أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية














المزيد.....

مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 - 13:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هناك خاصية فريدة يتميّز بها مجتمعنا العراقي يقل – أو قل يندر - وجودها في المجتمعات الأخرى ، وهي إن الجماعات المكونة لهذه المجتمع تنطوي في كينونتها على كم هائل من المفارقات والتناقضات ؛ لا في مجال (الواقع) المعيش من علاقات وسلوكيات يكاد أغلبنا يلمس أنماطها الغريبة ويدرك طبيعتها الشاذة فحسب ، بل وكذلك في مجال (الوعي) المجرد وما يختزنه من تصورات وتمثلات لا تخرج عن كونها تعبيرات بدائية وتمظهرات نمطية ؛ إما نتيجة لمخلفات طوباويات قديمة متوارثة تارة ، أو حصيلة لإيحاء إيديولوجيات حديثة متداولة تارة أخرى . لا تفتأ تفرض حضورها في كل مجال وتمارس تأثيرها في كل مضمار .
ولعل من أبرز تلك المفارقات التي يمكن تشخيصها بيسر وسهولة ، هي ما يتعلق بفلسفة (المجايلة) وما تنطوي عليه من تصورات / تمثلات وعلاقات / سلوكيات ، تحرص تلك الجماعات المعنية على تناقل أرشيفها المعلن وتداول شيفراتها الخفية بين الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة ، دون أن يكون لاعتبارات المكان والزمان أي دور أو تأثير يمكن أن يحدث فرقا"بين سياقات الماضي وسياقات الحاضر . والأمثلة على ذلك كثيرة اخترنا أكثرها شيوعا" وتداولا"؛
1 . من الملاحظ انه بقدر ما يحاول الأبناء التمرد على سلطة الآباء (البطريركية) بوزاع من نزعة الاستقلال الفردي واسترداد حق الوعي بالذات – وهي من الأمور التي تعتبر مخالفة للأعراف ومنافية للتقاليد الأبوية – من جهة ، بقدر يحافظون – وهنا مكمن المفارقة – على سريان قيم تلك السلطة البطركية كما لو أنها أشياء مقدسة لا يجوز المساس بها والعبث فيها من جهة أخرى . كأن تفرض – على سبيل المثال لا الحصر – عادات وتقاليد وأعراف وقيم (الريف) ذات المضمون العشائري والقبائلي ، على أنماط التواضعات والمناقبيات الحضرية السائدة في (المدينة) . هذا دون أن يجدوا في ذلك ما يعتبر تناقضا"يستدعي النقد والمساءلة ، لا بل قد يرونه من دلائل الحفاظ على الأصالة ومؤشرات التمسك بالعراقة .
2 . على قدر ما يجتاف (الأبناء / الأخلاف) مضامين خطابات (الآباء / الأسلاف) ، حول مزاعم النزاهة الوظيفية والعدالة الاجتماعية والهوية الوطنية – مثلما يحصل في المجالس الخاصة والعامة ، الرسمية والشعبية - بقدر ما لا يعدم هؤلاء وسيلة من الوسائل أو يهملون طريقة من الطرق – بصرف النظر طبعا"عن مشروعيتها وأخلاقيتها - دون اهتبالها في بلوغ مآربهم الشخصية وتحقيق مصالحهم الفئوية ، حتى ولو كانوا على دراية كاملة بأن سلوكهم هذا يتناقض جذريا"مع ما سبق وأعلنوه ورددوه في تلك المجالس والمضافات . بالإضافة إلى قناعاتهم بأنه سيلحق ضررا"بليغا"في مصالح الوطن وحقوق المواطنين ، ليس فقط على مستوى الأجيال الحالية التي تكابد الأمرين من هذه المفارقات والتناقضات فحسب ، بل وكذلك على مستوى الأجيال التالية التي سيكون المجهول مصيرها الحتمي .
3 . ومن الأمثلة الأخرى البارزة التي يمكن عدها من مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية ، ما يظهر على مواقف وسلوكيات قطاع واسع من أفراد تلك الجماعات ، والتي تتمثل بظاهرة ادعائهم (الانسلاخ) عن ماضي آباؤهم وموروث أجداهم في طور من أطوار حياتهم العملية (الوظيفية) ، ثم لا يلبثون في طور لاحق من (اجترار) ما كانوا قد ازدردوه سابقا"من عادات وأعراف وقيم وتقاليد ، للحدّ الذي لا يجدون غضاضة في استلهامها والتماهي معها مجددا". وهكذا ما أن يحال أحدهم (أستاذ الجامعي) أو (مسؤول الإداري) على التقاعد أو يترك منصبه الوظيفي لشتى الأسباب والدوافع ، فانه سرعان ما يشرع بترأس عشيرة من العشائر أو بتزعم قبلية من القبائل أو بقيادة بطن من البطون ، معلنا"عودته لأصوله العصبية وشاهرا"توبته لمرجعياته البدائية ، دون أن كون للسنوات التي أمضاها يحاضر في التنوير والحداثة بالنسبة للأول ، أو يجاهر بالحضارة والمدنية بالنسبة للثاني ، مانعا"من انحرافه صوب مضارب العصبية البدائية ، أو حائلا"دون سقوطه في مستنقع الانتهازية .
