أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي بن فرج - حتّى لا يولد الوٌحوش















المزيد.....

حتّى لا يولد الوٌحوش


قصي بن فرج

الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 - 23:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العالم القديم إنتهى، والعالم الجديد تأخر في الظهور.. وما بين العتمة والضوء تولد الوحوش. - أنطونيو غرامشي.







اعتقد ان هذه المقولة لوحدها، للكاتب والفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي، بغضّ النظر عن كلّ ما كتبه طوال مسيرته وكلّ ما قام به، تجعلني مُتحفّزا لاطبع صورته واُعلقها على جدار غرفتي لشدّة ما اجد نفسي مُختزلا فيها ولشدّة ما ارى كونها اختزلته من موضوعية ومنطق. حتى انّني، وبعد وقت طويل من الغياب عن الميادين الفلسفية والفكرية وساحات النقاش، بعد وقت طويل امضيته في التأمل والجدال والتجوال بين حانات اوروبا وافكارها، وبعد عودة استوعبت خلالها كل الصدمات الحضارية والاستحداثات المعرفية والسياسية والتطور التكنولوجي والقيمي والاقتصادي، وانفتحت فيها على زوايا نظر اخرى. ثم عدت الى البيت في سوسة، وقاربت ارصدتي المالية على النهاية، واحرجني اصدقائي قاصدين دفعي الى الانطلاق في تدوين الخلاصات بخصوص هذه المسيرة القيّمة والصغيرة في القارة العجوز. وجدت نفسي، ولوهلة، عاجز امام شدة الازدحام التي حصلت في رأسي. يا إلاهي من اين سأبدأ، وعن ماذا سأتحدث بالضبط، عن التسكّع الذي عشته والذي قد يرتقي سرده في عمل ادبي الى عناوين الطيب صالح، هذا ان احسنت اخراجها، ام عن المقاربات الفلسفية الكثيرة التي طوّرتها واعتقد بكوني تطوّرت بها، ام عن الاستنتاجات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي اعتقد بكونها زادت من زادي المعرفي. كما يبدو ايضا، ان هذا هو التاريخ او على الاقل هكذا تلاقح وتشكّل، فدائما ما كان هناك من يطوف ويحل بمكان اخر يتعلم منه ويعود لنقل المعرفة الى ضفة اخرى، وهذا ركن ايجابي في تشكّل هذا العالم القديم الذي يتحدث عنه غرامشي في ما اعتبره خلاصة، اعلاه.



سأدخل مُباشرة في الموضوع،

لقد تشكل هذا العالم وفقا لمراكمة فكرية كثيفة، عملية التكثيف هي بالأساس فعل تاريخي فيه التجارب الكثيرة، حضارات سقطت ونشأت اخرى، حركة لا متناهية بشرية، حروب وتمدد وانهيارات، كوارث طبيعية وتحولات اقتصادية، اديان وسلطة وخرافات وعلوم وجدال وثورات ونساء كثيرات ورجال كثيرون انتهت بما نحن عليه اليوم من معرفي وفكري، وهذا بالأساس هو المُحصّلة، على الأقل على المستوى فكري -بالمعنى الكبير للكلمة-. أي مجموعة المفاهيم الناتجة عن السجال التاريخي، من الاقتصاد والبورصة وتوزع النفوذ السياسي الى العلوم والمعارف وصولا الى اماكن تواجد الحيوانات التي لم تنقرض بعد على الخريطة.



