أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوشعيب بن ايجا - فلسفة التربية عند الغزالي















المزيد.....



فلسفة التربية عند الغزالي


بوشعيب بن ايجا
- كاتب و باحث مغربي في الفلسفة و التربية


الحوار المتمدن-العدد: 7330 - 2022 / 8 / 4 - 00:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعتبر فلسفة التربية موضوعا مهما شغل الكثير من الفلاسفة عامة ، و الغزالي خاصة، فقد أصبح من الضروري أن تكون لكل أمة فلسفة تربوية خاصة بها تراعي خصوصيات الماضي و الحاضر و المستقبل ، و تجعل الفرد قادر على مجابهة كل تحديات العصر ، لهذا كان لزاما الأخذ بعين الاعتبار بفلسفة التربية من أجل الإرتقاء بتعليمنا اثناء العملية التعليمية ، و العمل على تنميته و تطويره و الانتقال به من كل تلك التقنيات القديمة التي تعتمد فقط على المقاربة السلوكية و التي تعمل على جعل التلميذ مجرد آلة تتحرك بفعل دوافع خارجية لذلك فإن إصلاح التربية و الاهتمام بها من الأولويات التي تساعد على ضمان مستقبل لأولادنا ، و تعتمد فلسفة التربية على مجموعة من المفاهيم النظرية التي تساعد رجال التربية و التعليم على التفكير في قضايا و مشكلات التربية بصورة واعية و منظمة تستجيب معها لكل تطورات العصر في ميدان التربية محددت بذلك الاهداف و الغايات ، فضلا عن ذلك الاستراتيجيات التي توجه اصحاب التربية الى إتخاذ القرار الصحيح ، و التي تسمو بالإنسان عن مرتبة الحيوان الى تحقيق الكمال ، كما أكد على هذا احمد ابن مسكويه ، إن الاتجاهات الحديثة في فلسفة التربية تميل الى الإستفادة من التراث القديم و دراسته باعتبار أن فهم الحاضر يتطلب الرجوع الى الماضي هذا يعني أن المناهج التربوية الحديثة هي مجرد وسيلة من أجل بلوغ هدف تربوي محدد لهذا نجد بأن الفلسفة تهتم بتطور الفكر التربوي عبر العصور المختلفة ، لهذا نجد إهتمام الفلاسفة بها مثل أفلاطون و ارسطو و ابن خلدون ، و ذلك بغية جعل دراسة الفلسفة التربوية مجال إهتمام أوسع ، و التمكن من فهم جميع المشكلات التربوية و العمل على حلها و تطويرها ، و على هذا نجد معظم الفلاسفة و المفكرون اهتموا بالساحة التربوية تنظيرا و تطبيقا ، من خلال إلقاء الضوء على الفكر الاسلامي ، الذي تعرض للتهميش إبان القرن 11 ، لهذا شكلت النزعة التربوية بزعامة الامام الغزالي ، و الذي يسمى حجة الاسلام إنعطافا كبيرا في ميدان التربية ، و على مختلف المدارس الفلسفية على اعتبار أن التربية عنده تعد رسالة قبل أن تكون مهنة أو وظيفة ، و هي أفضل المهن التي يستطيع أن يحترفها ، و فلسفة التربية عند الغزالي تهدف الى تحقيق الفضيلة ، و التقرب الى الله ، و ذلك عن طريق تكوين الإنسان المسلم حتى يصل الى الكمال ، و يستطيع تحرير النفس من قيود الجسد و شهواته ، و الوصول الى السعادة الابدية و الاخروية، ففلسفة التربية عند هذه الشخصية العظيمة كانت محط إهتمام مجموعة من الباحثين و التي كان لموضوع فلسفة التربية أثر بالغ على الإنسانية العالمية في ماضيها و حاضرها ، فالعلم من أهم أهداف فلسفة التربية عند الغزالي ، فالتربية لها مجموعة من المبادئ التي تجعل من الطفل يمر في بيئة سليمة تحترم خصوصية التنشئة الإجتماعية، و مبادئ فلسفة التربية التي تجعل من أصحاب ميدان التربية يستفيدون من خبرة فلاسفة الإسلام في مجال التربية خصوصا إذا كان واحد مثل الامام الغزالي المعروف بمؤلفاته و إهتماماته بالمجال التربوي .
 الغزالي : حياته

ولد أبو حامد الغزالي في مدينة طوس إحدى مدن خرسان ببلاد فارس عام 450/1058 ، كان أبوه غزالا للصوف و يتاجر فيه ، و كان للغزالي أخ فعهد بهما أبوهما عند وفاته الى صديق له و أوصاه أن يكملا تعليمهما حتى ينفذ ما تركه لهما من مال ، ففعل الصديق ما اوصى به الغزالي حتى نفذ المال الذي تركه لهما أبوهما ، ثم أوصاهما بمتابعة طلب العلم ، فقد كان الغزالي منذ طفولته شغوفا بالعلم و المعرفة ، ميالا بنفسه و طبيعته الى البحث عن الحقيقة ، و قد كان البحث عنها صعبا جعل الغزالي يتحمل المشاق و العناء من أجل الوصول إليها بأي ثمن لهذا كتب يصف نفسه " و كان التعطش الى إدراك حقائق الامور دأبي و ديدني من ريعان عمري غريزة و فطرة من الله تعالى ، وضعها في جبلي " و قد تتلمذ على يد أحمد بن محمد الراذكاني في صباه ، و أبي نصر الإسماعيلي في جرجان ، و قد عاد الى طوس مرة أخرى و هو يقول و يروي أن فرقة من قطاع الطرق تعرضت له ، فأخذت منه المال و كل شيء حتى الكتب ، فتوسل إليهم أن يعيدوها إليها نظر لما تحمله من علوم و معارف عظيمة فأعادوها فجلس يدرسها لكي يستضهرها حتى يكون دائما في مأمن من ضياعه ، لهذا نجد أبي حامد الغزالي شخصية مشهورة إهتمت بفلسفة التربية ، و ذلك من أجل جعل الطفل يحضى بتربية جيدة سواء على المستوى العقلي أو الذهني أو الجسدي ، من أجل تكوين شخصية متكاملة من حيث المقومات التي تجعله قادرا على ضمان رضى الله و السعادة الاخروية ، و قد إنتقل الغزالي بعد ذلك الى نيسابور من أجل إكمال الدراسة ، حيث تتلمذ على يد أعظم رجال الدين ، و هو الجويني إمام الحرمين و قد كانت القدرة على الجدل ما جعله يكتسب شهرة بفضل ذكائه و علمه الغزير ، حيث كان يناظر مجموعة من العلماء و تكون الغلبة له في النهاية ، و قد ألف مجموعة من المؤلفات لكن هذا لم يشغله عن البحث وراء الحقيقة ، و الشك في التقاليد الموروثة التي لم يتجرأ أحد على الشك فيها ، و قد درس الفلسفة اليونانية كما درس المذاهب الدينية المختلفة أملا منها أن تساعده في الوصول الى الحقيقة ، و بعدة فترة ترك التدريس في بغداد ثم أدى فريضة الحج ، و توجه إلى الشام حيث عاش في جامع الاموي متفرغا للعبادة ، و صار يتجول في الصحاري مدربا نفسه على الحرمان متعمقا في الروحانيات و التأمل الديني و هكذا عد الغزالي من أهم الفلاسفة الذين دافعوا عن الدين ، و طهر نفسه من الشوائب التي تعلق بالنفس في الدنيا ، حيث أصبح من أكبر الفلاسفة الصوفيين و المدافعين عن الدين الإسلامي و عاد الغزالي الى التدريس مرة أخرى و كان أول كتاب ألفه الغزالي هو المنقذ من الضلال الذي يصف فيه حياته و ما فيها من قيم ، و كيف ينمو الايمان في النفس ، و كيف تكتشف للإنسان الحقائق الإلهية ، و يصل الى اليقين و بعد عودته الى نيسابور إشتغل بالتدريس لمدة قصيرة و مات في طوس ، هكذا يظهر أن حياة الغزالي إتخذت منحى دائريا إنتهت حيث بدأت .
و قد كان هدف الغزالي هو الوصول الى معرفة حقيقة الفطرة البشرية ، و العقائد الدينية و الفلسفية التي يكتسبها الإنسان من أبويه ، و يميز الحق منها من الباطل ، من أجل الوصول إلى العلم اليقيني لهذا أتهم بالزندقة و الكفر بسبب منهجه الشكي الذي أدى به الى الوصول للحقيقة ، و يعتبر الإمام الغزالي من بين أهم الأئمة ، حيث لقب بحجة الإسلام لأنه رد على جميع المذاهب الفلسفية في كتابه تهافت الفلاسفة ، و رد على جميع المخالفين للمذهب الإسلامي ، و يعتبر شخصا ثاقب الفكر و النظر ، و كان يهدف إلى الكمال الإنساني الذي غايته التقرب من الله تعالى و السعادة الاخروية ، لذلك فقد رغب في تعليم الناس العلوم التي توصلهم إلى هدفه هذا ، أملا أن يؤدي ذلك إلى إصلاح الأفراد، و نشر الفضيلة بين الناس ، لهذا كان مربيا ، و مصلحا إجتماعيا و قد كتب الغزالي في شؤون التربية عددا من المؤلفات ، منها " أيها الولد ، و كتاب ميزان العمل ، ثم كتاب إحياء علوم الدين ، و فاتحة العلوم .


