أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - الفكر واللغة في تخليق الوجود















المزيد.....


الفكر واللغة في تخليق الوجود


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 7201 - 2022 / 3 / 25 - 11:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفكر واللغة في تخليق الوجود
تمهيد
هل الفكر ام اللغة هو وسيلة العقل في التعبير عن النظرة المادية او النظرة المثالية للوجود؟ أم ليس هنالك فرق بين الفكر واللغة في التعبيرعن الموجودات الواقعية والمثالية او الخيالية المستمدة من الذاكرة العقلية على السواء؟
يبدو هذا التساؤل في التفريق بين اللغة والفكر غير منطقي ولا مقبول فلسفيا....... ولكن لنرى لماذا؟ لأن الفكر واللغة افصاحان متلازمان في التعبير عن وجود الاشياء ماديا او مثاليا في التعبير عن وجودهما الفكري التجريدي بواسطة تعبير اللغة كما تذهب له علوم اللغة والمعرفة واللسانيات المعاصرة في الفلسفة ان الفكر هو اللغة والعكس صحيح ايضا ان اللغة هي الفكر.....كيف؟
فوجود الشيء او الموضوع المستقل ماديا او خياليا يعالجه الذهن فكريا في العقل قبل الأفصاح عنه وجودا مدركا ماديا او مثاليا في العالم الخارجي بتعبير اللغة. وليس الواقع المادي للاشياء هو الانعكاس الميكانيكي في تعبير الفكر واللغة عنه, وانما الوجود المادي الطبيعي بعد ادراكه حسيا وعقليا يتم تخليقه ثانية بالعقل(الدماغ). والشيء ذاته يتم بنفس الآلية مع تفكير العقل بموضوع متخيّل تبعثه وتستحضره الذاكرة موضوعا لتفكير العقل لا وجود مادي له في الواقع. كما ان ادراك الموضوع في العقل كتخليق فكري عقلي , هو غيره ادراك العقل للموضوع كوجود مستقل في العالم الخارجي قبل تخليق العقل له واعادة التعبيرعنه لغة وفكرا.
الفكرالمادي او المثالي المعبّر عنهما باللغة في علاقتهما بالوجود لا يتم تفريقه في تعبير الفكرعنهما باللغة المجردة, فالوجود المستقل في الواقع لا تحدده اللغة فقط كونه ماديا او مثاليا بمقايسته باللغة كنظام دلالي يعطي معاني الوجود والاشياء في ملازمته التعبيرعنها.وكذا الفكر يلازم اللغة في التعبير عن وجود الاشياء وفهمها.
تخليق العقل للوجود وليس خلقه
يقول احد الفلاسفة (ان الانسان كائن مفكر, والحقيقة ان الذي يغّير مسار الانسانية انما هو الفكر.) (1) واضح ان التاكيد هنا على فاعلية الفكر يكون قبل اللغة في تحديد نوعية الوجود المادي او المثالي كماهية وجوهر. واللغة تعبير عن الشكل الظاهراتي المدرك للموجودات والاشياء كما تعجز اللغة التعبير تجريديا عن الماهية او الجوهر او الكيفية من حيث هي فكر اولا قبل ان تكون لغة تعبير. اي ان اللغة لا تستطيع التعبير عن ماهيات الاشياء قبل اعمال العقل في عملية تخليقها ذهنيا وفكريا ,وقد يعجز العقل عن معرفة ماهية الشيء في ذاته.كون الادراكات الحسيّة لا تنقل ماهيات الاشياء من العالم الخارجي للعقل بل ظاهرياتها فقط.
وهنا يكون الفكر يمثل جوهرالتعبيرعن الوجود وماهيته, بينما يكون تعبير اللغة عنه ظاهراتيا اصواتا شفاهية او مكتوبة أو لغة اشارية رمزية ربما غير منظورة احيانا كما في التعبير عن الموجودات التي لا تحتاج اللغة المسموعة او المكتوبة مثل التعبير عن الجمال والفنون التشكيلية وبعض القيم في وجودها نومينا (وجود بذاته).
