أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلود كاس - العنونة وتوجيه الدلالة –قراءة في ديوان الشاعرة التونسية آمال موسى- أنثى الماء















المزيد.....



العنونة وتوجيه الدلالة –قراءة في ديوان الشاعرة التونسية آمال موسى- أنثى الماء


ميلود كاس
أديب


الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 9 - 08:55
المحور: الادب والفن
    


تعتمد هذه القراءة على جملة من الإجراءات السياقية بهدف خلق تأويل منسجم مع طبيعة هذا النص الشعري، موظفة كل الأسيقة الخارجية، وذلك في حدود المتوفر ؛ فقد تغيب عن المتلقي كثير من الأسيقة الخارجية وذلك لعدة أسباب. ليبقى السياق الداخلي للنص هو الركيزة الأساسية التي تنبني عليها أي قراءة، وربما كذلك ينبني عليها تصورنا للسياق الخارجي، بما توفره القرائن النصية في إحالتها إلى المعطيات الخارجية. ذلك لأن "السياق الداخلي يعمل أولا على وضع تأويل داخلي متسق يضبط موقع ووظيفة ومدلول العناصر التي بدت أساسية للقارئ (Lecteur) بينما يعمل السياق الخارجي على منح النموذج النصي امتدادا في الواقع أو على الأصح امتدادا في ما يتصور القارئ انه هو الواقع ".( ) لذلك ستكون هذه القراءة (Lecture) محكومة بالتقسيمات التي يمليها هذا الديوان، وسيتداخل ما هو خارجي بما هو داخلي في أثناء هذا التحليل.
1- الناص (Auteur):
إن أول ما يطالعنا من الديوان ، هو اسم الشاعرة (آمال موسى) الذي يجده المتلقي مكتوبا في أعلى صفحة الغلاف، هذا الاسم يفيد المتلقي في عملية تأويله للنص، فإضافة إلى وظيفته المناصية ( ) في كونه العلامة الفارقة بين شاعر وشاعر، فبه تثبت هوية الكتاب لصاحبته وفيه تتحقق ملكيتها الأدبية والفكرية له ( ). إضافة إلى هذا فانه يثير حفيظة المتلقي عن كل ما يرتبط بهذا الاسم (الظروف الزمانية والمكانية، الظروف الفكرية والثقافية، الأعمال الأدبية والفكرية السابقة واللاحقة..) .
فعلى الرغم من تجاوز النقد (Critique) لمرحلة كان فيها الاهتمام بتفسير الأدب على ضوء من سيرة الكاتب الذاتية (Autobiographie) وظروفه النفسية والاجتماعية ومحيطه. بل قد دعا رولان بارت إلى موت المؤلف إذ يرى أن " فعل الكتابة لا يتم دون أن يصمت الكاتب. فعل الكتابة كأن يكون الكاتب ( خافت الصوت كالميت) .."( ) . إلا أن هذا التجاوز لم يكن كليا عند الكثير من النقاد، فخطر الارتكاز على ملابسات النص ، يكمن في تضليلنا على حقائق النص اللغوية وجعل النص نتيجة حتمية لسنن نفسية أو اجتماعية أو ثقافية خارجة عنه، أما مسألة حضور الذات في الخطاب الأدبي فمسألة عدها عبد المالك مرتاض - هو و كثير من النقاد - أمرا يقينيا وفي هذا السياق يقول عبد المالك مرتاض : ".. أننا حين نقرأ نصا من النصوص الأدبية لا نستطيع أن نفصله عن المؤلف (Auteur) الذي ألفه . إننا على طول طريق القراءة ونحن نشعر بمثول المؤلف بين النص وفيه، مثولا قويا... النص هو الناص حالا فيه جاثما عليه كالقدر، والكتابة هي الكاتب قابعا بين كلماتها حين تضحكك أو حين تبكيك ، أو حين تمتعك أو حين تؤذيك ."( ) لذلك فإن سرد شيئا من سيرة الشاعرة الذاتية (Autobiographie) قبل هذا التحليل السياقي، الذي ينطلق من النص مستثمرا كل ما يحيط به، بغية الوصول إلى تأويل يحتكم إلى إشارات السياق بمفهومه الموسع يعد أمرا ضروريا.
إن آمال موسى، شاعرة تونسية وباحثة في مجال علم الاجتماع (sociologie). أصدرت ثلاث مجموعات شعرية:
- أنثى الماء "دار سيراس للنشر والتوزيع، طبعة 1996 (الطبعة الثانية عام 2000). كتب مقدمته الأديب الأستاذ محمود المسعدي.
- "خجل الياقوت" عن دار شرقيات للنشر والتوزيع بالقاهرة طبعة 1998.
- "يؤنّثني مرّتين" عن دار سيراس للنشر والتوزيع، أفريل 2005.
ترجمت كل من المجموعة الأولى والثانية إلى اللغة الإيطالية، وصدرت الترجمة عن دار San Marco Dei Guistiniani وهي من دور النشر الكبرى بإيطاليا. قدم الترجمة الإيطالية الشاعر الإيطالي المعروف (جوزيبي كونت)، وقام بالترجمة المغربي (رداد الشراطي.) كما ترجمت قصائد متفرقة للشاعرة في كل من اللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والبولندية والتشيكية.
