أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - هاشم نعمة - شر الاستعمار لا يغتفر















المزيد.....

شر الاستعمار لا يغتفر


هاشم نعمة

الحوار المتمدن-العدد: 7230 - 2022 / 4 / 26 - 18:07
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ترجمة: هاشم نعمة

يعني استعمار جزر الهند الشرقية الهولندية العنف الهيكلي. ولهذا السبب، فإن اعتذار مارك روته (رئيس الوزراء الهولندي الحالي)(1) غير كاف، وفقا لغويناوان محمد(2).
لا أتذكر التاريخ بدقة. ولكن بالعودة إلى الوراء، أدرك أنه لا بد أنه كان في وقت ما في شباط/ فبراير 1948. كان عمري سبع سنوات. في الليلة السابقة، كنت قد سمعت الراشدين يتحدثون عن شيء أطلقوا عليه اسم "هدنة". والآن أدرك أنهم لا بد أنهم كانوا يتحدثون عن اتفاق رينفيل، الذي كان يهدف إلى وضع حد للصراع المسلح بين مملكة هولندا وجمهورية إندونيسيا.
كان الجانبان يعلمان أن وقف إطلاق النار هذا لا يمكن أن يدوم أبدا. ولكن على الأقل كان الجو سلميا ليوم واحد. على أي حال، لم يكن هناك إطلاق نار في الليلة السابقة. كان هناك شعور عابر بالارتياح. كان الناس مبتهجين، ولكن كان هناك أيضا شعور غريب بعدم الارتياح.
سار الجنود الهولنديون في الشوارع في سيارات جيب مفتوحة وهم يحملون البنادق. في الوقت نفسه، كان سكان مدينتنا يعلقون بالفعل أعلاما حمراء وبيضاء على أبوابهم. حتى أنهم شعروا بالثقة الكافية للالتقاء في مجال مفتوح. ذهبت إلى هناك مع أمي. لم يبد أحد خائفا. في وقت ما، انطلق الناس معا يغنون أغنية "في 17 أغسطس| آب". كانت تلك أغنية ثورية جديدة، لم يعرفها سوى عدد قليل من الناس. ومع ذلك، رأيت امرأة، صديقة أمي والقادمة من منفاها في ديغول، تغني والدموع في عينيها.

سقوط قتلى

ولكن في النهاية، تبين أن اليوم لم يكن سلميا كما بدا لأول وهلة. عندما عدنا من الاحتفال في الميدان في فترة ما بعد الظهر، سمعنا من مدبرة المنزل سامبيات أن جنودا هولنديين يحملون البنادق جاءوا يقتحمون المنزل. بعد إزالة الأعلام الورقية للجمهورية الجديدة من سياجنا، أجبر جندي سامبيات على ابتلاع اثنين منها. ثم غادروا مرة أخرى.
في المساء، أخبرتني أمي أن الجنود الهولنديين أطلقوا النار على أربعة شبان في حقول الأرز في وقت سابق من بعد ظهر ذلك اليوم. ولم يكن هناك قتال. قالت أمي: "لم يكونوا حتى حزبيين". ومنذ ذلك الحين فصاعدا، أخذت كلمة "هدنة" معنى مختلفا تماما في منزلنا.
بعد قرن كامل تقريبا، في عام 2022، أدلى رئيس الوزراء الهولندي مارك روته ببيان نيابة عن حكومته. قال فيه: "عن العنف المنهجي من جانبنا، وهو عنف لم يتم الاعتراف به بالكامل حتى الآن، أقدم اعتذارا عميقا للشعب الإندونيسي نيابة عن الحكومة الهولندية".
أستطيع أن أفهم لماذا قدم هذا الاعتذار، لكنني لا أعرف ما إذا كان الشخص المناسب لتقديمه. ولد روته في عام 1967، بعد أكثر من عشرين عاما من محاولة هويب فان موك، نائب الحاكم العام لجزر الهند الشرقية الهولندية، خنق قيام الجمهورية الجديدة وممارسة العدوان العسكري ضد السكان. لا أعرف ما إذا كان روته لديه فهم جيد لتاريخ إندونيسيا وتعقيده. وهو ينتمي إلى جيل نشأ بعد سنوات من أمر الكابتن ريموند ويسترلينغ، القائد السيئ السمعة للقوات الخاصة (DST) التي تم نشرها ضد الانتفاضة، بتنفيذ الاعدامات السريعة بمئات الإرهابيين(3) في سولاويزي، والذي حاول القيام بانقلاب عسكري آخر ضد الحكومة الإندونيسية في عام 1950.
أفضل أن لا أرى اعتذار روته على أنه سياسة دون ضمير حي، بل باعتباره عملا سياسيا بالوكالة إذا صح التعبير. إنه ذنب بدون ألم. ففي نهاية المطاف، ليس لحكومته أي دور في هذا الفصل البشع من تاريخ هولندا الاستعماري، ويمكنه أن يقول بحق إن تاريخنا المتشابك، مثل غيره من التواريخ، كان بمثابة مسلخا في استعارة غامضة من هيغل ومن يدري بالضبط أين يقع هذا المسلخ.