اللغة لا تمنح الوجود ماديته او مثاليته التي هي ماهية الشيء بذاته, بل اللغة تكسب الوجود او الموضوع صفاته الظاهراتية بعد ادراك الحواس والعقل له. بينما يبقى تعبير الفكر عن جوهر الموضوع بعد تخليقه عقليا وتكون اللغة وسيلة تعبير الفكر المنتج عقليا عن الشيء في ظاهرياته المتداخلة مع ادراك الحواس له..فاللغة لا تنوب عن الفكر في التعبير عن الاشياء ماهويا وكيفيا وانما تنوب عنه في توصيف الوجود في عالم الاشياء.
,أما الذي يمنح الوجود المادي ماهيته وجوهره, والوجود المثالي صوره الفكرية المدركة في الذهن, وفي تمييز العقل بينهما انما هو (الفكر) الناتج عن مصنع الحيوية العقلية الذكية في التخليق العقلي ادراك الوجود واضفاء ماهيته وصفاته عليه قبل اعادته لعالم وجود الاشياء فكرا معبّرا عن واقع او وجود معيّن مغايرلوجوده قبل تخليق العقل له وتيسير فهمه في تبيان علّة وجوده.. العقل لا يخلق موجودات العالم الخارجي بل يعيد فهمها وصياغتها بما يراه في ادراكها لا بما هو مختزن في وجود المادة المستقل.
ان العقل في ادراكه الاشياء والتعبير عنها بالفكرواللغة لا يخلق وجودا ماديا مستقلا ثانيا مغايرا لها, فهي اي الاشياء وجود مادي مستقل قبل ادراك العقل وتخليقه لتلك الاشياء بالفكر, والعقل يعبّر بالفكر واللغة عن فهم الاشياء واسباب وجودها وفي علاقاتها بالطبيعة والانسان.
ولاعلاقة ممكن ادراكها للغة في عمل التخليق العقلي(الدماغي) للموضوع المدرك في الذهن صمتا تفكيريا غير مفصح عنه بتعبير اللغة, وعلاقة اللغة في ملازمتها وجود الموضوع المستقل بالعالم الخارجي قبل تناوله كمدرك عقلي يجري تخليقه من جديد قبل افصاح الفكر واللغة سويّة عنه كوجود مستقل في عالم الاشياء بعد اضفاء العقل نوعا من الفهم الجديد عليه.ان مهمة العقل ادراك وتخليق الاشياء بالفكرالمجرد وليس خلقها وايجادها كوجودات مادية بالفكرالمتموضع بها كمكوّن منها. الذي لا يمتلك ديناميكية تغيير الاشياء من دون دور الانسان باعتماده التفكير العقلي كمنهج تغيير الاشياء في الطبيعة , فالفكر يوضح طريقة تغيير الاشياء في وجودها المادي وليس خلقها كمدركات جديدة في عالم الاشياء الخارجي.الوجود والاشياء والعالم الخارجي انما تتغير بالفكر لكنها لا تنوجد ماديا به ايضا.
الاشياء والموجودات في العالم الخارجي هي وجود مادي مستقل لا تتغير تلقائيا ذاتيا من دون ادراك وتخليق العقل لها بما يتوّجب ان تكون عليه تلك الاشياء في وجود ادراكي حسّي وعقلي متغّير باستمرار.
ان تخليق التفكير العقلاني لشيء هو الذي يعطي ذلك الشيء وجوده بالحركة والتطور والفهم المتغير, وتبقى اللغة تعبّرعن تلك الاشياء في صيرورتها المستمرة في تخليق العقل لها كموضوعات في حالة تغيير مستمر, وفي ملازمة اللغة والفكرمعا التعبير عنها. بمعنى ان الفكر واللغة لا يستبقان العقل في ادراك وتخليق الاشياء قبل ايعاز العقل الافصاح عنها بوسيلة اللغة المتداخلة مع الفكر .
