أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خطوري - كُنْ أَنْتَ أَنْتَ لَا تَكُنْ أَنْتَ سِوَاك















المزيد.....

كُنْ أَنْتَ أَنْتَ لَا تَكُنْ أَنْتَ سِوَاك


عبدالله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7392 - 2022 / 10 / 5 - 18:22
المحور: الادب والفن
    


لقد تخطت بنا المعلوميات خطوات جبارة مُخْتَزِلة وسائط متعددة، فيكفي أن تتوفر على جهاز هاتف نقال عادي كالذي بين يَدَيَّ ويديك الآن ثم تحاول ما أمكنك تحفيز ذاكرة منتعشة شاحنة لمهاراتك ومواهبك، ثم الدخول في تعالقات موازية للواقع آفتراضية أشبه ما تكون بالأحلام، ويكفي أن تنقر نقرة أو تمرر بإبهامك على شاشتك المسطحة.. وها..أنتَ هائم سائح كما في قصص ألف ليلة وليلة؛ بَيْدَ أن هذه الوسائط الجديدة قد عَرَّتْ فضحت الهشاشة والفراغ الثقافييْن اللذيْن هما عند معظمنا، فلا يكفي أن تلج هذه العوالم عاريا من أي شيء، فالطبيعة لا تؤمن بالفراغ؛ من هنا يمكن فهم سبب انتشار سطحية عادة"السخافات"في المنتديات والعلاقات التفاعلية.. قديما(سبعينيات وثمانينيات القرن الخالي)كان الانسان بما مَلك من ثقاقة ومهارة قليلة أو كثيرة أو غيرها، كان في جميع الأحوال مَستورا مصونا في عوالمه الداخلية، أما وحالة"الطوفان"هذه_بالمفهوم الايجابي للكلمة_التي تجذب إليها الجميع كنداهة لا نهاية لدوامتها،فان هذا الجميع يجب عليه أن يتسلح بسلاح فلسفات وتقنيات الإبحار في لجج بلا قرار كيما لا يقع ضحية الغرق والإغراق أثناء عمليات الغطس والغوص في شبكة عوالم الأنترنيت العنكبوتية...
إننا في عالمنا المتخلف الفقير الأمي الجاهل(هذا توصيف لمعطى واقعي الى أن يثبت العكس)لَفي أمَسّ الحاجة الى جميع الوسائط الافتراضية لتُعريَ وتفضحَ هشاشتنا الفردية والجماعية الفجة، لكن المشكلة هي في لقاء الهشاشات مع بعضها البعض، عندما تغدو الأمية الثقافية والجهالة الفكرية وفقدان العمق في الرؤى للعالم والذوات والكون والكائنات شيئا عاديا لا غرابة فيه، لأن الأمر إذا شاع وذاع بين الأنام في أسواق آستهلاك آلمتاع تقرر في الأدمغة الفارغة والأسماع، فمن هب ودب ينشر ما شاء من سفاسف آلصور وخربشات خطرات الخزعبلات وسفسطات كلامية تضحى لكثرة الهوام المتهافتين عليها بلاغة مفحِمة،وتلك لَعَمْري الطامة الكبرى.. وملاحظة بسيطة للعلاقات الاجتماعية الافتراضية توضح مدى خلوها من عمق الإحساس الوجداني الإنساني الروحي الفني الابداعي التأملي؛ يغدو الشَّمْكَارُ(١) السّكيرُ قاطع آلطرقات صاحب سوابق الإجرام الذي يقيئ سفاسف لغو الكلام الموشوم بتبعات آثار آلأفيون الحامل لمخلفات بصمات عراك ديكة الخصاء في أزقة الوبال والبوار، يغدو في معادلتنا الجديدة شخصية مجتمعية لافتة صانعة للمحتوى يجمع ما تفرق في غيره من مواهب شتى كالريادة الفنية والزعامة السياسية وصلف الجرأة على آقتحام فيما يتردد فيه غيره جراء جرعات ذاك العجب الذي يتجرعه صباح مساء، فيختلط الواقع_لدى مثل هذه الشرذمة_ بالافتراض بالوهم بالحلم بالرغبات بالاماني ب ب لا فرق بين شوبان وشومان وبوكلخان، فالكل في نهاية المطاف ينقرها نقرات تتساوَى فيها المعرفة الفكرية العميقة بشطحات بني قرنان، والشكر موصول بطبيعة الحال لقنوات اليوتوب وغيرها تذيع ما لا يذاع من سْنَابْ وراب وعجب عجاب بكلام سباب نابي مُعَجن لا ذوق فيه لا رواء، فترتفع أسهم المتابَعَات تعلو وتبلغ أرقاما قياسية في أوقات قياسية..
