أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسمة وراد - نساء بلا أردية بيضاء!














المزيد.....

نساء بلا أردية بيضاء!


باسمة وراد

الحوار المتمدن-العدد: 7300 - 2022 / 7 / 5 - 03:25
المحور: الادب والفن
    


إمرأة صامتة تجلس على كرسيٍّ عند أقرب زاوية من الباب تحمل متاعها كله في كيس، في انتظار مضى عليه أشهر طويلة، لا تغادره سوى عندما يغلبها النعاس لتؤخذ إلى سريرها، لتعاود الكرّة فجر اليوم التالي. انتزع منها أبناؤها بعد طلاق تعسفي.
فتاة في السادسة عشرة من عمرها مجهولة النسب، لم تتوقف عن الضحك وإلقاء طرائف ملوّحة بذراعين عليهما آثار جروح قالت لنا الممرضة أنها نتيجة محاولاتها الانتحار، كانت تقيم سابقاً في دار أيتام. تركتنا الصبية لدقائق وعادت حاملة أوراق رسمت عليها صور، كلٌ منها لعائلة من أب وأم وأطفال بأفواه ضاحكة وفي كل صورة مدفأة.
مُدرّسة رياضيات، تقضي ما يقارب العشرين ساعة تدور بين النزيلات والممرضات والأطباء تتحداهم بحلّ مسائل وألغاز، يعجز الجميع، فتفرج عن الحل الذي يدلّ على ذكاء فوق معدّل الشخص الطبيعي خارج المكان. "ثنائي القطبية" تشخيص حالتها يُصاب به غالباً الأذكياء والعباقرة وبشكل مفاجئ.
شابة جميلة، متربعة على الكرسي غير مكترثة بكل من حولها، تنفث دخان سيجارتها نحو سقف الصالة، ملابسها تدل على أنها من عائلة ميسورة، أشارت إليّ بيدها بأن أجلس بقربها، أخذتني جانبا، سألتني بتوسُل هادئ: هل معك أي شي وسحبت مني حقيبة يدي، وفتحتها، معك أي شي؟ سيجارة ...؟ حبوب منّومة أي شي؟، أنا لا أنام، أرجوكِ ساعديني انا لستُ مجنونة، أجبتها هذه مصحة ليست للمجانين، انت هنا لكي تتخلصي من ... وقبل أن أكمل جملتي صفعتني على وجهي، تدخلت الممرضة وسحبتها إلى غرفتها بصعوبة لمقاومتها الشديدة مستنجدة بممرضة أخرى.
لملمت صديقتي أوراقها وأختصرت المقابلات، غادرنا الصالة بمرافقة الممرضة إلى الباب الرئيسي الذي أُغلقَ بقوّة وخلفنا أصوات تستجدي الخروج.
كان هذا يوماً رافقتُ فيه صديقتي لمقابلة نساء هُنّ العيّنة التي وقع عليها الاختيار لتكون موضوع التحقيق الصحفي الذي تعمل عليه حول نساء مقيمات في "مصحة نفسية".
كنا قد وصلنا المبنى الذي يقع في واحدة من ضواحي المدينة، حالَهُ حال دور المسنين والسجون ودور الرعاية وما شابهها من أماكن يُنقل إليها من "يؤرقون" المدينة العاقلة بمسافة تبعد عن وسط المدينة ما يُقارب الساعة، اجتزنا فيها عالماً مجنوناً من السيارات تطلّب الأمر منها أكثر من مرّة إخراج نصف جسدها من نافذة السيّارة لتطمئن أن الشتائم التي أطلقتها قد وصلت إلى مسامع السائقين الذين تعمّدوا استفزازنا ولم يسلموا من لساني ايضاً. وصلنا المكان وتوجهنا إلى الصالة المخصصة لتناول الطعام التي سنقابل فيها النزيلات، توقعت أن أقابل نساء بمراييل أو أردية بيضاء كما تُصور الأفلام والمسلسلات، لكن ملابسهن كانت ملوّنة .
في طريق العودة، تأملت الوجوه في الشوارع والسيّارات وعلى أبواب المحلّات، فتحتُ هاتفي، تفقدت صفحات "الفيس بوك"، مررت عن المنشورات المرفقة بالصور الشخصية المنتقاة بعناية، موسيقى، شعر، حِكم، مواعظ، نعي ، تهنئة، حروب، تظاهرات، ارتفاع أسعار، إعلانات ترّوج لكل شيء، عمليات التجميل، ملابس وأدوات كهربائية، ترويج لرحلات سياحية....!
توجهنا إلى مقهى هادئ، على فنجانيّ قهوة صديقتي منهمكة في صياغة وتحرير تقريرها الصحفي عن المصحة الصغيرة، وأنا أتأمل عبرَ زجاج واجهة المقهى اللامع المصحة الكبيرة، المدينة الواسعة المكتظة "بالعُقلاء" الذين يرتدون أردية بيضاء، أو هكذا تخيّلتهم مستعيدة صور أولئك النساء بقصصهن وملابسهن الملوّنة.
.



#باسمة_وراد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة -الإلغاء- وحقّ الجمهور بال ...
- سيرسكي يكشف رواية جديدة عن أهداف مغامرة كورسك
- الأفلام السينمائية على بوصلة ترمب الجمركية
- الغاوون:قصيدة (وداعا صديقى)الشاعر أيمن خميس بطيخ.مصر.
- الشَّاعرُ - علاَّل الحجَّام- فِي ديوان - السَّاعَةِ العاشِق ...
- محمد الغزالي.. الداعية الشاعر
- تحقيق المخطوطات العربية.. بين إحجام العالم وإقدام الجاهل
- رواية -نيران وادي عيزر- لمحمد ساري.. سيمفونية النضال تعزفها ...
- فنانة تشكيلية إسرائيلية تنشر تفاصيل حوار خطير عن غزة دار بين ...
- مغني راب أمريكي يرتدي بيانو بحفل -ميت غالا- ويروج لموسيقى جد ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسمة وراد - نساء بلا أردية بيضاء!