ولايتم تفريق الفكرالمادي او المثالي بمقايسته بالوجود الطبيعي المستقل للاشياء وتفسيرها وفهمها قبل ادراك العقل لها وتخليقها , لأن الوجود غير المدرك عقليا في استقلاليته في عالم الاشياء,هو غير الوجود الذي تم تخليقه وتصنيعه في تناول العقل له واعادته ثانية بتخليق فكري وفهم جديد الى واقع الاشياء على صعيد الفكر واللغة.
العقل يخلق الافكار في فهم وجود الاشياء التي يدركها, ويكون عاجزا عن خلق الواقع المادي كوجود مستقل بغيرالفكرالمعبّرعنه فقط , ان وجود الشيء واقعيا لايتم تغييره عقليا بغير وسيلة العقل التي هي الفكر واللغة المعبّرة عنه في تلازمهما.وتغيير واقع الاشياء في وجودها المستقل في الطبيعة هي من عمل الانسان المسترشد بافكار العقل. ولغة وفكر التعبير عن الاشياء لا تخلق وجودها من دون الاهتداء بالعقل في اعطاء كل ما يدركه بالفكر واللغة له معنى..
ولولا فهم الانسان لتخليق العقل للاشياء بالفكر واللغة لما يحصل تغيير في وجود الاشياء بالعالم الخارجي, ولبقيت افكار العقل واللغة المعبّرة عنها عالقة بالذهن الذي ابتدعها لا جدوى منها ولا فاعلية لها تفيد الانسان في فهمه للاشياء في الطبيعة من حوله وعلاقته بها والعمل على تغييرها من اجل صالحه.
كما وليس باللغة المعبرّة عن الوجود فقط ينفرزعنها تباين الفكر المادي عن الفكر المثالي الا بعد الادراك العقلي لموضوع التفكير وتخليقه اولا , وفي تعبير اللغة والفكر معا عنه ثانيا. فالفكر يكتسب هويته وماهيته بعلاقته بالوجود المادي المتبادل المتخارج معه فهما (لغويا) مجردا, وليس باللغة فقط التي تعّبر عن الوجود والاشياء في ملازمة الفكرواللغة لها.اللغة هي الافصاح عن تخليق العقل للاشياء المدركة فكريا.
فالفكر يكسب ويمنح الوجود ماهيته ان كان بمستطاعه ذلك عقليا وليس فكريا مجردا, الفكر وسيط العقل في التعبير لغويا عن المدركات ويكتسب الفكر في علاقته بالوجود وفي تخليق العقل له هويته وصفاته ماديا او مثاليا كفكر متعالق بالوجود والعقل قبل تعبير اللغة عنه, اللغة هي وعاء الفكر وكليهما وعاء العقل في فهم وتفسير الوجود .علاقة الفكربتخليق العقل للاشياء سابقة على مهمة اللغة التعبيرعنها.واللغة لا تعمل في فراغ خال من الفكر المنظّم والمعنى.
والفكر واللغة في تلازمهما معا وفي تعالقهما مع الوجود والعقل التخليقي له, لا يستطيعان خلق وجود شيء واعطائه صفاته وعلّة وجوده في علاقة تعبيرهما عنه كوجود مجرّد في الذهن فقط, وانما الوجود يكتسب صفاته وماهيته في تعالقه مع الادراك العقلي له وفي تخليقه الجديد بفهم مغاير لوجوده المادي المستقل في عالم الاشياء قبل ادراك العقل له وتناوله تخليقا جديدا, ومن ثم التعبيرعنه بالفكر واللغة..
تخليق العقل للاشياء فكريا المعبّرعنها كوجودات متعالقه مع الادراك واللغة هو في التعبير عن وجودها المستقل في العالم الخارجي. وجود الشيء المستقل في العالم الخارجي يسبق ادراك الحواس والعقل والفكر واللغة له. ديفيد هيوم يعتبر ما يدركه الانسان من استشعارات مصدرها الحواس هي انطباعات اولية لادراك وفهم الاشياء زائلة مؤقتة بالذهن لا تنوب عن تفكير العقل.
