سياسة القطيع

فهمي قلدس

الحوار المتمدن-العدد: 7269 - 2022 / 6 / 4 - 02:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

في احدي الاجازات الصيفية   اتجهت الي  مدينة مونبيلييه (Montpellier ) جنوب فرنسا علي البحر المتوسط 
سعدت كثيرا بمشاهدة هذه المدينة الجميلة  البحر والشمس 
و قلب المدينة( la cintr ville ) والمواصلات زرت الأماكن السياحية ركبت الجرار السياحي الذي يجر خلفه عدة عربات  كنت سعيد بالاشياء التي لم اراها من قبل لكن ما أدهشني ولفت انتباهي وجعلني اقوم بالتصوير  من عدة اتجاهات  هو طريق  الترام واي ( tramway )؛
  وكانني اول  مرة اري طريق  للترام مع انه موجود بكثرة  في مدينة  باريس  لكن روعة هذا الطريق جزبتني  فما لفت انتباهي  في الطريق هو:
1  ما بين محطتين او ثلاثة محطات في قلب المدينة  الطريق نفسه ما بين القضبان مرصوف برخام اسود نادر
2 القضيب نفسه في نفس المستوي الافقي للرخام فيا له من صانع ماهر من قام بتركيب هذا الرخام
3 طريق الترام هو الشارع نفسه لا يوجد بجانب طريق الترام الأ   ممشي ضيق لا يتحمل كمية الماره في هذا المكان وهذه المنطقة المزدحمة فهي
قلب المدينة( السنتر فيلla cintr ville )

4عندما يقوم الترام  بالمرور تر ي الشارع المزدحم فارغ تماما  فيبدو لي شعور بالفراغ   وبعد مرور اخر عربة من الترام  يبدأ المارة   بالمرور بالشارع  فتعود الزحمة مرة  اخري فما رايته كان يستحق التصوير  لكنني كنت اشعر بالخجل والسذاجة  قبل التصوير وبدر الي ذهني بعض الافكار  والأسئلة الشخصية
فكيف اكون انا الوحيد الذي  اقوم  بتصوير   طريق ترام ؟  
هل يفهمني المارة  ويقدرو احساسي بهذا الاعجاب للطريق هل  ينظرو الي نظرة شفقة  ؟   

فعند سماع جرس الترام  وهو علي رصيف المحطة وقبل اقلاعه  من المحطة ابتدا المارة يفرغون الطريق علي الجانبين
فقمت بالتقاط بعض الصور وجلست علي الارض لكي يكون تليفوني الذي اقوم التصوير به قريب من القضيب ووقفت وصورت مرة  اخري  وعبرت  الجانب الأخر  من الطريق أيضا وقمت بالتصوير فيا له من انبهار  ويا له من فراغ رغم كثرت الناس وتناسيت كل من حولي وما يفكرون به تجاهي،
مر الترام  واكملت التصوير   في  زحمة  المارة  راوني بعض السياح  في المدينة فنظرو لي  وانا جالس ومنهمك  بالتصوير   فابتداو بالتصوير هما ايضا، 
رأو  السياح اثناء تصويرهم نفس المنظر  بعض الاشخاص فقامو ايضا بالتصوير  وانا كنت انتهيت  من التقاط بعض الصور
ووقفت جانبا فقط لكي اري  المنظر من بيعد 
وبعدهم جاء شخص اخر رأهم فبادر بالتصوير،
وهو لم يراني وانا اقوم بالتصوير بل راي الذين صورو بعدي
فخطر في ذهني بعض الأسئلة  سالتها لنفسي 
لماذا  يصورون  كل من قامو بالتصوير بعدي؟؟
هل فعلا لانهم رأو  منظر جذاب مثلما رايت ؟؟
ام ان ما جذبهم شيء آخر؟ ؟
هل اول مري يشاهدون المنظر مثلي انا ؟
فالمجموعة الاولي قد   رأوني  وانا اقوم بالتصوير  لكن الذين صورو بعدهم فلم يروني فقد رأو الذين صورو بعدي ،
  ففكرت ان اسأل واجري حديث  مع الشخص الاخير الذي كان يصور لوحده   لكني من داخلي اتسال كيف ابتدي معه الحوار والحديث ؟
تجرات وقمت بالاتجاه نحوه  وانتظرت عندما اتم لقطاته التصويرية
وقمت باداء هذا الحديث معه :-
انا : مساء  الخير سيدي
هو: مساء  الخير 
انا : كيف حالك
هو : علي ما يرام وانت؟
انا :علي ما يرام ايضا شكرا لك
هو : كيف يمكنني مساعدتك؟
انا : فقط لدي بعض الاستفسارات
هو: تفضل بكل سرور  
انا : من اي مدينة بفرنسا حضرتك؟
هو :  من هنا من مونبيلييه وانت ؟
انا : لقد جئت   من باريس في اجازة صيفية لعدة ايام حقيقتا مدينتكم جميلة جدا
هو : هأااا ....  من اجل ذالك انا اعيش هنا ولا  ارغب في تغيير مدينتي
انا : هل حضرتك  تمر كثيرا علي هذا المكان ؟
هو : كل يوم تقريبا وانا ذاهب عملي وانا راجع من عملي امر في هذا المكان
انا : اذا حضرتك  رايته كثيرا من قبل ؟
هو:  نعم كثيرا جدا 
انا : فلماذا تقوم بالتصوير في مكان  تراه كل يوم اكثر من مرة ؟
هو : لاني رايت الكثير من الناس  اليوم  يقومون بالتصوير  في المكان  هنا  فاعتقد انه  يوجد شيء ما .
هنا سكت قليلا   وقلت له  : اشكرك   نهاية يوم سعيدة
ورد هو وقالي انت ايضا نهاية يوم سعيدة ورحلة سعيدة !!!

