااه.. كَمْ يَرُوقُ لِي.."
وَباكِرًا جِدًّا فِي سَاعَاتِ السَّحَرِ وَالْفَجْرِ، يَرْكَبُ أَشْرَف بَحْرَ عَكَّا مَعَ الصَّيَّادِينَ، يُجَدِّفُونَ بِالْقَوَارِبِ، يُلْقُونَ الشِّبَاكَ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ، يُلَازِمُهُمُ الْحَظُّ الْغَائِم، وَفَوْقَ الْأَزْرَقِ الْمُمْتَدِّ يَنْتَظِرُونَ الرِّزَقَ الْعَائِم، يَسْحَبُونَ الشِّبَاكَ، يَجْمَعُونَ مَا يُصِيبُونَهُ مِنْ صَيْدٍ، يَشُقُّونَ بُطُونَ الْأَسْمَاكِ، وَيَضَعُونَهَا فَوْقَ أَلْوَاحٍ خَشَبِيَّةٍ، مِنْ تَحْتِهَا قَوَالِبُ ثَلْجِيَّةٍ.. وَ...
فِي الْبَحْرِ يَتَزَيَّا أَشْرَف بِزِيٍّ بَحْرِيٍّ وَمَلَابِسَ فَضْفَاضَة، تُعِينُهُ لِيَكْسِبَ مِنْ نِعَمِ اللهِ الْفَضْفَاضَة، وَقَدْ بَانَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ. وَيَعُودُ إِلَى الْبَيْتِ، يَحْمِلُ لِأُمِّهِ سَمَكًا، وَالْحَمَّامُ السَّاخِنُ يَنْتَظِرُهُ، فَيَغْتَسِلُ.. يَسْتَحِمُّ، وَيَرْتَدِي ثِيَابًا أَنِيقَةً وَيَتَعَطَّرُ.. قَالَتْ حَنَان فِي نَفْسِهَا: - "أَنَا لَا أُرِيدُ سِوى نُقْطَةٍ مِنْ بَحْرٍ.. للهِ دَرّكَ يَا بَحُرُ، وَمَا أَطْلَعَ مِنْ خَيْرِكَ وَكُنُوزِكَ."
جَلَسَ أَشْرَف فِي الشُّرْفَةِ الْمُطِلَّةِ عَلَى بَحْرِ عَكَّا، وَطَفِقَ كَعَاشِقٍ سَاهِمًا سَارِحًا، يُصْغِي إِلَى ثَرْثَرَةِ الْأَمْوَاجِ، يُحَدِّقُ بِهَا تَتَدَحْرَجُ، تَتَضَاحَكُ، مَدُّهَا يُرَاقِصُ جَزْرَهَا، وَالرِّيَاحُ تُلَاعِبُهُمَا لَعْبَةَ الْقِطِّ وَالْفَأْرِ..
تَوَارَتْ حَنَان عَنْهُ، وَانْزَوَتْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ، تُرَاقِبُهُ، وَتُنْصِتُ إِلَى حَفِيفِ صَمْتِهِ.. فَكَّرَتْ وَفَكَّرَتْ: "كَيْفَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَرْشِيه، وَ(الْعِين بَصِيرَة، وَالإيد قَصِيرة)"؟
فَجْأَةً، غَاصَ أَشْرَف فِي صَوْتِهِ يُدَنْدِنُ، فَرَقَصَ قَلْبُهَا هَامِسًا: - اجت والله جابها..
نَعَم، أَتَتْ وَمِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي.. وَاتَتْهَا الْفُرْصَةُ عَلَى رِجْلَيْهَا، فَاغْتَنَمَتْهَا عَلَى عَجَلٍ وَمَجَّانًا.. جَلَسَتْ بِقُرْبِهِ فَرِحَةً، تُشَارِكُهُ هَدِيرَ الْبَحْرِ فِي انْسِجَامٍ وَتَنَاغُمٍ، وَتُضْفِي عَلَى صَوْتِهِ الْعَذْبِ جَلَالًا:
هَدِّي يَا بَحر هَدِّي/ طَــوَّلْــنـا فـي غـيــبــتــنا ودّي سلامـي ودّي/ للأرض اللّـي ربــتـْــنــا
سلّم لي على الزيتونِة/ وع أهــلـي اللّي ربّـوني وْبَعْدْا إِمّي الحنونِة/ بتـْــشَمْــشم بــمْـخــدِّتْـنا
سلِّمْ سلِّمْ عَ بلادي/ تــربـة بَــــيــّـي وأجدادي وبَعْدو العصفور الشّادي/ بِغَـــــرّد لعَوْدِتْـنا
خُدي سلامي يا نْجوم/ على البيـــادر والكروم وْبَعْدا الفراشه بِتْحُوم/ عمْ تِستنْظِر عَوْدِتْنا
ثُمَّ سَأَلَتْهُ بِتَهَيُّبٍ وَتَوَدُّدٍ ذَكِيٍّ: - "هَلْ يُغَطِّي الزَّمَّارُ الْمَلْهُوفُ ذَقْنَهُ، حِينَ يَتَكَسَّبَ الْمَالَ"؟
أَجَابَ ضَاحِكًا مُسْتَهْجِنًا: - طَبْعًا لَا يَجُوزُ.
