أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام أيت رحو - علاقة الشعر بالسرد















المزيد.....

علاقة الشعر بالسرد


هشام أيت رحو

الحوار المتمدن-العدد: 7406 - 2022 / 10 / 19 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


علاقة الشعر بالسرد في الثقافة العربية القديمة
إن الحديث عن "العلاقة الموجودة بين الشعر والسرد، يأتي من منطلق إشكال تداخل الأنماط التعبيرية والأنواع الأدبية فيما بينها؛ ذلك أن كثيرا من الأجناس الأدبية تتمازج وتلتقي وإن ظلت تحتفظ بخصوصيتها النوعية" ، ومن المعروف على أن الأمة العربية أمة شعرية بامتياز، فالشعر عندها بمثابة وعاء يحوي تجاربها في الحياة؛ ففيه ـ أي الشعر ـ نجد أيامها وأخبارها وحروبها وغاراتها وأنسابها وعدد قطعان إبلها...فقد ذكر ابن رشيق القيرواني في باب "احتماء القبائل بشعرائها" من كتابه العمدة في محاسن الشعر وآدابه: "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصُنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تُنتج" وعند تدقيق النظر في "مدونة الشعر العربي القديم نجده قد اغتنى بالعناصر القصصية منذ العصر الجاهلي وصدر الإسلام، ولعل الوقوف مع بعض ...الشعر الجاهلي ينبئنا عما كانت عليه القصيدة العربية في مجال السردية الشعرية" ، فقد جسدت ـ أي القصيدة الشعرية ـ ذلك التفاعل بين الشخصيات من صراع وغيره من خلال عنصر الحوار وفضاء الزمان والمكان، جعلها أقرب ما تكون إلى شكل سردي، لدرجة أننا عندما نقوم بـ"مقارنة للنصوص الشعرية القديمة كثيرا ما يحدث لدينا انطباع بأننا نقرأ قصة أو حكاية" ، لأن من طبيعة الشعر العربي أنه شعر حكي وإخبار، بعبارة الدكتور حمادي صمود، وعموما نقول إن العلاقة بين السرد والشعر علاقة مربوطة بخيوط من حديد؛ ذلك أننا في الشعر نجد السرد ـ كما سنبين بالأمثلة ـ وهذا الأخير نجده قد زينت نصوصه بأبيات شعرية "على الرغم من تسيد الشعر على خطاب السرد، إلا أنهما كانا يشكلان قطبين مختلفين في المعطيين الثقافي والإجتماعي" .
إن المذهبات أو المسمطات أو المعلقات التي اعتبرت من أفضل ما كتب في الشعر العربي، بل لا نبالغ إن قلنا بأنها أحسن ما نظمه العرب على مر العصور، إذ يستحيل أن يؤتى بمثلها سواء من ناحية الألفاظ أو من ناحية النظم والسبك، نجد بأن عنصر الحكي والقص قد طغى عليها، "ففي معلقة امرئ القيس انقسم الخطاب الشعري بين مشهدين: مشهد تصويري تقف فيه عين الشاعر في مكان علوي، لتنقل لك مناظر التجلي التي رسمتها يد الفنان الشاعر، بينما يتحرك الفعل الدرامي ليرسم معالم البنية الحكائية في ثلاث قصص متتالية، تتجلى معهن قصة الحدث الشعري، تقول القصيدة في معزوفتها السردية الأولى" :
"كَدَأْب أُم الحُويريث قبلها وجارتها أُم الرباب بمأسَــــــــــــــــــــل
إذا قامتا تَضَوع المِسك منهما نسيم الصبا جاءت بِريا القَرَنفــــــــَل
ففاضت دموع العين مني صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي
ألا رب يوم لك منهن صالح ولا سيما يوم بــــــــدارة جلجـــــــــل"
"أما اللوحة الثانية فتأتي لتسرد قصة مغامرات الشاعر في اللهو والصيد والمغازلة" :
ويوم عقرت للعذارى مطيتي فيا عجبا من كورها المتحمل
فظل العذارى يرتمين بلحمها وشحم كهداب الدمقس المفتل
وبالعدسة السردية عينها ينقل لنا مشهدا شبيها بسابقه، مع ابنة عمه عُنيزة:
ويوم دخلت الخدر خدر عُنيزة فقالت: لك الويلات إنك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معا عَقرت بعيري امرأ القيس فانزل
فقلت لها سيري وأرخي زمامه ولا تبعديني من جناك المعلــــل
فمثلك حُبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم مُحــوِل
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شقها لم يُحـَــــول
ويوما على ظهر الكثيب تعذرت علي وآلت حَلْفَة لم تحلــــــــل
ويلاحظ أن أبيات امرئ القيس هذه حافلة بكل مكونات السرد الأساسية؛ ففيها الزمان (يوم...) والمكان (الخدر...) والشخصيات (عُنيزة...) والحوار (تقول...)، إلا أن ذلك لم يخرج النص عن جنسه الشعري، بل أضفت عليه تلك المكونات مزيدا من الرونق والجمال.
نفس الأمر قام به الشنفرى في لاميته المشهورة، التي مطلعها " أقيموا بني أمي" حيث قدم صورة كاملة عن البيئة التي يعيش فيها يقول:
وبعد هذا المشهد الجميل، النابض بالوصف، انتقل الشنفرى إلى الحديث عن أدواته التي يستخدمها في الصيد، حيث يقول:
أدار الشنفرى بعد ذلك العدسة باتجاه نفسه، حيث تحدث عن خصاله وأخلاقه التي يتصف بها، في مشهد لا يخلو من دقة في الوصف وإصابة في نقل الصورة بكل أبعادها، يقول :

إن هذه الأبيات الشعرية الفائقة الجمالية، عندما تلج الأسماع يُظن لوهلة أنها قصة أو حكاية، لكنها منظومة مسبوكة، فقد وظف الشاعر السرد في شعره بطريقة وفق فيها لكونه لم يُخرج الشعر عن نطاقه، فالمقام مقام إنشاد يستدعي إيقاعا ونظما وموسيقى معينة، وليس بمقام حكي وسرد.
وتزداد الوشائج الرابطة بين السرد والشعر وضوحا، في قول الخنساء، حيث" وصفت سباقا بين أخيها وأبيها، فقد عبرت بذلك عن سرعة الحركة التي تناسب السرد، فالسباق على أشده بين الأب وابنه، فالإبن يُجاري أباه وهما يتبادلان الغبار المثار حولهما" ، مما جعل الناس في حيرة لكون الغبار شكل حائلا بينهم وبين المتسابقين، لكن بعد برهة من الزمن انقشع الغبار واتضح أن "الأب فاز لكون الإبن يحترم أباه، وقد كان من الممكن أن يعادله لولا إجلاله له، تقول الخنساء:
جارى أباه فأقبلا وهمـــــا يتعاوران مُلاءة الخضــــر
حتى إذا نزت القلوب وقد لَزت هناك العذر بالعــــذر
وعلا هُتاف الناس أيهمــا قال المجيب هناك لا أدري
برزت صحيفة وجه والده ومضى على غُلوائه يجري
أولى فأولى أن يساويــــــه لولا جلال السن والكبــــــر
إن المتأمل في هذه الأبيات الشعرية، يخلص إلى "أسلوب سردي شائق لا تنقصه الإثارة، قُدم عن طريق التعاقب، فلا استرجاع ولا استباق؛ لأن مثل هذه التقنيات يصعب على الشعر التعامل معها في ظل القيد السحري للشعري" ، إلا أن أخت صخر استطاعت تلخيص المشهد من خلال إعلانها للمنتصر في الأخير.
قام ابن الونان الشاعر، بوصف ديار قد هُجرت، قائلا:
مجاهل تحار فيهن القطــــــــــا لا دمنة لا رسم دار قد بقي
ليس فها سوى السوافي والحوا صب الحراجيج وكل زحلق
والمرخ والعفار والعضاه والــ ــبشام والأثل ونبت الخربق
حاول الشاعر في الأبيات السابقة، أن يرسم لنا صورة واضحة المعالم عن تلك الديار، بمساعدة عنصر الحكي، وقد وُفق في ذلك، لأن الأبيات " قد استوى كلامها، وسهُل مخرجه وتم معناه وصدقَت الحكاية فيه...لأن كل كلمة وقعت موقعها الذي أُريدت له، من غير حشد مجتلب ولا خلل شائن" ، وهو ما أكد عليه ابن طباطبا العلوي في موضع من كتابه حيث يقول: "وعلى الشاعر إذا اضطر إلى اقتصاص خبر في شعره، دبره تدبيرا يسلس له معه القول، ويطرد فيه المعنى، فيبني شعره على وزن يحتمل أن يحشى بما يُحتاج إلى اقتصاصه بزيادة من الكلام...وتكون الزيادة والنقصان، يسيرين غير مخدشين لما يُستعان فيه بهما، وتكون الألفاظ المزيدة غير خارجة من جنس ما يقتضيه، بل تكون مُؤيدة له وزائدة في رونقه وحسنه" ، وقد اعتبر الدكتور صلاح فضل "هذه الإشارة أوضح كلام عن السرد الشعري في النقد والبلاغة العربية في الماضي" .
وبعد أن أوردنا الأمثلة السابقة، يمكننا أن نستخلص، خمسة أنواع للسرد الشعري، وهي كالآتي:
1. السرد الشعري الحكائي:
وهو الذي تتجسد فيه عناصر السرد الحكائي؛ فالشاعر يجسد فيه صوت الراوي الذي صنع مع الآخر جدلا سرديا مبنيا على عدة خصائص، ومثاله قول أبي حُصينة في قصيدة له: ما أنت وذكر خدلجة تركتك تذوب من الحُرَق نزلت
2. سرد توهم الحكاية:
ويمكن القول بأنه "هو الذي يبدأ باستهلال سردي حكائي معتمدا على فعل من أفعال الحكاية، بأنواعها المختلفة، ثم ما يلبث الشاعر أن يدخل في عموميات الخطاب، الشعري، فتغلب عليه نزعة الوصف أو التشخيص أو التصوير" ، كقول أبو ذؤيب الهذلي في مريتيته المشهورة:
قالت أميمة ما لجسمك شاحبا منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
فالهذلي ابتدأ بيته باستخدام "الفعل الماضي “(قالت)، الذي يحمل نبرة التأكيد على صدور القول من مخاطبته.
3. السرد التشخيصي:

إن التشخيص من أهم "الأدوات المشكلة لعدد من الخطابات الشعرية؛ فهو يُحول النص من التعبير الرمزي المجرد إلى التعبير المشخص، ويقوم ـ أي السرد التشخيصي ـ على الحديث عن الذات وعن الأشياء وتشخيصها، أو تجريدها، وصفا ومدحا وتفسيرا" ، ومثاله قول ابن الرومي في تأثير غناء مغن:
فكأن لذة صوته وذبيبها سنة تمشى في مفاصل نُعس
4. السرد الذاتي:
ومن خلال هذا النوع "يجعل الشاعر من نفسه محورا للنص، فصار هو المخبر الوحيد عنها، الذي يُنمي حركة النص...حيث يتحول الشاعر هنا إلى راو ومتلق في آن واحد، ويكون الحدث(السرد) النابع من ذاته هو محور الحركة، والخطة التي ينتهجها النص مع الإستعانة أحيانا بسارد آخر ينبع من الذات الأولى أيضا" ، ومثاله قول المتنبي في قصيدة له:
ما بال كل فؤاد من عشيرتـــــها به الذي بي وما بي غير منتـــــــــقل
مطاعة اللحظ في الألحاظ مالكة لعظيم مقلتيها عظيم الملك في المقـــــل
فالشاعر ابتدأ هنا بسؤال نفسه عن السبب الذي جعل قلوب رجال عشيرة حبيبته، تقع في حبها، "وهكذا يستمر الشاعر مرتديا عباءة الراوي تارة والمتلقي تارة أخرى، فيصبح الحدث محور الحركة الذاتية في النص..."
5. السرد المشهدي:
وهذا اللون "يعتمد الشاعر فيه على التصوير المشهدي كأساس سردي للنص، ويستثمر السارد(الشاعر) مع عناصر الرؤية والتصور، اللغة وفنياتها، كالتشخيص والوصف والحوار وغير ذلك من مستويات الخطاب" ، ويتجلى هذا النوع في قول الشاعر : فلما توسطنا اليفاع وأشرقت مذانب من لبنان بيض العمائم
هذا المشهد يمثل الرؤية الكلية للسارد(الشاعر)، معتمدا على أسلوب الحكاية، مع سيطرته على الحركة داخل المشهد، فهو يسير مع صحبة له وسط طبيعة خلابة، أخذ في وصفها من جميع الجهات، فمذانب جبل لبنان كأنها عمائم بيض...رسم من خلالها الشاعر مشهدا بديعا.



#هشام_أيت_رحو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام أيت رحو - علاقة الشعر بالسرد