جلست قليلا  وايقنت تماما انه يسلك في سياسة القطيع  
نعم انها سياسة القطيع يا سادة 
يفعل  الشي ولا يدري لماذا يفعله !
يقف في طابور طويل ولا يعلم ماذا ياخذ في نهاية الطابور !
مجرد انه راي  بعض الاشخاص في الطابور فقرر  الوقوف هو ايضا  في نفس الطابور،
جلست  جانبا  وسالت  نفسي كم من مرة  في حياتي سلكت سياسة القطيع ؟
كم من طابور وقفت فيه وانا لا ادري  ماذا  ساربح  في نهاية هذا الطابور ؟
ماذا  اخذو من وقفو في هذا الطابور قبلي؟
هل يناسبني ما يحصلون عليه  في النهاية ؟ 
في نفس الوقت تذكرت جيدا سياسات القطيع التي مررت بها منذ بداية حياتي
تذكرت عندما بدات في قراءة الكتاب المقدس وكنت اضعه
تحت وسادتي  علي حسب اعتقادي في ذالك الوقت  لكي يحمي احلامي  فيما بعد اكتشفت انها ساسة قطيع سمعتها ونفذتها كما سمعت ورايت  امامي وان الكتاب المقدس لا ينفع الا اذا قراته وفهمته وعشت ما فيه علي ارض الواقع  فقط وليس له قيمة كورق نضعه فوق الطربيزة  او تحت الوسادة ؛

تذكرت سياسة القطيع عندما كنت اضع كل يوم  صور المسيح او صور القديسين في جيبي لكي يباركوني ويفتحو ليا الابواب  المغلقة  فادركت فيما بعد  انها سياسة قطيع والصور لا  تفيد ولا تنفع وليس لها قيمة.
فصورة  المسيح  الحقيقية هي ما تظهر في سلوك الانسان
فالانسان بمجهوده  ودراساته  واعماله يمكنه ان يستقبل البركة
وباعماله ايصا يمكنه ان يستقبل لعنات علي حياته 
ادرركت انها سياسة قطيع كنت امارسها؛
تذكرت في نفس اللحظة وانا اجلس علي كرسي علي رصيف   الترام  والصدمة تملأ ذهني  كمية  الصور  والتماثيل المعلقة علي جدران منزلنا  من الداخل  صور للسيد المسيح والعدرا ومارجرجس وحصانه  ايضا،  وكثير من القديسين الذين لم اعرفهم اتذكر  عندما سالت والدتي لماذا نضع الصور بالمنزل كانت احابتها انها تجلب ملائكة للمنزل !
اين هما الملائكة عندما  تحدث مشاكل بالمنزل سوا من الداخل او من الخارج ؟؟ 
فاكتشفت   انها سياسة قطيع  لا اكثر ولا اقل؛
تذكرت  في سن المراهقة عندما كنت اطوف علي الاديرة  لكي احصل علي ما يدعونه بركة الحنوط والتماثيل والصور وتقبيل كل الصور والتماثيل  حتي حوائط  الاديرة كنت اقبلها  اكتشفت فيما بعد انها لعنات وتنقل امراض ليس اكثر
ولا انسي علي الاطلاق سياسة القطيع التي كنت امارسها عندما اقوم بتقبيل يد الكاهن بحجج  ومبررات لا حصر لها التي اكتشفت فيما بعد انها تجلب الامراض وتؤسس امبراطوية تسلط وتعظم رجل الدين؛
نظرت في يدي وانا في جلستي وجدت صليب موشوم علي يدي
يا لها من سياسة قطيع الوشم والرسومات علي الجسد الانسان
القبطي فيكاد يكون كل اقباط مصر قد  تم الوشم علي ايديهم واجسادهم ولو بعلامة صغيرة للصليب بدون مبرر كتابي ولا دليل من داخل  الكتاب المقدس،

فيا له من قطيع قطيعنا الذي يصعب الخروج منه الا عندما يقوم الانسان بالنظر من الخارج  ورؤية انعواجه والتفكير في حقيقة قوانينه وعاداته وممارساته 
فنحن نمارس سياسة القطيع في كل يوم بل وكل ساعة من ايام حياتنا بدون ان نحلل او ندرس الامور بدون بحث من داخل الكتاب المقدس ولا بحث تاريخي مجرد اننا نري افراد عائلاتنا تمارس هذه العادات  فنجري ونلهث  ورأها  بل  وندافع بكل قوتنا عن عادات لا تفيد ولا تنفع.

#فهمي_قلدس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات