أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - هند بتسعد - ثمانية و عشرون يناير














المزيد.....

ثمانية و عشرون يناير


هند بتسعد

الحوار المتمدن-العدد: 7270 - 2022 / 6 / 5 - 04:36
المحور: سيرة ذاتية
    


على الطاولة جالسة أدون ملاحظاتي، جالسة اخمن كيف و لماذا كل هذا؟ هل هذا إحباط ام مرض ينتشر بين الصفوف، صغير و كبير، نساء و رجال. الكل يحمل السيجارة، الكل يدخن و يرمي بنفسه إلى عالم الظلمات، ينسى و يتلاشى بين ملائكة الرحمان، سيجارة وراء سيجارة، حشيش ينتشر بين الطاولات، و كأن ألمهم واحد. الكل يرتل علامات الابتسامة و يضحك على هذا و هذا. أصبحت أستيقط على نفس الملامح، نفس الوجوه، و لا أمل ينادي معهم.
لن أنسى يومي الأول، مساء يوم الأربعاء، في مقهى نجيد، و أنا على باب الترحاب، اتت سيجارة تسلم علي، و حشيش يقول تبا لك لما انت هنا و يضحك علي. يتمسخرون علي لكوني انصدمت بواقع مر.  ما اثار انتباهي، حماق لا اناس، لا أعلم شكلهم مجانين و لباسهم رديئ و متسخ، ملامحهم سوداء، فالدخان غير لونهم. اندهشت و قلت ما هذا يا هذا، كيف لي أن أستحمل و أعمل كنادلة مع أشخاص كهذا. بت أفكل جل الليل، هل استحمل أم أعود إلى تلك الديار.  حاورتني نفسي قائلة أستعودين بعد كل هذا، أستعودين بمجرد أنك لست من ضمن هذا، أستعودين لأنك انصدمت بواقع كهذا، خذ تجربة غير ما كنت تطمحين إليه، و لا تنسي أهدافك، فمن الممكن أن تحقيقها من خلال هذه الخطوة. خطوة واحدة ستغير الكثير، فقط اصبري، و تعلمي. و انسي أنك حاصلة على شهادة الاجازة، و لا تصمدي في مكانك و تنتظرين العمل بدراستك. فأنت تعلمين كم أن الأمر صعب في مكان يتأزم فيه المعطلون.
جئت إلى العمل و كالعادة لاحظت شابا ربما بين العشرينيات و الثلاثين، اسمه حميد، يأتي في الصباح الباكر، أظنه هو الذي يفتح المقهى، لديه مكان خاص، يجلس فيه جل اليوم حتى نقفل المقهى، أتسائل دائما هل هذا الشخص لا يعمل، هل لا يأكل. جل اليوم يقضيه في التدخين و شرب القهوى و الشاي، كما أنه أحيانا يشرب الخمر متخفيا عن أنظار الاخرين. أنظر إليه كعجوز تلاشت به الأيام و قضى الدهر عليه. ملامحه سوداء، اظنه دو بشرة بيضاء أو حنطية، لكنه أسود، لو رأيته في الشارع لا ظننته أحمق، فشكله يوحي إلى ذالك. لن أنسى الأشخاص الذين يوحى إليهم كقطاع الطرق أو " شماكرية"، يوما سمعني أحدهم أقول هذه الكلمة لم أقصد، فقط ملامحهم توحي الى ذالك، شكلهم و الخطوط المضروبة في أجسادهم جعلتني أصفهم بتلك الكلمة. اعتذرت اليه، و أصبحنا أصدقاء. اسمه انس، يأتي الى المقهى دائما يبيع السيجارة، أظنه شخص قاس في حياته، من خلال كلماته و ملامحه، شاب في عمر الست و عشرون سنة.
علي زوا لقب  شخص أحمق اسمه رشيد، يزور المقهى بين الفينة و الاخرى، يسلم علي و يضحك معي، شخص ضريف بالرغم من اعاقته العقلية، لكن شيئا فيه يجعله يتعامل معك بكل احترام و كشخص عاقل، لا اعلم ما سبب وراء مرضه، اظنه مر من صدمة نفسية. عمره يناهز الثلاثينات.