 مفهوم فلسفة التربية

تشير أغلب المعاجم العربية و الأجنبية إلى معاني متقاربة ففي اللغة الغربية تضمنت ثلاث مدلولات ؛ فالمعنى الاول مفاده أن التربية من الفعل ربا يربوا بمعنى زاد و نما ، و قال الاصمعي " ربوت في بني فلان ، أربو ، نشأت فيهم ، لهذا يقول الله تعالى " و ما اتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس ، فلا يربوا عند الله و ما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولائك هم المضعفون " في حين يدل المدلول الثالث على الفعل يربي على وزن يخفي ، و معناه النشأة ، و الترعرع أما المدلول الثالث على لفظ التربية فيأتي من وزن يرب ، بوزن يمد و تعني أصلحه ، و تولى أمره ورعاه بهذا المعنى نجد مفهوم التربية في اللغة العربية يدل على النشأة و الرعاية و الإصلاح، و هي حسب جون ديوي تدل على التلقين و التعليم و التعلم ، على إعتبار ديوي فيلسوف و تربوي شهير له عدة إنجازات في مجال التربية ، و في معجم لالاند الفلسفي تدل على معنى عام و خاص ، ففي المعنى العام تدل على وظيفة أو مجموعة من الوظائف التي تنمو تدريجيا عن طريق التجربة و التدريب، أما من حيث المعنى الخاص نجد أنها عبارة عن عملية إجرائية تقوم على تنمية وظائف الافراد عن طريق إبراز ميولاتهم ، و مؤهلاتهم الخاصة ، لذلك فإن التربية تنتقل من المعنى العام إلى الخاص ، حيث تتجه من المجتمع نحو الفرد ، بغية تهذيب الفرد و تنمية وظائفه الحسية و العقلية ، و النفسية . فتربية الولد تحتاج إلى تهذيب ملكاته النفسية و الجسدية و العقلية حتى يصبح صالحا في المجتمع ، و بهذا فإن التربية هي ظاهرة إجتماعية تخضع لها جميع الظواهر الاخرى ، و هي ليست حكرا على المؤسسات التعليمية فقط ، بل تشترك فيها جميع المؤسسات و السجون و جهود المربي من اعمال و مهن تمارس في الشارع ، و تخص الاطفال و المراهقين ، بالإضافة إلى ذوي الإحتياجات الخاصة. إلا اذا كان ديوي قد اعطى مفهوما جديدا للتربية لأنه قام بفحص المفاهيم التي عرفها هذا المصطلح و أهم النظريات التي تعاقبت عليها عبر التاريخ ، لهذا فإن التربية تحمل بعدين ؛ بعد داخلي أي أن التربية تنبع من الداخل ، و بعد خارجي أي أن التربية تحمل بعد يتجلى في الواقع الخارجي فهي إما أن تكون ملكة و فطرة في الإنسان ، و إما أن تكون مكتسبة عن طريق التعليم ، و الممارسة و التدريب عن طريق تنمية القدرات الحسية و العقلية و الإدراكية و النفسية ، لذلك فإن التربية لها دور كبير في تربية النشوء و جعلهم يستعدون للإحتكاك مع فلسفة الحياة ، و القدرة على مواجهة الحياة عن طريق إلى الفضيلة و السعادة الاخروية .

 الفلسفة و التربية

هناك علاقة كبيرة بين الفلسفة و التربية ، فهذه الاخيرة تابعة للفلسفة تتلقى منها الافكار و النظريات ، و تقوم بتطبيقها ، و تنفيذها ، فقد كان يقول سقراط بأن الفلسفة و التربية مظهران مختلفان لشيء واحد ، يمثل احدهما فلسفة الحياة و الثانية تطبيق لهذه الفلسفة، هذا يعني أن الفلسفة تمثل التصور نحو الحياة و الكون و الإنسان و التفسير الكامل و النظرة العامة لنظم المجتمع. أما التربية فهي التطبيق الفعلي و العملي لهذه الفلسفة ، بهذا المعنى فإن الفلسفة تحدد غاية الحياة و التربية هي التطبيق الفعلي لجوانب عديدة من هذه الفلسفة ، و تحدد الوسائل الكفيلة بتحقيقها و يؤكد جون ديوي أن الفيلسوف يجب عليه أن يهتم بالتربية ، و خصوصا تربية الأطفال لأنها الطريق إلى تحقيق الأهداف الفلسفية التي لها تأثير في حياة الإنسان ، و يعتبر ديوي أن التربية هي الفلسفة الحقيقية في حياة الإنسان ، لذلك نجد أن الفلسفة قد ساهمت في الإجابة عن الأسئلة التربوية التي تتعلق بالإنسان مثل هل طبيعة الإنسان خيرة أم شريرة ، و هل هي وحدة متكاملة ، و ما طبيعة العالم الذي يعيش فيه الانسان ، لهذا نؤكد على العلاقة الوطيدة التي تجمع كل من الفلسفة و التربية ، فهما وجهان لعملة واحدة ؛ فإذا كانت الفلسفة فكرا نظريا مجردا ، فإن التربية هي ذلك التطبيق العملي و الوسيلة الوحيدة لتنفيذ العمليات الإجرائية التي تهدف إلى تدريب الأفراد و إبراز مؤهلاتهم ، و ذلك عن طريق العمل على تنمية القدرات الحسية و العقلية و النفسية . و التربية تستمد سعتها من إعتمادها على مجموعة من العلوم الاخرى، مثل علم الاحياء ، و علم الاجتماع، و علم النفس و الاخلاق ، و غيرها من العلوم التي تساهم في التنظير لفلسفة و علم التربية ، بإعتبارها علما مهما تستفيد منه جميع الطبقات الإجتماعية من أطفال ، و مراهقين ، دون أن ننسى ذوي الاحتياجات الخاصة، لذلك فإن أكبر شخصية غامضة في التاريخ كانت تلقي الإهتمام على فلسفة الأخلاق باعتبارها جوهر التربية ، لهذا يقول إن الاخلاق أهم من خبزك و ثوبك ، لذلك نجد كزينوفان يصف سقراط بكونه فيلسوف عادي رث اللباس ، و حافي القدمين و كان يسعى إلى تأسيس فلسفة تربوية تساهم في تنوير عقول الشباب عن طريق الفضيلة و العلم و العقل و إخراجهم من جميع الافكار المسبقة و الآراء الجاهزة و الخطابات التأملية ، و زرع بذور السؤال في أذهانهم ، و هذا ما عرضه إلى الإعدام ، لأنه جعل السياسة محل تساؤل و نقذ ، و يقول الحياة بدون تساؤل لا تستحق العيش، فهو كذلك من بين الفلاسفة الذين أكدوا على التربية كمنهج من أجل إصلاح الشباب ، و الاجيال و قيادتهم إلى الحقيقة و اليقين الذي كان يبحث عنه الإمام الغزالي ، من أجل الفصل بين الحق و الباطل .

