زاهد المحمود
الحوار المتمدن-العدد: 7238 - 2022 / 5 / 4 - 23:45
المحور:
الادب والفن
في كويستان / زاهد المحمود
في جبالٍ تطل من أبد الريح . كنتَ تعوي هنا مثل ذئب جريح في الثلوج . يتسع الزمان مثل دوائر الماء ثم يتلاشى . تأتي الدقائق ثم تدخل في العدم . نخطُّ دائرة ونغيب فيها . غيوم تمرُّ على المكان . لا شيء يومض غير البُحيرات البعيدة في تلك الهواجر ..
ثم أردّد مع صديقي في وجوم :
«إلى أين تمضين يا هاجر» ؟!
أسبوع في كويستان ، في تلك البقعة القابعة في خاصرة الوطن ، حيث الزمان الفيزيائي يجري مع ينابيع تنحدر من خواصر الجبال، مرتلة أناشيد الحياة في تشكّل الطبيعية الأول ، منذ نار الرعاة في الوديان ، حتى أعالي الوجد .
لم أفهم من المكان إلا ما يترجمه لي مضيفي وصديقي إبراهيم الماس ، اذ ترجم لي أغنية كرديّة من تراثيّات المكان :
«هل أنتِ من المناطق الباردة
أم من المناطق الحارّة
سأتتبعكِ خيمة خيمة
من هنا الى بوكان»
(بوكان مدينة في ايران )
*
إبراهيم المتوحّد في عزلتين: عزلة جغرافية، وعزلة فنيّة . الجبال عالية وموحشة بالنسبة لشاعر رقيق . يسألني إبراهيم في الليل:
_ هل هذه نجمة أم ضوء مخفر؟
_ لقد ورثتَ صفات المكان يا إبراهيم !
الليل هنا صورة مكبّرة للفضاء الخارجي ، تكاد النجوم تحطُّ على السطوح الطينيّة ! كلّ شيء هنا واضح. أوضح من اي مكان آخر ؛
درب التبّانة الذي أضعناه في سماوات المُدن الكالحة ،
أقمار أربعة حول المشتري ، كوكب الزهرة ذو الزرقة البيضاء ، يرف على المخفر النائي !
الريح هنا دائمة الهبوب .. تتوزّع المكان من جهاتها الأربع .
لها حفيف طيور ألبوم المتربصة على أشجار الليل .
تنتشر القرية في ساق الجبل في ما يشبه قرى نمل تفور من الرمال، زهاء أربعين بيتا .
المكان هنا خارج شبكات الإتصال السلكي واللاسلكي غير آبه بما انجزته الحضارة. العالم هذه القرية.
نعمتُ من أهلها الطيبين بالحفاوة والجمال. لكنّي سأظلّ أفتقد تلك الأعماق الرعويّة يا إبراهيم.
#زاهد_المحمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