عبدال خان تلداري
الحوار المتمدن-العدد: 7421 - 2022 / 11 / 3 - 23:08
المحور:
الادب والفن
"جمهورية الكلب"
رواية للشاعر والروائي إبراهيم اليوسف .
جاءت رواية جمهورية الكلب لإبراهيم اليوسف، والصادرة عن دار خطوط وظلال٢٠٢٠ في 360 صفحة من القطع الوسط، حيث تقع أحداثها في المانيا التي كانت عنوانا آمنا لجأ إليه مئات الآلاف من السوريين، هربا من الحرب الدائرة في بلدهم، ضمن إطار هجرة ملايين السوريين إلى العديد من البلدان الأوربية والعالم.
آلان بطل الرواية الذي يجد نفسه في عالم لا ينتمي إليه والذي يخوض صراعا مع الذات أكثر من أن يكون صراع ثقافات، و صعوبة في الاندماج، متخوفاً من البيئة التي لا ينتمي إليها ليتشكل لديه هاجس حماية عائلته من مخاوف وأخطار كثيرة لم تكن موجودة في بيئته، لا سيما أننا وخلال السنوات الماضية رأينا كيف أن الكثير من العائلات المهاجرة تتفكك بعد وصولها إلى أوربا، لهذا السبب أو ذاك، إلا أن صراع بطل الرواية آلان مع الذات، يبدأ حين يجد عالمه مخترقا.
لا أدري إن كان أحد غيري قد انتبه إلى تلك النقطة أي الصراع مع الذات. صراع التناقضات، أم لا؟ فآلان الذي ولد في بيئة دينية، ونشأ فيها، وتلقى كما هائلا من الخطوط الحمراء، نتيجة مزيج من المعتقدات الدينية والمجتمعية التي توارثها معظمنا، على مدى أجيال زرعت تلك المفاهيم في أدمغتنا، و أورثناها بدورنا لأطفالنا، من دون أي يعي الكثير منا لم هذه الخطوط الحمراء؟ ورغم أن الكثير منا يدرك أن معظمها مجرد عادات متوارثة لا أكثر، إلا أننا لا نستطيع التخلص منها رغم قناعتنا التامة بعدم صحتها.
نعم هذا ما عاناه بطل الرواية كثيرا، إذ كيف لشخص انخرط فيما بعد في صفوف الماركسيين، أو كيف لشخص علماني أن يتطهر بالماء والتراب الأحمر بسبب نجاسة كلب؟
رغم أن بطل الرواية يحاول في كل فرصة تبرير هاجس الكلاب بخوفه منها، منذ الطفولة والكوابيس التي طالما راودته باستمرار، كنتيجة ثقافة التلقين المبالغ فيها و التي تلقاها في طفولته، كما معظمنا، و أتذكر منها الحديث المهول عن جسر الصراط المستقيم، وكمية الرعب في سرديات الأهل. أحاديث هؤلاء والعديد من الأحداث التي مر بها البطل في طفولته، وحتى أثناء الحرب السورية بخصوص الكلاب، أوصله إلى هذه الخالة.
يبدأ آلان صراعه مع الذات حين يجد عالمه مقتحما من قبل امرأة المانية تدعى بيانكا وكلبها روكي حيث تبدأ تدريجيا باقتحام عالمه الذي لا ينتمي إليه، من دون مراعاة الظروف التي نشأ فيها.
بيانكا المرأة الألمانية الأربعينية التي اختارت عالم الكلاب بعد مقتل زوجها في العراق، ليكون آلان محور انعطافه في حياتها. إذ دنومساء واية من باب الشفقة والإنسانية، لتكتشف فيه فيما بعد، مستمعا جيدا لثرثرتها المتواصلة، عن عالم الكلاب، وكل ما يخصها، وهو عالم الكلاب الأثير لديها، بعكس آلان الذي كان يمقت الكلاب، بل ويعيش حالة رعب منها ترافقه منذ الطفولة.
تتطور علاقة آلان وبيانكا، تدريجياً، ليلتقيا أكثر من مرة في اليوم. صباحا ومساء و يلتقيان أحيانا ثلاث مرات في اليوم. و في المكان نفسه الذي التقيا فيه خلال المرة الأولى وهي حديقة الكلاب، ليلتقيا أحيانا أخرى في المقاهي القريبة حين يكون الجو ماطرا. إذ إنه في معظم لقاءاتهما تكون بيانكا هي السباقة لتحجز لهما مقعدا خشبيا في الحديقة والتي علم آلان مؤخرا انها حديقة للكلاب أو في منتزه ما، رغم محاولاته المستمرة لثنيها عن الحديث في عالم الكلاب وإظهار، الرعب الذي في داخله تجاه هذا المخلوق إلا أن لغته الألمانية لا تسعفه، وقد تكون اللغة سببا في تعلقه ببيانكا، فقد تعلم منها أكثر من تعلمه في المدرسة الالمانية.
يتطور مجرى العلاقة بين آلان وبيانكا أكثر فاكثر ،حين تستدعيه بيانكا إلى شقتها في عيد الكلاب العالمي، للاحتفال معها، وهذا امتياز. حيث يجد نفسه محاطا بمجموعة من الكلاب ليعيش أحداثا كثيرة، ويتلقى درسا مفاده أن الكلاب صادقة في مشاعرها، عندما يتعرض آلان لهجوم كلبين كلما حاول الاقتراب من بيانكا .
يستغل الكاتب هذه الرواية ليسرد جانبا من سيرته الذاتية، ليضعنا أمام مقارنات بين ثقافة مجتمعنا الشرقي و المجتمع الغربي، وهو يسرد جوانب من حياته من خلال استحضار احداث أبطالها كلاب في معظمها، واحيانا رجال أمن. لا فرق، ففي مجتمعاتنا كلاهما واحد.
يظهر لنا الكاتب أن أكبر معضلة تمنع اللاجئ من الاندماج هي حاجز اللغة وأن كبار السن هم الأكثر عرضة للفشل، أما الأطفال والشباب فلا مشكلة تعترضهم فهم يندمجون بسرعة، ولهذا رأى في بيانكا فرصة لا تتعوض بالنسبة لآلان.
المنعطف الأكثر إثارة في هذا العمل الفني يظهر عندما يكتشف آلان أن بيانكا حفيدة أحد المقربين من هتلر، ليدخل في صراع حقيقي مع نفسه، وليعيش حالة خوف مبررة.
العلاقة المعقدة , الوطيدة التي نشأت بينهما رغم كل التناقضات لم تمنع آلان من تجاوز كل خطوط مجتمعه الحمراء، والتقرب من بيانكا، اكثر فأكثر، لعله يجد من خلالها مفتاح الاندماج، إلا أن حياته تتحول إلى مأساة حقيقية بعد علمه أنها حفيدة أحد المقربين من هتلر، و إصرارها على إقحامه في أمور لم تكن تخصه، رغم كل محاولات الصد من طرفه، ليجد نفسه واقعا في ما كان يخشاه .
يظهر لنا الكاتب مجددا أن أكبر تحديات الاندماج هي اللغة ومعظم الأمور الأخرى. كالعادات والتقاليد، فإننا نستطيع أن نتجاوزها مع الزمن، إذ أن اللغة لو أسعفت آلان لكان للأحداث منحى آخر .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