هذه الوسائط ستظل، رغم كل شيء، وسائط وكفى، لن تستقل بذاتها، لن تبني عالمها الخاص بها، ولن تقوم لها قائمة لوحدها، ولولا المغفلين لما علا شأن"شْمَايتْ"(٢)في هذي العصور المتحجرة، ومهما بلغت درجة هذه الوسائط وكل ما لف لفها، ومهما آرتفع صيت بهرجة شأن مَنْ يتوسم عبرها تحقيق غنى المال والشهرة وذيوع الصيت ولفت الانتباه، لم ولن تبلغ ذاك العمق الانساني الفطري السليقي السليم، فبدون وجود وجدان سليم وفطرة أصيلة وفكر عميق يُغذي العقل يزكي النفس يسمو بالأرواح الى قيم انسانية سامية، لن يكون لهذه الخَرجات وسعار صَرعات النّيتْ محل من الإعراب في أي وقت من الأوقات؛فمَن يظن أن كل شيء يمكن العثور عليه وإيجاده عبر متصفحات هذا العالم الافتراضي الجديد الذي أمسى واقعا معيشا، فهو واهم، لا.. هناك الكثير لن تجده في تلك الصفحات بأنواعها المختلفة، ولا في أشرطة اليوتوب ولا في أي تطبيق أو منتدى من منتديات لوغريتمات الافتراض..أكيد، هناك الكثير من المعطيات المعرفية في هذه الشبكة اللاهثة، لكن بقي الكثير غير حاضر فيها، بقيَتْ ذاتي مثلا وذاتك، إحساسي الذاتي الشخصي المتفرد كإنسان مفرد بطبيعته المميزة له، بصمته، بسمته، بهويته الخاصة به وحده؛ لن تجد لها في سباحة العوالم هذه أثرا يُذكر تُسَيجه قوانين مفروضة من عَل يتحكم فيها مَنْ يتحكم عن سبق إصرار وترصد، لن تجد فيها رشفاتٍ من ذكرايَ، أو شعورا محبوسا أحسستُ به ذات لُحَيظات مرقن في غفلة مني، أو حلما مرهونا مازال يأخذ بزمامي يُوَجِسُني لا يفتر لا يلين.. إنها أشياء حميمة لا وجود لها إلا عبر قناة الذات التي هي أنا وأناها أنايَ ولا أحد يملك مفتاح ولوج سراديبها غيري..لا غوغول ولا موزيلا ولا كروم ولا أي متصفح آخر له القدرة على تطويقي أو زجي في سجون قماقم الأخ الأكبر بيغ بروذر(٣)..أنا لست آفتراضا أو رقما في سلسلة حسابات سخيفة أو حلقة مفرغة من حلقات مجاميع أصدقاء من صور باهتة لا معنى لها..أنا كيان من لحم ودم موجود بالقوة وبالفعل وليس علاقتي الافتراضية بآخرين ورقمها المتصاعد أو الحادر هي مَنْ ستحدد جوهري أو عدد النقرات على منشور من منشوراتي أو ضغط أيقونة جيم أو مرور ذاك مرور كرام أو آختيار ذلك خيار حذف أو حياء عدم متابعة ديزابونيه أو صلافة إقصاء بلوكي أو ما شابه من نعرات مضحكة هي من تقرر من أكون، لا، لن تكون..لستُ نصفا أنتظر أرقاما تُكملني، لست ربعا في إرث أحد، لست ثلثا لست خمسا في محاصيل لا أزرعها؛ لست رقما في معادلة، لست تكملة عدد في واتساب متسلط يَسنُّ مدمنوه قوانين تسلطية يلعبون فيها أدوار تفاهة زعماء ورق كاغيط هشاشة لا يصلح لغير...أنا مُكتمل بِذاتي في ذاتي عبر ذاتي، سيان عندي الذاهب الآيب الحاضر الغائب الآتي في غبش سكرات الافتراض وأوهام واقع آلحياةِ..سيان مَن يسألُ يتساءل يهش في سحنات آلافتراض يتواصل في الواقع يمر يُجمجمُ في آلهواء لا يُسلمُ.. سيان في الأعياد وغير الأعياد سَمْت المجاملين وظرفاء الأوغاد..كل هذه الخرجات فنطازيا موجودة في أذهان مرضى وهم كمَنْ يُدمن تسلق صهوات فسو ضراط يفسوه ويتنسم سلسبيله القميء دون يدرك في لحظة علاش زاطم(٤)..عليك يا أنت أن تكون أنت لا أنت سواك،أنتَ ذات مستقلة بكيان مستقل ولا داعي أن تبحث عن نفسك متحققة عبر ذوات أُخَـرَ، لا داعي للبحث عن من يشبهك، فلا أحد مثلك أو يضارعك، فلِمَ الالحاح إذن..إذا آخترتَ أن تختزل كيانك في كينونات غريبة عنك، فذاك شأنك يا هذا الذي لا شأن له بشأني،لا تنتظر مني تقاسما سخيفا أو تفاعلا رهيفا أو مجاملة عجفاء..أنا شخص مفرد منعزل عن هذه الدوامة النداهة، وأنت ند لغيرك، بل متميز مستقل بكيانك.إحساسي أنا سأكتبه أنا لن يكتبه لي شخص أو كيان آخر، إحساسك أنت عليك تحبيره بسويداء شغافك، لا تنتظر من الأغيار أن يحكُّوا جلدك، ما سيحك مفازات حناياك يستخرج منها دررَها الثاوية غيرك أنت، تأكد من ذلك ولا تتردد..