 تطور التربية عبر العصور

• التربية في العصر اليوناني
إن الحديث عن التربية عند الإغريق شكلت منحنى هاما في تاريخ الفكر التربوي ، و ذلك من خلال ترعرع التربية في وسط عقلاني صرف يهتم بالتربية ، فالحديث عن فلسفة التربية يسلط الضوء على الفيلسوف أفلاطون العقلاني ، و كتابه الجمهورية فالتربية عنده تتميز بغايتها المثالية الكبرى و تبدأ بتهيئة الفرد لأن يصبح عضوا صالحا في المجتمع لتحقيق الغاية الكبرى و هي السعادة القصوى ، و تقوم التربية على إعداد الجسم و الروح لبلوغ الجمال و الكمال ، و لهذا ركز أفلاطون على تنمية الذوق الجمالي للطفل عن طريق الموسيقى ، و تقوية الجانب البدني بالتركيز على التربية البدنية ، و بهذا يرى أفلاطون أن العملية متكاملة تعمل على خلق نوع من الانسجام بين الطفل و الرياضة و الموسيقى و من أجل التكوين الإنساني الجيد يؤكد أفلاطون أنه يجب أن تكون التربية تراعي مبدأ النفوس الثلاث ، فالنفس العاقلة ينبغي لها أن تسيطر و تتحكم في النفس الشهوانية ، و كما يسميها أفلاطون النفس الغريزية فالتربية التي جاء بها أفلاطون هي الكفيلة بضمان احترام كل طبقة لمكانتها الاجتماعية ، و بالتالي تأسيس دولة فاضلة يحكمها الفلاسفة الذين يضحون بملذات الحياة من أجل ضمان حياة سعيدة للناس ، و قد أكد أفلاطون على شيوعية النساء بين طبقة الحكام و الجند ، مستثنيا طبقة العبيد ، و الدعوة إلى إلغاء الزواج و هدم الأسرة ، و هذا ما يبين أن التربية الأفلاطونية هي وليدة فلسفته المثالية ، و نجد ارسطو الذي يؤكد على أن الهدف من التربية هو الوصول إلى المفيد و الضروري في الحياة السعيدة لذلك دعا إلى إعداد العقل البشري من أجل تلقي العلم و المعرفة ، و هنا نجد التضارب بين الفكر المثالي ، و التجريبي ، فإذا كان أفلاطون أكد على عالم الأفكار ، و اعتبره هو الشيء الاهم الذي يوصل إلى الحقيقة ، و يحمل الخير الأسمى فإن ارسطو أكد على الواقع في الوصول إلى الحقيقة ، إلا انهما معا يلتقيان في أن التربية تقوم على إكتساب المعرفة و الحكمة التي تساهم في استنارة القلوب ، لهذا يقول ارسطو " احب افلاطون ، لكن احب الحقيقة اكثر من افلاطون " بهذا المعنى فاليونان كانوا يهتمون بفلسفة التربية أيما اهتمام ، لاسيما و أن العصر اليوناني هو فترة ازدهار العقل ، و الفلسفة حتى أصبحت في أرقى درجات ازدهارها الثقافي و الفكري .

• التربية في العصر الوسيط

إن التربية في الفكر المسيحي نجدها لا تخرج عن الطابع الايماني لدى المسيحيين و المسلمين ، ففي الفكر الديني برزت المدارس الدينية التي تهدف إلى إنشاء مجتمع خالي من الفساد و ذلك عن طريق تنوير عقول الناس بمختلف التعاليم و الاعراف الدينية ، و العمل على نبذ الارستقراطية و التركيز على التربية المثالية الراقية من أجل تحصيل الحياة المنظمة التي تراعي الفضيلة و الوصول إلى السعادة الاخروية . و قد برز الفكر المدرسي مع الكنيسة و ذلك عن طريق إنشاء مجموعة من المدارس الرهبانية ، و قد عرفت هذه المدارس بالمدارس الاسقفية التي كانت لها شهرة عالية و كبيرة ، بالإضافة إلى المدارس البلاطية و اللاهوتية و العلمانية على حد سواء ، و أشهرها مدرسة شارلمانوالتي التي تدرس الفنون العقلية على الخطابة و الجدل و الهندسة و الفلك و الموسيقى و تهتم بتحصيل مختلف المعارف القديمة بما في ذلك الفلسفة ، و قد كان الهدف من التعليم اللاهوتي هو الإصلاح الخلقي للإنسان فالتربية الصالحة تتطلب إمتلاك جانب أخلاقي واسع من أجل تنمية باقي القدرات سواء العقلية أو الحسية أو الإدراكية ، و التي تساهم في تدريب الطفل على الفضيلة و نبذ الرذيلة ، لهذا يقول الشاعر احمد شوقي " إنما الامم الاخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا " لكن حدث التغير المفاجئ على موضوعات التربية في المدرسة المسيحية التي بدأت بالتعليم الديني الذي يخص الشعائر المرتبطة بالدين المسيحي ، ثم إنتقلت إلى العلوم الفكرية و الإعتماد على التدريب الفكري في منتصف القرون الوسطى و اخرها ، مما يدل على التغير في الهدف التربوي هو الإنتقال من الهدف الروحي الى الهدف العقلاني ، أما بالنسبة للطابع الإيماني لدى المسلمين نجد التربية في الفكر الإسلامي مستلهمة من قواعد الدين الاسلامي و ركائزه و غايته ، و كان التصور الذي يقدمه الإسلام حول التربية يتماشى مع الطبيعة الانسانية ، و يرتكز الفكر التربوي الاسلامي على التكامل بين الجسد و الروح و بين الدنيا و الاخرة لقوله تعالى " و ابتغ ما اتاك الله الدار الآخرة و لا تنسى نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الارض إن الله لا يحب المفسدين " بالإضافة إلى هذا فإن التربية من المنظور الإسلامي هي خبرة ، لأنها تقوم على الخبرات المثمرة للمسلم ، و التي من خلالها تهدف إلى الوصول إلى السعادة الآخروية ، و النشاط الإنساني داخل المجتمع ناهيك عن هذا تتميز الاهداف التربوية في الإسلام بالتكامل و المرونة و تتنوع بين اجتماعية و روحية و جسمية و دينية و خلقية ، و من حيث المنهج نجد أن الفلسفة الإسلامية إعتمدت على أسس نفسية و فلسفية ، و ذلك عن طريق العمل على التفكير و التغيير إلى الافضل ، أما على مستوى الجانب النفسي فيتمثل في الإهتمام برغبات و ميولات الطفل ، و بهذا بعمل على تنمية قدراته الإدراكية و التواصلية ، فيكون ذو إستقلال فكري و معرفي جاعلين من ميولاته هدفا أسمى لتحقيق الأهداف المسطرة.

