أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن خضر - العلمانية في فلسطين















المزيد.....

العلمانية في فلسطين


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 497 - 2003 / 5 / 24 - 05:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


 
حظوظ العلمانية في فلسطين قليلة. ولا شك أن هذه نتيجة مخيّبة للآمال بعد مرور ثلاثة عقود على شعار الدولة الديمقراطية العلمانية، الذي طرحته منظمة التحرير الفلسطينية، كحل يستجيب لخصوصيات المسألة الفلسطينية من ناحية، ويعتبر شرطا لبناء دولة عصرية جديدة من ناحية أخرى.
  وما ترمي إليه هذه المقالة يتمثل في محاولة البحث عن تفسيرات محتملة لنتيجة كهذه. قبل القيام بذلك، يجدر بنا لفت الانتباه إلى حقيقة تعزز الإحساس بخيبة الأمل. فقد نجحت منظمة التحرير الفلسطينية، عبر مفاوضات سياسية مع الإسرائيليين، في وضع اللبنات الأولى في تجربة بناء الدولة منذ عقد من الزمن تقريبا، بكل ما ينطوي عليه الأمر من مؤسسات تشريعية وتنفيذية، وما يعنيه من سيطرة مباشرة على التعليم والصحة والاقتصاد.
   ورغم أن هذه السيطرة كانت منقوصة، ورغم أن وضع اللبنات كانت التجربة الدولانية الأولى للفلسطينيين، ورغم أنها تمت في ظل مجابهة صعبة مع الاحتلال، إلا أن هذه المعوّقات لا تصلح كأعذار كافية لتبرير ما اعترى المحاولة الفلسطينية من نواقص بنيوية. فثمة ما يكفي من الأسباب للقول إن ظهور النواقص كان حتميا، سواء وجدت المعوّقات المذكورة، أو لم توجد.
  والمفارقة اللافتة في هذا الصدد أن منظمة التحرير الفلسطينية، التي أطلقت شعار الدولة الديمقراطية العلمانية في مطلع السبعينات، كانت المنظمة نفسها التي توّلت وضع اللبنات الأولى للدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ مطلع العام 1994، فلم تطرأ على بنيتها القيادية تغيّرات جوهرية، لم يتغيّر الأشخاص، ولم تتغيّر الأيديولوجيا المعلنة أو الشعارات. ومع ذلك، وّضعت اللبنات الأولى للدولة بطريقة لا تختلف أشد الاختلاف عن الأيديولوجيا المعلنة والشعارات وحسب، بل كانت ضدها ومنافية لها، أيضا.
  ذلك لا يعني أن أحدا من الناس انتظر من القائمين على التجربة الدولانية الأولى، مواصلة طرح شعار الدولة العلمانية الديمقراطية بالطريقة القديمة نفسها. فالاتفاقيات السياسية مع الإسرائيليين قيّدت المشروع الدولاني الفلسطيني في حدود الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك لم يكن في تلك الاتفاقات ما يقيد تحويل المضمون الاجتماعي والسياسي والثقافي لذلك الشعار إلى سياسة للسلطة الجديدة في حدود ولايتها.
  وحتى إذا زعم البعض أن الطريقة التي بنت بها السلطة الجديدة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، وما اتسمت به من فساد، كانت جزءا من الاتفاقات، فإن الصدمة الدماغية التي أصابت المعارضة اليسارية السابقة، إلى حد أنساها المضمون الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لممارستها السياسية ـ وهي معارضة لم تقيدها الاتفاقات ـ يدل على ضعف هذه الحجة من ناحية، ويعزز القول بالنواقص البنيوية من ناحية أخرى.
  وقد تجلت النواقص أبلغ ما تكون في الفلسفة التي اعتمدتها السلطة الجديدة في وضع اللبنات الأولى لمشروعها الدولاني. ففي هذه الفلسفة ما يتنافى من المضامين المألوفة للعلمانية والديمقراطية. فالأولى تشترط النظر إلى الدولة القومية كظاهرة علمانية في المقام الأوّل، أي تعريف الهويّة الفردية والجمعية بمفردات مدنية.. الثانية تشترط التمييز بين الدولة والنظام، أي اعتبار الدولة ظاهرة ثابتة والنظر إلى النظام كتعبير عن خيارات اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية يحسمها الناس عبر صناديق الاقتراع.