أيضا، ترجمت لها نخبة من قصائدها إلى اللغة الفرنسية، وذلك عن دار نشر في باريس تسمى Paris Méditerranée )) الانطولوجيا. من إعداد وتقديم الشاعر والناقد العراقي عبد القادر الجنابي.
متحصلة على شهادة الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار - الماجستير في علم الاجتماع حاليا بصدد إعداد أطروحة الدكتوراه حول" المعيش الديني في المجتمع التونسي: السلوك التديني عند الشباب" أصدرت بحثا سوسيولوجيا عن دار سراس للنشر عنوانه « بورقيبة والمسألة الدينية"
أعدت كتاب "الترجمة في بيت الحكمة" الصادر عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة في نوفمبر 2008 وذلك في إطار السنة الوطنيّة للترجمة.
لديها نشاط إعلامي في مجال صحافة الرأي السياسية والثقافية والفكرية ، فهي كاتبة رأي في جريدة الشرق الأوسط اللندنية منذ2001 وفي جريدة " الصّباح" التونسية لها زاوية أسبوعية عنوانها " قهوة الخميس" وأيضا ركن في مجلة التلفزة التونسية بعنوان "بلا ضفاف".كما أنها تتولى الإشراف على الكراس الثقافي في مجلة "المغرب الموحد".( )
يندرج كل ما جاء في هذا التعريف بالشاعرة ضمن السيرة الذاتية (Autobiographie) للمؤلف الخارجي التي قد يستفاد من بعضها في أثناء التحليل؛ فمعرفة المتلقي أن الديوان لشاعرة وليس لشاعر يعطي المتلقي انطباعا ومؤشرا هاما على خصوصية وارتباط هذا العمل عموما بالكتابة والتجربة الشعرية النسوية. التي هي ذات خصوصية أخرى إذا ما ارتبطت ببلد الشاعرة (تونس) ، إذ إن مدونة الشعر التونسي الجديد أضحت زاخرة بالأقلام النسائية حتى لكأنها تمثل أحد خصائص الشعر التونسي ، الأمر الذي فسره أحد أدباء هذا البلد -سوف عبيد - بإرجاعه إلى خصوصية البلد الثقافية والاجتماعية التي مكنت المرأة التونسية من اكتساح جميع المجالات ، خاصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين، بفضل التشريعات الجديدة التي ثبتت في تونس على مدى السنين حيث فتحت أمامهن أبواب التعليم والإدارة والأعمال الحرة ودور الثقافة ومجالات الابتكار والإبداع ومن بينها الشعر الذي سرعان ما انخرطت في حركته التجديدية ( ).
انخرطت آمال موسى في الكتابة الشعرية الحداثية التونسية متبنية قصيدة النثر التي ظهرت سنة 1969 مع حركة الطليعة في تونس حين تكون عند بعض الشعراء التونسيين وعي بالحاجة إلى إبدال طريقة بناء قصائدهم قادهم إلى ممارسة جماعية ساعدت على ظهورها جرائد وملاحقها الأسبوعية ومجلات مختلفة تلمست سبل التجديد الشعري وربط الأدب بالحياة أطلق عليها لاحقا ( حركة الطليعة ) وإذا اعتبر إعلانها حدثا تاريخيا بما تميزت به من حضور وفاعلية في الحياة الثقافية بسبب استفادتها من الانفتاح الثقافي( ) لتكون بعد ذلك من أكثر القوالب استعمالا لدى الشعراء الشباب إلا أن الساحة النقدية لطالما أثارت استنكارها من هذا النمط لاسيما وأن أكثر الذين يكتبون في هذا الشكل هم شباب ابتعدوا كثيرا عن شعرية القصيدة. لذلك فان " هذا الشكل المفتوح ما زال يثير كثيرا من الجدل والنقاش في الساحة العربية والمغربية ، ويرفض كثير من نقادنا وشعرائنا الاعتراف بمشروعيته وشعريته، لعدم خضوعه لضوابط شكلية وإيقاعية محددة ، وضعف المستوى الإبداعي والفني لكثير من النصوص التي ظهرت فيه ، وغلبة طابع الكتابة النثرية على بعضها "( ) إن انخراط الشاعرة في هذا الجنس الشعري -وبعيدا عن الصراع الذي أثير حوله - يجعلنا نضع تجربتها الشعرية في هذا السياق العام المرتبط بهذه الحركة الشعرية وبهذا الجيل من الشعراء في مرحلة تاريخية محددة ، إذ هناك قواسم مشتركة بينهم في مجال الرؤية الشعرية ، والتصور العام لطبيعة الشعر ووظيفته .
يبدوا أن (آمال موسى) اختارت هذا النوع من الشعر على غرار كثير من الشاعرات لأن هذا الشكل " قد أصبح أكثر الأشكال الفنية تلاؤما واتساقا مع (صوت المرأة) الحاد الرفيع، الذي أخذ يشق فضاء الثقافتين العربية والعالمية، ويزاحم أصوات الرجال الجشة وإيقاعاتهم الخشنة المسرفة"( ) هذا الاستقطاب الذي دفع الشاعرة إلى التوجه لهذا النمط من الكتابة هو ما وصفته الشاعرة نفسها بالإغراء( ) في قولها : ( ) " شيء ما، أغراني بالبحث عما سماه أنسي الحاج الأوزان الشخصية، حيث لا صوت إلا لإيقاعي الداخلي ولا نبرة إلا للموسيقى التي تُطرب بشكل مختلف كينونتي. بعيدا عن بحور الخليل، أردت أن أقيم ورشتي الشعرية واستودع أسراري وأوزاني الشخصية والصور العديدة التي كلما تشكلت أمزقها. إنها قصيدة النثر، التي أغرت وعيي وتلبست برغبتي الهائجة في استنطاق صمتي الداخلي والتقاط صورا تشبهني أكثر ما يمكن للشبه أن يبلغ."