• التربية في العصر الحديث

إتخذت التربية في العصر الحديث منهجا مختلفا تماما عن العصور السابقة ، حيث نجد مجموعة من النظريات التي كان لها أثر بالغ في الفلسفات اللاحقة و يحتل روسو مركز القيادة كونه أول المهتمين بحقل التربية ، لاسيما و أن له إنتاج تحت عنوان إميل أو في التربية . أما التربية عند الفيلسوف جون لوك فقد كانت لصيقة بالمنهج التجريبي الذي أعده و الذي يؤكده في كتاب مقالة في الفهم البشري حيث يقول " لنفترض أن العقل عبارة عن صفحة بيضاء خالي من جميع الصفات و دون أية أفكار فكيف كانت تملأ ، و يحصل العقل على جميع مواد التفكير ، كل هذا أجيب عنه بكلمة واحدة ألا و هي التجربة " فهي تقوم على تدريب القوى الموجودة عند الفرد و تساعده على أدائه لأعماله ، و ذلك عن طريق عمليات الحفظ و الإدراك و التذكر ، ناهيك عن القوى الجسمية و العقلية و نجد الطريقة التي تتم بها هذه العملية تسمى الترويض ، و تقوم على أن العمليات التي يراد تعلمها لا بد من تكرارها من أجل أن تترسخ في الدماغ و تخزن لأن التكرار أم المهارات ، دون أن ننسى كانط الذي جعل من التربية فنا و علما معا و هي خبرة منظمة يجب أن تتأسس على هدف عملي ، و الأكثر من ذلك نجد نظرية هيغل التي ترى أن هدف التربية هو تحقيق الكمال المطلق ، فتحقيق المراد من التربية أثناء العملية التعليمية التعلمية رهين بسيادة الاحترام بين التلاميذ و المربين و هذا ما يسمى في مجال البيداغوجيا بالعقد البيداغوجي و الذي يسميه بروسو كل ما هو اجتماعي بين الطرفين كإلتزام الوقت و الحضور في الموعد ، و يؤكد هيغل أنه خارج النظام المدرسي يجب أن يكون المتعلمون أحرار من أجل أن يختاروا الطريق الأفضل للأخذ بها.
و أخيرا نخص بالذكر نظرية فروبل و التي ترى بأن التربية هي القيام بإكتشاف قوى الأطفال ، و قد أشاد بهذه النظرية الفيلسوف و التربوي الشهير جون ديوي ، فالعقل البشري لا حدود لقدراته ، و نظرية فروبل نجد أنها تتأرجح بين النظرية السلوكية مع ثورندايك و التي ترى أن التعلم يأتي عن طريق المحاولة ، و هذا ما جعله يبدع قانون الأثر ؛ فالإرتباطات تتقوى إذا أتبعت بفرح و سرور ، و تضعف إذا أتبعت بإهمال و عدم الرضا ، و هي ذروة التصور السلوكي ، و بين النظرية الجشطلتية التي تؤكد على مفهوم الاستبصار كقيمة أساسية بإعتباره الكشف عن طريقة المشكل و عمله ، و الوصول الى الحلول المناسبة له فالتعليم الذي يأتي عن طريق الاستبصار فهو تعليم لا ينطفئ لا ينسى ، و قد أكد ديوي على ما قدمه فروبل في اهتمامه بالاستعدادات الطبيعية للطفل و حث الناس على دراستها فكانت هذه الإلتفاتة التربوية في نظر جون ديوي من أهم النظريات في تاريخ التربية و التي اسهمت في إنتشار فكرة النمو و الاعتراف بها فالفكر التربوي يساعد في الارتقاء بالإنسان معرفيا و نفسيا و أخلاقيا ، حيث نستطيع تكوين ذلك الحيوان الناطق الذي يتميز بالعقل و التفكير على حد تعبير أرسطو.

 مفهوم فلسفة التربية عند الغزالي

تدور كلمة التربية حول تنشئة الطفل ماديا بتغذيته و رعايته جسميا و عقليا بتزويده بما يناسبه من ضروب المعرفة الإنسانية ، و الثقافة البشرية و تغذيته روحيا بتزويده بما يهذب نفسه و يزكيها و يسمو بها فتغذية الإنسان و الوصول به إلى حد الكمال هو معنى التربية و يشمل هذا المفهوم كل ما يغدي في الإنسان جسما و عقلا و روحا و إحساسا ، و وجدانا و عاطفة لذلك فإن التربية تشمل جميع الجوانب و التي من خلالها يكتسب الطفل مجموعة من المؤهلات الجسدية و العقلية و النفسية و الإدراكية ، لاسيما و أن التربية ترتبط إرتباطا وثيقا بتعليم الإنسان ، و الهدف من التربية هو تهذيب أخلاق الانسان و السمو به عن كل رذيلة من أجل تحقيق الفضيلة و تنمية مواهبه و قدراته الكامنة لدى المتعلم أثناء العملية التعليمية التعلمية ، و العمل على تنمينها و تطويرها كما أن التربية تؤدي إلى كبح شهوات الإنسان لهذا نجد العالم العلامة الغزالي يؤكد على أن الهدف من التربية هو الوصول إلى الكمال غير أن الكمال لله وحده ، بالإضافة الى ضمان السعادة الاخروية ، فالتربية تهدف إلى تكوين عقول الناس و جعلهم مثقفين قادرين على التمييز بين الصحيح و الخطأ بالإضافة الى هذا العمل على تقوية أجسادهم من أجل تحمل المسؤولية ، و نجد أن التربية ترتكز على أصلين و هما القرآن و السنة ، و الذين يرسمان طريقا صحيحا لفلسفة التربية تساعد على إكساب الطفل جميع القدرات الادراكية ، و تطوير ملكاته لكي يحول كل تلك الدراسة النظرية إلى تطبيقات فإذا كانت الفلسفة هي تهتم بما هو مجرد و عقلي فإن التربية هي التطبيق العملي و الفعلي للفلسفة باعتبارها أصلا للتربية على مر العصور ، و التي اعتبرها سقراط أساس بناء المجتمع الخير و الفاضل الخالي من الإستبداد و الإضطهاد ، و تقوم على الموازنة بين حاجات الانسان الروحية و المادية و الإجتماعية ، فالتربية الإسلامية إهتمت بالجانب الروحي لما في الإنسان تحفة روح الله سبحانه و تعالى ، لأنها هي التي تقوي الصلة بين الله و عبده ، كما اهتمت بالجانب المادي في الإنسان حيث هو مخلوق من طين و للطين حاجاته و رغباته التي تمكنه من القيام بواجب الخلافة بهذا نلاحظ أن التربية أخذت في مسارها أبعاد مختلفة من أجل ضمان حياة متوازنة للإنسان ، و من خلال التربية نستطيع تكوين جيل و ورثة صالحين قادرين على الأخذ بزمام التكلف بكل القضايا الراهنة التي تمس الإنسان ، فالتربية عملية تكيف بين المتعلم و بيئته ، فالإنسان في سبيل وظيفته في الحياة يعمل للمحافظة على بقائه أولا و لا يكون ذلك إلا بتوجيه السلوك و تعديله و تكوين العادات الطيبة ، و الإستفادة منها و تنمية القدرات و صقلها فعندما نذكر العلاقة مع البيئة نذكر الثورة أو المدرسة السلوكية و التي أحدثت صدى كبير في مجال التربية بنظرياتها الشهيرة في التعلم ، فهي تؤكد أن الإنسان لا يولد بل تتم صناعته بين المحيط الخارجي ، فهي تؤكد الموقف الذي أكد فيه الفيلسوف اسبينوزا على أن أفعال الإنسان هي نتاج للضرورة و الحتمية و التي تفرضها عليه طبيعته المحضى و أن الحرية الإنسانية هي مجرد وهم سببها الجهل بالأسباب الخفية وراء أفعاله ، فالسلوكية تؤكد عل أن التربية هي السلوك الظاهر فقد ، و الأكثر من ذلك ركزت على الموضوعية في دراسة الإنسان لهذا يقول واطسون " ينبغي أن يقتصر علم النفس على دراسة السلوك الموضوعي للإنسان و الحيوان و هو السلوك القابل للملاحظة " هكذا نجد أن المدرسة السلوكية اهتمت بتحقيق الموضوعية بإعتبارها فصل الذات الدارسة عن الموضوع المدروس ، و هي خاصية ما هو موجود خارج الذات في مقابل ما هو ذاتي ، و قد تميزت نظريات هذه المدرسة بنوع من الآلية أي أنها تحكم السلوك البشري للأفراد و تسهم في القضاء على كل حيوية فكرية لدى الإنسان ، و خصوصا التفكير ، فالتربية هي تطوير لمجموعة من الملكات المتعددة ، و التي من خلالها يصبح الإنسان أكثر فعالية و عطاء ، لهذا كان من الضروري أن يظهر علم النفس المعرفي بالإضافة إلى الفلسفة الظاهراتية ، أو كما يسمى علم النفس الإنساني ، مع كل من كارل روجرز ، ابرهام ماسلو، و جوردن ألبورت ، الذين أكدوا على أن الإنسان هو كائن عاقل يجب أن نعمل على إبراز جميع قدراته الظاهرة و الباطنة ، فهو ليس مجرد مظهر فقط ، بل قوة التفكير و التخطيط و التعلم ، فالتربية إذن هي القدرة على حل المشكلات ، و التأقلم مع الوسط و البيئة بكل تحدياتها لذلك نجد معظم التيارات و التصورات الفلسفية في مجال التربية ، تحاول الخروج من المجال الضيق و الرؤية السطحية إلى مجال أفاق صاعدة تتوخى الأمانة و الهدف النبيل ، و عليه فإن التربية عند الغزالي هي عملية رعاية و بناء شخصية الطفل حتى يتمكن من أن يصبح شخصا متطورا و متوازنا وسط مجتمع متقدم ، و بهذا فإن التربية الصحيحة تؤدي إلى التوازن في حياة الإنسان ، و بين متطلبات الروح و الجسد في الدنيا و الآخرة ، فالتربية عند الغزالي هي سيرورة من خلالها يتم تكوين جيل قادر على نبذ جميع الشهوات من أجل الوصول إلى الفضيلة و الكمال ، و نيل السعادة الآخروية لهذا يقول الغزالي " و معنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك و يخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته و يكمل ريعه " و من أجل ذلك يقول أيضا " فاعلم أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته ، و يجعل مكانها خلقا حسنا" ، بهذا المعنى فإن التربية عند حجة الإسلام تحمل مجموعة من المعاني و الدلالات الكبيرة ذات أبعاد إسلامية محضة ، تهدف إلى جعل الحياة سعيدة عن طريق طرد الرذيلة ، و السعي وراء الفضيلة بكل تجلياتها المختلفة .