ولا قيمة حقيقية لمفردات الحواس والعقل والفكر واللغة منفردة او مجتمعة ما لم يسبقها هدف تغيير وجود الاشياء المادي في العالم الخارجي المستقل التي تكون بدورها مدركات عقلية - فكرية لتلك المفردات التخليقية للاشياء في رباعية / الحواس, العقل, الفكر, اللغة.
وجود الاشياء في نوع علاقتها مع التفكير والتخليق العقلي لها, تسبق الفكر واللغة المعبّرة عنها لاحقا كوجودات في العالم الخارجي.فادراك العقل للوجود المادي او الخيالي يستبق الفكر واللغة في تلازمهما وادراكهما في التعبيرعن الوجود الخارجي للاشياء , وهذا يخالف مذهب فلاسفة مثالية الوجود ونظرية المعرفة في تزمتّهم القول( ان فعل المعرفة لا يقوم في عملية ادراك الموضوع, بل في فعل خلق الموضوع, وان الوجود لا يوجد في ذاته, انما الفكر هو الذي ينشؤه)(2).
الخطأ الفادح هنا في الفهم المثالي هو في الاعتقاد بان بمقدور الفكر الصوري التجريدي خلق الوجود المادي للاشياء في العالم الخارجي وهو محال, اذ ليس بمستطاع العقل او الفكر خلق الاشياء في وجودها المادي المستقل... الفكرحتى وان كان صادرا عن العقل فهو لا ينتج عنه وجودا ماديا لشيء واقعي غير مدركه المادي الموجود مستقلا قبل التفكير به., لكن وجود واسبقية وجود الاشياء المستقل واقعيا تعطي الفكر حيويته ودوره الفاعل في التعبيرعن الاشياء في وجودها وامكانية تغييرها, وليس في امكانية خلقها او ايجادها من جديد في تخليق الفكر المجرد لها من دون أسبقية وجودها المستقل في عالم الاشياء السابق على كل ادراك او فهم.
الوجود المادي للاشياء في العالم الخارجي لا يمكن خلقه من فكر تجريدي يصدره العقل, والوجود المادي في عالم الاشياءلايصارالى خلقه من جديد وجودا مدركا حسيّا , بل يمكن تخليقه بالعقل فكريا تجريديا فقط , في امكانية تغييره ماديا بالعقل والفكر واللغة لا اكثر.والتفكير العقلي يكون أعزلا من فاعلية التغيير او التأثير بالاشياء بدون ادراك وفهم الانسان للفكرأنه وسيلة تغيير الاشياء وليس خالقها في عالم الواقع والموجودات.
الخلق الطبيعي للاشياء لا يكون بادراك العقل لها ولا بالفكر المجرد في التعبير عنها. الفكر يخلق عالم الاشياء في صورها الذهنية وليس في واقعها الحقيقي المادي. والفكر لا يكون ماديا ما لم يستطع تبديل وتغيير الواقع المادي للاشياء, والا بقي صورا مجردة بالذهن فقط لا قيمة لها. ان الفكر المجرد لا قيمة حقيقية له ما لم يسبقه الاقرار بوجود الاشياء في الواقع الخارجي على وجوده وفعاليته التفكيرية بالذهن.
ببساطة متناهية الفكر لا يخلق ولا ينشيء وجودا مستقلا في عالم الاشياء والموجودات, لكنه يضطلع بمهمة تغيير وتبديل الاشياء والوجود كمواضيع يدركها العقل ويعمل على تخليقها في جدلية من الصيرورة الدائمة غير المنتهية على صعيد تخارج الفكر مع الوجود فقط, وليس على صعيد خلق اشياء مادية في الواقع . الوجود الواقعي للاشياء هو الذي يسبق العقل والفكر ادراكه والتفكير به ومحاولة تخليقه وتغييره.الفكريغيّر الموجودات لكن يعجز عن خلقها او ايجادها.
الفكر واللغة داخل العقل وخارجه
تساؤلنا هنا هل يسبق الفكر او اللغة احدهما الآخر تراتيبيا في تعبيرهما عن الوظيفة الادراكية التخليقية العقلية التناوبية للموضوع,؟ وفي تعبيرهما عن وجوده المادي في اختلافه عن التفسير المثالي على مستوى افصاح اللغة في علاقتها بالاثنين كوجودين مختلفين المادي والمثالي؟
اننا في هذه الحالة نفهم ان الفكر المادي في تمايزه عن المثالي هو في أسبقية الفكر على اللغة على صعيد الادراك الوجودي للاشياء عقليا تفكيريا وتخليقيا من دون الافصاح عنه باللغة.العقل يدرك ويقوم بتخليقه للاشياء بالتعبيرعنها بالفكر واللغة., وتجري عملية التخليق العقلي الذهني للاشياء بالفكر في عملية معقدة داخل الدماغ. ويبقى العقل والفكر وسيلتي تغيير الاشياء في وجودها المادي المستقل وليس ايجادها وخلقها بالفكر واللغة تجريديا.
بمعنى ان تخليق واعادة انتاجية الشيء المفكر به (جوّانيا) من قبل العقل الذي نقلته له الحواس كموضوع لتفكير العقل به, يكون حضور الفكر سابق على عطالة اللغة في فعالية التفكيربالموضوع في صمت عقلي ذهني, وتنقلب المعادلة في الاسبقية حين يتم توظيف العقل للغة في التعبير عن الشيء في وجوده المادي الخارجي وبادراكه المتعيّن الجديد الذي قام العقل بتخليقه على وفق ما يرتئيه العقل ان يكون عليه الشيء.
فاللغة في عملية تخليق الاشياء ذهنيا داخل العقل, لا تسبق الفكر , وادراك الشيء في العالم الخارجي يكون في اسبقية اللغة التي تكون هي الفكر في ذات الوقت ونفس المهمة في تعيين وجود الشيء المدرك حسيا او حدسيا.
واسبقية الفكر على اللغة, اواسبقية اللغة على الفكر في التعبير عن الاشياء تتم تناوبيا في ادراك وتخليق العقل للاشياء ذهنيا وتتم وفق عملية معقدة يتداخل بها العقل والفكر واللغة.
حتى وان بدت(اللغة والفكر) كليهما متلازمتان لا يمكن التفريق بين الفكرة واللغة المعبّرة عنها ادراكا او حدسا, كما من المتعذّر أعطاء أسبقية لاحداهما على الاخرى في التعبير المختلف عن الوجود ماديا ام مثاليا بشكل مفارق في تمييز احدهما عن الآخر.
فاللغة قرينة الفكرالمادي والمجرد على السواء وكذا الفكر في عدم امكانية التفريق بينهما في تعبيرهما عن الاشياء الموجودة في العالم الخارجي.والفكر يتعالق مع اللغة في فهم الاشياء وادراكها.واللغة لا وجود حقيقي لها في مفارقتها التعبير عن الفكر وكذا لا اهمية للفكر في الوجود خارج فاعلية الادراك العقلي في تعبير اللغة عنه.وتصبح مقولة ريكور اللغة هي الفكر صحيحة كما هي عند دي سوسير ايضا.
فاللغة لا تعبّرعن موجودات واشياء خالية من المعنى المضموني الفكري المدرك عقليا بل وفي غير هذه الصفة تفقد اللغة اسمى خاصّية لها انها وسيلة العقل في التعبير عن الموجودات والاشياء في العالم الخارجي وليس في الذهن.
عليه يكون التمييز بين الفكر المادي عن الفكر المثالي لا يتم بمنطق تعبير اللغة المجردة او المفصحة عنهما كموضوعين مختلفين في التعبير اللغوي فقط, كما فعل هيجل في اعتباره الجدل او الديالكتيك المثالي يتم بالفكرالمجرد وحده وليس في تعالقه المتخارج التخليقي مع الواقع او الوجود الحقيقي المادي للاشياء كما ذهبت له الماركسية.