وفي هذا الاطار، لسنا بحاجة الى ان نكون خبراء في التوازنات السياسية والجغرافية ولا دكاترة في الانثروبولوجيا لنقول اننا نعيش اليوم تمظهرات ازمة عميقة في علاقة بما ادركناه، في جل اركانه، وفي جل ما في الأركان ايضا، بل اكثر من ذلك، حتى الخبراء انفسهم يقولون ذلك، على الأقل يشعرون به، قادرون على توصيفه من خلال النسق التصاعدي لما يحصل، الحرب هي دليل على وجود ازمة، إعادة توزيع أوراق السياسة يعني ان هناك ازمة، الطلب الكثيف على الهجرة يعني ان عدم التوازن الاقتصادي بلغ اشدّه، الأوبئة والاحتباس الحراري والتساؤلات التي تطرحها في علاقة الطبيعة بالإنسان دليل إضافي على اننا عاجزون عن المواصلة بذات أدوات تعاطينا القديمة، ازمة الأدوات السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية هي دليل اخر على وجود ما اُوصّفه بالازمة. ما نوصّفه بالازمة، ووجودها كقاسم مشترك دليل حاسم في علاقة بوجودها. ويمكن لمتسائل ان يقول هنا ان كلّ هذا ليس بالجديد عن هذا العالم، بل هو احد العوامل التي جعلته على هذا الشكل في يوميّنا الحالي، أقول نعم، وهذا رأي منطقي ايضا، لكن هناك عامل حاسم في علاقة بتعميمه وتخصيصي، انّه النسق والمجال، ان الزمن الحالي هو زمن سريع، في حين الزمن القديم هو زمن بطيء، والسرعة تجعل فعل المراكمة مُضاعفا مقارنة بوقت اخر، فما كان يحصل في خمسين سنة منذ قرنين، صار في هذا الوقت يحصل في عشر سنوات وربما اقلّ. وهذه السرعة تساهم في تكثيف الشعور بالأمر، ما يجعل البشري لا يشعر في أحيان كثيرة بعمق ما يحصل دون ان يبتعد قليلا، فهي تأخذ منه بعضه ايضا، وتجعله جزء منها، وتغيّر حتى في سلوكه مع الوقت، وتجعله مطالب بالتأقلم ليلتحق بنسقها لدرجة عجزه عن فهمها. امّا بخصوص المجال، فالمجال الجغرافي الحالي صغير، في السابق كانت تحصل أيضا ازمات، لكنها كانت محدودة في مجالها، لم تكن ازمة في أمريكا اللاتينية ستساهم بالضرورة في تغير جزئي في الحياة في أمريكا الشمالية، ازمة في اسيا ربما كانت تكون لها انعكاسات على اوروبا، لكن هذه الانعكاسات لم تكن لتبلغها قبل عشرات ان لم يكن مئات السنين، المعلومات كانت بحاجة الى وقت طويل والى مجهودات كبيرة في الترجمة لتنتقل من مكان الى اخر، العلوم والمعارف كذلك، اكثر من هذا، الحروب أيضا كانت محدودة، لا أتوقع ان القدرة التدميرية للجيوش قبل سنوات كانت ذاتها القدرة التدميرية اليوم، فالقنبلة اليوم صارت قادرة على انهاء حياتي انا البعيد آلاف الاميال عن موقع الصراع، يمكنك كذلك ان تفتح هاتفك لتتابع في اقل من دقيقة اخبارا من كافة ارجاء الارض، هذا المجال الصغير يمكن فهمه أيضا من خلال التغيرات المناخية، التغيرات المناخية امر يجب ان يُحظى بتركيز كثيف مستقبلا كلما أراد احدهم التأكيد على ان ازمتنا مشتركة، ان مصنعا في أمريكا او في الصين قد يساهم في موت السمك في نهر في الفيلبين او في السيراليون. وتصحّرا في ناميبيا قد يساهم في تغيير مكونات طبق طعام في أوروبا.



وانت تطالع هذا النص، ستحلّ بذهنك امثلة اضافية، ربما لم يكن المجال متاحا بالنسبة لي لتذكرها كلّها، فكّر قليلا، ستفهم ان جزءا كبيرا من ما حولك قد يكون نموذجا من النماذج التي قد تصلح بأن تكون مثالا وقد تٌطعّم هذا النص.

هناك ازمة، وهذا هو القاسم الإنساني المشترك الذي يجمعنا في هذه اللحظة. بإعتقادي.