قد يكون من الصواب أن نعزو إلى الظروف الشاذة والأوضاع المزرية التي مر ويمر بها المجتمع العراقي طيلة عقود وزر هذا الظاهرة ، ومن ثم إلقاء تبعاتها وتداعياتها على عوامل موضوعية وأطراف خارجية ساعدت في خلقها ، وساهمت في ترويجها ، وحرصت على تكريسها . ولكنه من خطل الفهم وجهل المعرفة في نفس الآن محاولة تبرأت سايكولوجية الجماعات السوسيولوجية والمكونات الانثروبولوجية من أعراض هذه (اللوثة الحضارية) القارة في قاع اللاوعي الجمعي العراقي . ذلك لأن هناك تاريخ طويل وحافل من التجارب القاسية والممارسات المريرة ، أثبت إن سيكولوجية الشخصية العراقية كانت – ولا تزال – بمثابة حاضنة لشتى ضروب المفارقات والتناقضات ، التي شكلت عائقا"منيعا"أمام أية محاولة لاستنهاضها من عثرتها وحثها على استعادة عافيتها الاجتماعية وسويتها النفسية ، بما يضمن تطورها الحضاري ويحقق طموحها الإنساني أسوة بغيرها من الشعوب والأمم .
والحال انه على فرض إن هذا النمط من الظواهر السوسيو- ثقافية موجود ، بلّه ، شائع لدى بقية المجتمعات القريبة منا والبعيدة عنا ، كراسب تاريخي يعود لحقب ماضية لا زال عالقا"في بنية الوعي الجمعي يفرض إيحاءاته بقوة ويمارس تأثيراته بعناد ، إلاّ انه ربما يظهر بصيغ مختلفة من الشدة وبمستويات متباينة من الوضوح ، بحيث لا تؤثر – في الحصيلة العامة لسيرورة المجتمع - بالقدر الذي يجعل المعايير المنظمة والمقاييس الضابطة تحيد عن المقبول اجتماعيا"والمعقول منطقيا" والمشروع إنسانيا"، مثلما هو الحال لدى الجماعات العراقية المبتلاة بنوازع (الازدواج) ؛ ما بين الظاهر والباطن ، ما بين الإشهار والإضمار ، مابين القول والفعل ، ما بين الفكر والواقع ، ما بين النظرية والممارسة .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية
- مناقب الجمهور ومثالب النخبة !
- هل الى صحة العقل من سبيل ؟!
- العامل الاقتصادي وبندول الشعور الوطني
- السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!
- مصطلح (البدوقراطية) بين حق التأسيس وحق الاقتباس
- مزالق الايديولوجيا ومآزق الايديولوجيين !
- الايديولوجيا ضد الايديولوجيين !!
- خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !
- صراع العقيدة والمعتقد : بين الفتاوى الدينية والتعاويذ الطائف ...
- الثقافة والديمقراطية .. تزامن أم تعاقب ؟
- صلاحية الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة !
- العقد الاجتماعي بين اهمال الدولة وتجاهل المجتمع
- الصراع على السلطة : مقاربة في سوسيولوجيا التداول السياسي
- تتريث العقل وتوريث الجهل
- اللغة السياسية والكتابة الصحفية
- ثقافة البراكسيس : الضرورة التاريخية والاضطرار السياسي (الحلق ...
- الميتودولوجيا الماركسية وثقافة البراكسيس ( الحلقة الأولى )
- الزعيم الدكتاتوري ونزوع عسكرة المجتمع
- علي الوردي ومقدمات عصر البدوقراطية


المزيد.....




- موافقة حماس على اقتراح مصر وقطر لوقف إطلاق النار.. مراسل CNN ...
- -الكرة في ملعب نتنياهو-.. إسرائيل وأمريكا تدرسان رد حماس على ...
- بهتاف -الله أكبر-.. شاهد احتفالات سكان غزة بموافقة حماس على ...
- مصدر مصري رفيع يحدد 3 مراحل لتنفيذ الاتفاق بين حماس وإسرائيل ...
- بعد 130 عاما  فلسطيني يحتل مقعد بلفور!
- أراضٍ سكنية وملايين الدينارات.. مكافآت للمنتخب العراقي بعد ت ...
- هل بدأ الهجوم على رفح؟ غارات إسرائيلية واستنفار مصري
- بعد أسابيع من الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين.. جامعة كولومبي ...
- شولتس يزور القوات الألمانية في ليتوانيا ويتعهد بتقديم دعم عس ...
- شي جين بينغ: الصين ضد تحويل الأزمة الأوكرانية إلى ذريعة لحرب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية