أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحال بن الصويرة - قراءة في فيلم pk















المزيد.....



قراءة في فيلم pk


رحال بن الصويرة
(Ben Souira Rahhal)


الحوار المتمدن-العدد: 7229 - 2022 / 4 / 25 - 17:59
المحور: الادب والفن
    


تجسد الأفلام السينمائية القيم الثقافية والتفاعلات الاجتماعية والتوجهات العامة للمجتمع, حيث أنها تعكس المشاكل والصعوبات والتحديات الثقافية والدينية التي يتخبط بها المجتمع. يسعى علماء الاجتماع والانتربولوجيا إلى فهم المجتمع, وفهم الهوية الفردية والجماعية للأفراد والجماعات, وذلك من خلال الانطلاق من مجموعة من الافتراضات المرتبطة بالخير والشر, ما هو ممكن وما هو غير ممكن, ما يجب ا يكون وما لا يجب أن يكون, فالروايات والقصائد وألعاب الفيديو والرسوم المتحركة والأفلام فإنها مواد سينمائية وإبداعات فنية ترتبط أساسا بروح المجتمع.
منذ ظهور الفنون السبعة والعالم يعرف تعدد أليات التعبير عن نبض المجتمع. فإذا كانت النظريات العلمية في العلوم الاجتماعية تُستمد من المشاكل والظروف الاجتماعية, فإن كتاب السيناريوهات هم الأخرون ينتقلون من المجتمع وتحويل معاناته وتناقضاته وصراعاته إلى أفلام سينمائية تعكس كل ما سبق ذكره بالصوت والصورة. بل حتى أفكار باحثين وكتاب وروائيين تم تحويلها إلى أفلام سينمائية مما يحيل إلى أهمية السينما والمسرح والموسيقى في التعبير عن أفكار وتوجهات الأفراد داخل المجتمع.
يعتبر علم الاجتماع من العلوم الاجتماعية التي تعمل على تجديد تقنياتها ومناهجها في دراسة الظواهر والأفعال الاجتماعية, وذلك بغرض تفسير وفهم وتأويل الأفعال والظواهر الاجتماعية. ففي الوقت الذي كان الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا يحتاج إلى زيارات ميدانية تكلفه من حيث الجهد والوقت والمال, أصبح اليوم من الممكن أن يقتصر فقط على فيلم سينمائي أو فيلم وثائقي ويستمد من خلاله مجموعة من المعطيات التي يمكن أن يشتغل عليها عند مجتمع ما, بغض النظر عن إلى أي حد تجسد هذه الأفلام الوثائقية والسينمائية الحقيقية إلا أن هناك مجموعة من التقنيات والوسائل التي يمكن استخدامها لانتقاء الشريط الأكثر مصداقية وواقعية.
تكمن أهمية الأفلام السينمائية في رصد وتتبع الواقع الاجتماعي والنفسي للأفراد في كونها تركز على الأحداث المهمة التي يمكن أن تساهم في إحداث نقاط التحول في الرحلة الاجتماعية الخاصة بالأفراد, فهناك مجموعة من الشخصيات التاريخية التي سرد ووصف حياتها في أفلام سينمائية, هكذا إذن يمكن القول أن الفيلم السينمائي لا يختلف كثيرا عن الواقع, فالسينما هي خط مقارب للواقع يتحرك دائما ليقترب منها ويعتمد عليها. وبالتالي فيمكن الوقوف على مجموعة من الافلام السينمائية واستخراج منها مجموعة من التيمات والمواضيع التي تناقشها؛ يمكن العودة إلى السينما المغربية ومعرفة الكيفية التي يُنظر بها إلى المرأة في المجتمع المغربي, وكذلك يمكن معرفة طبيعة التضامن السائد في المجتمع المغربي..الخ.
من الواضح أن السينما الهندية تشتهر بإنتاجاتها الكثيرة والغزيرة, مما يجعلها تحتل مكانة متميزة وأصيلة في الحقل السينمائي العالمي. حيث يعتبر الفيلم السينمائي PK من أشهر الأفلام السينمائية التي تعكس طبيعة الصراعات الدينية والتعدد الثقافي الذي يعرفه المجتمع الهندي. إن هذا الفيلم السينمائي يحتاج إلى الكثير من التحليل والتفسير والتأويل ويمكن وضعه في قالب سوسيولوجي بالاعتماد على مجموعة من النظريات السوسيولوجية التي تهتم بالقضايا التي يعالجها. فالانحراف, والجريمة, ومخالفة القواعد والمعايير, التنشئة الاجتماعية, الحب, الكذب, الصداقة, الدين, الرابط الاجتماعي وغيرها كل مواضيع تحضر بقوة, حيث أن مشاهدته بعين سوسيولوجية تمكننا بالخروج بمجموعة من الأفكار والتصورات الأساسية والمهمة, بل يمكن كذلك الوقوف على فرضيات جديدة في العلوم الاجتماعية بشكل عام.

يؤدي المنحرفون وغير المنتمون مجموعة من الأدوار الاجتماعية التي تمثل السلوك الذي يتوقعه المجتمع من شخص ما في وضعية محددة داخل مجموعة ما, تساهم الأنشطة اليومية للإنسان في أداء سلسلة من الأدوار الاجتماعية التي تعلمها, والتي يتوقع الأخرون منه القيام بها. فالأعضاء داخل الجماعة يتعلمون كيف يلعبون دور "الأب" و "الابن" و"البنت" و"الرجل" والمرأة" وكذلك تعلم دور "عضو عصابة" و"مجرم" و"مدمن كحول" و"المريض العقلي". البناء الاجتماعي للأدوار لا يكون ذو صلة بالأفراد أنفسهم فالأدوار الاجتماعية سابقة عن وجودهم ومتعالية عليهم.
تحدد القواعد الاجتماعية المواقف والسلوك المناسبة لها، وتحدد بعض المواقف والسلوكات على أنها "صحيحة" وتعتبر الأخرى على أنها "خاطئة". عندما يتم فرض قاعدة ما، قد يُنظر إلى الشخص الذي من المفترض أن يخالفها على أنه شخص منحرف، شخص لا يمكن الوثوق به للعيش وفقًا للقواعد التي وافقت عليها المجموعة. يعتبر من الخارجون عن المجتمع. لكن الشخص الذي يُصنف على هذا النحو على أنه غريب قد يكون لديه وجهة نظر مختلفة بمعنى أنه غريب حسب قواعدهم ومعاييرهم وليس قواعد ومعاييره .
السلوك الاجتماعي هو نشاط مكتسب لا يبدأ الناس بشكل طبيعي في التفاعل الاجتماعي عند الولادة, يتطور هذا النشاط من خلال التنشئة الاجتماعية, يعدل الناس سلوكهم استجابة لمطالب وتوقعات وقواعد الأخرين, بحيث يكون كل سلوك عمليا نتاج تفاعل اجتماعي, كلمات مثل الصدق والخجل والود لها معنى فقط عندما تتعلق بالأخرين حتى تغيرات المشاعر مثل الغضب أو الاكتئاب على الرغم من بنيتها الفيزيولوجية القوية إلا إنها تعبر في الغالب عن ردود فعل اجتماعية, العواطف الفردية هي منتجات اجتماعية. إن الأفراد يتصرفون وفق انتظارات المجتمع وتوقعاته.
هكذا إذن يتبين كيف أن القوانين والقواعد والأعراف تلعب دورا مهما ومركزيا في تحديد السلوكات السوية والغير السوية, بتعبير أدق كل جماعة تصنع قوانينها وأعرافها وقيمها وتعمل على ترسيخها ونقلها لأعضائها والعمل على إعادة إنتاجها من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية, مما يؤدي إلى وجود صراعات كثيرة بين أفراد وجماعات بسبب اختلاف المرجعيات الثقافية والدينية.
من اجل فهم هذه القضية الاجتماعية يمكن العودة إلى السينما باعتبارها مرآة المجتمع. فالأفلام السينمائية تجسد روح المجتمع وتناقضاته وصراعاته. بالاعتماد على عدة منهجية مناسبة يمكن معرفة هذه التناقضات والصراعات من خلال العودة إلى بعض الأفلام والسياق الذي ظهرت فيه. وذلك من اجل اخذ بعين الاعتبار النسبية الثقافية والتعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد.
إن الفهم الجيد للأعراف والمعايير والقواعد التي يستند إليها المجتمع في فهم وتفسير وتحليل وتأويل سلوكات الأفراد وأفعالهم والظواهر الاجتماعية, يمكن ويساعد في تحديد وتصنيف الأفعال والظواهر المنحرفة والسوية وتحديد درجتها, ولعل هذا ما يتطرق له الفيلم السينمائي pk من خلال التوقف على مجموعة من القضايا المرتبطة بالدين والأعراف والتقاليد المختلفة بين المجتمعات والتي يمكن تحليلها من داخل حقل سوسيولوجيا الانحراف من خلال استعمال عدة مفاهيمية مترابطة ومتناسقة.
كيف يمكن تحليل الفيلم السينمائي pk من وجهة نظر سوسيولوجيا الانحراف؟ وماهي اهم القضايا التي يمكن رصدها ضمن هذا الحقل؟ وكيف يمكن تأويل مضمون الفيلم انطلاقا من الإرث السوسيولوجي؟



المحور الثاني: الانحراف
تقديم عام حول الانحراف:
يشكل المجتمع بمختلف أطيافه وتياراته ومكوناته مجالا للتناقضات والصراعات الحاصلة أساسا بفعل اختلاف الهويات والثقافات والقيم, حيث يمكن القول أن المجتمع عبارة عن فسيفساء, من الجماعات المشكلة له, كل جماعة داخله, تضع مجموعة من القوانين والقواعد والقيم التي تؤطرها وتؤطر التفاعلات الحاصلة بين أعضائها. الفرد عندما ينتمي إلى جماعة معينة يكون من الواجب عليه الالتزام بقواعدها وقيمها. لكن بمجرد أن يخرج عن المسار الذي رسمته له الجماعة التي ينتمي اليها يصبح " منحرفا". الانحراف كسلوك بمعناه العام والواسع لا يمكن تحديده ومعرفته, ولا يمكن رصده وتعميمه. فالسلوك المنحرف في جماعة ما قد لا يكون كذلك عند جماعة أخرى, والسلوك المنحرف عند نفس الجماعة اليوم قد لا يكون سلوكا منحرفا في المستقبل. بالتالي فالانحراف كمفهوم يبقى قابل لتأويلات متعددة ومختلفة. مما يدعو إلى إعادة النظر والتفكير في الكيفية التي يتم من خلالها إنتاج وإعادة إنتاج وتأويل وفهم وتفسير السلوكات والأفعال والظواهر المتعلقة بالأفراد والجماعات.
إذا كان القانون يحدد المجرمين والسارقين والمختلسين والمغتصبين انطلاقا من نصوص قانونية باختلاف مرجعيتها ومصدر تشريعها, فكيف يعمل المجتمع على وصم الكاذب والخائن والمنافق بالمنحرفين؟ وماهي المرجعيات التي يعتمد عليها؟.
يتبين من خلال البنيات الاجتماعية أن هناك صناع الأعراف والقوانين أو كما يحلو لهوارد بيكر تسميتهم بالمقاولين الأخلاقيين, يحددون ما يجب أن يكون, وكيف يجب أن يكون, ومتى يجب أن يكون.
إن الحاجة من فهم السلوكات المنحرفة وتصنيفها تتمثل أساسا في الكيفية التي يعمل من خلالها المجتمع على ضبط أعضائه, فالأشخاص الملتزمون, الخاضعون, يتم تسميتهم بالصالحين البارين بالمجتمع وأعرافه, أو كما يحب تودوروف تسميتهم بالأشخاص المعترف بهم عن طريق المطابقة؛ بمعنى الأفراد الذين يتبعون الجماعة ويلتزمون بأعرافها يتم الاعتراف بهم والتشهير بهم على انهم ملتزمين, ويعملون أعمالا حسنة بالنسبة للجماعة التي ينتمون إليها. أما الأشخاص الخارجون عن قواعد المجتمع, المتمردون, المشاغبون, الغير منضبطون, فإنهم يتعرضون إلى وصم اجتماعي, تختلف درجتهم وحدته باختلاف مخالفتهم للمجتمع, حيث يتم إقصائهم وتهميشهم من الجماعة, بيد أن هذا الأمر لا ينزع عنهم صفة الاعتراف, حسب تودوروف هؤلاء الأشخاص لا يختلفون على الصالحون, فهم كذلك معترف بهم غير أن طبيعة الاعتراف يمكن القول عنها "سلبية" حسب طبيعة الثقافة الاجتماعية, وهذا النوع من الاعتراف يسمى اعتراف المفارقة.
أن الاقتصار على الفيلم السينمائي pk ومحاولة رصد مختلف السلوكات والأفعال المنحرفة نابعة بالأساس من الصعوبات المنهجية التي يمكن أن يواجهها الباحث في العلوم الاجتماعية في دراسته للسلوكات المنحرفة خصوصا القيمية منها, فمن الصعوبة مما كان تجري مقابلة مع شخص ما يكذب! أو ينافق! أو يسرق! أو يختلس..الخ. لذلك الاقتصار على هذا الفيلم واختياره لم يكن اعتباطيا بل كان وفق شروط معينة تتمثل أساسا في رصده إلى مجموعة من السلوكات المنحرفة والمرتبطة أساسا باللغة والدين واللباس والحب والصداقة والخوف وغيرها.
سنعتمد على تحليلنا وتفسيرنا للأحداث الكبرى لهذا الفيلم على تتبع مسار pk منذ نزوله إلى الأرض إلى أن عاد إلى كوكبه الخاص, ومن اجل ربط ما جاء بالفيلم بالواقع سنعمل على اعتبار لحظة نزوله إلى كوكب الأرض لحظة الولادة, وسنعمل على تتبع الكيفية التي نشأ بها داخل المجتمع, وكيف تعلم اللغة؟ وممارسته للطقوس الدينية, بالإضافة إلى رحلته حول البحث عن الاله, والأسئلة الطفولية التي يطرحها؟ سننطلق من فكرة أساسية أن الإنسان صفحة بيضاء ويتم قولبته وفق السياق الاجتماعي التي نشأ فيه, وذلك من خلال استحضار مجموعة من النظريات والتصورات الانثربولوجية والسوسيولوجية والفلسفية لفهم وقائع وأحداث الفيلم.

لحظة الولادة
الميلاد الحقيقي ليس هو حينما تصرخ, صرختك الأولى , الميلاد الحقيقي هو أن تتنفس روح الجماعة
إن العيش داخل المجتمع يجعلك صورة مصغرة له, تعتقد أن قيمه وعاداته وأعرافه هي الأصل وباقي التقاليد والأعراف هي مزيفة. الانتقال من مجتمع إلى مجتمع أخر مغاير تماما يعتبر بمثابة ولادة جديدة داخل نسق ثقافي وأخلاقي جديد, يتطلب منك إدراك لغته ودينه وأعرافه وتقاليده ومعانيه ورموزه...الخ.
الانتقال من كوكب إلى أخر يعتبر بمثابة انتقال من مجتمع إلى أخر, فالكائن الفضائي عند نزوله إلى كوكب الأرض لم يكن له اسما, دينا, ثقافة, أعرافا أو تقاليد حول كوكب الأرض, بل نزل إلى الأرض وهو يحمل معه تنشئته السابقة في الوسط الذي كان يعيش فيه مما جعله غريبا منذ اللحظة الأولى.
تعرض هذا الكائن الغريب إلى السرقة من طرف البشر لحظة نزوله, لتكون الصدمة الأولى التي يواجهها في كوكب الأرض, حيث يصعب عليه العودة إلى وطنه بدون القلادة التي كان يحملها في صدره, حاول أن يسترجعها لكن حيلة السارق كانت اقوى منه. لتبدا رحلته في البحث عن القلادة الخاصة به, من اجل العودة إلى وطنه.
إن الولادة بمعناها البيولوجي تختلف عن المعنى الاجتماعي, فالرضيع لا يعرف معنى السرقة, ولا يعرف الكذب, كما انه لا يعرف اسمه, ولا يعرف دينه, الرضيع يزداد وهو بدون هوية تميزه عن الأخرين في يومه الأول. بيد أن عملية التنشئة الاجتماعية تبدأ من الأم والأب لتستمر بعدها إلى باقي المنشئين. الأمر نفسه يمكن تطبيقه في هذه الحالة:
ما اسمك؟ لا أملك أي اسم! لكن بقية الناس ينادونني pk
يعتبر الاسم الصفة المميزة للفرد عن الأخرين, حيث أن كل مجتمع يعمل على إنتاج مجموعة من الأسماء التي تتماشى مع مرجعيته الثقافية والدينية, فهناك أسماء خاصة بالأولاد وأسماء خاصة بالإناث, ولا يمكن لاسم البنت أن يُطلق على الولد. وبالتالي فاسم pk هو وصم اجتماعي لهذا الشخص نظرا لتصرفاته وسلوكاته المنحرفة, بتعبير أدق هذه التصرفات والسلوكات لا يمكن أن يقوم بها إلا شخص ما في حالة سكر حسب ثقافتهم ومرجعيتهم.
هل لهجة باجبور هي اللغة الرسمية لكوكبكم؟
في عالمنا نتواصل عبر قراءة ونقل الأفكار بلا أي التباس!
إن الأجزاء الهامة للتواصل على مستوى الثقافة تتميز بقصرها مقارنة بأنواع أخرى من التواصل, بمجرد رفع درجة الصوت في نهاية تعبير ما بدلا من تركها تتلاشى فمن الممكن في اللغة الإنجليزية أن تغير التصريح بحقيقة إلى سؤال . بمعنى أن الكلمة نفسها يمكن أن يكون لها دلالات ومعاني مختلفة ومتعددة, حيث أن هناك التباس كبير في اللغة, يمكن أن يقول شخصا ما "حقا" للتعبير عن الرضا, وكذلك للتعبير عن الحزن, أو التعبير عن أشياء أخرى؛ الكلمة نفسها والدلالات متعددة, تختلف باختلاف الإيحاءات والإيماءات, عندما يخبرك شخص ما أنه سيلتقي بك بعد دقيقة, فالدقيقة ليس بمعناها الزمني وإنما بمعناها الاجتماعي, بتعبير لودفينغ فتغنشتاين الاستعمال الاجتماعي للغة ؛ أي أن اللغة تستعمل لأغراض معينة ومحددة من قبل أفراد معينين في مجتمع معين. فالكلمة نفسها يختلف معناها ودلالاتها من مجتمع لأخر. فالكلمة تتخذ معاني مختلفة وتصف أشياء كثيرة, وفي نفس الوقت يمكن التعبير عن نفس الشعور بكلمات مختلفة؛ لكي يعبر الأب عن رضاه لابنه يمكن أن يستعمل مجموعة من الكلمات لوصف شعور واحد؛ فخور بك, اعتز بكونك ابني, أنا راضِ عنك وغيرها من العبارات.
هل تلبسون السراويل الرخيصة في كوكبكم؟
لا لا لا في كوكبنا لا نلبس إطلاقا!
يعتبر اللباس بناء اجتماعي مثله مثل اللغة والدين, فلا أحد يولد وهو يعرف كيف يمكنه أن يلبس وما يجب عليه أن يلبس؟ لا احد يولد وهو يميز بين اللباس الذكوري واللباس الأنثوي, اللباس الرسمي واللباس الغير الرسمي. إن المجتمع يعمل على توجيه الأفراد حول ما يجب أن يلبسوا وكيف يلبسوا, فالشرطي لا يمكنه أن ينام بزيه الوظيفي, كما أنه لا يمكن أن يذهب إلى عمله بملابس النوم, مع العلم أن الغاية الأساسية من اللباس هي الاحتماء من حرارة الشمس و برودة الجو من حيث وظيفته, بيد أن المجتمع جعل من اللباس طريقة لتصنيف المجتمع وتمييز الأفراد, " للنهار ملابس, ولليل ملابس, ملابس اللعب مختلفة عن لباس الأكل" حيث يمكن التمييز بين اللباس الديني, اللباس العصري واللباس التقليدي, فالأول يتم اللجوء إليه في المناسبات الدينية والثاني في الحفلات والسهرات والخرجات مع الأصدقاء, أما اللباس التقليدي فهو يعبر عن هوية الفرد وانتمائه. اللباس نفسه يمكن أن يشكل عائقا بالنسبة للشخص اذا لبسه في غير مكانه, كأن يذهب إلى حفلة مع الأصدقاء بلباس ديني حسب الخلفية الثقافية السائدة في المجتمع المغربي على سبيل المثال حيث يمكن وصمه بأنه غريب وسيتم عزله عن الجماعة. بل يمكن للملابس أن تقدم للفرد مجموعة من الامتيازات. فالشرطي عندما يذهب إلى مطعم أو مقهى بزيه الرسمي يمكن أن يحصل على وجبة غذاء أو عشاء مجانا دون مقابل فقط لأنه يرتدي زيه الرسمي, وقد يكون هو ليس بالشرطي فقط يلعب دور الشرطي" يوما ما أخذت ملابس غريبة...الأكل جاء لمكاني".
اللباس كسلوك اجتماعي هو مكتسب, حيث لا يبدأ الناس بشكل طبيعي في اختيار لباسهم, بل من خلال التفاعل الاجتماعي عند الولادة, يتطور هذا السلوك من خلال التنشئة الاجتماعية, يعدل الناس سلوكهم استجابة لمطالب وتوقعات الأخرين. بحيث يكون هذا السلوك عمليا نتاج تفاعل الأخرين. عندما يقدم الفرد على سلوك معين وتكون استجابة الأخرين سيئة يعمل الفرد على تعديل سلوكه حتى يصبح متماشيا مع الجماعة. فلا يوجد أي قانون في الطبيعة يمنع الرجل من لباس تنورة, ولا يوجد أي قانون في الطبيعة يمنع المرأة من لباس قميص رجالي. بل التفاعل الاجتماعي يجعل من الأفراد يستحضرون دائما روح الجماعة في سلوكاتهم وتصوراتهم وأفعالهم بل يصبح الأخر حاضرا في مخيلة الفرد. الطفل عندما يكون في طور التنشئة الاجتماعية يمكنه أن يلبس لباسا أنثويا, يعتبر هذا السلوك عاديا مادام أن الأمر يتعلق بطفل صغير, نفس الطفل يمكن أن يتحدث بألفاظ يمكن القول عنها " قبيحة". أن استجابة الأخرين حول سلوكات الطفل في هذه المرحلة تعتبر عادية ومقبولة, لكن في مرحلة أخرى من حياته ستصبح هذه السلوكات منحرفة وغير مقبولة, هكذا إذن يصبح العمر مفسرا للانحراف, ولعل هذا ما يشير اليه راد كليف براون في تعريفه للبناء الاجتماعي, بقوله أن البناء الاجتماعي يظل قائما في الحياة الاجتماعية, وذلك من خلال مجموعة من الأخلاقيات التي تتباين تباينا اجتماعيا نتيجة ما تضطلع له من أدوار .

رحلة البحث عن الاله
الاله الحقيقي والوحيد هو المجتمع, والوعي الجمعي هو التصور الأمثل والصحيح له
إن محاولة التكلم من دون استعمال أي لغة معينة, ليست اكثر فشلا من محاولة اعتناق دين ليس هو بدين معين معروف على وجه الخصوص...وهكذا فإن لكل دين حي في حالة صحية خاصية مميزة. وتتكون قوته في رسالته الخاصة المدهشة ومن الانحياز الذي ينفحه ذلك الوحي في الحياة. إن الأفاق التي يفتحها الدين والأسرار التي بشر بها هي بمثابة عالم أخر يعيش فيه المرء؛ والعالم الأخر الذي يعيش فيه- سواء كنا نتوقع أن ننغمس فيه كليا أو لا – هو ما نعنيه عندما نذكر اعتناق دين .
يرتبط الدين بمجموعة من الطقوس والممارسات والرموز الذي تشكل نظامه ونسقه, يقترن الدين بوجود رمز له, قد يكون فيزيقيا أو ميتافيزيقيا. يرتبط الدين بوجود المقدس والمدنس, المباح والغير مباح, الحلال والحرام, انطلاقا من النصوص الدينية يمكن لكل مؤمن بدين معين أن يعتقد في مجموعة من الممارسات ويؤمن بها, حيث يصبح الاله أو الطوطم الذي يعتقد فيه بمثابة الموجه الخاص به, فعندما يطمح إلى بلوغ مكانة في المجتمع يجب عليه أن يربط الصلة بالله, وعندما يريد أن يقوم بعملية ما عليه أن يستشير مع الله, فالله أو الطوطم يحضر في كل مكان وزمان ويحضر في كل الممارسات, فالله لا يعرف المستحيل, كل شيء يمكن تحقيقه وبلوغه؛" الشرطة بشر وليسوا ألهة"..فقط الاله من يقدر مساعدتك.. يجب عليك الإيمان بالله انه الوحيد القادر على مساعدتك.. فقط الاله من يعلم كيف لنا أن نعلم.. الاله يعلم مكانها..
المقدس هو تلك القوة المرتبطة بالأشياء والأفراد والشعائر والطقوس ذاتها التي تجعلها ذات فعالية, إنها القوة التي تشد الجبال, التي تجعل البيت متماسكا, هذه القوة هي الخصوبة في الطب, هي العلاج الشافي أو المميت, هي القوة التي تقتل وتحيي. من اجل إعادة القلادة من السارق يجب على pk أن يتواصل مع الاله؛ لكن أي إله؟ هل هو إله المسلمين أو المسيحين أو الهندوسيين أم السيخيين؟ إن مسألة البحث عن الاله, مسألة مكلفة جدا, فالمولود الجديد يجد نفسه أمام دين والديه والمجتمع الذي نشأ فيه. مما يجعله يعتبر أن الدين الذي نشأ فيه هو الحقيقي أما الاديان الأخرى فهي مزيفة. أين الختم؟, ختم الدين! في كل الاديان تستعمل مجموعة من الطقوس والممارسات من اجل استقبال المولود الجديد وفق مرجعيتهم الدينية, حيث يتم وضع طابع ديني له منذ الصرخة الأولى سواء من خلال قراءة بعد النصوص الدينية, أو من خلال ممارسات محددة, حيث أن هذه الممارسات تختلف من مجتمع إلى أخر بيد أن وظيفتها واحدة وهي الحفاظ على النسق الديني وإعادة إنتاجه.
اعتقد أن هناك عيب مصنعي.. لقد صنعته بشكل صحيح لا يوجد أي عيوب ..هل أنت من صنع الاله؟ هل الاله من صنعك؟ ا أنت من صنعت الاله؟...الاله لا يحتاج إلى جهاز إرسال .. يسمعنا بشكل مباشر.. اذا لماذا الحاجة إلى صنع تماثيله؟
إن فكرة الله ترتبط بمجموعة من الرموز المادية التي يمكن أن تشكل حلقة وصل بين الله وأتباعه, فالصنم أو التمثال لا يختلف كثيرا عن الكنيسة والمسجد. بيد أن قوة المعتقد الخاصة بالاتباع تجعلهم يعتقدون أن رموزهم الدينية مقدسة ولا يجب التشكيك فيها, فالمسلم تجده يقدس السجادة, ويعتقد أن الرزق بيد الله, وان الدعاء قد يجلب له كل ما يطمح إليه, في حين أن المسيحي يعتقد أن صلاته في الكنيسة وتراتيله قد تحقق له ما يريد في صلته بالله, والهندوسي واليهودي وباقي المعتقدات الأخرى. فالمجتمع هو من يصنع الله ويصنع رموزه ويجعله خارجا عن وعي الأفراد ويضفي عليه طابع القداسة, حيث تصبح هناك أزمنة مقدسة وأخرى مدنسة, وأماكن مقدسة وأخرى مدنسة, فالمسجد مقدس بالنسبة للمسلمين ومدنس من وجهة نظر المسيحي, والكنيسة مقدسة من طرف اتباعها ومدنسة من عند الغير معتقدين في المسيحية, المسلمون يصفون عبادة الأصنام بالسلوك المنحرف والغير مقبول, ويعتقدون أن قراءة آيات من النص الديني الذي يعتقدون فيه يمكن أن يحل لهم مشاكل كثيرة أو على الأقل إيمانهم بذلك يجعلهم يشعرون بنوع من الارتياح. إذن ما هو السوي والغير السوي؟ كيف يمكننا تحديد السلوكات والممارسات المنحرفة والسلوكات الغير منحرفة؟ إن التصنيف في هذا السياق لا يختلف كثيرا عن التصنيف في اللغة واللباس, فالدين لا يغدو كونه بناء اجتماعي مثله مثل اللغة واللباس, فالمجتمع يعمل على توحيد وتماسك أفراده من خلال انتاج مجموعة من الرموز الدينية وجعلهم يعتقدون فيها.
يا إلهي! هناك شيء خاطئ أقوم به يمنعك من الاستماع إلى دعائي! من فضلك.. اخبرني.. أرشدني إلى الطريق الصحيح ..أرجوك! هل أدعوك بأيدي مضمومة؟ أو اسجد لك؟ لقد طرقت الأجراس لك, لقد ناديتك عبر مكبرات الصوت.. لقد قرأت القيتا, والقرآن والإنجيل...تملك وسطاء مختلفين .. يقولون أشياء مختلفة عنك.. أحدهم يقول عليك بالتضحية يوم الأحد!..الاخر يقول عليك بالتضحية يوم الثلاثاء!.. أحدهم يقول عليك بالصوم قبل شروق الشمس!.. والأخر يقول عليك بالصوم بعد غروب الشمس.. احدهم يقول عليك بعبادة البقر.. احدهم يقول عليك بالذهاب إلى المعبد بلا أحدية, والأخر يقول لك بإمكانك الذهاب إلى الكنيسة بالأحدية... اخبرني من هو الصحيح ومن هو الخاطئ.
يتضح جليا أن النسبية الثقافية تظهر أساسا في مسألة تعدد الأديان, حيث نجد أن كل دين أو مذهب ديني يعمل على خلق طقوسه ومبادئه والدفاع عنها على أساسا إنها الحقيقة التي لا يمكن التشكيك فيها, بل إن هذه الحقيقة هي حقيقة متعالية على الأفراد وسابقة عن وجودهم. فكل محاولة في التشكيك أو التساؤل عن المقدسات تعتبر جريمة وضرب في المقدسات, فلا يمكنك أن تذهب إلى المسجد وأنت تشرب الخمر, في الوقت الذي يمكنك أن تشرب الخمر وأنت تتقرب إلى الله في الكنيسة. هكذا إذن يمكن القول أن الدين نسق من الرموز يفعل لإقامة حالات نفسية وحوافز قوية وشاملة ودائمة في الناس عن طريق صياغة مفهومات عن نظام عام للوجود, وإضفاء هالة من الواقعية على هذه المفهومات بحيث تبدو هذه الحالات النفسية والحوافز واقعية بشكل فريد . يعمل الدين على تقديم تفسيرات لأشياء غير قابلة للتفسير, الناس يبحثون عن تفسيرات للكون والوجود والأخرة, الجنة والنار, في الوقت الذي لا يمكن أن يجدون تفسيرا مقبولا من حيث العقل والمنطق, يعمل المجتمع على صنع أساطير ويتم تداولها إلى أن تصبح الحقيقة التي لا يمكن رفضها أو مناقشتها. لا يمكن للإنسان السوي أن يشكك في وجود الله, الإنسان السوي لا يبحث في الأمور الدينية أو يفكر بها نقذيا, الإنسان السوي لا يفكر في طبيعة الرموز الدينية ووظيفتها, أما الإنسان الغير السوي هو الذي يسأل عن الاله, ويرفض ممارسة الطقوس الدينية ويقلل من شأنها, ويرى الرموز الدينية كأنها رموز غير عادية وفي غالب الأحيان يتم اتهام الشخص من هذا الصنف ب"المجنون" أو الطفل الصغير الغير ناضج بعد. لان الإنسان العاقل لا يمكنه أن يقوم بمثل هذه التصرفات, فالإنسان المثالي هو الذي يؤدي طقوسه الدينية كما يجب ويعمل على المحافظة عليها والدفاع عنها.
لكل إله قوانينه المختلفة, وكل إله يملك شركته الخاصة.. والناس يطلقون عليه اسم دين, من بين هذه الأديان, له وسيط خاص, في هذا العالم كل شخص يؤمن بإله واحد.
يقوم الناس بربط إيمانهم بالله, حيث تصبح قوة المعتقد فوق كل اعتبار, كل شخص يختار دينه أو يجد نفسه يعتقد في دين معين مما يدفعه تلقائيا إلى رفض كل دين يختلف عن دينه أو معتقده, بل أننا داخل الدين الواحد يمكن أن نجد أطياف ومذاهب مختلفة, وكل طائفة أو مذهب له قواعده وقوانينه. الدين واحد, والكتاب المقدس واحد, لكن التأويل يختلف باختلاف السياق الاجتماعي والثقافي للأشخاص الذين يعتقدون في هذا المعتقد.

الوصايا الأربع
الوصية الأولى:
المشي في الأرض عاريا ممنوع, التقبيل والحب والمشاعر يفعلونها الناس بشكل سري وخلف الأبواب المغلقة, لكن جميع الأشياء السيئة يقومون بها بشكل علني وبصوت مرتفع.
يرتبط الانحراف بسلوك الفرد وردود أفعال الأخرين, السلوكات التي تتم في الخفاء دون مراقبة الأخرين لا يمكن اعتبارها سلوكات منحرفة مادام إنها لم تظهر إلى العلن, الانحراف ليس صفة تكمن في السلوك نفسه ، ولكن في التفاعل بين الشخص الذي يرتكب فعلًا ومن يستجيب له .
عندما نجد مال ضائع.. الجميع يقول إنه لي, لكن عندما نجد واقي ذكري ضائع.. الجميع يقول إنه ليس ملكي.. إنه ليس ملكي..
انطلاقا من القواعد الاجتماعية والقيم الدينية والثقافة السائدة في المجتمع, يمكن التنبؤ بردود أفعال الأفراد حول سلوكات معينة, فالمال كقيمة اجتماعية يحتل مكانة متميزة في عدد من المجتمعات مما يجعله مقبولا بين الناس, بيد أن الواقي الذكري الذي يرتبط أساسا بالحماية من الأمراض المنتقلة جنسيا وممارسة الجنس يعتبر غير مقبول اجتماعيا, بتعبير أدق لا يمكن الإعلان عن استعماله أمام جماعة كبيرة. خصوصا وأن القانون لا يمنع استعماله ولا يمنع بيعه إلا أن العادات والتقاليد والأعراف في بعض الأحيان تتجاوز القانون, ففي الوقت الذي يكون فيه ما هو قانوني غير مباح اجتماعيا, يمكن أن يكون ما هو مباح اجتماعيا غير مقبول قانونا. هكذا إذن يتبين أن المجتمع يعمل على ما يسمى باليات العقاب والجزاء تلقائيا من خلال الوصم الاجتماعي.
الوصية الثانية:
اكثر شيء محير هو اللغة.. اذا سمعت شخصا يقول أنا احب الدجاج ..أنا احب السمك.. هذا لا يعني انهم يحبون الحيوانات .. يعني انهم يحبون الدجاج في وجبة الغذاء والسمك في وجبة العشاء.
تتضمن اللغة قواعد ورموز ودلالات لا يمكن فهمها إلا من خلال السياق الاجتماعي التي ظهرت فيه, تعدد المعاني والدلالات هو ما يؤدي إلى إمكانية التأويل المتعددة والمختلفة بين الأفراد والجماعات, فاللغة لا يقصد بها بنية الكلمة, بل يقصد بها السياق العام, وطبيعة المتواصلين وموضوع التواصل والإيحاءات والإيماءات, كلها عناصر تدخل في عملية التواصل مما يعني أن كلمة واحدة يمكن أن تتخذ معاني مختلفة. تلعب الثقافة دورا في فهم هذه المسألة من خلال فهم الثقافة السائدة داخل المجتمع يمكن فهم وتأويل الرموز التي يتم من خلالها عملية التواصل.
الوصية الثالثة:
يجب عليك الحصول على الملابس من السيارات الراقصة, وعليك بإخفاء الريموت الخاص بك في ملابسك الداخلية.. اذا وضعتها بشكل عميق بالداخل لن يستطيع احد سرقتها.
ينطلق مارسيل موس من فكرة أساسية مفادها أن هناك مجموعة من المواقف المسموح بها أو الغير مسموح بها, الطبيعية أو غير طبيعية, هكذا نسند قيما مختلفة إلى فعل التحديق: إنه رمز الاحترام في الجيش ورمز لعدم الاحترام في الحياة العادية. الكيفية التي يتم بها النظر إلى أعضاء الجسد ترتبط أساسا بما هو ثقافي, فلكل عضو في الجسد رمزيته ودلالته, وبالتالي فالجهاز التناسلي عند الإنسان يعتبر اكثر الأشياء الخصوصية التي يحرص على أن لا تظهر إلى الأخرين, وبالتالي فلا احد يستطيع أن يصل إلى هذه المنطقة في الجسد, في الوقت الذي يمكن بلوغ باقي الأعضاء بدرجات متفاوتة وبطبيعة العلاقة التي تربط الفرد بالآخر. لغة الجسد يتم قراءتها وتأويلها بأشكال مختلفة ومتعددة فلكل مجتمع تأويلاته وقراءته للجسد.
الوصية الرابعة:
اذا قابلت أحدا ما يقول انه قادر على التواصل مع الله, لا تبحث في الأمر, استعد واجري بكامل قوتك.
لا توجد حقيقة واحدة يمكن الإيمان بها, كما لا يوجد دين واحد يمكن التسليم به وبرموزه وطقوسه الدينية, الدين نسق ثقافي يرتبط بالمجتمع, والمجتمع هو من يصنع الدين, من خلال توريثه والدفاع عنه وخلق فضاءات للعبادة, ومناسبات دينية لتوطيد العلاقة بين الاتباع والله. قوة المعتقد هي من تجعل الناس يقومون باستجابة قوية عندما يتعلق الأمر بالمس في المعتقدات, فالله لا يحتاج إلى أن يدافع عنه احد, ولا يحتاج إلى مال أحد, لكن المقاولون الأخلاقيون ينصبون انفسهم مدافعين عن الدين ورموزه.
تركيب عام
إن الحديث عن الانحراف هو حديث بالأساس عن سلوك أو فعل يخالف المعايير والقواعد والقيم السائدة في المجتمع, وذلك من خلال استجابة الأخرين له. فلا يمكن الحديث عن الانحراف إلا من خلال التوقف عن المعايير والقواعد والقيم, ومعرفة كيف تساهم هذه القواعد والمعايير في ضبط المجتمع والأفراد.
يستعمل في الميكانيك اسم " الجسم المرجعي" أو النقطة المرجعية, والغاية منه هو حساب المسافة الفاصلة بين جسمين غير مستقرين حيث يفترض الباحث جسما مرجعيا ثابتا ويعمل من خلاله على حساب المسافة. نفس الأمر يشير إيه ماكس فيبر عندما يتحدث عن النموذج المثالي, فهذا الأخير بمثابة نقطة مرجعية يمكننا من خلالها قياس جميع الأفعال الاجتماعية. هكذا إذن يمكن القول أن لفهم الانحراف لا بد من وجود جسما مرجعيا يمكننا من خلاله قياس السلوك. فما يمكن أن يكون سلوك منحرف في مجتمع ما قد لا يكون كذلك في مجتمع أخر, وما يمكن أن يكون سلوكا منحرفا في نفس المجتمع اليوم, قد لا يكون سلوكا منحرفا في المستقبل, أن التحول والدينامية التي يعرفها المجتمع تؤذي إلى مجموعة من التغيرات الثقافية والقيمية؛ هناك مجموعة من السلوكات والأفعال والظواهر التي كانت غير مقبولة اجتماعيا وأصبحت اليوم عادية.
إن هذا التغير والتبدل الذي يعرفه المجتمع, يؤدي إلى تصنيفات مختلفة ومتعددة ويؤدي كذلك إلى تناقضات اجتماعية بفعل النسق الاجتماعي والثقافي, اللغة والدين واللباس والجسد كلها مواضيع تُبنى اجتماعيا, فالمجتمع هو من يصنع العبادات والطقوس الدينية, والمجتمع هو من يضفي الشرعية على أشياء معينة ويزيلها عن أخرى, المجتمع هو من يحدد السلوكات المنحرفة والسلوكات الغير منحرفة.
يجسد فيلم pk هذه التناقضات التي سبق وان تحدثنا عنها, التناقضات المرتبطة بغياب النقطة المرجعية, أو النموذج المثالي الذي يمكن الاعتماد عيه, في ظل غياب ذلك, تم توضيح كيف أن المجتمعات تعيش نوع من الصراع الثقافي والديني, حيث أن كل دين أو معتقد يعمل على فرض سيطرته من خلال الوسطاء والاتباع, الدين له وظيفة مهمة في الحفاظ على تماسك المجتمع وترابطه كما بين ذلك اميل دوركايم, لكن الرموز الدينية بدون مجتمع لا قيمة لها. الصراع القائم بين الأديان هو صراع مجتمعات وليس الآلهة. من الطبيعي التساؤل عن من هو الله؟ واين يوجد؟ لكن لا احد يستطيع أن يقدم إجابة شافية ومقنعة والا سيجد نفسه منتميا إلا جماعة معينة مما يحيل إلى أن باقي الجماعات الدينية هي جماعات منحرفة.
عندما يجد الفرد نفسه ضمن جماعة دينية معينة يمارس طقوسها ويؤمن برموزها ويحتفل بأعيادها, فإنه يحاول بما أمكن أن لا يدخل في مرحلة التشكيك, من خلال ما ماذا عقلانية الممارسات التي يقوم بها؟ وأهميتها في حياته؟ سيجد نفسه مرتبطا بالجماعة وخائفا من الإقصاء والتهميش الذي سيتعرض له أن قام بذلك, وبالتالي فالمصير المشترك كما يوضح هوارد بيكر يجعل من الأفراد خاضعين وراضعين لقواعد الجماعة وقوانينه.
تتكون الجماعة من مجموعة من الأعضاء المشكلين لها, حيث أن هذه الجماعة تعمل على صناعة قوانينها وقواعدها وتعمل على تنشئة الوافدين الجدد عليها وتربيتهم عليها, مما يحيل إلى أن الانتماء إلى جماعة ما يساوي الانخراط الكلي فيها, فالجماعات المتمردة, والخارجة عن القانون, من حيث بنيتها الداخلية لا يشعر أعضائها بمخالفتهم للقواعد, بل يعملون على صناعة قواعد جديدة خاصة بهم, من خلالها يمكن تصنيف الأشخاص الأسوياء والغير أسوياء. يمكن للشخص الواحد أن يكون لله أدوار ووظائف متعددة مما يحيل إلى وجود تفاعلات كبيرة, وبالتالي فيمكن أن يصدر منه مجموعة من السلوكات الجيدة والغير جيدة, فيمكنه أن يكون سوي مع زوجته, وسوي مع جيرانه وأصدقائه, لكنه في عمله يختلس الأموال؛ الشخص نفسه لكن سلوكاته تختلف, مما يحيل إلى أن هذا الشخص منحرف في وظيفته وسوي مع زوجته وأصدقائه فصفة الانحراف لا ترتبط بالشخص بل بالسلوك, والسلوك يمكن أن يتوقف عند مكان حدوثه, بيد أن اذا تم الإعلان به فيمكن لهذا الشخص أن يفقد أصدقاؤه وزوجته بفعل انتشار خبر اختلاسه للمال العام على سبيل المثال, وبالتالي يؤثر ذلك على علاقاته كاملة.



#رحال_بن_الصويرة (هاشتاغ)       Ben_Souira_Rahhal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- MAJID TV “تثبيت تردد قناة ماجد 2024” .. نزلها في خطوة واحدة ...
- الروائية ليلى سليماني: الرواية كذبة تحكي الحقيقة
- -الرجل الذي حبل-كتاب جديد للباحث والأنتروبولوجي التونسي محمد ...
- شارك في -صمت الحملان- و-أبولو 13?.. وفاة المخرج والمنتج الأم ...
- تحميل ومشاهدة فيلم السرب 2024 لـ أحمد السقا كامل على موقع اي ...
- حصريا حـ 33 .. مسلسل المتوحش الحلقة 33 Yabani مترجمة للعربية ...
- شاهد حـ 69 كامله مترجمة .. مسلسل طائر الرفراف الحلقة 69 بجود ...
- التمثيل الدبلوماسي العربي في فلسطين... أهلا وسهلا بالكويت
- معرض الدوحة الدولي للكتاب.. أجنحة ومخطوطات تحتفي بثقافات عُم ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحال بن الصويرة - قراءة في فيلم pk