عيب أساسي

نحن نصنع التاريخ ونخزن الذكريات الجماعية. لكن التأريخ له عيب أساسي: فهو يتطلب استخدام الكلمات والأسماء. وهو يستند إلى افتراض أن هناك اتفاقا عاما على معنى تلك الكلمات والأسماء: "الهولنديون" و "الإندونيسيون" و العنف".
يقوم المؤرخون بربطها معا لصنع قصص وإعطاء معنى لقيمة حرية الإنسان. إنهم يريدون أن يصدقوا أن الكلمات التي يستخدمونها ستؤدي إلى توافق في الآراء بشأن معناها. لكن اللغة معقدة.
تعني كلمة "هولندي" شيئا ما فقط إذا قارنته بشيء "غير هولندي" - وهذا لا حدود له. لن تتمكن أبدا من تحديد ما قد تعنيه كلمتا "الهولندي" و"الإندونيسي" بشكل كامل. لا يمكنك تعريف كلمة من خلال البحث عنها في القاموس أو في ويكيبيديا. كل كلمة تبقى دائما صعبة المنال. الهويات والأسماء والتسميات هي دائما عملية متحركة.
لذلك لا أقول شيئا جديدا عندما أقول إن كلمة "هولندي" في الأربعينيات من القرن الماضي كانت تعني شيئا مختلفا عما عليه في عام 2020. إن العلاقة بين الحكومة الحالية في لاهاي وويسترلينغ -الذي حاول بالمناسبة أن يصبح مغني أوبرا بعد تركه الجيش -هي تجريد كامل.
سألني أستاذ في جامعة ليدن(4) كان يعرف أن الحكم الاستعماري قد أرسل والدّي إلى المنفى إلى بابوا في الثلاثينيات وأعدم والدي في عام 1947، سألني ذات مرة: "هل ما زلت تكره الهولنديين؟"
"أنا لا أصدق ذلك"، أجبت مندهشا إلى حد ما.
أجاب: "سألتك لأننا نحن الهولنديين ما زلنا نكره الألمان".
كان الأستاذ شخصا مهذبا جدا. كان من غير المألوف بالنسبة له أن يستخدم كلمة “كراهية” للإشارة إلى الألمان. ولكن كيف يمكنني الحكم على مدى شدة الألم والإذلال والصدمة التي يعيشها المرء في ظل القمع النازي؟
"تجاربنا مختلفة"، أجبت.
التجارب دائما شخصية ومختلفة. كلها تتشكل من عالم محدود وغير دائم. لا أعتقد أن هناك شيئا اسمه "ذاكرة جماعية" يسجل فيها التاريخ بطريقة صحيحة. هذا ينطبق بشكل خاص على ما يمكن وصفه بأنه "عنف شديد" في الماضي. كلما سمعت أشخاصا يجلسون لتقييم ما حدث في الماضي، أسمع بيتا من شعر شيريل أنور يتردد في رأسي: "نحن – الكلاب التي يتم اصطيادها – لا نرى سوى أجزاء من القطعة التي نلعب فيها".

لا عشاء

ومع ذلك، عندما يسألني شخص ما عن رأيي في بيان روته، أقول: "نعم، أنا أؤمن بالمغفرة". على الرغم من طبيعة الاعتذار الهولندي بصفته اختراع مفاهيمي، أتذكر دائما ما فعله مونجينسيدي. قائد حرب العصابات الشاب في ماكاسار الذي سامح الجنود الهولنديين قبل أن يعدموه في 5 سبتمبر/ أيلول 1949.
ولكن ماذا تعني عبارة "العنف الهيكلي المتطرف" في الواقع؟ الثورة ليست حفلة عشاء، كما قال ماو تسي تونغ ذات مرة. إنها تنطوي على الطموح والقتل. ينطبق هذا أيضا على سياسة القمع المعادية للثورة. في التاريخ الحديث للصين والجزائر وإندونيسيا، يمتلك الثوار وأعداؤهم مسالخهم الخاصة بهم. هذا لا يعني أن كل شيء غامض ولا يمكن الحكم عليه.
من الواضح بالنسبة لي ما تعنيه عبارة "العنف الهيكلي": فهي تشير إلى الاستعمار نفسه. الاستعمار مؤسسة شريرة، مبنية على الغطرسة والجشع، تستند إلى "أيديولوجية" استخدمت لتبرير معاملة الإندونيسيين (والعديد من الشعوب الأخرى في أماكن أخرى) على أنهم أقل من البشر وكعبيد لا ينتمون إلى البشر.
ولا أستطيع أبدا أن أغفر ذلك.

(1) المترجم
(2) غويناوان محمد هو كاتب إندونيسي ومؤسس مشارك لمجلة تيمبو النقدية.
(3) هم ثوار يناضلون من أجل نيل استقلال بلدهم، ولكن ينعتون بالإرهابيين من قبل القوى الاستعمارية. (المترجم)
(4) ليدن، جامعة عريقة في هولندا عمرها خمسة قرون تهتم بالدراسات العربية والإسلامية. (المترجم)

الترجمة عن: 25 Maart 2022 NRC Handelsblad



#هاشم_نعمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابات الماركسية الجديدة
- ملاحظات في العلاقة بين الديمقراطية والتنمية
- العلاقة بين الهجرة الدولية والتنمية
- عصر عدم الاستقرار القادم في أمريكا
- 364 ألف مدني ضحايا حرب أمريكا على الإرهاب
- لماذا يحب الطغاة الانتخابات كثيرا؟
- لماذا يفشل التدخل الأمريكي دائمًا في الشرق الأوسط؟
- في جنوب العراق... يعيشون على النفط ويموتون بسببه
- يمكنك أن تشعر بجفاف الدلتا في العراق من حليب الجاموس
- التعافي الاقتصادي بعد الجائحة... تفاوت وانقسام
- الفكر الإسلامي ... قراءة معاصرة
- التطرف اليميني بات مقبولا على نطاق واسع في هولندا
- رأسمالية الكوارث
- شركات النفط تتعرض الآن لضغوط من جميع الجهات
- الفقر كأيديولوجيا
- الانتعاش الاقتصادي العالمي وشيك، ولكن ليس في البلدان الفقيرة
- نكران الثقافات
- مفاهيم نظرية في الهجرة الطلابية
- تزايد شعبية الماركسية في أوساط الشباب في هولندا
- العشيرة والدولة في بلاد المسلمين


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - هاشم نعمة - شر الاستعمار لا يغتفر