- أَشْرَف، حِذَاؤُكَ جَمِيلٌ، وَأَرْغَبُ فِي تَلْمِيعِهِ.. هَل تَسْمَحُ لِي؟
أَجَابَهَا بِسُرُورٍ دُونَ تَرَدُّدٍ: - يُسْعِدُنِي.. لَيْتَكِ تَفْعَلِينَ..
- وَكَمْ تُعْطِينِي؟
فَاجَأَهُ سُؤَالُهَا الْمُبَاغِتُ، فَكَّرَ بِتَأَنٍّ، وَابْتَغَى أَنْ يُدْخِلَ السُّرُورَ إِلَى قَلْبِهَا، ثُمَّ قَالَ بِنَبْرَةِ رَجُلٍ وَاثِقَةٍ:
- أُعْطِيكِ مَا فِي جَيْبِي مِنْ عِمْلَةٍ مَعْدَنِيَّةٍ (فْرَاطَة)..
- وَهَلْ تَبِرُّ بِوَعْدِكَ؟
- أَكِيد.. وَدُونَ شَكٍّ..
انْفَرَجَتْ أَسَارِيرُ حَنَان، وَتَوَهَّجَ قَلْبُهَا الْمَحْرُومُ غِبْطَةً، بَعْدَ فَتْرَةِ حِرْمَانٍ وَفَقْرٍ وَفَاقَةٍ..
انْتَعَشَ أَمَلُهَا الْمَقْرُورُ مُسْتَدْفِئًا وَغَنَّى، إِذْ هَبَطَتْ عَلَيْهِ ثَرْوَةٌ، تُعَمِّرُ مِنْ لَحْظَاتِ طُفُولَتِهَا الشَّقِيَّةِ قَصْرًا وَدُمًى وَحَلْوًى.
تَرَنَّحَ الْفَرَحُ بَيْنَ جَوَانِحِهَا وَفِي جُيُوبِهَا الْفَارِغَةِ، فَبَدَتْ أَكْثَرَ انْشِرَاحًا، غَدَتْ مَسْحُورَةً تَتَدَفَّقُ حَرَارَةً، تَرْكُضُ، تُهَرْوِلُ، كَفَرَاشَةٍ تَطِيرُ، تُحْضِرُ عُلْبَةَ الدِّهَانِ (الْكِيوِي) وَالْفُرْشَاةِ..
تَرَبَّعَتْ عَلَى الْأَرْضِ تَحْتَضِنُ الْحِذَاءَ، تَدْهَنُهُ بِلَهْفَةٍ ، تَدْعَكُهُ بِحَنَانٍ، تُلَمِّعُهُ بِخِرْقَةِ قِمَاشٍ قُطْنِيَّةٍ، وَيَفُوحُ صَوْتُهَا يُغَرِّدُ بَعْدَ دَقَائِق:
- حِذَاؤُكَ صَارَ يَبْرُقُ بَرْقًا.. يَلْمَعُ لَمَعَانًا.. صَارَ يَلِضُّ لَضًّا..
يُمَازِحُهَا أَشرَف مُدَاعِبًا: - تمَاري فِيهِ، وَإِذَا شُفْتِ صُورتك أَدْفَع لَك..
ثُمَّ يُكَافِئُهَا باشًّا مُلَاطِفًا، وَيَضَعُ فِي كَفِّهَا حَفْنَةً مِنَ الْقُرُوشِ وَالتَّعَارِيفِ وَالشُّلُونِ، فَتَطِيبُ نَفْسُهَا بِهَا، وَيُشْرِقُ وَجْهُهَا لَهَا..
تَلْمِيعُ أَحْذِيَةٍ؟
نَعَم، هِيَ مُهِمَّتُهَا الْيَوْمِيَّةُ الْجَدِيدَةُ الرَّسْمِيَّةُ، دُونَ حَرَجٍ أَوْ رَشْوَةٍ، تُلَمِّعُ الْحِذَاءَ، وَتَلْمَعُ الْقُرُوشُ فِي جَيْبِهَا..
وَمَا أَسْعَدَهَا بِمُهِمَّتِهَا وَعَمَلِهَا الْجَدِيدِ! وَمَا أَهْنَاهَا بِقُرُوشِهَا وَشُلُونِهَا..
لكِنْ؛ ذَاتَ مَوْجَةٍ نَزِقَةٍ.. لَمَعَ الْحِذَاءُ، وَمَا لَمَعَتْ جَيْبُهَا بِالْقُرُوشِ، بَلْ قَدَحَتْ عَيْنَاهَا شَرَرًا، اتَّقَدَتَا نَارًا، وَاشْتَعَلَتَا لَهَبًا حَارِقًا، حِينَ نَغَّصَ أَشْرَف بَالَهَا، وَعَكَّرَ صَفْوَهَا قَائِلًا:
- لِلْأَسَف، الْيوم جيوبي فَارغَة مِنَ الْفراطة والفرايط..
فَغَرَتْ حَنَان فَمَهَا عَلَى مِصْرَاعِهِ فِي حَالَةِ دَهْشَةٍ عَمِيقَةٍ، مَطَّتْ شَفَتَيْهَا حَنَقًا، وَرَمَتْهُ بِنَظْرَةٍ بُرْكَانِيَّةٍ خَامِدَةٍ مُسْتَفْسِرَةٍ:
"هَل تَتَمَرَّدُ وَتَغْضَبُ؟ هَل تَضْرِبُ صَفْحًا عَنْ عِصْيَانِهِ وَتَسْكُتُ؟"
كَانَ أَشْرَف يَقِفُ عَلَى قَيْدِ خُطْوَةٍ مِنْهَا، فَلَمْ يَكُفَّ عَنِ الاسْتِمْرَارِ فِي إِثَارَتِهَا، بَلِ اسْتَرْسَلَ فِي اسْتِفْزَازِهَا، يُجَارِيهَا فِي لُعْــــبَةِ التَّوْتِيرِ وَشَدِّ الْأَعْصَابِ قَائِلًا:
- إِنْ كُنْتِ لَا تُصَدِّقِينَ، مُدِّي يَدَكِ إِلَى جُيُوبِي وَافْحَصِيهَا. هَيَّا.. تَأَكَّدِي بِنَفْسِكِ..
وَدُونَ تَرَدُّدٍ مَدَّتْ حَنَان يَدَهَا إِلَى جَيْبِهِ الْأُولَى، بَحَثَتْ وَبَحَثَتْ، وَانْتَقَلَتْ إِلَى جَيْبِهِ الْأُخْرَى، قَلَّبَتْ شَقْلَبَتْ بَحْبَشَتْ، لكِنْ خَابَتْ مَسَاعِيهَا، ولَمْ تَجِدْ مُنَاهَا وَمُبْتَغَاهَا..
بِكَامِلِ خِذْلَانِهَا وَذُلِّهَا كَانْتْ، فِي حَالَةٍ أَدْعَى إِلَى الْيَأْسِ وَالْخَيْبَةِ الْمَرِيرَةِ، لكِنْ، كَانَ يَنْقُرُ أَبْوَابَ أَعْمَاقِهَا هَاتِفٌ نمْرُودٌ عَاصٍ يَهْمِسُ بِاللَّامُسْتَحِيلِ..
تَجَهَّمَتْ أَسَارِيرُهَا، وَجَمَ وَجْهُهَا، وَنَمَّ عَنْ سُخْطٍ وَتَبَرُّمٍ، فَانْتَزَعَتْ يَدَهَا مِنْ جَيْبِهِ غَاضِبَةً ثَائِرَةً..
وَكَمَا الْبَحْرُ يُبَطِّنُهُ هُدُوءٌ وَحْشِيٌّ، أَفْلَتُ الزِّمَامُ، عَجَّ هَدِيرُ صَوْتِهَا وَضَجَّ، وصَارَتْ تَشُطُّ وَتَنُطُّ صَارِخَةً:
- وَلكِن بَيْنَنَا اتِّفَاقِيَّة .. هَل نَسِيتَ؟ إِسَّا إِسَّا بدّي القروش.. هذا حقّي.. هذا حقّي..
وَقَفَ أَشْرَف مَذْهُولًا، تَعَاظَمَتْهُ الْحَيْرَةُ، أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ هُنَيْهَةً، وَطَفِقَ يَتَخَيَّرُ كَلِمَاتٍ لِتَهْدِئَتِهَا..
لكِنْ كَيْفَ، وَقَد أَلمَّتْ بِهَا نَوْبَةُ بُكَاءٍ حَارَّةٌ، فَخَرَجَتْ عَاصِفَةً تَجْرِي، وَتَوَارَتْ عَنْ نَظَرِهِ..
هَمَّ بِاللِّحَاقِ بِهَا، فَمَا أَدْرَكَهَا، وَتَوَقَّفَ مُسْتَغْرِبًا مَا يَحْدُثُ عَلَى غَيْرِ تَوَقُّعِهِ، وَ..
آثَرَ الَّصَمْتَ.. إِيثَارًا لِلسَّلَامَةِ وَالْمُسَالَمَةِ..
وَمَا هِيَ إِلَّا هُنَيْهَات، وَإِذَا بِها تَعُودُ زَوْبَعَةً صَاخِبَةً تُزَمْجِرُ وَتُهَدِّدُ..
تَوَقَّفَتْ أَقْدَامُهَا .. وَمَا تَوَقَّفَ إِقْدَامُهَا..
وَنِكَايَةً وَتَشَفِّيًا بِهِ، رَفَعَتْ يَدَهَا الْمُلَطَّخَةً بِالْوَحْلِ فِي وَجْهِهِ، أَمْسَكَتِ الْحِذَاءَ اللَّامِعَ بِيَدِهَا النَّظيفَةِ، وَصَرَخَتْ بأعلى صوتها:
- وشَرَفِي وشَرَفَك..
أَمَرْمِغ كُنْدَرْتَك بِالْوَحْل، أَو تعطِينِي القرُوش؟
هَرْوَلَ أَشْرَف صَوْبَهَا، وَظَلَّ مَالِكًا أَعْصَابَهُ وَصَوَابَهُ، هُوَ السَّمِحُ الْمُتَسَاهِلُ، هُوَ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ أَمْسَكَ بِيَدَيْهَا، وَبِنَظْرَةٍ عَامِرَةٍ بِالْحَنَانِ انْفَجَرَ ضَاحِكًا:
- أُخْتِي الْحَبِيبَة.. هَدِّئِي رَوْعَكِ، سَكِّنِي جَأْشَكِ وَأَنْصِتِي ِلي..
الْقُرُوش مَعِي، أَفْرَغْتُ جُيُوبِي مِنْهَا لِأَمْتَحِنَكِ.. وَقَدْ نَجَحْتِ بِامْتِيَاز..
أُخْتِي الْحَبِيبَة.. صَدِّقيني هُوَ مَقْلَبٌ مِنْ مَقَالِبِ الْحُقُوقِ..
وَأَنْتِ مَا كُنْتِ مِثْلَمَا قَالَ الْمَاغُوط: "أَعْطُونَا الْأَحْذِيَةَ وَأَخَذُوا الطُّرُقَاتِ"
ثُمّ.. دَسَّ الْقُرُوشَ فِي يَدِ حَنَان، وَأَطْبَقَ عَلَيْهَا يَدَهَا بِيَدَيْهِ.. وَأَخَذَ يَعْتَذِرُ لَهَا وَيَسْتَسْمِحُهَا..
لكنَّ حَنَان الطِّفْلَةَ الْوَدِيعَةَ استحالتْ لَبُؤَةً جَرِيحَةً؛
انْدَلَعَتْ ثَوْرَةُ إِعْصَارِهَا ومَا سَكَنَتْ..
بَـــلَـــغَــــــتِ الْــــــــقِــــــــــمَّـــــــةَ..
وبِغُلِّهَا ومِنْ أَعْمَاقِ جُرْحِهَا..
بِمِلْءِ فِيهَا وَبِكُلِّ مَا فِيهَا...
زَأَرَتْ زَئِيرًا مُدَوِّيًا: - "أَعْطُونَا الطُّفُولَة؟
"أَعْطُونَا الثُّوَّار؟ أَخَذُوا الثَّوْرَة؟"
حَنَان الطِّفْلَةُ الْوَدِيعَةُ ثَارَتْ عَزِيمَتُهَا، وَثَارَتْ قَبْضَتُهَا الصَّغِيرَةُ، تَتَحَدَّى الْقُرُوشَ الْكَبِيرَةَ، وَتَثْأَرُ لِكِبْرِيَائِهَا..
