أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - سحر الكلمات















المزيد.....

سحر الكلمات


حسين علي
كاتب

(Hussein Ali Hassan)


الحوار المتمدن-العدد: 7246 - 2022 / 5 / 12 - 01:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تمتلك مفردات اللغة سحرًا خاصًا، فالألفاظ والتعبيرات اللغوية تشحذ القلوب بالعواطف، وتملأ العقول بالأفكار التي تستأثر بفكر المرء ووجدانه، وتدفعه دفعًا نحو مسارات معينة، ينجذب إليها وكأنه منوم مغناطيسي بفعل تلك الكلمات والعبارات. واللغة العربية زاخرة بألفاظ وتعبيرات تخلب اللب، وتُذْهِب العقل وتُغَيِّب الوعي.
إن من أبرز العقبات التي تحول بيننا وبين فهم حقائق الواقع المعيش ومواجهته، هو أننا نستعيض عن الأقوال بالأفعال. فنحن في مجتمعاتنا العربية نتوهم أن القول يُغني عن الفعل؛ لذلك تجدنا نبالغ في استخدام العبارات الإنشائية المشحونة بالعواطف والانفعالات، فنرى أحدهم يقف مخاطبًا الجماهير المحتشدة وهو يهتف بحماس شديد:
«على القدس رايحين شهداء بالملايين»؛ وتردد الجماهير وراءه بأصوات هادرة:
«على القدس رايحين شهداء بالملايين»
ويتوهم الخطيب والجماهير معه أن القدس هكذا تحررت!!
قس على ذلك الكثير مما يحدث ويدور في حياتنا.
كثير منا يردد الآية القرآنية الكريمة: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (آية 105 التوبة)، مبرهنًا على أهمية العمل، لكن الألسن تلوك الآية وتحرك اللسان في الحلق مرددًا لها دون ترجمة عملية واقعية لمعناها ومغزاها. نتشدق بالآية ولا نحقق ما تدعونا إليه من إنجاز الأعمال.
وكذلك ترانا نردد نهارًا وليلاً أن «التفكير فريضة إسلامية» وأن القرآن يدعو إلى التفكر والتأمل والتبصر وإعمال العقل، ونستشهد – في هذا الصدد – بآيات قرآنية كريمة وكثيرة:
«وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12 النحل)، «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿١٧٦ الأعراف﴾، «كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿٢٤ يونس﴾، «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿٣ الرعد﴾، «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿١١ النحل﴾، «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿٤٤ النحل﴾، «فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿٦٩ النحل﴾، «وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿٢١ الروم﴾، «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿٤٢ الزمر﴾، «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿١٣ الجاثية﴾، «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ﴿٢١ الحشر﴾، «كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ» ﴿٢١٩ البقرة﴾، «كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ» ﴿٢٦٦ البقرة﴾، «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» ﴿١٩١ آل عمران﴾، «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ» ﴿٥٠ الأنعام﴾، «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ» ﴿١٨٤ الأعراف﴾، «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ» ﴿٨ الروم﴾، «أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا» ﴿٤٦ سبإ﴾، «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ» ﴿١٨ المدثر﴾.
وحين يُعْمِل أحدنا عقله ويشرع في التأمل والتفكير، ويتوصل إلى نتائج تبدو للنظرة السطحية أنها تتعارض مع الكتاب والسنة، تقوم الدنيا ولا تقعد. وإذا تأملت عقلية أغلب من يتشدق بأن القرآن الكريم يحث على التفكير وإعمال العقل، تجده أبعد ما يكون عن التفكير العقلي، ويستريح غاية الراحة للخرافات والخزعبلات.