إن التصوير الفني للذات واستنطاق صمتها ، عبر قصيدة النثر ، يعتمد على الدهشة والتشويش على أفق انتظار المتلقي ، فهذا النمط من الشعر يمكن تسميته باسم الشعر الدلالي إذ انه لا يستثمر من الإمكانات اللغوية للشعر سوى هذا الجانب مغفلا الجانب الصوتي الموسيقي ( ). لذلك نجد في هذا النمط تركيزا على إمكانات اللغة الدلالية فاللغة على حد قول الشاعرة هي " بطلة الشعر وتتضاعف هذه الأهمية بالنسبة لمن يكتب قصيدة النثر لأنه لا يقتصر فقط علي الإبداع شعرياً في هذا الخيار الجمالي بل إنه يقوم بتأصيل هذه القصيدة في سياقها التاريخي باعتبارها حفيدة أمينة وثائرة في نفس الوقت على قصيدة التفعيلة." ( ) إن تركيز قصيدة النثر على الجانب الدلالي ، هو ما جعلها تجنح إلى الإغراب والغموض ، حتى أن بعض القصائد تبدوا وكأنها متاهة للمتلقي . فهي تفتح أمامه طرق عديدة تكاد تضيع فيها دلالة النص ، إلا أنه " يمكن القول إن قصيدة النثر والنص الشعري عامة، لا يحمل معنى واحدا ووحيدا مقصودا في حد ذاته. وإنما هو عالم رمزي متعدد الدلالات والأبعاد . ولكن هذا لا يعني غياب المقصدية وإلا فهو عمل عبثي وجوده وعدمه سواء . والمقصدية هنا ذات طبيعة رمزية عميقة وخفية وليست مقصدية واضحة ومباشرة."( ) ومما يساعد على تحسس هذه المقصدية ، داخل النص معرفتنا بمرتكزات الشاعرة المعرفية من خلال المبادئ وطريقة الكتابة والمواقف الفكرية بصفتها مثقفة تندرج في سياق ثقافي ما. فهناك مقاصد يعنيها الفنان وهناك مقاصد أخر لا يعنيها، هناك أشياء يسعى الفنان إلى تحقيقها عالما بها، وأشياء أخرى تختلط بعمله دون أن يفطن الفنان إلى وجودها، ومعنى هذا أن العمل الفني يعيش على أكثر من مستوى( ) . لذلك ينبغي مقاربته بتفعيل أكبر قدر يتوفر من الأسيقة التي تحكمت في إنتاجه.
تشجع الرؤية الشعرية التي تتبناها الشاعرة في مواقفها الفكرية والنقدية، القارئ والدارس على أخذ انطباع أولي على القصد العام أو مفهوم الكتابة الشعرية ووظيفتها عند الشاعرة ، فهي تصرح بأن الواقع ليس خارج دائرة الشعر : "...أني أكتب انطلاقا من حالة معينة. أعيش حالة أحيانا يكون سببها غيرَ شِعري بالمرة ...حالة ينفخ فيها الواقعُ والمحسوسُ فتنهض في داخلي حالةٌ معيّنة أدوّنها في الكتابة وأسميها بـ " لحظة كتابة القصيدة "، لحظة أكتب فيها القصيدةَ بكل ما فيها من شوائب، محاولةً تركيزَ اهتمامي الأول على تلك اللحظةِ الحارقة على الْتقاط صورةٍ للحياة، ثم تأتي المرحلة الثانية هي حالة زهْوٍ حقيقية مع الشعر... مرحلة الاشتغال على القصيدة، مرحلة تأتي بعد ضمان تلك الشعلة الأولى التي بدونها لا معنى لأي قصيدة." ( ) فإذا كان هذا الواقع هو الشعلة الأولى ونقطة البداية في كتابة القصيدة ، فلا غرابة حينئذ من أن يكون العمل النقدي يسير في الاتجاه المعاكس فينطلق من النص ليصل إلى الواقع .
ثم ما هو هذا الواقع الذي يشكل شرارة العمل الفني عند الشاعرة ؟ هل هو الواقع الاجتماعي ؟ إن الجواب على هذا السؤال لا يستدعي كبير عناء في الإجابة عليه ، خاصة وأننا نعلم أن الثقافة التي تندرج ضمنها الشاعرة هي ثقافة اجتماعية ، بحكم تخصصها العلمي ، ثم إن تصريحات الشاعرة في الصحافة العربية والغربية في كثير منها تظهر الاهتمام بقضية المرأة العربية وواقعها الذي تراه الشاعرة مازال مترديا فهي ترى أن
" المرأة منتهكة في حقوقها كإنسانة فهي تعامَل بذهنية الجارية والحريم... لا تتقابل ولا تلتقي ولا تنسجم مع مقولات حقوق الإنسان، لذلك من الضروري أن تصفّي حساباتها الثقافية والاجتماعية والسياسية."( )
إن مثل هذه الرؤية يمكن أن يفسر على ضوئها طغيان صوت الأنثى والذات في عناوين أعمالها الشعرية ( أنثى الماء - خجل الياقوت - يؤنّثني مرّتين) فهي من أكثر الدوال حضورا في هذه العناوين.