لن أشاطر شعورا لا أشعر به لأي كان في أي مناسبة كانت دينية آجتماعية موسمية فصلية، لن أجاملَ أحدا، لن ألعب لعبة عواشر مبروكة وهابِي لستُ أدري ماذا دَايْ، لأن العواطف كتلة موحدة لا آنفصام لها الا عند ذوي الخصاصة الدماغية الوجدانية...هذه الوسائط الاعلامية تستحثني أن أبصم بصمتي الخاصة بي، تدعوني تطلبني حثيثا تلح في الطلب، ولولاي لولاك لولاه لولاكم لولانا ولولا هذه الجموع من الأفكار و الثقافات والأحاسيس والمشاعر والخلجات والخطَرات لما كان للمدعو"نيت" محل من الإعراب..إن التعامل مع هذا المارد الغول الشبح بمرجعية فراغ دون أرضية عميقة تجعل العلاقة بين الذات وبين الشبكة العنكبوتية علاقة غير متوازنة، لن تكون في صالحنا نحن بني البشر..لن ألج متاهة قال فلان قال علان، لأنني مَدْعُو لتعميق فكري وتوصيل أحاسيسي بلغة خاصة بي غير منقولة ولا مستنسخة؛ ومن أجل ذلك علَيَّ أن أعمل أجتهد و أنفض عني الكسل أدرس أقرأ أفهم أحلل أكتب أرقن وأتخيل و..و..و أبذل مجهودا واقعيا فعليا موجودا بالفعل في الواقع الذي أكابده بفكر موجود فعلا بدماغ أعلم جيدا أنه هنا داخل قِحْفِ جمجمتي في رأسي فُوَيْقَ كتفي عَلَيَّ آستعماله وتوظيف جميع مهاراتي المعرفية والعاطفية والحركية الحسية لكي أكُونَ أنا لا أنا غيري..فماذا لو كنتُ معدما فعلا في هذه المجالات..هنا"الفضيحة!!"التي أومأتُ إليها سابقا..إن الفراغ والعدم والخواء في الأدمغة المخوخة والحلوم النخرة وغياب العمق في الإحساس والابتعاد عن الفطرة الانسانية الصافية والسليمة لمفسدة إنسانية وأي مفسدة تُوَلِّدُ مزيدا من روتينات العبث والسماجة والسخف والسطحية، ملأنا مساحات الافتراض بسلوكَات مُتَرَدِّيَةٍ حتى ضاقت عوالم الافتراض بتزاحم لهاثنا، فظهرت تعالقات افتراضية منهارة شنيعة المستوى.ولعل تقنية القناع والإخفاء جاءت لتُخَفِّفَ من صدمة وأثر هذه الهشاشة في تكوين شخصيتنا الواقعية حيث يمكنني ولوج العوالم الرقمية خفية وفي تستر من ذاتي عبر ذوات أخرَ بمسميات أخر وهويات أخرى، بل هويات متعددة منتحلة إلى درجة أن سقطنا في آنشطار فج للهويات بشكل يجعلنا نتحدث ويدنا على قلبنا:ألسنا أمام انفصامات للشخصية واضحة المعالم!!؟؟
غالبا ما يتمثل رمز القناع الذي نتخذه شعارا لنا في شخصية من الشخصيات أو آسم هلامي يعني كل شيء ولا شيء في الآن نفسه أو صورة ما تنطق بصوتها عن صوتنا، في حين نظل نحن ذاك الكائن الذي يظهر ويختفي كثعلب"محمد زفزاف"(٥)،وقد يتحول الأمر الى كائن لا تحتمل خفته على حد تعبير التشيكي"ميلان كونديرا"..وصياد النعام يلقاها يلقاها كما يقول مثلنا الشعبي..أتمنى فقط أن تكون الصدمة علينا_وهي واقعة على كل حال ومستمرة_خفيفة وربنا نسأله اللطف في هذا القضاء المستجد حتى يقضي أمرا كان مفعولا...

_هوامش:
١_الشمكار:مدمن مخدرات، ومما ينسب لأمبريتو إيكو في هذا الصدد قوله:(إن أدوات مثل فيسبوك وتويتر منحت حق الكلام لفيالق من الحمقى كان معظمهم لا يتكلمون إلا في الحانات والبارات بعد كأس من النبيذ دون أن يتسببوا في أي ضرر للمجتمع..وكان يتم إسكاتهم فورا؛ أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحملون جائزة نوبل،إنه غزو البلهاء )
٢_الشمايت جمع كلمة شماتة تعني في الاستعمال الدارج المغربي الدنيئ من الأشخاص الخسيس الذي يقتات ويغتني على حساب آستغلال الآخرين
٣_بيغ بروذر Big Brother شخصية خيالية في رواية جورج أورويل(١٩٨٤)..
٤_دون أن يعي ماذا يفعل ...
٥_إشارة إلى رواية لمحمد زفزاف بعنوان (الثعلب الذي يظهر ويختفي)



#عبدالله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خطوري - كُنْ أَنْتَ أَنْتَ لَا تَكُنْ أَنْتَ سِوَاك