ان العقل وحده له الأسبقية في تحديد الوجود والفكرالمتعالق معه ان يكون ماديا ام مثاليا. واللغة تكون في هذه الحالة وعاء الفكر في تحديد نوع الوجود المادي او المثالي المفصح عنه بتعبير اللغة.
وبهذا يكون التمييز بين مادية الفكر او مثاليته هو في علاقة الفكركوعي نوعي عقلي يتم في الذهن اولا في ادراكه وفهمه الوجود او الموضوع, يليه تعبيرفكري لغوي متداخل نوعي مختلف يحدد علاقته بالوجود الواقعي للاشياء والظواهرالمختلفة في الطبيعة ثانيا ان تكون مادية أم مثالية على صعيد الفكر المعبر عنها وليس على صعيد وجودها في عالم الاشياء.فوجود الشيء الواقعي لا يتمايز بماديته ام مثاليته في وجوده المستقل المتعين في الطبيعة, وانما الذي يحدده كوجود مثالي او مادي انما هو الفكر المعبر عنه وليس وجوده على ارض الواقع.
فالفهم المادي يذهب الى ان الفكر انعكاس لوجود الاشياء في ديناميكية متخارجة بين وجود الشيء والفكرالمدرك له عقليا, بينما يرى الفكر المثالي ان لا وجود مستقل للاشياء سابق على الوعي بها صوريا في الذهن فقط. وان ادراك وجود الاشياء يتم في صورها التي يستلمها العقل عبر المدركات الحسية لها, ولا دور للغة اكثر من تحقيقها دلالة المعنى الفكري الصادر عن العقل المراد توصيله من غير ما نتصور وجود الاشياء هو في ادراك العقل لها صوريا عن طريق الحواس.
واللغة توصيف فينوميني للشيء المفكربه موضوع التفكير كشكل خارجي في ايعاز من العقل.والفكر يمثّل جوهر الاشياء المعبّر عنها لغويا بذواتها ان كان ذلك بمستطاع التخليق العقلي للاشياء تحقيقه.وليس متاحا دائما للعقل فهم الشيء في ماهويته الجوهرية كوجود ب – ذاته. واللغة لا تعبر سوى عن الظواهر الخارجية المدركة حسّيا للاشياء. وماهية وكيفيات الاشياء هو من اختصاص التفكير العقلي وليس التعبير اللغوي.
فوجود الاشياء الطبيعي المستقل هو الذي يسبق نوعية الافكار المفسّرة لها بوسيلتي الادراك العقلي لها وفي التعبير اللغوي عنها. وان اللغة والفكر متلازمتان اثناء ممارسة العقل او الدماغ فعاليته الحيوية التخليقية ذهنيا جوّانيا في معالجة ايّا من المواضيع التي تنقلها الحواس له ماديا او صوريا, وكذلك يقوم العقل بنفس الفعالية العقلية في تأمله تخييليا موضوعا ما لا وجود له في عالم الوقائع المادية والاشياء وانما بكون في عالم الخيال الذي ابتدعته ذاكرة العقل نفسها.فمواضيع تفكير العقل لا تقتصر على ما تنقله الحواس له, بل مهمة العقل ايضا تخليق مواضيع الخيال التي تبعثها ومصدرها (الذاكرة) العقلية كمادة للتفكير بها.
وعن كليهما(التفكير المادي والتفكير المثالي) يعطي العقل نوعا من التفسير المتعّلق بتمايز فهم شخص عن غيره, في حال تنفيذ الفكر واللغة نوعية الفكرة العقلية المختلفة عن الشيء في تنوّع واختلاف تفسير العقل لها من شخص لآخر ان كان تفسيره وفهمه ماديا ام مثاليا.
من المهم التأكيد الى ان اللغة والفكرفي تكاملهما المتداخل في التعبير, هما وسيلة العقل في الافصاح عن تخليقه وجود الاشياء في العالم الخارجي من جديد بشروطه. ولا يظهر او يدرك للفكر او اللغة اي افصاح متداخل عما يقوم به العقل في ادراكه الوجود والاشياء في تفكيره الصامت بها وفي تخليقها ايضا.