  وبدلا من التأسيس لهوية تستمد تعريفها من مقوّمات مدنية انخرطت السلطة الجديدة في إنشاء نظامها البطريركي، بكل ما ينطوي عليه الأمر من تعزيز للعناصر البطريركية في الثقافة والمجتمع، حتى تلك التي تمكنت الانتفاضة الأولى من تقليص دورها الاجتماعي ونفوذها السياسي. وهذا يشمل إحياء وظيفة المخاتير، وتحويل الوظيفة العمومية إلى نوع من المحاصصة، وتحويل الانتماء العائلي، العشائري، أو القبلي إلى نوع من الرصيد السياسي والاجتماعي. وقد جرى ذلك في ظل ثقافة شعبوية تعمل على شخصنة النظام السياسي، وتضفي على الشعب صفات العائلة الكبيرة الممتدة.
  لم يثر مشروع النظام البطريركي وثقافته الشعبوية، صراعات سياسية، اجتماعية، أو ثقافية، رغم أن آثاره تطال حاضر الفلسطينيين ومستقبلهم. فالقائمون على تحقيق المشروع، أي البيروقراطية الجديدة في مختلف المؤسسات السياسية والتربوية والإعلامية والثقافية، لم يجدوا ما يبرر التنظير لمشروع كهذا، أو حتى محاولة إقناع الآخرين بصوابه. كما أن التيارات اليسارية التقليدية في منظمة التحرير الفلسطينية لم تجد في المشروع البطريركي الذي يتخلّق تحت أنظارها ما يستحق التعليق، أو المعارضة.
  إن السهولة التي تمكنت بواسطتها فلسفة إنشاء النظام البطريركي الشعبوي من فرض نفوذها، وسرعة انتشارها، وعدم وجود رغبة من جانب القائمين عليها لتبريرها، وعدم وجود معارضة لها من جانب التيارات اليسارية التقليدية، تعيدنا إلى السؤال الذي افتتحنا به هذه المقالة، أي لماذا وصلنا إلى نتيجة مخيّبة للآمال؟
  يمكن التفكير في هذا الصدد بتفسير أوّل يتمثل في استحالة تحقيق العلمانية لنفوذ ملموس في مجتمع ما دون وجود الحامل الاجتماعي والاقتصادي لها. وإذا كانت البرجوازية المدينية هي التي شكّلت هذا الحامل في التجربة التاريخية الأوروبية، وفي فترة صعود الرأسمالية، فلا وجود لبرجوازية تحمل الخصائص نفسها في التجربة التاريخية للمجتمعات العربية والإسلامية.
  وبدلا من الكلام عن صعود الرأسمالية الأوروبية وعصر الفتوحات الاستعمارية، نرى في التجربة التاريخية للمجتمعات العربية والإسلامية تجربة تشكّل البرجوازية المدينية في ظل الهيمنة الكولونيالية من ناحية، وصعودها في فترة ما بعد الكولونيالية وإنشاء دول قومية على الطراز الأوروبي من ناحية أخرى.
  وقد انتهت تجربة بناء دول قومية على الطراز الأوروبي إلى إنشاء دول هجينة ما بين الدولة القومية الحديثة، والدولة السلطانية المملوكية المعروفة في التاريخ العربي والإسلامي. من ناحية نجد دساتير، وبرلمانات، وأحزاب وكلها من خصائص الدولة الحديثة، ومن ناحية أخرى نرى رؤساء يحكمون مدى الحياة، وانتخابات مزيفة، ودساتير معطلة، وأجهزة للجيش والمخابرات تشكل الحامل الموضوعي للنظام القائم. وفي العقود الأخيرة التي شهدت انحسار تجربة نـزع الاستعمار، وتعزيز الدولة الهجينة لوجودها ترى علامات واضحة على سوء الإدارة، والإفلاس الاقتصادي والثقافي، وتهشيم الأساس الموضوعي لوجود المجتمع المدني واستقلاله، ذلك كله على خلفية ازدياد القمع، وتصفية الحريات الديمقراطية، وانتهاك حقوق الإنسان بطريقة غير مسبوقة.
  ولا يمكن على ضوء تجارب معروفة تغطي القرن العشرين برمته النظر إلى البرجوازيات المدينية العربية والإسلامية باعتبارها الحامل الاجتماعي لقيم العلمانية، فهي ذات أصول ريفية قريبة العهد، تنظر إلى الغرب مصدر العلمانية والديمقراطية نظرة حب وكراهية، تعيش في مراكز مدينية تتعرّض للترييف بفضل الهجرة المتواصلة من الريف، وقد فشلت كل محاولاتها لخلق توازن بين ما تدعوه بالأصالة والمعاصرة، فلا هي أصيلة، ولا معاصرة، بل تجمع خصائص من هذه وتلك.
  هناك تجربة علمانية وحيدة جرى فرضها بالقوة في تركيا. ويصعب النظر إلى هذه التجربة باعتبارها ناجحة بالمطلق، أو باعتبارها نموذجا يحتذى. وربما من السابق لأوانه بعد ثمانية عقود على تلك التجربة الخروج بأحكام نهائية.