 سمات التربية عند الغزالي

• سلوكية ( عملية)
لقد كان الرسول صلى الله عليه و سلم صارم في مجال التربية ، حيث كان يؤكد على التربية الأدائية و العملية ، و التي من خلالها تثمر نتائج ممتازة تعود بالنفع على المحيط ، و الفرد و هذه التربية كانت حاضرة سواء في العبادات و المعاملات و التي تنسجم مع تعاليم الإسلام و نظريته إلى الإنسان و الكون ، لهذا فإن التربية الإسلامية ليست تربية فكرية و وجدانية و إدارية ، بل هي مجتمعة معا في إطار واحد ، و إذا نظرنا إلى التربية الإسلامية نجد أنها عملية في معظم المبادئ الرئيسية الخمس التي بني عليها الإسلام ، و نجد أنها تتطلب سلوكا عمليا كالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج ، بالإضافة إلى هذا إهتمت فلسفة التربية الإسلامية بتطابق أقوال الإنسان مع أفعاله ، و تكوين العادات السلوكية الحسنة عند الفرد منذ طفولته إلى طول حياته من أجل تكوين العادات الطيبة ، و عليه فإن الغزالي يؤكد على أهمية ربط القول بالفعل ، و العلم بالعمل ، فإذا تعلم الإنسان العلم ، كان له دور كبير في تغير حياته ، خاصة عندما ندرك أهمية الإيمان في الاسلام بإعتباره تصديق بالقلب و عمل بالجوارح .
• شاملة تكاملية

جاء الغزالي بمبدأ مهم جدا يرى فيه على ان العلوم المختلفة هي مترابطة فيما بينها ، و متصلة ببعضها لذلك ننصح المتعلم ألا يهمل دراسة أي علم من العلوم المحمودة ، سواء كانت دينية أم دنيوية بقدر يمكنه من معرفة أغراضها و ما تبحث فيه ، و يقول الغزالي " إن المعرفة المتعددة خير و أفضل من المعرفة المحدودة ، كما أن الإختصاص الضيق يتسبب في التعصب لعلوم دون أخرى " ، لهذا فإن اتجاه الغزالي في التعليم يهدف إلى جعل الدراسة عامة و شاملة و متنوعة في مراحل التعليم على اختلافها ، و ذلك لنشر الثقافة ، و العمل على اتساعها لأن الإتساع هو الذي يمنع التعصب و ضيق الأفق ، و يضمن تكوين المواطن المستنير ، فكلما كان العقل مليئا بالمعرفة المفيدة كلما كانت له أحقية في مواجهة جميع المشاكل ، لذلك يؤكد الغزالي على أن الإنسان وحدة متكاملة ليست روحا و عقلا منفصلة عن الجسد ، لذلك فإن التربية التي عناها الغزالي هي تربية متكاملة ، لا تعتني فقط بجانب واحد ، بل على العكس من ذلك تهتم بكل مناحي حياة الإنسان الظاهرة و الباطنة ، و إلى جانب كونها تربية للجسم فهي أيضا تربية للعقل ، لهذا نجد أن الإسلام وجه الإنسان إلى استخدام العقل لتدبر آيات الله و الكون مثلما فعل ابن رشد الذي أشار إلى أن التأمل في الموجودات يؤدي الى معرفة الصانع ، و ذلك عن طريق الجمع بين الحكمة و الشريعة ، فالحق لا يضاد الحق ، بل يوافقه و يشهد له فالغزالي كان يريد من الناس أن يستغلوا قواهم الحيوية في عمارة الأرض و قواهم الروحانية في التعرف على الله ، فضلا عن استخدام قواهم العقلية في التعرف على أسرار الكون ، لهذا نجد فلسفة التربية عند الغزالي مرتبطة بالشمول و التكامل ، و هي الصفة التي ميزة شخصية الرسول صلى الله عليه و سلم من غيره لاسيما و انه يعتبر الفائد و القدوة الحسنة ، و نجد أن ارتباط الغزالي بالدين و قيمه و تعاليمه ، جعل فلسفته التربوية تتسم بنوع من الشمول و الاتزان ، و التي تقوم على ركائز متينة ، حيث تنبني على الدين الإسلامي الذي من أولوياته مبدأ الأخلاق و القيم النبيلة.

