يونس فنيش
الحوار المتمدن-العدد: 7432 - 2022 / 11 / 14 - 17:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
14 نونبر 2022
شاهدت حوارا متحضرا على قناة ريف فيزويون -يومه 14 نونبر 2022- جد مفيد بالنظر إلى كونه جمع بين أطراف من المعارضة المتناقضة فكريا تمكنوا من تبادل أفكارهم بهدوء و بشكل جميل في غاية الرقي.
ولكن ما استنتجت هو أن المشكل القائم بين التيار العلماني و التيار الإسلامي مازال يراوح مكانه و لم يتقدم قيد أنملة. و لقد اتضح ذلك بعدما تم التطرق لأمور سياسية كبيرة تهم الديمقراطية و ما إلى ذلك، ثم فجأة جاءت الخلاصة التي جعلت كالعادة الحوار بلا فائدة تذكر، خلاصة تعيد التأكيد على أن برنامج القوى العلمانية يتمحور فقط حول مسألة الحريات الفردية، يعني أنها تظل أولوية الأولويات بالنسبة لها و ماعدا ذلك يمكن تأجيل كل شيء إلى ما لا نهاية. طيب.
ولكن، و على كل حال، الملاحظ أن عودة محاولة بناء تقارب بين اليسار المعارض و اليمين المعارض تأتي في خضم الظروف التي نعيشها اليوم، من غلاء للمعيشة، و جو محتقن إلى حد ما، و تفقير للطبقة المتوسطة إلى آخره، وذلك في أفق استغلال ظرف مواتي للضغط من أجل تحقيق التغيير، حسب وجهة نظر المعارضة، بعدما فشلت حركة 20 فبراير في ذلك...
صحيح أن التغيير لا يأتي بلا طلب، ولكن لابد للطلب أن يكون مدعما من طرف المجتمع. و من خلال الحوار المذكور أعلاه قد يستشف بأن حركة 20 فبراير فشلت فقط نظرا لانعدام الثقة بين اليسار المعارض و اليمين المعارض، في حين أن ذلك يبقى استنتاج غير صحيح أو بالأحرى غير دقيق.
لنشرح الأمور بوضوح و بأبسط الكلمات و الجمل. أولا يجب الإشارة، حسب الظاهر، أن الأمر يتعلق بقوى معارضة لنظام حكم يراد تغييره سواء نحو ملكية برلمانية أو غير ذلك. الجهة الأولى تتناغم مع الغالبية الساحقة التي تريد الإبقاء على الهوية الإسلامية و في ذلك لا تتعارض مع نظام الحكم القائم. و أما الجهة الثانية فتريد إحداث تغيير جذري في المجتمع ينزع عنه هويته الإسلامية عبر مدخل الحريات الفردية و في ذلك تتناغم مع الضغط الخارجي الغربي.
الجهة المعارضة الأولى قوية من حيث قاعدتها الجماهيرية نسبيا، و الجهة المعارضة الثانية، و إن كانت ضعيفة من حيث قاعدتها الجماهيرية، فهي تتمتع بالدعم الخارجي و بالتالي فهي الأقوى نظرا للتوجه الذي يسير فيه العالم اليوم. و أما الخصم المشترك بين الجهتين فهو "المخزن". طيب.
أستسمح بالتذكير هنا أن الدعوة إلى ضرورة التقارب بين اليسار و اليمين كان موضوع مقدمة كتابي "المؤامرة السلمية ضد التخلف" الذي صدر سنة 2011؛ ضد التخلف و ليس ضد أية جهة من الجهات، وذلك لأسباب موضوعية واقعية لا يمكن أن تخالف توجه المجتمع و إرادته، لأن لا يمكن تحقيق التقدم مع ترك الشعب جانبا.
صحيح أن يمكن ل"ديكتاتورية بناءة" أن تحقق التقدم، كما يمكن أيضا ل"نظام ديمقراطي" أن يحقق التقدم. ولكن، بصفة عامة، إذا كان النضال في بلد متخلف يهدف فعلا إلى الإرتقاء بالفقراء إلى مستوى عيش محترم و مقبول، و حماية الطبقة المتوسطة من التفقير، فهل الأولوية في شكل نظام الحكم أم في جوهره -مع تفضيل الديمقراطية طبعا-؟ هذا هو السؤال الوجيه.
المجال هنا مجرد مقال لا يتسع لمزيد من الشرح و التدقيق، فحتى لا أطيل، أرى أن مشكلة كلا الجهتين المعارضة و المتعارضة في ما بينها، تكمن في ذلك المفهوم غير الصحيح التي أعطته سلفا لمصطلح "المخزن" و لخصته في جملة أو في كلمات، ك "الإستبداد" مثلا، إما عن غير فهم، أو عن قصد من أجل التعبئة و فقط لبلوغ أهداف ما أو من أجل تحقيق التغيير، في حين أن الحقيقة هي أن "المخزن" من الشعب و إليه شئنا ذلك أم أبينا، و الدليل أن الأفراد من كل التوجهات و كيفما كانت وضعيتهم الإجتماعية، فقراء و أثرياء، يتصفون بنفس الصفات التي تقول المعارضة بأن المخزن يتصف بها؛ ولكنها صفات قد تكون سلبية و قد تكون إيجابية... خلاصة: لابد من تقارب ثلاثي يضم ممثلا موضوعيا للملكية أيضا و ليس تقاربا بين جهتين فقط، حتى يتمكن المغاربة من بناء مستقبل أفضل... و تحياتي للجميع.
#يونس_فنيش (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