  هذا على الصعيد العربي والإسلامي العام. وما ينطبق على المجتمع العربي والإسلامي بصفة عامة ينطبق على المجتمع الفلسطيني بهذه الدرجة أو تلك، مع تعديلات طفيفة تصدر عن خصوصية التجربة التاريخية هنا أو هناك.
  ومع ذلك ما زلنا نحتاج إلى تفسير لظهور شعار من نوع الدولة الديمقراطية العلمانية في أوساط منظمة التحرير الفلسطينية في مطلع السبعينات، على ضوء غياب الحامل الاجتماعي الموضوعي للعلمانية في المجتمع الفلسطيني.
  ينطبق على منظمة التحرير في هذا الشأن، ما ينطبق على كثير من الأحزاب اليسارية والراديكالية العربية التي ظهرت على امتداد القرن العشرين في مناطق مختلفة من العالم العربي والإسلامي، وطرحت شعارات علمانية. فقد كانت اتجاهات تمثل الأقلية بالمعنى الاجتماعي والثقافي والسياسي، كما ظهرت في فترة اشتد فيها الاستقطاب بين نظامين عالميين هما الاشتراكي والرأسمالي، وكانت ضريبة الانتماء إلى المعسكر الاشتراكي تبرر التماهي مع بعض مفاهيمه الاجتماعية والثقافية، ومن بينها العلمانية. كان المعسكر الاشتراكي يمثل الغرب ونقيضه في آن، وذلك ما مكّن قيمه من تحقيق نفوذ، ومن التمتع بجاذبية خاصة في المستعمرات السابقة، وفي أوساط الحركات القومية الراديكالية. وهذا بدوره ينطبق على منظمة التحرير الفلسطينية.
  الخاصية الأخيرة التي تبرر ظهور هذا الشعار في أوساط منظمة التحرير الفلسطينية تتمثل في حقيقة أن المنظمة كانت جماعة من الشباب في المنفى، أي بعيدة عن كل رقابة اجتماعية مباشرة، كما كان في شرعيتها الثورية المكتسبة ما يحررها من محاولة مراعاة توازنات أو حساسيات اجتماعية تقليدية، علاوة على أن تمركز مؤسساتها القيادية وبيروقراطيتها في بيروت ـ أحد أكثر المدن العربية تعددية وحداثة ـ كان من العوامل المؤثرة في صياغة مواقفها الفلسفية وشعاراتها السياسية، فقد كانت بيروت مركزا لتجمعات مختلفة من المنفيين والراديكاليين العرب، كما كانت مركزا ثقافيا وإعلاميا واضح التقدم مقارنة بعواصم عربية أخرى.
  على ضوء ما تقدم يمكن القول إن منظمة التحرير الفلسطينية لم تذوّت العلمانية التي لم تكن جزءا من قيمها الفكرية الأساسية، بل توّصلت إليها، وأبقتها على صعيد الممارسة اللفظية والشعار فقط، لأسباب تتعلّق بطبيعة تحالفاتها السياسية، وطبيعة وجودها الجغرافي، وبعدها عن الرقابة الشعبية، وقناعتها بالشرعية الثورية، واستفادتها من فكر وتجارب عديد من المنفيين والراديكاليين العرب في أواخر الستينات ومطلع السبعينات.
  وإذا كان هذا كله يسهم في تفسير أسباب ظهور شعار الدولة العلمانية الديمقراطية، فإن الشعار نفسه يستحق ملاحظة أخيرة:
  ربما كان ظهور الشعار في مطلع السبعينات مجاراة للأزمنة، وبعيدا عن الواقعية بقدر ما يتعلّق الأمر بموازين القوى في الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي، لكن هذا الشعار لم يكن واقعيا وقابلا للتطبيق في يوم من الأيام كما كان عليه الحال في مطلع التسعينات، فلو أخذت منظمة التحرير الفلسطينية هذا الشعار على محمل الجد، وقامت بتذويته، وتحويله إلى مرشد في التجربة الدولانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكان من الممكن النظر إلى التجربة العلمانية والديمقراطية في هاتين المنطقتين كنموذج نقيض للتجربة الدولانية الصهيونية القائمة على الحصرية اليهودية، والديمقراطية الإثنية.
   ولو أفرطنا كثيرا في الأحلام لقلنا أن وجود نموذج كهذا يشكّل خطوة عملية وواقعية أولى نحو التوحيد الديمقراطي لفلسطين في ظل دولة علمانية وديمقراطية، أو نحو دولة ثنائية القومية. لكن ذلك لم يحدث. وما حدث في الواقع كان تجربة دولانية بطريركية أبعدت الفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى عن شعار طرحته منظمة التحرير الفلسطينية وانقلبت عليه بعد ثلاثة عقود.
 
صوت الوطن



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن خضر - العلمانية في فلسطين