• فردية و اجتماعية

إن التأكيد على الدور الذي لعبه الرسول صلى الله عليه و سلم في مجال الأخلاق يعطينا صورة واضحة عن مفهوم الكيان الذي كانت تحيطه التربية في الإسلام ، لهذا كان واضحا عندما حدد الغاية الرئيسية من بعثه ، و هذا يبين أن مسألة التربية هي ضمان لحق الفرد و الجماعة ، إذ ليس من حق أي منهما أن يهدد حقوق الآخر ، لقوله تعالى " لا تباغضوا و لا تحاسدوا و لا تدابروا و كونوا عباد الله اخوانا و لا يظلم احد أحدا " لذلك يمكن القول بأن التربية التي دعا إليها الإمام الغزالي ، تقوم على تربية فردية ، ذاتية فهي تربية على الفضيلة ليكون مصدر خير للجماعة و تحمله مسؤولية أعماله ، و كذلك تصرفاته ، لأن كل مسلم راع و كل مسؤول عن رعيته ، و قد كان الرسول صلى الله عليه و سلم واضحا في مسألة العلاقة بين الفرد و المجتمع في حديثه ، حيث يقول " مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى " و بهذا إستطاع الغزالي أن يجمع بين الفرد و الجماعة في نسق واحد ، و رسالة تربوية واحدة ، إنطلاقا من إيمانه العميق بالإسلام كدستور ، و منهج للحياة العامة و الخاصة و هذا يشبه النظرية الوظيفية في علم الاجتماع و التي ترى بأن المجتمع نظام معقد تعمل شتى أجزائه سويا لتحقيق التضامن و الاستقرار بين مكوناته ، و ذلك عن طريق ما يسمى المشابهة العضوية ، فالمجتمع يعيش من أجل الفرد و العكس صحيح في إطار تفاعل ثقافي تربوي و إجتماعي.

• متدرجة

إن العلوم درجات و منازل ، لذلك فلا يجب تعلمها كلها دفعة واحدة ، بل لا بد من البدء بالأهم و الضروري من أجل ضمان سيرورة تعلمية أقوى و أكثر فعالية و نجاعة ، و لا يجب الانتقال الى الفن الموالي إلا بعد إستيفاء الذي قبله ، لأنه يؤمن بأن العلوم متدرجة ، و متراتبة بعضها يكمل الآخر ، و الموفق حسب إعتبار الغزالي هو الذي يراعي هذا التدرج ، فالغزالي يتوخى من التربية إعطاء فكر منظم و متدرج للمتعلمين و المعلمين ، حيث يجب الإنطلاق خطوة خطوة من اجل جعل المتعلمين يكتسبون تعلما أكبر و إستيعابا أكثر عن طريق جعل الدرس يتخذ طابع التسلسل ، من أجل أن تعطي التربية ثمارها .

 أسباب اختيار الغزالي للإسلام كأساس لفلسفته التربوية المنشودة

إن فلسفة التربية في أي مجتمع تبنى على أساس فكرة أو عقيدة ذلك المجتمع ، و هدف التربية في كل أمة هو تكوين الافراد بشكل يتناسب مع أساس الحضارة السائدة في المجتمع الذي ينشأ فيه الانسان ، فهي تسعى إلى تكوين عقول الافراد على اساس عقول متينة تحاول نشر العلم و المعرفة و تجاوز كل أشكال التخلف و الاضطهاد ، فضلا عن هذا تسعى إلى العلاقة الوثيقة مع الغير من أجل المساهمة في التعاون و التآزر ، و هذا ما أكده الفيلسوف ارسطو أعظم فلاسفة اليونان ، فهو يرى ان الصداقة هي أساس العلاقة مع الغير ، فالإنسان مهما كان سنه أو وضعه الإجتماعي لا يمكنه أبدا أن يستغني عن الاصدقاء ، و الصداقة التي أساسها الحب الخالص هي أساس بناء العلاقة مع الغير ، فبدون تعاون سوف يكون مأل التربية هو السقوط في الفشل ، و خصوصا في تدريب الافراد على ادراك قدراتهم الفعلية ، سواء كانت حسية أو عقلية أو إدراكية ، تسهم في بناء شخصية الطفل ، منذ المراحل الاولى لتكوينه ، إلى حين بلوغه سن الشيخوخة ، لهذا فإن فلسفة التربية تحاول جاهدة أن تقوم بتخليص الإنسان من جميع التصورات التي تقوم على إعتباره كشيء لا يحمل عقلا يفكر به ، و تعطيه صفات الحيوانات الفاقدة للعقل و تجعله يتحرر من كل تلك القيود التي تجعله مجرد آلة تتحرك بفعل دوافع خارجية ، لذلك فإن فلسفة التربية يجب أن تنبثق من ديننا الحنيف كونه هو القاعدة و البناء الأساس في الصلاح و الأخلاق ، يجب أن تخرج من رحم الشريعة و السنة كما أن التربية الإسلامية تمتاز بخصائص فريدة تعطيها المفهوم الشامل الحضاري ، فهي تربية محافظة و مجددة لأن الإسلام صالح لكل زمان و مكان ، و هي تربية متدرجة موجهة للإنسان محو الفضيلة ؛ بحيث أنها تعترف بفطرة الإنسان و تسلم بميله لمعرفة ما يجهل ، و تتيح الفرصة لكل واحد أن يتربى و يتعلم دون قيد أو تمييز ، و تنظر إلى الإنسان نظرة شمولية ، و هذه النظرة الشمولية تقوم على التكامل بين الجسم و العقل و النفس ، و بهذا إستطاعت الحضارة الإسلامية لمدة عصور عل اختلاف المذاهب و التيارات أن تواجه التحديات و المحن و الشدائد الكبيرة ، لهذا نجد الإمام الغزالي يصرح بأن العملية التربوية في معظم بلداننا أصبحت تتجه بكل وسائلها ، و أهدافها إلى الجانب المادي الخالص ، و بالتالي فإنه لا مخرج من هذا الوضع إلا عن طريق العودة إلى منهج الإسلام الأصيل الذي يعمل على إحياء كل طاقات الانسان الإبداعية و الفنية و الفكرية و تكوين المؤمن المعتز بدينه ووطنه و أمته حاملا شعار الإسلام هو أساس التربية ، إن هذا الإلمام بأن تقوم التربية على مبادئ الإسلام ليس ضد الاصول ، أو التفرقة بين الناس مثلما فعلت الفرق الإسلامية بدأ من الخوارج الذين خرجوا من إيصار الخليفة علي بن أبي طالب ، و من الاسباب في تفرقة الامة نجد عدم الإهتداء بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم، لذلك فإن المنهج الإسلامي هو منهج الامانة و العلم و الصدق حسب توجيهات الوحي و مقتضى العقل ، لهذا إذا أردنا فلسفة للتربية تكون ناجحة لابد من أن تكون هناك نظرة إسلامية للطبيعة الإنسانية ،لذلك نقول أن مبادئ و مناهج الإسلام و فلسفة التربية وجهان لعملة واحدة تضمن خلق ذلك التفاعل بين كل من الفرد و البيئة ، و تضمن تجدد الحياة و استمرارها بكل مقوماتها و أساليبها المختلفة .
فالتربية ضرورية من اجل عمارة الأرض و التغلب على المحن و استمرار الحياة بكل أشكالها في شتى أنواع سياقات المعرفية ، و هي أساس استمرار الحياة التي لها أبعاد تربوية تهدف إلى السمو بأخلاق الإنسان و جعله مركز إهتمام مختلف الثقافات و التيارات ، و المذاهب بكل أشكالها ، لهذا نجد ابن رشد يؤكد على الصلة بين كل من الحكمة و الشريعة لأن الفلسفة و التربية هما وجهان لعملة واحدة ، فلا يمكن تصور التربية بدون القواعد النظرية للفلسفة ، فإذا كانت هذه الأخيرة هي فكر تأملي و عقلي كما رأينا في الفلسفة اليونانية أنهم إهتموا بالهندسة النظرية و كانت محببة لديهم لا من أجل قيمتها التجريبية و الواقعية ، بل على العكس من ذلك اهتموا بها لقيمتها النظرية و العقلية و التجريدية ، لهذا نجد مجموعة من الفلاسفة الفيتاغوريين اهتموا بالهندسة النظرية و الاعداد الصماء ، و هذه الفلسفة النظرية لها صلة وثيقة بالتربية باعتبارها القدرة على حل المشكلات و التكيف مع البيئة ، فإذا كانت الفلسفة هي مجموعة من القواعد و النظريات ، فإن التربية هي التطبيق الفعلي لهذه النظريات ، و تهتم بمعالجة قضايا التعليم و التعلم ، و بما أن العالم العلامة المحيطة الفهامة قد ترعرع وسط عائلة علمية فهذا لا يستبعد إلمامه الكبير بالتربية و نظرياتها المختلفة التي تهتم بالطفل من جميع الجوانب النفسية و العقلية و الجسدية ، و لكن في اعتقادي لا بد أن تكون التربية ذات أبعاد مزدوجة تهتم بحل مختلف مشاكل الفرد و تعطيه معرفة و ثقافة كبيرة من أجل التعامل مع المجتمع في ظل الضغوط التي يمارسها على الإنسان سواء كان ضغطا خارجيا مرتبط بالآخرين ، و الغير أو مرتبط بما هو داخلي أي الميكانيزمات النفسية التي تعمل على إعطاء عناصر الثواب و العقاب للأفراد ، كما أكد على ذلك رائدي المدرسة السلوكية ادوارد لي ثورندايك و سكينر خصوصا عندما تحدث عن فلسفة التربية في كتابه والدن تو ، من خلال تخيل مدينة فاضلة على شاكلة أفلاطون تحكمها تربية معينة تقوم على مبادئ السلوكية و تطبيقاتها التربوية ، و كما قلنا عن نظرية ابن خلدون سابقا في الملكات و التي من خلالها تسعى إلى إبراز القدرات الكامنة للطفل الموهوب و إخراج جميع القدرات الإبداعية و التي تجعل الإنسان في مكانة عالية ، فالتربية الإسلامية ما زالت تواجه مجموعة من الصعوبات في ظل المشاكل المختلفة لاسيما إذا تعلق الأمر بالعقيدة و الإيمان ، فأغلب الناس لا يطبقون القواعد و المبادئ التربوية التي سنها الإسلام لتربية النشوء على السداد و الصلاح من أجل بناء مجتمع صالح ، يتوخى حرية التعبير و الإنصات لأحلام و طموحات الفرد شريطة ألا يكون هناك تفرقة و تمييز بين الأفراد لأن الإنسان لديه قيمة ، و بهذا لا يجوز التمييز بين الأشخاص على أساس مادي أو معرفي أو جنسي ، ذلك أن فلسفة التربية تعتمد على ديننا الحنيف كونه هو القاعدة و البناء الأساس في الصلاح الأخلاق التي تخرج من رحم الشريعة و السنة كما أن الإسلام يعبر عن خصائص فريدة تعطيها المفهوم الشامل الحضاري، لأنها تربية محافظة و مجددة ، و هي تنظر إلى الإنسان نظرة شمولية من دون قيد و لا ضغط من اجل التعلم ، و يعد الغزالي أحد الفلاسفة البارزين في مجال الأخلاق و التربية الذين جاءوا عبر تاريخ البشرية الطويل فأناروا الطريق لبني البشر و مهدوا لهم الطريق ، و لهذا فما هي أسس تصور الغزالي لفلسفة التربية، و ما هي ميادينها ؟

