أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد خيري - تخطّي المحذور وصناعة الوعي: قراءة في كتاب الفكاهة الجنسية عند العرب لجابر خضير















المزيد.....

تخطّي المحذور وصناعة الوعي: قراءة في كتاب الفكاهة الجنسية عند العرب لجابر خضير


أحمد خيري
كاتب وباحث

(Ahmed Khairi)


الحوار المتمدن-العدد: 7427 - 2022 / 11 / 9 - 15:54
المحور: الادب والفن
    


يحضر الجنس بوصفه مكوناً رئيساً لما يسمى بخطاب الهزل في الثقافة العربية، هذا ما ابتدأ به الناقد جابر خضير مقدّمة كتابه، الفكاهة الجنسية، الصّادر عن دار شهريار 2021، وهو يركّز على هذا النوع الذي يكاد أن يكون معتماً؛ نتيجة لاعتبارات عديدة أبرزها ارتباط الجنس بتابوهات دينية واجتماعية تجعل من الخوض فيه يقع في دائرة المحرّم والعيب كما يعبّر، ومن ثمّ فهو أوّلُ كتابٍ يُعنى بالجنس في بعده الهزليّ، فالفكاهةُ لا تخرجُ بطبيعتها عن حدودِ دلالتها المرتبطة بالضحك والمُزاح، وتعلّقها أكثر بطُرَفِ الكلام والمداعبة، ومن ثمّ تكون الفكاهةُ الجنسيةُ التي ينطوي عليها الكتاب هي نصوص الضحك والمزاح والهزل المرتبطة بالجنس، والعلاقة الجنسية، باختلاف أشكالها، كما قدّمتها مدونةُ التراث العربيّ، والقارئ لهذه النّصوص، ضمن هذه المدوّنة، قد لا يسلّم بفائدتها، أو يُعاديها بسبب تلك الاعتبارات؛ بوقوعها ضمن المنبوذ اجتماعياً والمحذور دينياً، إذ قد يُسيطر نمط الانتماء أيديولوجيا بعدم الاقتناع بموضوعاتٍ تُمثّل تابوهات دينية واجتماعية، فهي نصوص تلغي العقل وتميل نحو السّاخر، والممتع، فضلاً عن صياغتها الهزلية في تقريب هذا التمرّد، ومن ثم فالسّؤال الأساس: ما الذي قد تُضيفه الكتابة عن هكذا نوع من النّصوص، وكيف يكتسب الكاتب شرعية أن يُقاربَ نصوصاً محذورة ومنبوذة دينياً واجتماعياً؟
والإجابة عن هذا السؤال تستدعي تشخيصاً للكاتب، ثم الانطلاق إلى قراءة عمله وإضاءة ما قد يُضيفه هذا التشخيص من مفارقات، حول الكاتب وما يكتب، ومنذ الوهلة الأولى فإنّ مشاهدة ثلاثة عناوين للناقد جابر خضير، أولها المرأة من منظور النّقد، دراسات في النقد العربيّ القديم؛ وثانيها الخطاب والجسد، مقاربة في التراث النقديّ؛ وثالثها الفكاهة الجنسية عند العرب، تُتيح تشخيصه بالنّاقد المتبنّي؛ كون هذه العناوين تُحدّد وجهة واضحة يركّز عليها الناقد، أغلب ما تكون محدودة، يقلّ فيها الاهتمام، محورها المرأة، ويتعدّاها إلى جوانبَ تشمل الذكورية، ولكنّ هذه الجوانب غالباً ما تعبّر عن الهيمنة الذكورية إذا ما استدعينا تسمية بيير بورديو وسلطوية الذّكر اجتماعياً، ومن ثمّ إذا كان النّاقد متبنّياً لمشروع ما فإنّ ذلك قد يستدعي جعله في عوالم محدّدة، تستند إلى رغبة النّاقد نفسه في اكتشافها، وذلك يمنحه في المقابل جرأة التّمرّد على المألوف، أو يُتيح له استدعاء المُمكن الذي لولا صفة التبنّي لصار ممتنعاً؛ لاعتباراتٍ دينيةٍ واجتماعية، وهذا ما سيُلاحظه القارئ سمة واضحة في كتاب الفكاهة الجنسية، بما يتضمّنه من نصوصٍ تجاوزت حدّ المُمكن؛ بسبب خلاعيتها، إلى المُمتنع المُمكن؛ ممتنع بفعل ارتباط النصّ بتابوهات المجتمع، وتمكينه عبر التبنّي الذي يقع صفة للكاتب، إذ من البداهة أنّ تبنّي المشاريع يستلزم من الكاتب أن يتخطّى إشكالية المحذور، ويتجاهلها مؤقّتاً؛ ومن ثمّ لا بدّ من تفكيره في إقناع القارئ أوّلاً بشرعية هذا التّخطي بالاتجاه نحو صناعة الوعي، تقديماً للفائدة المعرفية التي يفتقرها القارئ في النصّ المجرّد القابع في بوتقة التّراث، كنصّ الفكاهة الجنسية؛ باعتباره نصّاً لم يخضع للمُساءَلة والتّشخيص الذي قد يصنع وعياً معرفياً لدى القارئ، فيميل مع النّاقد، نحو شرعية هذا التّناول، وهي شرعية تُضفي طابع المُمكن على المُمتنع، لدى القارئ، فيما يتعلّق بالعوائق الذاتية للفكر، وهي عوائقُ تتمثّل في عادات الذّهن وآليات التّفكير وقوالب المعرفة بتعبير علي حرب، ومن ثمّ فالنّاقد جابر خضير يحاول إظهار القيمة التي تتركها لنا نصوص الفكاهة الجنسية، وتحليلها في ضوء سياقها، الذي من أجله قيلت، فما دام التبنّي يتضمّن الدّفاع عن الشيءِ والتّعلق به والكفاح لأجله كما تقدّمه المنظومة المعجمية، فهذا يعني الإلحاح على قيمة المُنتَج، الذي يتصوّره النّاقد فيما يتبنّى، وإذا كنّا ننسب هذه الصّفة للناقد جابر خضير فسيتطلّب ذلك تخمين الجّانب القيميّ للمُنتَج/ مُنتَجه، والجّانب القيميّ لكتاب الفكاهة الجّنسية يندرج ضمن المُغيّب والمنبوذ بفعل الاعتبارات الدّينية والاجتماعية والخلقية ومعالجة هذا المُغيّب، وهذا الجّانب قد سمح للناقد إنتاج المعرفة وصناعة الوعي بهذه النّصوص ومن ثمّ تخطّي إشكالية المحذور، وهذه إحدى سمات النّاقد المتبنّي، وأعني إنتاج معرفة ما.
وما دام التبنّي يفترضُ اهتمامَ صاحبهِ بمجالٍ ما، يكرّسُ لصالحه جهده العمليّ، فسيكون التّحولُ سمةً ثانيةً من سمات النّاقد المتبنّي إلى جانب الانتاج؛ كون التّحوّل ضمن المشروع الواحد قد يصنع وعياً آخرَ بالمنتَج، المغيّب، عبر الاتجاه/ التّحول في مساحات معتمة يسعى النّاقد إلى إضاءتها، ونصوص الفكاهة الجنسية بطابعها الهزليّ إحدى الأماكن التي يصرّح الناقد بمحدوديتها ضمن متناول الباحثين؛ نتيجة لتلك الاعتبارات، فإذا كان الناقد جابر خضير في كتابه الفكاهة الجنسية يستدعي موضوعاً يحمل في طياته تابوهات المجتمع، فإنّه يُحاول إضاءة هذا الجّانب بما تتوفّر لديه من أدوات تشخّص هذه النّصوص وتدرسها دراسةً موضوعية، في ضوء سياقها الثقافيّ؛ للكشف عن مضامينها وآلياتها ومظاهرها، فنصوص الفكاهة الجنسية بما تحمله من أبعاد سلبية عند تلقيها، وما تُثيره من إشكاليات تقترب من المدنّس، ويشاهدُ فيها القارئ عبر مصدرها الأصليّ جوانب المتعة والضحك والهزل والسّخرية، دون المعرفة، ويأخذ جانباً كبيراً منها طابعَ التداول السّاخر في المجتمعِ المعاصرِ بين أفراده؛ فإنّ النّاقد يُعقلن هذه الجّوانب السّلبية، ويضع