مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
الحوار المتمدن-العدد: 7211 - 2022 / 4 / 5 - 16:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.
فريق دار الأكاديمية: أشرت في غير مرة لضرورة التركيز على مفاعيل ما دعوته «المجازر الصامتة» التي يقوم بها الولايات المتحدة وحلف الناتو في الكثير من أرجاء العالم، وخاصة في المنطقة العربية، هل يمكن أن توضح وجهة نظرك بشكل أكثر تفصيلاً بذلك الصدد؟
مصعب قاسم عزاوي: ما كنت أشير إليه ودعوته «المجازر الصامتة» كان يعني بالتحديد الحرب الوحشية المستمرة التي لم تنقطع خلال العقدين الأخيرين، بقيادة الولايات المتحدة وأذنابها وتوابعها العالميين في غير موضع من أرجاء الأرضين، باستخدام الطائرات من دون طيار، والتي أصبحت كالبعبع الذي ينتظر الانقضاض لتهشيم عوائل ومجتمعات بأكملها، تعيش تحت وطأة الخوف المقيم من لحظة «إطباق الطامة الكبرى» ممثلة بصواريخ الطائرات من دون طيار عليها في سلسلة لم تنقطع من المجازر وثقها كتاب الصحفي الطليعي جيرمي سكايهل Jeremy Scahill في كتابه المهم الذي حمل عنوان «The Assassination Complex» والذي يمكن ترجمته إلى اللغة العربية «مجمع الاغتيال»، والصحفي المخضرم نيك تيرس Nick Turse الذي حمل عنوان «Tomorrow s Battlefield- U. S. Proxy Wars and Secret Operations in Africa» والذي يمكن ترجمته إلى العربية «حروب الغد: حروب الولايات المتحدة بالوكالة، وعملياتها السرية في أفريقيا».
والكتابان يلخصان عملية التحول التدريجي في سياسة الولايات المتحدة ووكلائها ونواطيرها وعملائها على المستوى الكوني من حروب مفتوحة سواء عبر عديد جيوشها الجرارة، أو من خلال قواعدها المتقدمة التي تتخذ أشكالاً مافيوية ومليشاوية أو حتى دولاً في بعض الأحيان كما هو الحال في الكيان الصهيوني، للتحول إلى نمط جديد من الحرب التي لا تستدعي كثيراً من الصخب الإعلامي، يوفر على الولايات المتحدة عناء الصدام مع التوجه الشعبي العام السائد فيها منذ انتكاسة الأمريكان المفجعة في فيتنام لكل مبادئ الحروب الخارجية، وهو ما تكرس فعلياً عقب إخفاق الأمريكان في تحقيق أي انتصار فعلي في حربهم الأخيرة على أفغانستان، وإيجاد أي من أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق التي كانت ذريعة تهشيمه الكلياني في حرب الخليج الثانية في العام 2003. وهو الواقع الذي كان لا بد من للتعامل معه سياسياً عبر تبني مبدأ الحروب الخاطفة أو المواربة من خلال العملاء دون تصدر الولايات المتحدة وأذنابها لقيادة تلك الحروب بشكل مباشر، وهو ما لم يكن مثالياً في تلبية حاجة الولايات المتحدة المستمرة إلى تشغيل هياكلها الحربية العملاقة، واستدامة إنفاقها العسكري، وتوطيد هيمنتها بالقوة في أي مكان لا ينافسها أي من الأقوياء عليه بشكل مباشر قد يستدعي مواجهة نووية محققة.
وفي هذا السياق تبدى نهج «الحروب الصامتة» باستخدام الطائرات من دون طيار، من قواعد حلف الناتو المنتشرة في مئات المواقع على المستوى الكوني، والتي هناك منها أكثر من 200 موقع في دول القارة الأفريقية فقط، بشكل لا مهرب لأي دولة أفريقية من قبول توطن قاعدة أو بضع قواعد من تلك الطائرات فيها. وتعمل تلك الطائرات بشكل عملي «كملاك للموت» يتربص بكل أولئك الذين تعتقد الولايات المتحدة وشركاؤها بأنهم يقومون بأنشطة تخالف مصالح الولايات المتحدة سواء كانت سياسية أو غيرها، وهم بالتالي «دريئة مشرعة لا دية على قاتلها»، إذ أن عملية «ضغط الزر» من قاعدة الإدارة المركزية لجل قواعد الطائرات من دون طيار في ولاية فرجينيا الأمريكية، عملية لا تحتاج قراراً قضائياً، أو تحقيقاً استقصائياً، أو محاكمة عادلة لمن وقع حق الإعدام بحقه، أو حق الدفاع عن نفسه قبل نبذه من الحياة الدنيا أمام هيئة محلفين محايدة بالشكل المضمون نظرياً في القانون الأمريكي.
وهو الواقع البائس الذي أسهم ويسهم كما وثقه الكتابان السالفا الذكر، بالإضافة إلى عدد من التقارير الصحفية الطليعية، في تشكيل حالة من «الرعب المقيم» لدى المجتمعات التي تئن تحت وطأة هول تعرض أي من أفرادها للقصف بصواريخ الطائرات من دون طيار، والتي تحل دوماً «كملاك الموت» دون كثير قعقعة لأسلحة الفناء التي تحملها سوى ذلك الناجم عن أزيز محركاتها التي بالكاد تصدر أي ضجيج. وما يزيد من وطأة الرهاب المريع منها حلول موتها الزؤام بشكل صاعق ومباغت دائماً، ودون أي سابق إنذار يمكن من سوف يحل عليه قضاؤها الدفاع عن نفسه بأي من الطرائق الفاعلة أو غيرها، حتى لو كان استنجاداً معنوياً لا طائل منه بمن في السماء أو بأي مغيث محتمل.
والناتج الطبيعي لذلك الحال كان أيضاً بحسب تلك الدراسات، ازدياداً مضطرداً في الميل المتأصل لدى كل من وقع جرم الترويع بحقهم للسعي بأي شكل للانتقام من أولئك الذين حولوا حياته جحيماً، في معادلة ناتجها العفوي دفع الكثير من البشر المسالمين العزل إلى أحضان المتطرفين ووعي التطرف الذي لا يبصر من الألوان سوى لون الانتقام ممن أذله وحول حياته جحيماً. وهو ما كان مثاله النموذجي في الآلية التي كان يلتقط فيها تنظيم القاعدة في اليمن مجنديه الجدد من عوائل ضحايا قصف الطائرات من دون طيار على جنوب اليمن، والذين صار من الصعب إحصاؤهم بعد تكاثر أعدادهم بشكل مهول وتعدد قصص اغتيالهم بأي حجة مهما كانت ضئيلة، حتى لو كانت اشتباهاً بشخص لطول قامته وطريقة مشيته التي تشبه شخصاً تظن «إدارة الموت الزؤام» في الولايات المتحدة بأنه «المصير العادل» لذلك «المشتبه به»، والذي هو «مجرم حتى تثبت براءته»، والتي لن يستطيع إثباتها بعد رحيله عن وجه البسيطة.
ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى أن نموذج «المجازر الصامتة» نمط يمثل الإخراج الأكثر نجاعة للغول الأمريكي في إثبات قوته الشمشونية على المستوى الكوني، نظراً لأنها تتم عبر «تقنية القتل عن بُعد»، والتي تضمن عدم تحمل عديد الجيش الأمريكي وأذنابه في حلف الناتو لأعباء أي تكاليف بشرية محرجة أمام الرأي العام في الغرب، وهو ما يتوجسه ساسة الولايات المتحدة دائماً، بالإضافة إلى ميزة إضافية تتمثل في استعراض القوة الغاشمة بأكثر تجلياتها التقنية المعقدة على مجتمعات عزلاء من كل وسائل الدفاع عن نفسها عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، بشكل يوطد الهدف الاستراتيجي من «الحرب الكونية المستمرة» التي لا بد أن تكون من دون أي ضحايا بشرية في الجانب الغربي، بالتوازي مع تخليقها مثلاً ودرساً لا بد لكل من قد تسول له نفسه عدم الخضوع لإرادة الإمبريالية الكونية المعولمة ممثلة بغيلان حلف شمال الأطلسي، استشرابه واستبطانه وتكشف عبره اللاذعة إن كان يريد البقاء على قيد الحياة، وعدم التحول إلى رماد متفحم بنيران صواريخ وقذائف الطائرات من دون طيار و«مجازرها الصامتة».
#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)
Mousab_Kassem_Azzawi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