في بلادنا العربية تسحرنا الكلمات والعبارات، وندعي – مجرد ادعاء – أننا عمليون نقدر العمل، وندعي، خلافًا للحقيقة، أننا نرجح كفة الفعل على القول، وكثيرًا ما نستشهد ببيت شعر لأبي تمام، يقول فيه:
«السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ»
نردده إعجابًا وافتتنانًا بالحكمة العظيمة التي يتضمنها، متوهمين – لمجرد ترديدنا لهذا البيت – أننا أصبحنا عمليين، مفضلين العمل على القول، في حين أننا كثيرًا ما نتوقف عند حد الإعجاب ببلاغة الشعر، أي نظل أسرى لسحر الكلمات!! إننا مبدعون في صياغة العبارات اللغوية المبهرة، وكثيرًا ما تكون تلك العبارات مضللة، عبارات مثل: «العالِم الجهبذ» و«الزعيم الملهم» و«القامة الشامخة»، و«القمة المضيئة»، ونمنح هذه الألقاب لكل من هب ودب دون حسيب أو رقيب. والشائع بيننا إطلاق صفة «العلماء» على رجال الدين أو الدعاة أو الوعَّاظ، في حين أنهم في الأعم الأغلب، لا صلة لهم بـ«العلم» Science بمعناه الدقيق، وهو «العلم التجريبي» على نحو ما يتمثل في «علم الفيزياء» و«علم الكيمياء» ... إلخ، أو «العلم الرياضي» المتمثل في العلوم الرياضية المختلفة «الحساب» و«الهندسة» و«الجبر» ... إلخ. أما من يرى أن «العلم» يقتصر على أصول الدين وتفسير القرآن والشريعة والسنة... إلخ، ويمنح رجال الدين لقب «علماء»، فإنه يخضع لسحر الكلمة، ولا يكلف نفسه عناء البحث والتقصي عن معنى كلمتي «علم» و«علماء» ومغزاهما. ومن ثمَّ يسلم المرء في مجتمعنا العربي بكل ما يقول به رجال الدين في بلادنا – حتى وإن كان كلامًا فارغًا من المعنى – أليس ما نطق به «علماء»؟!.
إننا كثيرًا ما نضفي على الألفاظ معاني ليس لها صلة بها، فمثلاً شاع في وسائل إعلامنا مصطلح «خبير استراتيجي»، وحلَّ الخبراء الاستراتيجيون ضيوفًا على البرامج الحوارية «التوك شو» التي تعرضها القنوات التلفزيونية. ما أن ينطق المذيع بأن لديه ضيفًا وهو «خبير استراتيجي»، حتى تشرئب الرؤوس انتظارًا للمعلومات والآراء والأفكار الخطيرة التي سوف يدلي بها الضيف العالم ببواطن الأمور، في حين أن هذا الضيف لا تزيد معلوماته عما لدى أغلب المشاهدين، كل ما هنالك، أن وسائل الإعلام عندنا تمنح بعض ضيوفها ألقابًا توهم المشاهد بأهمية البرامج المقدمة وحيويتها، كأن تروج للضيف بأن الأستاذ الدكتور فلان، ولأننا نبجل «الأستاذ» ونقدر الألقاب وخصوصًا لقب «دكتور»، فإن إدراكنا أن الضيف «دكتور» يجعلنا نتوهم أن وراء الأكمة ما وراءها، إذ قد يكون هذا الضيف الحامل للقب «دكتور» أجهل مما نتصور، ولا صلة له حقيقةً بموضوع البرنامج، لكن هكذا تخدعنا الألفاظ وتضللنا حينًا، وتأسرنا وتسحرنا حينًا آخر. علينا ألا ننزلق لشِراك اللغة، وهى كثيرة.



#حسين_علي (هاشتاغ)       Hussein_Ali_Hassan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الإمارات تشهد هطول -أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث-.. وم ...
- مكتب أممي يدعو القوات الإسرائيلية إلى وقف هجمات المستوطنين ع ...
- الطاقة.. ملف ساخن على طاولة السوداني وبايدن
- -النيران اشتعلت فيها-.. حزب الله يعرض مشاهد من استهدافه منصة ...
- قطر تستنكر تهديد نائب أمريكي بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع ا ...
- أوكرانيا تدرج النائب الأول السابق لأمين مجلس الأمن القومي وا ...
- فرنسا تستدعي سفيرتها لدى أذربيجان -للتشاور- في ظل توتر بين ا ...
- كندا تخطط لتقديم أسلحة لأوكرانيا بقيمة تزيد عن مليار دولار
- مسؤول أمريكي: أوكرانيا لن تحصل على أموال الأصول الروسية كامل ...
- الولايات المتحدة: ترامب يشكو منعه مواصلة حملته الانتخابية بخ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علي - سحر الكلمات