في عادة الامر يكون التغيير بهذا الشكل، اثر كلّ ما حصل، تحدث الازمة، -لا تغيير دون ازمة- تُسبب حركة، ليست بالضرورة حركة ماديّة مباشرة، لكن حركة في الفكر والفلسفة والذهن، في تلك الأوقات يعود العامة لغرائزهم ولاعرافهم وتقاليدهم، ويصير المكان عبارة عن غابة لا حٌكماء فيها، يأكل القويّ الضعيف، ويرخُص البشري، وتصبح الاخلاق واللحم شيئا واحدا، في تلك النقطة بالضبط، تظهر الفلسفة مرة اخرى، وانا اعتقد ان هذا هو دورها بالاساس، او ذاك بالتحديد هو وقتها، الوقت الذي يشعر فيه الجميع ب"تراوما" الحدث المتكرر، ويصاب العاقلون بالهلع وتسيطر الهستيريا على السلوك الجماعي، ويصير كل شيء خائفا من كل شيء. وككل فترة سابقة، يكون هناك حكماء يتجاهلهم الجميع عادة الايام، وينادونهم في أوقات أخرى لتأثيث السهرات وربما تزيينها، وفي أحيان كثيرة يرفضون ذلك. هؤلاء، ذلك وقتهم، ليس بإعتبارهم يمتلكون بالضرورة حلول لما يحصل، سواء كانت جزئية صغيرة او شاملة كبيرة، بل لكونهم واكثر من غيرهم قادرون على تخيل الأدوات الجديدة للمواصلة، وتشريح الواقع والتعامل مع كل ما فيه بإعتباره فعل تراكمي قادر على ان يتطور بشكل او بآخر ويأخذ لنفسه ابعاد أخرى شرط ان يتلائم والقاعدة البشرية القائلة بضرورة الاستمرار، عكس غيرهم، التقنيون، الذين يعتقدون بكون التصورات المحدودة قد تعطي بالضرورة نتائج منطقية في ظرف مشابه. والمحدودية هنا ليس بالضرورة محدودية ذهنية فحسب، بل محدودية فهم الانسان أيضا. فالبشر مختلفون، ولكل انسان في هذا العالم خصوصية، فما بالك بالمجموعات والشعوب، ان فهم هذه الخصوصية أيضا امر ضروري في علاقة بالمستقبل، كما انني لازلت مُصرا على كون هذا النموذج من التقنيين الذين يضعون البدائل ويفكرون فيها بحاجة الى التريث قليلا كلما طُرحت امامهم هذه الكلمة. هنا تكمن المحدودية. فمن غير المنطقي ان نحاول اسقاط الوعي الاسيوي على واقع أوروبي مثلا، او التعامل مع الافارقة على انهم امتداد انثروبولوجي لسكان الامريكيتين. كذلك عدم التمعّن في الشرائحيّة واخذها بعين الاعتبار، فبأي منطق يمكن لشيخ عجوز تجاوزه عدد كبير من الاحداث بعد ان حاول معالجتها بوعيه الخاص على ان يقرر ماذا يجب ان تلبس فتاة في عمر العشرين او أي تخصص يختار شاب لازال فرحا بنتيجة انهائه للباكلوريا.

هذا ما اعنيه بإسقاط النماذج، او بالأحرى الهيئة الخارجية للنماذج، وهذا ما حصل بشكل مستمر طوال التاريخ. وكمثال اخر على ذلك : ليس من السهل اقناع مواطن تقليدي ألماني مثلا ان الفلسطينيين يختلفون عن النازيين، فاليهود في أوروبا تم التنكيل بهم، الامر الذي يتطلب تضامنا معهم، اما في فلسطين فهم (او بالأحرى الصهاينة) غٌزاة جاؤوا للبحث عن وطن جديد فمارسوا ردّ الفعل على اخرين لا ناقة لهم ولا جمل في ما وقع، وهم لا يعارضونهم بإعتبارهم يهودا، بل لكونهم غٌزاة.

ايضا، هذه الفكرة بسيطة، وفهمها لا يحتاج الى عبقرية، لكن الازمة الحقيقية لا تكمن في الفكرة في حد ذاتها، بل بكوننا نعتقد انه يمكن ان نحلل ما يحصل في العالم انطلاقا من معطياتنا الداخلية ومن انفسنا، في حين ان الامر غير منطقي. بل اكثر من ذلك، حتى المعطيات الداخلية تعجز أحيانا على البلوغ نتيجة نهائية وباتّة في أحيان أخرى. وكقوس بسيط، هذه هي الازمة الكبرى للديمقراطية، ولنفس السبب هذا ما يجعلها اقلّ النماذج السياسية سوءا. ازمتها كونها تمت شرحنتها (نسبة للشريحة) وجعلها في أحيان كثيرة حكرا على طبقة معينة عادة ما تكون محتكرة للثروة فتعيد اخراج نفسها بصيغ مختلفة وتحدد الوعي القائم من خلال الأدوات التي تملكها، واقل النماذج السياسية سوءا كونها قادرة اكثر من غيرها على التوسّع عموديا وافقيا لتستوعب الشرائحيّة القائمة، وهذا ما يعنيه كثيرون حينما يقولون ان حماية الديمقراطية تكون بالمزيد من الديمقراطية، أي بأن تصبح عامّة.

في هذا الاطار، تتجادل المدارس وتصير المقاربات والمقارنات، ويصير الامر مُشابها للمريض الذي يذهب ليزور الطبيب، في هذا المثال يكون الاطباء هم الفلاسفة، فيقومون بتشريح المريض ومحاولة فهم اعراض دائه ومقارنته ما ان كانت هناك حالات اخرى مشابهة واستجاب لها علاج ما، وفي اللحظة التي يعجز فيها الجميع عن وجود المرض -بعد التفحّص- في قائمة الامراض المعروفة، يحصل الاستحداث في المدرسة الطبيّة، ويحصل التجديد في الفلسفة ويُبتدع المفهوم الجديد (الاسم الجديد لهذا المرض الغير معروف) والذي يختزل داخله مجموعة الخاصيات الموجودة في المرض او الحالة.

انا ادافع عن هذه الفكرة، الفكرة القائلة بأن الازمات المشابهة للازمات التي نعيشها اليوم يجب ان تحظى بقدر محترم من العناية الفلسفية، فنحن لا نتحدث عن ازمة مواصلات، ولا ازمة مهاجرين، ولا ازمة بورصة، بل نتحدث عن ازمة في اكثر من مجال هذا ان لم تكن ازمة شاملة، ان شموليتها هي بالتحديد مشروعية هذا النص.



هل يولد البشر وحوشا حقا؟ لا اعتقد، ان هذا التعبيير ليس اكثر من تعبير مجازي، الوحوش لا يولدون، البشر يولدون بشرا، والانسان يولد بالغريزة انسانًا. يولد مُحبا وايجابيا ومرحًا. قبل ان تختار له الحياة دورًا اخر، في عادة الامر ما يكون دورا قاسيا نتيجة القسوة التي تُسلّط عليه، فيصير هو نفسه اداة لردّ الفعل، وشيئا فشيئا يتحوّل ليتلائم مع ذلك الدور، والذي لا يختاره في احيان كثيرة. ويصير كلاهما مناسبا للاخر. اذن المشكل ليس في الانسان في حد ذاته، فهو اذ حصل وحدث اقرار بخصوص هذا المثال يكون كالقرص الفارغ القادر على ان يحوي اكثر من مادة، هذه هي كيمياء الدماغ بالاساس. المشكل بالتالي في المادة. وهذه المادة هي التي تحدد له شكله وليس هو من يحدد لها شكلها، وهذا هو المحدد هنا، بين ما هو كائن وبين ما يجب ان يكون.

لقد جربت اشياء كثيرة في الحياة، لكنني لم اجرب دخول السجن بعد، لكني لو حدث وفعلت ذلك على الاقل للقيام بإحصاء ما، -ارجو ان لا ادخله لسبب اخر- وتوجهت الى المجرمين وسألتهم عن احلامهم حينما كانوا صغارا لما كانت لتختلف كثيرا عن احلام غيرهم خارج ذلك المكان. نحن نولد انسانيين بالفطرة، قبل ان يؤثر المحيط على افكارنا ويشكّل الواقع سلوكنا كما يرغب، من يريد في هذا العالم ان يكون سيئا وغير انساني ووحش؟ فقط المرضى النفسيون، لكن الطبيعيين معنا. تلعب هنا الثقافة دورا اساسيًا في علاقة بهذا الامر، فهي حجر الزاوية في الشخصية البشرية، وحين اتحدث عن الثقافة لا اتوجّه الى ثقافة المُثقفين، بل الى الثقافة بمعناها العام، اي السلوك وكل ما تحتويه هذه الكلمة. ان الرجعيين كما التقدميين كما من لا لون سياسي وثقافي رسمي لهم، مُثقفين. لكنهم مثقفين بطريقتهم الخاصة، وعادة ما تكون الثقافة التي يحملونها -جميعا- هي فعلا متراكما ومتطورا خلال مسيرة الانسان، وحتى الذين يتكلمون كما يتكلم آبائهم يحملون ثقافة آبائهم.

ايضا، المسألة الاجتماعية لا تقل شئنا عن السؤال الثقافي، فهما مٌتكاملان في علاقة بإنعكاس كل منهما على الشخصية البشرية. وفي هذا التكامل يشكل ما نُسميه نحن بالوعي. السؤال الرئيسي في علاقة بالنص. في علاقة بالمستقبل المشترك والعالم الذي يجب ان يولد. هل نحن قادرون على تغيير الوعي البشري ليكون اكثر استجابة للتغيير وليساهم في جعل هذا العالم افضل؟ على الاقل ليكون اكثر منطقية في علاقة بسؤال المستقبل.