- العنونة و نواة الدلالة :
إن المقصود بنواة الدلالة هنا، تلك الدوال الموجودة في العنوان بما تثيره لدى المتلقي من توقعات وأسئلة، تعد هذه التوقعات والأسئلة، بما أودعت فيها الشاعرة من مقصدية في الخطاب، محورا أساسيا لبناء الدلالة، أو الاقتراب منها.
إن عمل الوعي يكون حاضرا بصورة أقوى في العنونة، لذلك فان الاتكاء على العنوان كمرتكز تؤسس عليه القراءة النقدية للخطاب الشعري، الذي قد يسيطر عليه اللاوعي، خاصة في تجارب شعرية تجنح نحو الاستبطان، كما هو الحال في قصائد آمال موسى ذات النزعة الصوفية الموغلة في أعماق الذات .
لذلك فان الولوج إلى الخطاب الشعري من هذا الباب، تبرره القصدية من جانب المرسل (Destinateur ) فمقاربة القصد هي من صلب العمل السياقي، و العنوان يحمل من هذه القصدية القسم الأكبر.
2- 1 - العنوان الرئيسي:
إن العنوان هو نص موازي (para texte) يمثل النص في أهم وأقصر مضامينه، وهو أول عتبة في طريق المتلقي إلى الديوان، لذلك فان المخلفات الدلالية التي يتركها العنوان في ذهن المتلقي، تؤثر في وعي المتلقي القرائي، و تتحكم في مسار الدلالة لديه، كما أنه قبل ذلك كله هو الذي مارس على المتلقي دور الإغراء، فكثيرة هي الأعمال التي لا نقرأ منها إلا العنوان، ثم نصد عنها بفعل أنها تفتقد إلى ذلك الإغراء أو أنها لا تستهوي ميولاتنا.
وعنوان ديوان (أنثى الماء ) تسيطر عليه وظيفتين، وظيفة دلالية ووظيفة إغرائية :
- لقد عنونة الشاعرة آمال موسى ديونها ب (أنثى الماء) معتمدة على انتخاب عنوان داخلي ليكون العنوان الرئيسي، ف (أنثى الماء) هو أحد عناوين القصائد داخل الديوان. ولعل هذا الاختيار كان على قصدية تنبع من الوظيفة المتأتية من قدرة هذا العنوان بالذات على تكثيف واختزال الفكرة المحورية السائدة في باقي القصائد والإيحاء بها، فلعل هذه القصيدة هي أكثر القصائد ارتباطا وتماسا مع الدلالة الكلية للديوان.
ولمقاربة المؤشرات الدلالية التي تنبعث من هذا العنوان يمكن أن نقف على مستويين من مستوياته: المستوى التركيبي والمستوى المعجمي.
أما المستوى التركيبي: فإن هذه الجملة (أنثى الماء ) جملة اسمية تبدأ بخبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو أو هي أو هذه أو أنا أو أنت..) لكنه بمجرد العودة إلى السياق النصي الذي ورد فيه هذا التركيب الإسنادي نجزم بأن تقدير المبتدأ هاهنا في العنوان هو الضمير أنا ، ففي قصيدة (أنثى الماء) تقول الشاعرة ( ) : لِمَ لاَ أُصْبحُ سِرَّ المَاءِ ؟
لِمَ لاَ أكُونُ أُنْثَاهُ
إن حذف المبتدأ هنا هو حذف جائز ليس بواجب، مما يعني أنه داخل في نطاق اختيارات الشاعرة الأسلوبية، مما يجعلنا نتساءل هل هذا الحذف متعلق بجوانب جمالية بحتة أم أن له أغراض دلالية ؟
لعل هذا الحذف متعلق بالجانبين معا، فمن الناحية الدلالية ، فإن المبتدأ هنا في حكم المذكور، لكثرة القرائن الدالة عليه ، فعليه مدار الديوان كله، فهناك ذات واحدة استحوذت على الخطاب وهي ذات الشاعرة .
أما الجانب الجمالي فيكمن في تلك الومضة التي يحدثها الاختصار في العنونة .
إن المبتدأ في اللغة العربية هو من " يحدد مجال الخطاب "( ) فهو المتحدث عنه. إن هذه الخصيصة التركيبية، تجعلنا نتوقع كقراء. أن ذات الشاعرة التي يحيل عليها (الضمير أنا، الذي جاء مبتدأ هنا ) تمثل جوهر الخطاب الشعري لهذا الديوان.
إن هذه الذات اسند إليها دال (الأنثى) مضافا إلى دال (الماء) في تركيب إضافي معنوي ليفيد نسبة تبدوا غريبة وغير مألوفة، تجعلنا أمام مسارين تجاه هذا التركيب الإضافي الاستعاري:
فإما أن تكون هذه الأنثى من الماء، لتكون الإضافة بذلك لبيان نوع هذه الأنثى.
وإما أن تكون هذه الأنثى للماء فيما يوحي بتملك الماء لها.
