أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوشعيب بن ايجا - طاليس بين الحقيقة الأنطولوجية و الحكمة الإستفهامية















المزيد.....

طاليس بين الحقيقة الأنطولوجية و الحكمة الإستفهامية


بوشعيب بن ايجا
- كاتب و باحث مغربي في الفلسفة و التربية


الحوار المتمدن-العدد: 7329 - 2022 / 8 / 3 - 09:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ان الفلسفة على مر العصور كانت و سوف تبقى هي أم العلوم ، و التي من خلالها عرف الإنسان الطريق الى المعرفة ، و البرهنة و الاستدلال ، لاسيما و أنها هي التي جعلت الانسان يصل الى ارقى درجات التفكير ، باستخدام منهج العقل، ذاك الذي اوصل ديكارت الى الحقائق اليقينية التي لاشك فيها ، و الذي سار بالإمام الغزالي الى تأليف كتاب " المنقذ من الضلال و المفصح بالأحوال " ، بهذا المعنى فالفلسفة فكر تأملي ، و حل لجميع المشكلات ، كم تناسبني تلك الفاتنة ، و نجد أن افضل لحظة في تاريخها عندما قطعت مع الخرافات ، و الاساطير التي تقيد العقل بالجمود و التقليد ، و كما قال جون بيير فرنو " ان التفكير إنتقل من الكلام الشفوي ، و الشعر الى المكتوب و المنظم " حيث تركت افكار حضارات الشرق الادنى القديم ، المليئة بالخرافات، بالرغم من انه لا يمكن انكار الدور الفعال الذي لعبته في ظهور الفكر الفلسفي العقلاني ، لهذا يقول يوسف كرم " الفلسفة فالشرقيون فيها مختلفون ، المصريون و العبرانيون ، و البابليين و الصينيين " ؛ فالفراعنة بنوا الاهرامات ، لكنهم اعتمدوا على الهندسة التطبيقية ، و البابليون عرفوا التقويم القمري لكنه كان ممزوجا بالسحر ، بالإضافة الى الصينيين و الهندوس الذين عرفوا التأمل ، غير انه لم يكن خالصا ، بل كانت له مرجعية دينية ، لهذا فالفلسفة الشرقية لم تكن خالصة ، و عقلانية ، و يقول غوته بأن الفلسفة ظهرت مع الهندوس ، غير ان هذا لا يمكن الجزم به ، لان الفكر الفلسفي يلوذ الى العقل . هذا الاخير الذي بدأ مع الفلسفة اليونانية ، باعتبارها منبع إزدهار الفلسفة ، خصوصا مع اول فيلسوف عقلاني قطع مع الاساطير و بنى المعرفة على أساس اللوغوس ، فقد درس طاليس على يد الكهنة في مصر، و أخد منهم علومهم الهندسية ، و الفلكية ، لكنه لم يأخذ عنهم الفكر الخرافي ، حيث تأثر في مبدئه الانطولوجي بأسطورة خليقة الاشمونيين، التي تقول انه في البدء كان هناك محيط مائي ازلي ظهر منه ما يسمى بالثامون الالهي ، هكذا بدأت الفلسفة العقلانية مع الفيلسوف الاول في التاريخ، و يعتبر مؤسس المدرسة الملطية ، لهذا يقول هيرودوت أن طاليس ينحدر من اصل فينيقي ، و لعل هذا القول كان سببه التأثر بأعماله في مجال الملاحة ، حيث وضع نظام للملاحة ساعد البحارة على تحديد الاتجاهات ، بالإضافة الى اعماله الفلكية ، و التي جعلته يتنبأ بالكسوف ، كل هذه الاشارات لا تجعل من طاليس فينيقيا ، بل ملطيا ، اصيلا ، و في سفره الى بلاد مصر أكد على دراسة الهندسة التحليلية ، حيث قام بقياس ارتفاع الاهرامات من خلال ظلها ،فالعلم بدأ بحل معضلات الحياة ، و في هذا الصدد يقول جورج سارتون في كتابه تاريخ العلم " متى بدأ العلم ، بدأ العلم عندما عهد الناس حل العديد من معضلات الحياة " فتلك الروح العلمية ، و البحث في المبدأ الاول الذي يحكم الكون ، ناهيك عن موقفه السياسي الذي كان متأثرا بالمصريين القدماء ، هي التي جعلت طاليس أهم الفلاسفة السبعة ، و الحكماء الطبيعيين.
و عند العودة الى الفلسفة اليونانية نطرح سؤال طالما شغل المشتغلين بالفكر الفلسفي اليوناني هو كيف بدأت من الناحية المعرفية ؟ ، و المقصود من السؤال ، ما هو الهاجس الفكري الذي شغل الانسان اليوناني فأدت به الى ابداع الفلسفة، فنجد ان السؤال الذي شغل اليوناني الاول طاليس يمكن ان نقسمه الى قسمين؛ سؤال الاصل و يعبر عنه باللفظ الاغريقي الارخي ، و الذي يعني ارجاع تعدد ظواهر الكون الى عنصر منظم و مفسر و هو الواحد ، فقد جعل مبدأ واحد يسير عليه الوجود ، و السؤال الثاني هو سؤال التغير الموجود في الوجود ، بهذا المعنى فإن الوعي الاغريقي القديم حاول تفسير الوجود لأنه بدا له ملغزا و غامضا ، و قد احببت ان اضيف كلمة فيلسوف التشاؤم شوبنهاور الذي اكد على انه كلما قل حظ المرء من الذكاء ، كلما بدا له الوجود اقل غموضا ، فالسؤال هو الاساس في التفكير الفلسفي ، فالذكاء يأتي من طرح الأسئلة ، فلو كانت البشرية تهتم بالجواب وحده ، لما تقدمنا و تطورنا من العصر الحجري،فالإنسان الحجري كان يقطع الاشياء بالحجر المسنن ، فعندما نكتفي بالجواب وحده نكون قد غيبنا القدرات المعرفية للعقل البشري ، و هنا تكمن المشكلة ، فالعقل ملكات متعددة فلا بد من غرس مبادئ الفكر النقذي فيه ، غير ان هذا العقل يرتمي فقط في أحضان المفاهيم التقليدية التي تقف عند الذاكرة ، لدا فالسؤال مهم في تجاوز الافكار المسبقة ، و عندما نعود الى نظرية طاليس الانطولوجية سوف نتساءل " أين تكمن قيمة هذه النظرية" اي ما الذي جعل طاليس يؤسس لصناعة معرفية هي في الاصل خاطئة ، فقد قال بأن اصل الوجود ماء فالأرض تتكون من الماء ، و كل شيء منه و ما منه يتغذى الشيء فهو أصله فعندما نجزم بها، اي الشذرة التي ذكرها طاليس ، هي خاطئة من الناحية الفيزيائية و الأكثر من ذلك تلميذه انكسماندر الذي جاء من بعده أثبت خطأ استاذه و ذلك من خلال تأكيده على ان الابيرون هو اصل الوجود ، و تجدر الاشارة الى ان انكسماندر هو أول فيلسوف ميتافيزيقي ، لأنه أول من قال بمبدأ ما وراء الطبيعة ، فضلا عن انكسمانس الذي أثبت خطأ استاذه بالهواء . هنا اعود و اشير الى ان الحكمة كانت في السؤال و ليس في الجواب ، فطرح الأسئلة هو الذي مكن طاليس من الوصول الى هذه المعرفة الهائلة ، و هنا أشير الى تفسير نيتشه الذي جعل القيمة الفلسفية لطاليس تكمن في العقل الكلي التوحيدي فالعقل الفلسفي لا يذهل من تعدد الاشياء و كثرتها، بل يستطيع ان يرجعها الى مبدأ واحد ، و قد مارس بهذه القاعدة تأثيره على اللذين جاءوا من بعده . على هذا الاساس كانت الفلسفة ما قبل السقراطية ، فلسفة توحيدية ترنو نحو الوحدانية و نبذ التعدد ، فطاليس كان يؤكد على عنصر واحد متحكم في العالم و الكون و هو الماء و بهذه الحقيقة الانطولوجية استطاع التأثير على من جاء بعده ، فساروا على نهجه في العناصر الاربعة، و عليه استحقوا لقب الحكماء السبعة بامتياز ، لأن حدهم من الذكاء كان فوق الأذكياء الذين يتظاهرون بالذكاء ، و الاغبياء منهم لذلك فالذكاء يكمن في طرح الأسئلة لا الاجوبة ، و منه تم الانتقال من بيداغوجيا المضامين و الاهداف التي تغلب فيها سلطة المعلم الى المقاربة بالكفايات ، و ذلك عن طريق الكشف عن القدرات الكامنة لدى المتعلم اثناء العملية التعليمية التعلمية و العمل على تنميتها و تطويرها ، لذلك فالفلسفة تهتم بسبر اغوار العقل البشري من خلال استجلاء الحقيقة وراء الاشياء المستترة الذي يعجز الانسان لاسيما اذا تشبع بالخرافات عن الكشف عنها ، فالإنسان كائن ميتافيزيقي على حد اعتبار الفيلسوف شوبنهاور يبحث عن الحقيقة خلف المجهول فالفلسفة بدأت غريبة و سوف تنتهي غريبة . فطاليس اول من ادرك الوحدة المتكاملة للوجود لاسيما و انه كان ينتمي الى الفلاسفة الماديين ... فالفلسفة اليونانية بعد فترة الشرق الادنى القديم تميزت بظهور نظام مكتوب و منظم ، و البحث عن المبدأ الواحد الذي يعني ارجاع تعدد ظواهر الكون الى عنصر منظم و مفسر و هو الواحد و قد كان هذا المبدأ حاضر في الفلسفات اللاحقة بإعتباره اساس عمليتي التجريد و التنظيم . فالسؤال ضروري في مجال البحث الفلسفي ، لان من خلاله يعمل العقل على تطوير مهارة التفكير النقذي لأن الجواب وحده لا يكفي من أجل التفكير الفلسفي .

ختاما يمكن القول أن الفلسفة اليونانية بدأت بالقطع مع الافكار المسبقة و الاسطورية التي كانت تحتضنها حضارات الشرق الادنى القديم من اجل تأسيس العقل الفلسفي مع طاليس الذي يقوم على البرهان و الاستدلال في تفسير الظواهر الطبيعية ، بالاضافة الى التفسير الانطولوجي الذي جعله حكيما ، و ذلك بسبب طرحه للسؤال ، و عدم الإكتفاء على الجواب فقط ، فالحكمة في السؤال و ليس في الجواب فهذه هي فطرة العقل البشري لأن الطفل لا يكتفي بالجواب بل يطرح أسئلة ميتافيزيقية.



#بوشعيب_بن_ايجا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية العدالة عند جون راولز


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوشعيب بن ايجا - طاليس بين الحقيقة الأنطولوجية و الحكمة الإستفهامية