في هذه الحالة اذا اعتبرنا الصمت تفكيرا عقليا ذهنيا ولغة حوار داخلي غير معّبر عنه وغير مدرك,فهذا لا يعطي العقل تفويضا انه يفكّر بواسطة اللغة من دون الفكر.ولا بالامكان القطع بان العقل لايجري تفكيره الصامت بغير الفكرفي تداخله المتكامل مع اللغة صوريا بالذهن.
ان اللغة والفكر فعاليتهما الحقيقية في التعبير عن الموجودات والاشياء في الواقع المادي خارج العقل بعد تخليقها بالذهن وفي اعطاء العقل تفسيرا وفهما للاشياء موضوعة التفكير التخليقي في وجود الاشياء المستقل في العالم الخارجي او المواضيع التخييلية المنبعثة من ذاكرة الخيال العقلي وليس من الوجود المادي الواقعي للاشياء.
بمعنى استحالة التعبير بالفكر واللغة عن الشيء قبل ادراكه حسيا وعقليا ودون وصاية وتوجيه العقل, لان الفكر واللغة هما نتاج عقلي مرتبطان بالذهن والدماغ اكثر من ارتباطهما بواقع الاشياء المادية.ثم اذا كان الفكر انعكاس ديناميكي في اسبقية وجود الاشياء عليه, فهذا لا يمنح الافكار استغنائها عن اسبقية ادراك الحواس والعقل لها في فهم وتفسير الاشياء في وجودها الواقعي.
ان تفكير العقل بموضوع مادي موجود في العالم الخارجي, او بموضوع خيالي يبتدعه الخيال مادة لتفكيرالعقل داخليا, هما فعالية واحدة يقوم بها العقل وتحديدا الدماغ بمعزل عن تدخل اللغة والفكرالافصاحي لما يقوم به العقل من تخليق الشيء بالتفكيربه وفي دراسته كموضوع وعملية تخليقه من جديد في تبيان ماهيته ان امكن وصفاته وعلة وجوده المتعالق مع غيره من الاشياء ومدى اهميته في حياة الانسان وفي جوانب اخرى عديدة يرغبها الانسان في تلبية العقل اعطائها عن الشيء المدرك.,.
الفكر واللغة في التعبير عن الاشياء
ويبدو هنا ايضا اننا وقعنا في اشكال وتعقيد أعمق علينا توضيحه عندما نجد ان وسيلتي العقل في الادراك ومعاملته للاشياء لا تتم من غير اعتماد العقل للحواس والفكر واللغة في ادراكه الشيء والتفكير به سواء كان التفكيرداخليا (صمتا) على شكل حوارفكري لغوي ذاتي داخل العقل(الدماغ) ,او افصاحا عنه في التعبير اللغوي الصوتي عن وجود الاشياء المادية في الواقع او الموضوعات المتخيّلة كناتج علاقة الذاكرة بالعقل قبل كل شيء.
والوجود المادي والوجود الافتراضي التخيّلي لايختلفان في الماهية او الجوهر وحسب, وانما هما يختلفان بلغة التعبيرعن كليهما, فالوجود المادي الواقعي في عالم الاشياء والمحسوسات الخارجي تعّبر عنه اللغة المنطوقة او المكتوبة, في حين ان الوجود الخيالي الذي ابتدعته الذاكرة كموضوع او مادة تفكير العقل وتخليقه الجديد له, لا تعبّر عنه اللغة التداولية نطقا او كتابة كما في التعبير عن الوجود المادي للاشياء في العالم الخارجي, بل يبتدع العقل وسائل توصيل هي غير وسائل التواصل اللغوي التداولية المسموعة او المكتوبة, مثل لغة رسم لوحة او نحت تشكيلي في الفنون والجمال التي هي لغة الابداع الخيالي الذي تكون فيه اللغة والفكر وجود مضمر في مضمون اللوحة او التشكيل الجمالي.فالتعبيرالفني الجمالي لا يحتاج اللغة التعبيرية الفكرية التواصلية المجتمعية في التعبير عن وجوده المادي.
يصبح تساؤلنا كيف يفكّر العقل وما وسيلة التفكير التي يعتمدها, تقودنا الى طريق مسدود عند عدم الاقرار ان وسيلة العقل في التفكير وادراك الاشياء لا يمكن ان تتم خارج فعالية الدماغ بتخليق موضوعاته وفي توظيفه الفكر – اللغة في ادراك وجود الاشياء في العالم الخارجي المستقل التي هي نفسها في داخل الدماغ ايضا.
لا يمكننا تمييز الفكرعن اللغة داخل فعالية العقل تخليق الافكار بالصمت التفكيري داخل العقل, وانما يتاح لنا ذلك في الوجود المستقل لادراك الاشياء خارج العقل التي يصدر العقل والجهاز العصبي التعبير عن وجودها الفكري – اللغوي بعد تخليق العقل لها من جديد كناتج اجابته عما وصله عن طريق الحواس من مدركات.
ان فعالية العقل تنعدم نهائيا عند افتراضنا ان العقل يقوم بفعاليته الادراكية ومعالجتة الموضوع المدرك عقليا بغير وسيلة تداخل الفكر مع اللغة (داخل) و(خارج) العقل في تباين واختلاف اشرنا لهما سابقا. لم يثبت العلم لحد الآن ان تفكير العقل او الدماغ الصامت يتم بغير تداعيات الفكر الذي تستوعبه اللغة او الخيال في الذاكرة للتعبير عنه لا حقا بعد انتهاء العقل من تخليقه.وهي عملية معقدة لا يمكن معرفتها بسهولة حتى على مستوى التخصص العلمي في دراسة وظائف الدماغ والجهاز العصبي.
بمعنى داخل العقل يكون التفكيرحوارا صامتا في تعطيل اللغة المنطوقة او المكتوبة, وليس على صعيد استيعاب اللغة لتفكير العقل الصامت. وفي خارج العقل تبطل رقابة العقل الصارمة في انتاج الافكار واللغة حول المواضيع والاشياء بعد تعبيراللغة والفكر عن وجود الاشياء المستقل في العالم الخارجي دونما وصاية العقل عليها التي في حقيقتها ليست بقدراهمية امكانية اللغة التعبيرعنها, وتكون الموجودات والاشياء في وجودها المادي خارج العقل هي من حصة ووصاية اللغة والفكر المعبّر عن تلك الاشياء في تخليق العقل لها الذي اخذ مداه في تعبير الفكر واللغة عن الاشياء الخارجية بعد انتهاء تفكير العقل بها.
علي محمد اليوسف /الموصل



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موضوعات فلسفية اشكالية من تاريخ الفلسفة
- جدل التاريخ حقيقة انثروبولوجية ام وهم فلسفي مصنوع؟
- زمن الحاضر الوهمي
- حوار افتراضي في الفلسفة
- كانط محض الصورة والمحتوى
- حوار في فلسفة الوعي ج2 جون سيرل نموذجا
- حوار في فلسفة الوعي ج1
- المكان: المادة والفراغ
- مستقبل الفلسفة
- اللغوية التوليدية مداخلة نقدية
- اصدار فلسفي جديد /الفلسفة الغربية المعاصرة - رؤية نقدية
- اللغة الفطرة والسيرورة المكتسبة
- اللغة فلسفة معنى الحياة
- تخارج العقل المعرفي والجدلي
- هيجل ومفهوم العقل الجدلي
- سؤال المجلة الثقافية الجزائرية
- الجدل الديالكتيكي وطبيعة العقل
- تعالقات فلسفية بضوء طبيعة العقل
- المجانسة النوعية في المتناهي والمطلق
- تناص بعض المشتركات الفلسفية


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - الفكر واللغة في تخليق الوجود