رَمَتِ الْقُرُوشَ بِعَزْمٍ، قَذَفَتْهَا بحُرْقَةٍ، فَانْتَعَفَتْ فِي أَرْجَاءِ الْغُرْفَةِ وانْتَثَرَتْ فِي زَوَايَاهَا، وَصَفَقَتْ تَرْتَطِمُ، وَكَالْقَذَائِفُ تُدَوِّي بَيْنَ الْجُدْرَانِ وَالْأَرْكَانِ، تَتَعَثَّرُ وَتَتَبَعْثَرُ..
حَنَان الطِّفْلَةُ الْوَدِيعَةُ ثَارَتْ عَزِيمَتُهَا، ثَارَتْ قَبْضَتُهَا الصَّغِيرَةُ، وَ..
قَذَفَتْ عَنْهَا زَبَدَ خُنُوعِهَا وَقُنُوطِهَا..
وَمِنْ يَوْمِهَا.. فَرَطَ الِاتِّفَاقُ.. وَانْفَرَطَ الْوِفَاقُ..
مِنْ يَوْمِهَا.. فَرَطَ وَعْدُ مَسْحِ الْأَحْذِيَةِ، وَعَهْدُ تَلْمِيعِهَا، وَمَجْدُ تَقْبِيلِهَا..
وَمِنْ يَوْمِهَا.. انْتَهَى عَهْدُ الْكُرُوشِ وَالْقُرُوشِ، وَزَالَ وَعْدُ الْفَرَافِيطِ والْفرَاطَة..
#آمال_عوّاد_رضوان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبلين الجليلية تكرم ابنتها آمال عواد رضوان!
-
“أسطرةُ الأسطورة في شعر آمال عواد رضوان” كتابٌ نقديٌّ للكاتب
...
-
لماذا تضيقُ آفاقِ الفكرِ العربيِّ ورؤاه؟
-
هل الجنسيّةُ صليبُ آلامِك؟
-
مهامّ المنظّماتِ النّسائيّة!
-
خرافةُ فرحٍ
-
نساءٌ يتأرجحنَ على حبالِ الجمالِ والذّكاءِ!
-
قراءةٌ في الدّالّ والأداة/ قصيدة غيرة حبيبي
-
أحنُّ إلى حفيف صوتك
-
ضمائر مستترة تتجلبب بأسماء مستعارة؟!
-
الطّيّب صالح هجيرُ صرخة في موسمِ الهجرة
-
-الأمومةُ أجملُ كلمةٍ اختزلتِ الوجودَ منذُ الأزلِ وإلى الأبد
...
-
إلهام لطيفي تحاور آمال عوّاد رضوان حول قضايا المرأة
-
حولَ التقييم الذكوريِّ للنّصوصِ النّسويّةِ
-
سُلطةُ المرأةِ العربيّةِ وتمثيلُها البرلمانيّ (2)
-
المرأة بين الماضي والحاضر (1)
-
كلُّ غزوة وأنتم بهجرةٍ
-
كمشة من حيرة ينثرُها الجَمالُ وعمليّاتُ التجميلِ
-
آمال عوّاد رضوان ترصُدُ الحالةَ الثّقافيّةَ في فلسطين١
...
-
هل الغازُ هو آخرُ غزواتِ غزّة!
المزيد.....
-
-طفولتي تلاشت ببساطة-.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
-
مسابقة كتابة النشيد الوطني تثير الجدل في سوريا
-
جواد غلوم: حبيبتي والمنفى
-
شاعر يتساءل: هل ينتهي الكلام..؟!
-
الفنان محمد صبحي يثير جدلا واسعا بعد طرده لسائقه أمام الجمهو
...
-
عام من -التكويع-.. قراءة في مواقف الفنانين السوريين بعد سقوط
...
-
مهرجان البحر الاحمر يشارك 1000 دار عرض في العالم بعرض فيلم
...
-
-البعض لا يتغيرون مهما حاولت-.. تدوينة للفنان محمد صبحي بعد
...
-
زينة زجاجية بلغارية من إبداع فنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة
...
-
إطلاق مؤشر الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي
المزيد.....
-
مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
زعموا أن
/ كمال التاغوتي
-
خرائط العراقيين الغريبة
/ ملهم الملائكة
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
المزيد.....
|