 المبادئ التربوية عند الغزالي

إن الفكر التربوي عند الإمام الغزالي حصيلة تصور إسلامي شامل و متكامل للإنسان ، و المجتمع ، و فلسفة التربية باعتبارها تطبيقية ، لا بد أن تحدد موقفها من المباحث الرئيسية ، و أن تتضمن المبادئ التي تصور موقفها من هذه المبادئ و المباحث ، و بالتالي فإن القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة يشكلان المنطلق الذي إعتمد عليه الغزالي في التأسيس لفلسفته التربوية.

 الله

إن الإيمان بالله حسب الغزالي هي أساس كل شيء فهو الواحد لدا فهو يدعو إلى الوحدانية ، فهو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن ، بالإضافة إلى صفة العلم بالعالم ، و جميع الموجودات و الإحاطة بكل المخلوقات و بالتالي فإن كل ما هو موجود يستند إلى إرادة الله .

 الكون

من المعلوم أن الكون من صنع الله تعالى ، و جميع مناحي العالم فهو المؤسس لجميع العلوم و الأكوان ، و الذرات لاسيما و أن الغزالي كان من أهم الشكاك الذين شكوا في التقاليد الدينية ، فاحتاج الى منهج من أجل أن يصل إلى الحقيقة الكاملة و النور الطبيعي الذي من خلاله يؤدي إلى الوصول إلى الله و ادراك حقيقة الموجودات ، فهو خلق كل شيء ، و بالتالي لا يمكن الاحاطة بجميع مخلوقات الله حيث أنها تنقسم إلى قسمين ؛ ما لا يعرف أصلها فلا يمكننا التفكير فيها ، و كم من الموجودات لا نعلمها ، و الثانية ما لا يعرف أصلها و جملتها ، و لا يعرف تفصيلها حيث لا يكون للإنسان التفكير في تفصيلها و تنقسم هذه الفئة إلى ما يمكن ادراكه بالبصر و هو عالم الشهادة ، و ما لا يمكن ادراكه بالبصر و هو عالم الغيب كالملائكة و الجن و الشياطين ، و الطريق الى معرفة هذا العالم هو الوحي الإلهي الملقى إلى الأنبياء لهذا فإن معرفة الله تبدأ بمعرفة النفس ، و بعد معرفة النفس لا بد من التوجه إلى الأرض و الكون ، و مخلوقات الله ، لهذا يقول الغزالي " فيا من هو غافل عن نفسه و جاهل بها كيف تطمع في معرفة غيرك ، لذلك فإن التدبر و التأمل في ملكوت السماوات حسب الغزالي هو أمر ضروري من أجل كل معرفة و علم و فلسفة .

 المجتمع

إن الركيزة الأساسية للمجتمع الإسلامي هي العقيدة و الحفاظ عليها عن طريق الإيمان الجازم بالله الذي لا يصاحبه كفر و لا إشراك ، و الذي لا يهتز سلوك المسلم تعبيرا عن هذا الايمان ، و الفرد في الدين الإسلامي مدعون الى تحمل المسؤولية سواء كانت فردية متعلقة بذاته أو جماعية متعلقة بالمجتمع من أجل الوصول إلى الإيمان الحقيقي ، فيقال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بضعه بعضا و في هذا دعوة إلى الوحدة و نبذ التفرقة بين الأفراد ، بالإضافة إلى هذا نجد أن للأسرة مكانة رفيعة داخل المجتمع ، باعتبارها نواته الأساسية ، لاسيما و أنها مجتمع صغير ، و بما أن الأسرة كيان يستمر حتى بعد وفاة أفراده ، نجد الإسلام قد شرع الميراث حفاظا على العلاقات الإجتماعية و مصالحها ، و لقد شكلت هذه المبادئ و القيم منطلق دعوة الغزالي لتوفير المناخ الصالح لتربية الطفل تربية صالحة ، لأن صلاح الطفل من صلاح المجتمع و نجاحه ، و بهذا نجد الغزالي متشبتا بمبادئ الإسلام تربية الطفل قلبا و قالبا ، و اعتبر أن الحياة الدنيا ليست غاية ، بل مجرد وسيلة فهو يدعو لإقامة مجتمع إسلامي على أساس الاخلاق و الطاعات الروحية.