نستطيع اعتبار هذين المسارين، أو لنقل التوقعين، أسئلة من بين أسئلة كثيرة يطرحها العنوان، وعلى المتلقي أن يشتغل بها في أثناء قراءته للديوان.
- وفي المستوى المعجمي فإن هذه الدوال المذكورة والمضمرة في العنوان، تستدعي دوالا أخرى كثيرة في ذهن المتلقي ، نستطيع أن نكون منها حقولا معجمية، يكون عليها مدار القراءة، فيبحث عن معناها من خلال النظر إليها متموضعة في أسيقة النص الشعري، الأمر الذي قد يزيل عليها كثيرا من اللبس، ويجعلنا نقارن بين مختلف معانيها في أثناء عملية تسييقها. فالبحث في دلالاتها وأيضا النظر إلى نسبة ورودها في الخطاب الشعري، يعد عاملا مهم من عوامل فك شفرة العنوان والنص على حد سواء.
إن الضمير (أنا) يحيل أول ما يحيل على الذات (Sujet) فهو يقوم مقام الشاعرة (آمال موسى) أي مقام المخاطبة.
ثم هو يحيل بالمقابل إلى الآخر، هذا الآخر قد يكون، مخاطبا مقصودا متعلق بالشاعرة وبواقع التجربة الحياتية لها، أو أن يكون هذا الآخر مخاطبا ضمنيا، متعلق بالأهداف والاستراتيجيات الإبداعية، أو أن يكون مخاطبا حقيقي أي جمهور الشعر عموما، لتمرير رسائل اجتماعية أو ثقافية أو فنية ما.
كل هذه الإحالات تجعلنا نقارب الضمائر، بما تحمله من صيغ للخطاب، مقاربة تخدم المستوى الدلالي للنص، فبمتابعة إحالات الضمائر إلى خارج النص والى داخله، نستطيع أن نبني أساسا متماسك للمعنى، ونستطيع إيجاد التأويل (Interprétation) المناسب لطغيان صوت ما من أصوات الخطاب.
أما ما يستدعيه دال (أنثى) استدعاء مباشرا هو الشاعرة ذاتها لأنه أسند إلى ضمير يعود عليها.
ثم هو يحيل بالتضام والتكرار إلى الدوال ( امرأة، نساء، أنتِ، هي، ذكر، رجل، هو، أنتَ..)
أما دال (الماء) فنستطيع أن نشكل بإيعاز منه الحقل المعجمي (Champ lexical) الآتي: (بحر، نهر، ينبوع، مطر، شاطئ، موج، ارتواء ، عطش، جرف، غسل، غرق، طين، أرض، تراب ..)
ومن خلال هذه الدوال الكثيرة التي تقبع داخل هذا المركب الاسمي البسيط التركيب ، يمكننا تشكيل ثلاث حقول معجمية يمكن تتبعها داخل النص الشعري :
حقل لأصوات التخاطب
حقل الأنثى
حقل الماء
إن اختيار العنوان بوصفه أحد العناصر الموجهة للدلالة، يعد اختيارا يعززه أو يجابهه الخطاب الشعري نفسه. إذ هناك كثير من العناوين ما هي إلا تضليل على حقائق النص.
- ومما لا شك فيه ، أن العنوان مهما كان نوعه ، لا بد لصاحبه أن يراعي فيه الوظيفة الإغرائية ، بما أنه عمل يطمح إلى الوصول إلى أكبر عدد من القراء.
ويبدوا أن الإغراء هاهنا في هذا العنوان يكمن في أن بنيته غير مألوفة فهي تثير كثيرا من الغموض، هذا الغموض هو الذي يحرك لدى القارئ الرغبة في قراءته. فالقارئ (Lecteur) لأول وهلة يشعر بتنافر بين الأنثى والماء، دون أن يفسر معنى هذا التضايف الغريب، فالغرابة ملازمة للعجب الذي يحرك في القارئ روح الفضول.
2-2- العناوين الفرعية :
إن الوظيفة الرئيسية للعناوين الداخلية هي الوصف الدلالي لأجزاء الديوان؛ فهي تمكننا من إقامة علاقة دلالية ما، بينها وبين نصوص الديوان من جهة ، وبينها وبين عنوانها الرئيسي من جهة أخرى، لتشكل في وعينا القرائي علاقة تواصلية تربط بينها وبين عنوان الديوان والنص معا، بانية بذلك سيناريوهات محتملة لفهم قصائد الديوان ( )
إن ديوان الشاعرة آمال موسى (أنثى الماء) تنتظم قصائده في أربع مكونات دلالية عنونة لها الشاعرة بالعناوين التالية:
- في ملكوت الذات
- في حانة القصيدة
- بيوت من ماء، بيوت من طين
- العاجزة من لا تستبد
إن تقسيم الديوان إلى هذه الأقسام الأربع ، يعني في عرف الكتابة قصد الشاعرة إلى إحداث تمييز دلالي بين مكونات خطابها الشعري، وبذلك نكون أمام أربع بنيات كبرى للديوان وهي :
2-2-1- الذات (Sujet):
إذ يحيل العنوان الموضوع لمجموع القصائد المنضوية تحته – في ملكوت الذات- إلى بروز الذات كمكون جوهري في هذه المجموعة من القصائد. إضافة إلى دلالة تصديرها لهذه المجموعة بأبيات للمتنبي تكرس الاحتفاء بالذات.
