ليث الدليمي
الحوار المتمدن-العدد: 7234 - 2022 / 4 / 30 - 02:15
المحور:
الادب والفن
النقد الثقافي عبارة عن مقاربة متعددة الاختصاصات، تنبني على التاريخ، وتستكشف الأنساق والأنظمة الثقافية، وتجعل النص أو الخطاب وسيلة أو أداة لفهم المكونات الثقافية المضمرة في اللاوعي اللغوي والأدبي والجمالي. أما الدراسات الثقافية، فتهتم بعمليات إنتاج الثقافة وتوزيعها واستهلاكها، وقد توسعت لتشمل دراسة التاريخ، وأدب المهاجرين، والعرق، والكتابة النسائية، والجنس، والعرق، والشذوذ، والدلالة، والإمتاع… وكل ذلك من أجل كشف نظرية الهيمنة وأساليبها،يرى بعض الباحثين في مجال النقد الأدبي أن النقد الثقافي ليس إلا افتتاناً بمشروع نقدي غربي، إذ يؤكد د. عبد العزيز حمودة أن "هناك مشروعاً نقدياً جديداً يجري الترويج له اليوم في أروقة المثقفين العرب هو النقد الثقافي الذي يمثل افتتاناً جديداً بمشروع نقدي غربي تخطته الأحداث داخل الثقافة أو الثقافات التي أنتجته
ويعود ظهور أولى ممارسات النقد الثقافي في أوروبا إلى القرن الثامن عشر. لكن تلك المحاولات المبكرة لم تكتسب سمات مميزة ومحددة في المستويين المعرفي والمنهجي إلا مع بداية التسعينات من القرن العشرين وذلك حين دعا الباحث الأمريكي فنسنت ليتش إلى "نقد ثقافي ما بعد بنيوي" تكون مهمته الأساسية تمكين النقد المعاصر من الخروج من نفق الشكلانية والنقد الشكلاني الذي حصر الممارسات النقدية داخل إطار الأدب كما تفهمه المؤسسات الأكاديمية "الرسمية"، وبالتالي تمكين النقاد من تناول مختلف أوجه الثقافة ولاسيما تلك التي يهملها عادة النقد الأدبي، أما في اللغة العربية، فيرى سعيد البازعي وميجان الرويلي ( ) أن النقد الثقافي، في دلالته العامة، يمكن أن يكون مرادفا "للنقد الحضاري" كما مارسه طه حسين والعقاد وأدونيس ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي. لهذا فهما يعرفان النقد الثقافي على أنه: "نشاط فكري يتخذ من الثقافة بشموليتها موضوعاً لبحثه وتفكيره، ويعبر عن مواقف إزاء تطوراتها وسماتها"، ويمكن اعتبار د. عبد الله الغذّامي أول من حاول تبنّي مفهوم النقد الثقافي في معناه الحديث الذي حدده فنسنت ليتش واستخدم أدواته لاستكشاف عدد من الظواهر الثقافية العربية التي لم تستطع مختلف مدارس النقد الأدبي السابقة التصدي لها
يعرّف الغذّامي النقد الثقافي بأنه: (( فرع من فروع النقد النصوصي العام، ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول الألسنية معنيّ بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه، ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء. ومن حيث دور كل منها في حساب المستهلك الثقافي الجمعي. وهو لذا معني بكشف لا الجمالي كما شأن النقد الأدبي، وإنما همه كشف المخبوء من تحت أقنعة البلاغي الجمالي، فكما أن لدينا نظريات في الجماليات فإن المطلوب إيجاد نظريات في القبحيات لا بمعنى عن جماليات القبح، مما هو إعادة صياغة وإعادة تكريس للمعهود البلاغي في تدشين الجمالي وتعزيزه، وإنما المقصود بنظرية القبحيات هو كشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي".
يظهر لك من هذا النقل رؤية الدكتور الغذّامي للمؤثر والمؤسس لثقافة العرب، مع إشارته لمجيء الإسلام، ولكن - من وجهة نظره -لم يكن للإسلام سوى أثرٍ في الجانب المعاشي والقيمي، أما الجانب الثقافي فقد كان شيئاً آخر، فقد كان الشعر وظل هو المهيمن المؤثر فيه.وتجد الدكتور الغذّامي يقلص من أثر الإسلام مقابل الأثر الثقافي للشعر إلى أضيق الحدود، فيجعله مقصوراً على فترة ضيقة جداً وهي فترة صدر الإسلام – قبل العهد الأموي- فيقول عند حديثه عن أنواع الخطابة: (( الخطابة الوظيفية، وهي الخطب العملية التي صاحبت الدعوة الإسلامية، وكانت فعالة وإنجازية، وهي العلامة الثقافية التي صبغت الفترة الإسلامية الأولى، حيث امتزج القول بالفعل، وتقدم الخطاب الإنجازي، في حين تراجع الخطاب الشعري، وكان الإنجاز حينذاك هو علامة المرحلة، حيث الفتوحات والتحقق التاريخي العظيم. غير أن هذه فترة استثنائية نادرة، وما جاء بعدها كان عودة للقيم الشعرية في الخطاب
إن وصف الأمة الإسلامية بالفشل في المجال الفكري والعقلي والاجتماعي أمر في غاية الخطورة، خصوصاً وأن المقصود بالأمة هنا - ذات التاريخ المجيد في فتوحاتها- أمة صدر الإسلام، إذ يؤكد الدكتور الغذّامي أن فترة صدر الإسلام – فقط - هي الفترة الاستثنائية النادرة من تاريخ الأمة، والتي تحققت فيها الإنجازات والفتوحات، مما يعني أن ذلك العصر المبارك الذي استضاء بنور الوحي وشهد التنزيل وفيه كان الرسول : لم يقدم نجاحاً فكرياً ولا عقلياً ولا اجتماعياً
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