 الحياة الآخرة

إن الإيمان باليوم الآخر الركن الثاني من أركان العقائد ، لذلك يرى الغزالي أن الإيمان باليوم الآخر يكاد حتى يقرن بالإيمان ، لذلك يرى في الدنيا أنها عدوة الله و عدوة لأولياء الله ، و عدوة أيضا لأعداء الله لأنها تحرم من السعادة الآخروية ، كما يرى في أن الموت لا تنتهي عند وفاة حياة الإنسان بل هي عبارة عن حالة أخرى لا تنعدم فيها الروح ، فالموت عبارة عن تغير حال ، و ليست أكثر لكنها لا تخلو من مظاهر الشقاء ، فبداية حياة الاخرة تكون بداية خروج الروح من الجسد ، لهذا نجد أن الغزالي يحاول تصوير مراحل تلك الحالة معبرا عن مظاهرها بما جاء في الكتاب و السنة ، حيث يبدأ ببيان كلام القبر للميت ثم بيان عذاب القبر و سؤاله ، ثم ضغطة القبر ، ثم يظهر حال الميت بعد النفخ في الصور إن كان في الجنة أو في النار ، ثم يصف لنا جهنم و أهوالها ، و كيف يكون حال الكفار فيها و الجنة و حال المؤمنين فيها ، و بذلك فإن الغزالي قد حدد ملامح منهجه التربوي الذي يقوم على العقيدة الصحيحة ، و بها ينشأ الطفل مستقيم الأخلاق متبصر الرؤى ، إقتداء بالرسول صلى الله عليه و سلم الذي قام بإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، و من سعة الدنيا الى الفرج الحقيقي حيث يأمرهم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .

 التربية الروحية و العقلية

إن التربية الروحية و العقلية التي أكد عليها الغزالي تقوم على الأسس الدينية و الإعتقادية، و ذلك عن طريق الفضيلة و الشعائر الدينية ، فهو يؤمن بمنهج الإسلام في التكوين الروحي للإنسان و من المؤكد أن الجانب الروحي يشبعه الإسلام بمختلف الشعائر و الممارسات الدينية و التعبدية ، بالإضافة إلى هذا نجد في العقل طاقة كبيرة فهو ملكة من خلالها يستطيع الإنسان التدبر و التأمل في الكون ، و ملكوت الإنسان ، و الوصول إلى الحقيقة كما فعل الغزالي ، لذلك وجب التدبر في مخلوقات الله من أجل إدراك عظمة الخالق ، و بهذا تكون فلسفة التربية عند حجة الإسلام تسعى إلى الربط بين العلم و العمل من أجل نيل رضى الله و السعادة في الدنيا و الاخرة .

 التربية الروحية

تعتبر الروح هي العنصر الأساسي في الإنسان ؛ فبعد وفاة هذا الأخير تنفصل الروح عن الجسد فيفنى الجسد و تبقى الروح خالدة ، لهذا أولى الغزالي أهمية بالغة للجانب المعنوي أولا لأن الروح هي سبب الاتصال بالله الخالق البارئ الشافي الصمد ، ثانيا هي التي تبقى خالدة كما عن ذلك سقراط ، فأحاديثه لا تخلو من مظاهر الحديث عن النفس فهو يؤمن بأن النفس تعيش في العالم الآخر بالإضافة إلى أفلاطون ، عكس الماديين الذين يقولون بأن المادة هي التي تحكم الكون ، و ما عداها فهو زائل ، و أشرف علم هو صفات الله و أفعاله ، لأن فيه كمال الإنسان و ضمان سعادته الآخروية ، لذلك فإن الإعتناء بالتربية الروحية هو هدف أسمى لا بد من تحقيقه ، و التدين فطرة في الإنسان، و تقوم التربية الروحية عند الغزالي على مبدأين هما الإيمان بالله و اليوم الآخر ، و القدر خيره و شره ، لأن من أهم الامور التي تؤثر في حياة الفرد و المجتمع ، و هذا الإيمان وحده تبعت عنه أفضل الصفات الإنسانية و الاجتماعية ، لأن الإيمان يؤدي إلى تهذيب النفس و تربية الروح على العبادة و الطاعة لله و من تم دخل في إطار من الراحة النفسية و من خلالها يتربى الفرد على كبح شهواته المختلفة ، و يعمل على إبراز قيم التعاون و التراحم بين الناس ، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ، أما المبدأ الثاني فيقوم على الإلتزام بأداب الاسلام و أداء سننه و فرائضه و التمسك بأحكامه و جميع القيم التي فرضها ، فالإسلام هو نظام شامل يقوم على الكلية و يتبث القيم المعتقدية في حال توفرت التربية المستمدة من كتاب الله و سنة رسوله ، و بهذا فإن التربية الروحية تقوم على الإيمان بكل شعائر الله و احكامه العليا من أجل تربية النشوء على الاخلاق الفاضلة ، و التمتع بالفضيلة من أجل ضمان السعادة في الدنيا و الاخرة ، و تهدف الى تنقية روح الإنسان من جميع المعاصي لاسيما أن الروح خالدة و الجسد يفنى ، و بهذا فإن التربية الروحية عند الغزالي تهدف إلى الالتزام بالآداب و الاخلاق ، و السمو عن الرذائل و السعي إلى الفضيلة .

 التربية العقلية

يبدو أن للعقل مكانة مهمة داخل الإسلام ، نظرا لأنه الملكة التي تميز الإنسان عن غيره و التي من خلالها يميز بين الخير و الشر ، و الصواب و الخطأ ، لهذا سماه الله تعالى بالنور ، يقول الله تعالى " أومن كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس " لذلك نجد أن الغزالي يعرفه على أنه الفرق بين الإنسان و الحيوان و الذي من خلاله يستطيع تعلم العلوم النظرية و تدبير الصناعات الخفية الفكرية فهو الهوية التي بموجبها يطابق الإنسان نفسه فيكون هو و الخاصية التي تميزه عن غيره من الكائنات الاخرى ، و قد إستمد الغزالي منهجه في التربية العقلية من القرآن الكريم، باعتباره يؤكد على النظر في الموجودات و التأمل في ملكوت الله و الكون ، من أجل الوصول الى معرفة الصانع ، إلا أنه في كثير من الأحيان تقع بينه ، و بين ابن رشد تضاربات حول المنهج ، فقد كتب الغزالي تهافت الفلاسفة و رد عليه ابن رشد بكتاب تهافت التهافت ، فالغزالي قام بتكفير الفلاسفة ، و اعتبرهم زنادقة يقومون بتشويه الحقيقة لكن ما دمنا نتحدث عن التربية العقلية عند الغزالي فبدون شك فإنها تقوم على منهج العقل و الإستدلال و البراهين ، و الهدف من هذه الاداة التربوية الفعالة هو توجيه العقل البشري إلى ما يجب أن يتجه إليه من أجل الإيمان بالله ، و هو الوسيلة التي من خلالها نستطيع الوصول إلى اليقين ، لذلك فإن المنهج الإلهي في التربية العقلية للعقل البشري يبدأ بالتفكير ، و ينتهي بالعمل بمقتضى دستور الحق ، و لذلك فإن الإمام الغزالي يرى في القرآن الكريم المرجع الرئيسي الدال على الحقيقة و التربية العقلية في نظره تقوم على ربط العلم بالعمل كما جاء في القرآن الكريم، لأن التربية العقلية تهتم بالعقل باعتباره الملكة التي يتميز بها الإنسان و تجعله يتصرف بكل عقلانية و منطقية ، بالإضافة إلى الجهاد في سبيل الله ، لذلك فإن معرفة الله هي سبب السعادة و الفوز ، لذلك فإن الإمام الغزالي يرى في القرآن الكريم أساس التربية.



#بوشعيب_بن_ايجا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طاليس بين الحقيقة الأنطولوجية و الحكمة الإستفهامية
- نظرية العدالة عند جون راولز


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوشعيب بن ايجا - فلسفة التربية عند الغزالي