هذه الذات أضيف إليها الاسم (ملكوت) الذي من معانيه في اللغة الملك والسلطان والعزة ( ) وهو أبلغ من الملك لارتباطه بزيادة الواو والتاء، إن هذا الاقتران الإضافي بالذات يضفي عليها دلالات التعظيم، وأيضا عودة هذه الذات الأنثوية من حيث الملك إلى الشاعرة، وفي هذا دلالة على انعتاق الذات الأنثوية من كل السلطات ومنها السلطة الذكورية.
جاء تحت هذا العنوان مجموعة قصائد يمكن أن تصنف من حيث التشابه التركيبي على النحو التالي:
كَاهِنَةُ الجُنُونِ هذيَانُ الشِّتَاءِ اكْتِمَال لَوْحَةٌ لا يَتَحَمَّلُهَا الجِدَار
أُنثْى الصَّيْفِ أعَالِي الزُّرْقةِ أَعْشَقُنِي غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلاخْتِزَالِ
رَاعِيَةُ الشَّيْبِ دَرْبُ الحَانَتَيْنِ السَّاقِي صُوَرٌ بِلاَ إضَاءَةَ
وَرْدَةُ الخَرِيف رَغَبَاتُ رَأسٍ مَجْنُونَةٍ لاَ شَيْءَ يُنافِسُ جَمَالكُنَّ غَيْرُ حُزْنِي هدِيلُ الحَمَامِ
حَبّةُ الجُنُونِ النَّهْرُ المَجْنُون
عَصِيّةُ الطَيِّ
نَجْمَةُ القِيَامَةِ
هناك عدة ملاحظات يمكن تسجيلها على هذه العناوين من حيث التعالق الدلالي بينها، من بين هذه الملاحظات:
- هناك ثلاثة عشر عنوانا من مجموع عشرين عنوانا ، جاءت بنفس البنية التركيبية فكلها جاءت تركيبا إضافيا .
- يشغل دال الأنثى من هذه العناوين الثلاثة عشر، الجزء الأكبر فهناك سبعة عناوين تحضر فيها الأنثى إما تصريحا كما في (أُنثَْى الصَّيْفِ) ، أو من خلال تاء التأنيث (وردة ، عصية ، نجمة ، حبة ، راعية )
- هناك عنوان واحد جاء جملة فعلية وبقية العناوين الأخرى كلها جمل اسمية ، هذا العنوان هو (أَعْشَقُنِي) الذي تتلاءم دلالته مع دلالة العنوان الرئيسي (في ملكوت الذات) ، فهناك ملك ومالك ، وهنا عاشق ومعشوق، فالفعل والفاعل يعودان إلى شيء واحد هو ذات الشاعرة.
- تشترك بعض العناوين في كونها تحمل تحديدات وتوصيف لهذه الذات فهناك عناوين تضفي على الذات صفة العظمة والاتساع (-لَوْحَةٌ لا يَتَحَمَّلُهَا الجِدَار- اكْتِمَال- غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلاخْتِزَالِ- عَصِيّةُ الطَيِّ ).
وهناك عناوين تحمل صفات الخفاء وفيها إشارة إلى أسرار الذات من بينها (كَاهِنَةُ الجُنُونِ- نَجْمَةُ القِيَامَةِ- رَغَبَاتُ رَأسٍ مَجْنُونَةٍ- النَّهْرُ المَجْنُون- حَبّةُ الجُنُونِ )، فالجنون من جن، وهذا الجذر اللغوي يدل على الستر والخفاء وما في معناهما "جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً سَتَره وكلُّ شيء سُتر عنك فقد جُنَّ عنك وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ بالضم جُنوناً "( )
- تردد الجنون في العناوين أربع مرات فالجنون إضافة إلى دلالته على الخفاء، فهو يدل دلالة مباشرة على فقدان العقل والإدراك، فهل جنون الشاعرة هنا هو محاولة للخروج على النظام الاجتماعي الذي يؤسسه العقل الجمعي ؟
- هنالك خمس عناوين فقط لا تحيل إلى الذات، بل تشير إلى موضوعات يمكن أن تكون الذات مكونا فاعلا فيها، هذه العناوين هي:(هذيَانُ الشِّتَاءِ- أعَالِي الزُّرْقةِ- دَرْبُ الحَانَتَيْنِ- هدِيلُ الحَمَامِ- السَّاقِي)
2-2-2- الشعر:
عنونة الشاعرة المجموعة الثانية من قصائد الديوان ب (فِي حَانَةِ القَصِيدَةِ) وهو عنوان يشبه في بنيته العنوان الأول (في ملكوت الذات) ، فإذا كانت الذات هي مملكة الشاعرة وإمبراطوريتها ، فان القصيدة هنا هي حانة لهذه الأنثى، والحانة لغة تعني حانوت الخمار( )، وفي ثقافتنا الحديثة هي الصالونات التي تقام فيها السهرات وتشرب فيها الخمور.
إن دال الخمر الموجود في العنوان ضمنا ؛ فهو لازم دلالي للفظة (حانة) ، إن هذا الدال يشبه كثيرا في معناه المعجمي دال (الجنون) فكلاهما فيه دلالة الخفاء وفقدان الإدراك ، جاء في لسان العرب : "وسمي الخَمْرُ خَمْراً لأَنه يغطي العقل ويقال لكل ما يستر من شجر أَو غيره خَمَرٌ"( )، والسؤال هنا هل هناك علاقة بين الجنون في العناوين السابقة والخمر هنا ؟ وهل نستطيع القول بأن القصيدة والممارسة الشعرية عامة هي آلة الجنون لدى الشاعرة آمال موسى ؟
يحتوي هذا العنوان (فِي حَانَةِ القَصِيدَةِ) على العناوين التالية:
يَا أيُّهَا الشِّعْرُ، الشِّعْرُ لَسْتُ لِأَحَدٍ
أنَا الشَّاعِرَة مَمْشُوقَةُ السَّوَادِ
حَرْقُ الشُّعَرَاءِ نَافُورَتِي
مَوْلاَيَ الشَاعِر
لُغَتِي
مَالُوفٌ
صَلاَةُ الجَمْرِ
يمكن توصيف هذه العناوين من حيث العلاقات الدلالية التي تشكلها مع العنوان الرئيسي ومع عنوان الديوان ككل في الملاحظات التالية:
- هناك سبعة عناوين من مجموع عشر عناوين تحيل كلها إلى موضوع الشعر فهناك قصائد تشير إلى الشعر (يَا أيُّهَا الشِّعْرُ، الشِّعْرُ- لُغَتِي- مَالُوفٌ) ، وهنالك قصائد تشير إلى الشعر مرتبط بالذات (أنَا الشَّاعِرَة- لُغَتِي) ، وقصيدتان تشيران إلى الشاعر الرجل (حَرْقُ الشُّعَرَاءِ- مَوْلاَيَ الشَاعِر)
- هناك ثلاثة قصائد فقط لا تحمل دلالة مباشرة على موضوع الشعر وهي (لَسْتُ لِأَحَدٍ- مَمْشُوقَةُ السَّوَادِ- نَافُورَتِي) لكن كونها جاءت تحت هذا العنوان (فِي حَانَةِ القَصِيدَةِ) فلا بد أن يكون الشعر عنصرا مهما داخل نصوصها.
- حضور الذات في هذه القصائد لا يقل حدة عن حضوره في عناوين المجموعة الأولى فالذات حاضرة في ستة عناوين .مما يدلل على احتفاء بذات شاعرة هنا .
2-2-3- الذكريات:
المجموعة الثالثة يمكن أن نصنفها في موضوع الذكريات بناء على القرينة الموجودة في (التصدير) فقط والتي هي قول المتنبي:
لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهن منك أواهل
فالعنوان (بيوت من ماء، بيوت من طين) لا يحمل أيا من الإشارات الدالة على موضوع الذكريات، وكل ما يمكن قوله على دلالته أنه يقوم بالتفريق بين بيوت وبيوت أخرى بوساطة دالي (الماء، الطين) الذين يشكلان ثنائية ضدية.
- إن الطين يحمل دلالة سلبية في أغلب استعمالاته اللغوية ولذلك احتج الشيطان على عدم سجوده لآدم بعلة أن تركيبته طين قال تعالى: " قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ "، فهو العنصر الشكلي لا الجوهري في حقيقة الإنسان الوجودية ، أما الماء فهو أساس الحياة وأهم عناصرها قال تعالى " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" لذلك فهو هنا في العنوان يأخذ دلالة ايجابية.
- ولكي تتضح معالم دلالات (الماء، الطين) داخل هذه المجموعة، وعلاقتهما بالذكريات يمكن تفحص عناوين المجموعة لمحاولة رصد أي علاقة تضاد (Antagonisme) بين العناوين .
قَصِيدَةٌ عَمُودِيَّةٌ
النّارُ
رَائِحَةُ الفَوْضَى
سَاعَةُ الجُنُونِ
رَجُلُ الجَسَدِ
أُمِّي
مَلِكُ الأعَالِي
أُنثَى المَاءِ
قِرْطُ المَدِينَةِ
- يشكل عنواني القصيدتين (رجل الجسد) و(أنثى الماء) ، تقابلا دلاليا، يمكن أن يؤول على ضوءه العنوان الكبير الذي تنضوي تحته هاتين القصيدتين: (بيوت من ماء بيوت من طين) على النحو التالي :
بيوت من ماء ــــــــــــــــــــــــــــ أنثى الماء
بيوت من طين ـــــــــــــــــــــــــــ رجل الجسد
لتصبح أنثى في علاقة تضـــــــــــــــــــاد مع رجل
و الماء في علاقة تضـــــــــــــــــــاد مع الجسد
ولكي تكتمل علاقة التضاد هذه معجميا تصبح العلاقة:
أنثى ــــــــــــــــــــــ رجل
(روح) الماء ــــــــــــــــــــ جسد (طين)
2-2-4- العلاقة مع الآخر (الرجل) :
على الرغم من أن دلالة العنوان الذي وضع لهذه القصائد (العاجزة من لا تستبد) يصطدم بهذا الموضوع –الحب- ويلغيه إلا أن التصدير باعتباره قرينة موجهة للدلالة، يحيل إلى هذا الموضوع ، يضاف إلى هذا تلك الدلالات التي تصنعها العناوين الفرعية، لكن هذا يجعلنا نتساءل . ما هي علاقة الحب بالاستبداد.؟ وهل تطرح هذه العناوين الفرعية نوع من الانسجام بين هذين الموضوعين المتنافرين لدى القارئ.؟
في البداية يمكن تصنيف العناوين من حيث البنية الشكلية على النحو التالي:
رِيقُ العَنَاقِيدِ سَلِ العِشْقَ الضَّوْءُ
نَهْرُ اليَدَيْنٍ قل لي حبيبي الحلم
رِيشُ الأهْدَابِ يُوسُفَ فِتْنَة
مِرآةُ القَمَر إذا مت الحَرِيرُ
شمعة منتصف الليل
الإصبع السادسة
فِي حُبِّ الجَاهِلِيّ
العَاجِزَةُ مَنْ لاَ تَسْتَبِدُّ
- يكثر في هذه المجموعة من القصائد التركيب الاسمي المتمثل في التركيب الإضافي، وهو الغالب على كل قصائد الديوان ، فكأن الشاعرة تريد تغيير طبائع الأشياء مثل (ريق العناقيد ، نهر اليدين) ، والجمل الاسمية مبتدأ+خبر مثل (العاجزة من لا تستبد) أو خبر+مبتدأ محذوف كما هو في العناوين القصيرة (الضوء، الحلم..)
- بينما تقل في هذه المجموعة وفي كل عناوين الديوان الجمل الفعلية ، مما يوحي بالسكون داخل الديوان ، فهناك ذات تطمح إلى إقامة عالمها الخاص بها ، ولذلك فهي تحرص على إعادة تسمية الأشياء ، وترتيب العالم الخاص بها وفق رؤيتها
- إن الجمل الفعلية وان كانت لا تقاس بنسبة الجمل الاسمية هنا، إلا أن عددها ملفت في هذه المجموعة مقارنة ببقية المجموعات الثلاث الأولى ، ففي المجموعات الأولى كان الخطاب داخلي بحت، أما هنا فهناك طرف آخر ومتلقي مقصود بالخطاب والمحاورة ، لذلك نجد عناوين تحمل دلالة الحوار مع هذا الطرف مثل (سل العشق ، قل لي حبيبي)
- صورة الطرف الآخر تبدوا باهتة فقد ارتبطت به دوال غامضة الدلالة فهو (جاهلي) (ومستبَدٌ به) ، ومسائل عن شيء ما في قصيدَتي : (سَلِ العِشْقَ ، قل لي حبيبي) وغير فاعل في أي من هذه العناوين، بل حتى أن رمزه التراثي (يُوسُفَ) أتى مفعولا به نحويًا، لفعل محذوف - رأيت- تظهره الشاعرة في نص القصيدة.
- لذلك يمكن مبدئيا القول بأن الذات الأنثوية تشكل مركز خطاب الديوان فتغلب على عناوين القصائد روح التمرد الأنثوي العارم والحميم، في انتصار الأنثى لنوعها ، وأن هناك تهميش لحضور الرجل في هذا الديوان، على الأقل هذا الحكم يمكن إطلاقه من دلالة العنونة، فقد تمارس العناوين في بعض الأحيان تضليل للمتلقي.
قائمة المصادر والمراجع:
1 ابن منظور ( أبو الفضل جمال الدين ) : لسان العرب، دار صادر بيروت لبنان.10/ 491
2 بلعابد عبد الحق : عتبات (ج.جينيت من النص إلى المناص) ، تقديم سعيد يقطين ، منشورات الاختلاف ، الجزائر، ط الأولى 2008.
3 أحمد المتوكل: الوظائف التداولية في اللغة العربية ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط الأولى ، 1985.
4 موسى ، آمال : أنثى الماء، سراس للنشر- تونس 1997 .
5 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : مثلي تتلألأ النجوم - عن دار مسكيلياني للنشر جانفي 2010 .
6 رولان بارت : النقد البنيوي للحكاية ، ترجمة أنطوان أبو زيد ، منشورات عويدات ، بيروت – باريس ط الأولى 1988.
7 يوسف أحمد: القراءة النسقية – سلطة البنية ووهم المحايثة – منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولى ، 2007.
8 فولفغانغ آيزر: فعل القراءة – نظرية جماليات التجاوب في الأدب – ترجمة حميد لحمداني، الجلالي الكدية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب 1995.
9 سوف عبيد : حركات الشعر الجديد في تونس ، سلسلة كتب الحرية ، تونس الطبعة الأولى سبتمبر 2008.
10 يوسف ناوري : الشعر الحديث في المغرب العربي ، الجزء الثاني ، ط الأولى ، دار توبقال ، الدار البيضاء ، 2006.
11 عبد الله شريق : في شعرية قصيدة النثر ، منشورات اتحاد كتاب المغرب ، الرباط ط الأولى 2003.
12 صلاح فضل : قراءة الصورة وصور القراءة، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1997.
13 ــــــــــــــــ: نظرية البنائية في النقد الأدبي ، دار الشروق ، القاهرة ، 1968.
14 ناصف ، مصطفى : مشكلة المعنى في النقد الحديث ، مطبعة الرسالة .
15 من شهادة قدّمتها الشاعرة في مدينة تورينو الإيطالية ، الرابط http://www.jehat.com
16 http://www.al-ahaly.com



#ميلود_كاس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلود كاس - العنونة وتوجيه الدلالة –قراءة في ديوان الشاعرة التونسية آمال موسى- أنثى الماء