القارئ أمام قراءة واعية، تزيد في وعيه، فتناول في الفصل الأوّل مظاهر السّلوك الجنسيّ، وفي الفصل الثاني مضامين الفكاهة الجنسية، ودرس في الفصل الثالث آليات هذه الفكاهة ومفارقاتها، ومن ثمّ فهو يتتبّع هذه النّصوص من مصادرها، ليكشف عن مضامين هذه الفكاهة، كتحليله لطبيعة الرّغبات الجنسية لدى المرآة والرّجل، وبيان مظاهرها ونشوئها في الثقافة العربية، وما صاغته هذه الثقافة حولها من تصوّرات، وإبراز الطبيعة الثقافية للعلاقة بين الرجل والمرأة وديمومة هذه العلاقة التي تُبنى على أثر جسديّ مادّيٍّ كما تصوّره نصوص الفكاهة، وتشخيص ارتباط المرأة بتصوّرات دونية تستغلها نصوص الفكاهة بما مثّلته من نشاطٍ عدوانيٍّ موجّه ضدّ النساء، يهدف بالدّرجة الأساس إلى التّقليل من قيمة المرأة اجتماعياً. كما بحث النّاقد آليات الفكاهة الجّنسية، التي مثّلت مع ما سبقها بؤرة صناعة الوعي، فناقش البعد الحجاجيّ والأساليب البلاغية التي تؤدّي دور المباغتة والتحيّل، كالتّورية. كما خصّص مساحة لبحث المفارقة في نص الفكاهة، كمخالفة المقام للمقال، ومفارقات القول للفعل إلخ... فانتقل النّصُ في حدود هذه القراءة من نصٍ يشوبه العيب والحرج والسّخافة المنزوية في دائرة الاستمتاع والضحك والهزل والمُمتنع أخلاقياً، إلى نصّ يجمع إلى جانب ذلك تحقيق مضامين القراءة الواعية التي قدّمها النّاقد جابر خضير عبر جرأة تضمين النّصوص.
وأخيراً يتحقّق هذا الوعي بنصوص الفكاهة الجنسية لدى قارئ هذا الكتاب عبر تحديد النّاقد حدود هذه الفكاهة، كتحديده لنصوص الفكاهة النّاقدة التي تنفتح على جوانب قد تكون إيجابية لممارسة النقد والتّحرر والحرية، وصناعة الوعي أيضاً عبر تأويل هذه النّصوص والكشف عن سطحيتها وسذاجتها، وصناعة الوعي عبر توصيف النّادرة باعتبارها كاشفةً عن ثقافة قومٍ وتفكيرهم وانسلاخهم عن قيمٍ إسلاميةٍ واجتماعية تواضع عليها العربُ، وصناعة الوعي أيضاً بما يجسّده النّاقد في هذه النّصوص من تزييفٍ للسلطة وممارساتها، وتحديداً السّلطة المشرّعة/ سلطة القضاء التي اقترنت بها نصوص الفكاهة، وغير ذلك ممّا يشتملُ عليه كتاب الفكاهة الجنسية؛ فإذا كان التبنّي يتضمّن الدّفاع عن الأفكار، فإنّ هذه الأفكار قد يتّخذ جوهرها طابع المنبوذ والتّلقي السّلبي أو الهزليّ المضحك من قبل الأفراد كما هو الحال مع نصوص الفكاهة الجنسية بوصفها جوهراً مجرّداً وساخراً متمرّداً على القيم، ومن ثمّ كان التبنّي – الذي يصعب لولاه ملامسة هذه التابوهات - فارقاً ينقلها عبر وعي النّاقد بها من المجرّد السّلبيّ إلى منظومة التّلقي المعرفيّ، فتتمّ عملية صناعة الوعي بهذه النّصوص وفضح أيديولوجيتها والكشف عن أنساقها الثقافية وارتباطاتها الاجتماعية.

* باحث عراقي



#أحمد_خيري (هاشتاغ)       Ahmed_Khairi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد خيري - تخطّي المحذور وصناعة الوعي: قراءة في كتاب الفكاهة الجنسية عند العرب لجابر خضير