قطعا، والاجابة عن هذا السؤال هي الاجابة الحقيقية عن المستقبل، عن اي مستقبل نريد، انه سؤال ضخم، محدد ومصيري، و يحتاج مجموعة اجابات مُجزّءة ليتشكل كلعبة البوزل، ومجموعة الاجابات هي بالضرورة اجابة ماديّة، متعلق بالتساؤل المطروح على كل منا، اي تغيير يمكن ان ندخله على الرياضة مثلا لجعلها اكثر قدرة على ان تتطور وتساهم في تطوير رُوّادها، كيف يمكن تطوير المادة التعليمية في المدارس لجعل مستوى النفور اقل، كيف يمكن تحديد موقع الدين في الحياة اليومية وتطويره بشكل يجعله قادرا على ضمان تعايش مشترك لا معيقا له، كيف يمكننا ان نحد من التلوث دون ان نخسر مواطن شغل ونحوّل الاقتصاد الى اقتصاد اخضر متصالح مع البيئة، كيف يمكننا ان نحد من التفاوت الطبقي دون الدخول في مغامرات قد تساهم في تخريب الاقتصادات، كيف يمكن تطوير الدول دون ان نخسر الخدمات الايجابية التي تقدمها لمواطنيها بل بالعكس نجعلها انجع، كيف يمكن ان نربح دون ان نجعل المادة المُقدمة منعدمة المعايير القيمية..

هل يمكن القيام بكل هذا بذات الادوات القديمة، وبذهنية قديمة، معايير قديمة، قطعا لا. وهنا يحدث التمايز بين المستوعب لضرورة هذا الاستصلاح، وبين من يعمل على مٌجاراته مٌعتبرا ان ذلك يساهم في الحدّ من الخسائر. وهنا الاختلاف الحقيقي والحوار الحقيقي والطويل. والذي اثره ينتهي بتحديد معالم العالم القادم، مواصلة في انجاب الوحوش، ام عالم افضل.

لنغمض اعيننا ونتثاقف. كيف يجب ان يكون المستقبل؟ سنجد بشكل كبير اننا نشترك في علاقة بالمصطلحات العامة، يجب ان يكون افضل، اجمل، اكثر تضامنا، اكثر عدلا، اكثر انسانية ومحبّة. وهذه الصفات نحن بحاجة الى ان نشعر بها حتى قبل ان نفهمها. وهذا الشعور المشترك هو الشعور الانساني، هذا هو الانسان وهذا هو ما يوحدني مع غيري مهما كان وكيفما كان وهذا بالاساس هو العنوان بخصوص ما قمت بتوصيفه بالازمة، هذا حلها، ان هذا الامر بسيط، لا يحتاج كلاما كثيرا وكبيرا وخبراء، يحتاج الى حس مُشترك، وليس على حساب احد ايضا، هل يمكن لبعضنا ان يعطي المثال لغيره ويكون اقل سوء؟ نعم هذا ممكن، بل اكثر من ذلك، هذا حماية له قبل غيره.

ان عملية الولادة هي حتمية بعد كل حلقة ينهيها التاريخ، التاريخ لم ينتهي كما قال فوكوياما ذات يوم وصفّق له كثيرون، ولو كان انتهى حقا لما عشنا هذه العشرية الغريبة على مستوى العالم، ولما وجدت انا الارضية لكتابة افكار كهذه، ولما وجدت غيري من الذين ستعجبهم ويحاولون تطويرها بطريقتهم الخاصة.



نحن بحاجة الى طرح اسئلة جيدة اكثر حتى من الحاجة للعثور على اجابات لها، ان السؤال في حدّ ذاته معطى مُحدد يجب تثمين كل من يقوم به، حتى ولو كان مُزعجا، بل المنطقي ان يكون مُزعجا بإعتبار ما يحمله الواقع الحالي من ازعاج، الواقع الذي ينبغي اكثر من اي وقت مضى العمل على جعله افضل، متنوعا اكثر، متضامنا اكثر، ومتكاملا اكثر، وهذا التكامل لا يمكن ان يكون الا جماعيا، بإعتبار محدودية الفرد على تناول الفكرة من جوانبها المختلفة، اننا بحاجة الى زوايا نظر مختلفة اكثر حتى من حاجتنا لمن يشبهوننا في التفكير.



#قصي_بن_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماضي جديد، او وعيُ مستقبل.


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي بن فرج - حتّى لا يولد الوٌحوش