ما جعلني أستحمل هذا العمل كوني محتاجة إلى نقود، كثير من الخطط في رأسي و كلها تحتاج النقود، الشيئ الذي حفزني و جعلني أمكث في هذا العمل، صاحب المقهى هشام. لم أشعر يوما ما بسلطته علي، لطالما يعاملني بالحسنى و علمني الكثير، شخص ذو أعصاب باردة، لا يزعجه شي.  من خلال كلماته و حكايته لي، شخص مر من مراحل كثيرة و تجارب عديدة، لم يترك مكانا إلا و اشتغل فيه، لم يترك مهنة إلا و احترف فيها، كما أنه هاجر المغرب، و ذهب إلى ليبيا و قضى أربع سنين فيها.
كتبت الكثير، و جئت الان أدون لكم لقائي بصديقتي الجديدة في هذه المقهى، كنت أعرفها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، و أنا التي اقترحت عليها العمل معي فقط من أجل تشجيع بعضنا و مغادرت مدننا، التقينا في تلك المدينة و كل منا قطع مسافات للوصول، حكينا كثيرا و تبادلنا الاحاديث. و مع الايام زدنا نعرف طباعنا الجيدة و السيئة، و قعت خصامات تافهة  بيننا لكن تجاوزناها لكوننا نعيش مع بعضنا، ليس هناك هروب منها . و لا زلنا نتعرف اكثر على بعضنا.
كل يوم أزيد في هذا العمل،و أزيد المكوث معها، الا و انني أكتشف شيئا جديدا، و أرى الواقع المر، أرى النساء كيف تصطاد فريستها و لا تعلم أنها فريسة لمطارديها، كل ما أفعل أنني أعمل و أجلس ألاحظ، الكل يظنني غبية أو ماشابه، لن أنكر أن عقلي ثقيل أو بالأحرى بريئ لا يعرف معاني و لا " قوالب"، لكنني أسجل كل ما يدور و أدونه في ذاكرتي، حقا الحياة صعبة، و الأصعب هو معاشرة أناس مختلين، او بالأحرى يظنون أنفسهم اذكياء و تقاس أفكارهم بثمن لباس أو اخر شيئ ظهر في " المودا"، اكتفيت بالصمت، فأنا لست من النوع الذي يتباهى، أعيش حياتي ببساطة، فقط أريد هدوءا ،كفى صراخا فروحي باردة و لن يشعلها كلام بشر لا يعرفون نحوا و لا إعراب، لا يعرفون حروفا و لا ثقافة كتاب، فقط ينبحون ككلاب ظالة و يطاردون الأغنياء من أجل شراء ملابس و هاتف اخر ما كان. عندما ألاحظ هذا النوع من البشر، أجدني ناذرة، اظنني أنا التي احافظ على مباديء و القليل مثلي.
مر شهر على مغادرة تلك الديار، لم أشتق لها، كل ما اشتقت له أمي و إخوتي. اشتقت لصديقاتي، حقا لن أجد مثلهم و إن جلت العالم كله، فصديقتي فدوى و اميمة لن تعوضهما أي فتاة، فحبهما لي ناذر و لن أجد كمثل هذا الحب في اي مكان. كنت أعلم أنا الصداقة بين فتاتين صعبة، لأنها تملئها الحقد، الغيرة، و الكراهية. و زدت تأكيدا عندما عاشرت هذه الفتاة التي تعمل معي في المقهى، كم أنها ماكرة، فقط أتغابى و كما يقول المغاربة " كندير الما منين ادوز" فساعتي ستمضي معها و لا أريد شجارا معها، ليس خوفا لكني لست بمرتبة ذاك الشخص الذي ينبح طول النهار، اذا زاد الأمر عن حده سأقطع صلتي بها و أكتفي بالصمت، فلن أشغل بالي بثرثرة تافهة تضيع طاقتي. أنا أتيت للعمل و سأصبر من أجل العمل، من أجل أهدافي، من أجل روحي الهادئة و التي تغرق في بحر أغاني كناوة و أم و لن انسي الاغاني الأمازيغية بكل انواعها، و تينيراوين التي تذيبني في عشقها. هذا النوع من الموسيقى يجعلني أطير و أرتقي إلى الجنة. جنتي أنا و مكاني، فقط أعرفه أنا.



#هند_بتسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا حياة تنادي
- واقع مر


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - هند بتسعد - ثمانية و عشرون يناير