أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سناء أبو شرار - بيوتنا ليست من حجارة














المزيد.....

بيوتنا ليست من حجارة


سناء أبو شرار

الحوار المتمدن-العدد: 7200 - 2022 / 3 / 24 - 21:42
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



تقف أمامه لتودعه
تُلقي النظرة الأخيرة
والدموع تغالب الأنفاس
بيت من حجارة
ولكنك تقف أمامه لتودعه
كأنه حبيب وصديق وأب وأم
إضطروا للرحيل بسبب الحروب، إضطروا للهجرة بسبب الضائقة المالية، إضطروا للسفر بسبب الدراسة، إضطروا للمغادرة بسبب الزلازل أو الفيضانات، حين يعيش الانسان سنوات طفولته في بيتٍ ما، أو سنوات حياته الراشدة تصبح هناك روابط خفية غير مرئية بينه وبين جدران البيت الذي يعيش فيه، الجدران بكماء ولكنها تعرف كل شيء، النوافذ شفافة ولكنها تخبيء كل شيء، الأبواب مغلقة ولكنها مفتوحة في القلوب، علاقة غريبة تنشأ ما بين الإنسان والبيت الذي يعيش فيه، تلتصق الذكريات في الجدران، وتنحت القصص كلماتها على السقف، وتصبح الأبواب شهود على الحدث والكلمات، حتى أن البيت يتحول إلى مرآة تخبر كل شيء عن صاحبها مهما حاول إخفاء الحقيقة.
بمجرد النظر إلى حديقة بيتٍ ما من الخارج يمكنك معرفة جزء كبير عن أهل هذا البيت، فالبيوت تحمل الصفات والبصمات، تخزن الحزن، وتسجل الضحكات، تكتم الألم وتبوح بالحب، لا تنسى الأموات الرحماء وتكره الأحياء القساة، لذلك البيوت فقط هي التي لا يموت بها الرحيم حتى ولو غادر جسده، تبقى تلك الرحمة التي رافقته في حياته بصمة على الجدارن وذكرى في القلوب، والبيوت فقط هي من تفضح القساة لأننا بمجرد أن ندخل بيوتهم تلفحنا نسمات باردة جافة تدفعنا إلى المغادرة دون سبب واضح.
بيوت تقول لك أن أهلها سعداء، وبيوت تقول لك أنه هنا يوجد حزن عميق، وبيوت تطردك بمجرد أن تقترب وبيوت تحتضنك وتناديك حتى ولو كنت تريد الإبتعاد، إنها صورة مجسمة عما يعتمل في أرواحنا وأفكارنا ومشاعرنا، إنها المنحتوة الحقيقة والفطرية لحقيقتنا ولا يمكنها أبداً إخفاء الحقيقة. البيوت ليست حجارة لأنها تحمل أرواحنا وصورنا، ذكرياتنا ونسياننا، حتى أرواح الأموات لا تغادرها فلا نزال نشم رائحتهم رغم رحيلهم الطويل، لا تزال تحتفظ بأصواتهم بين الغرف والصالات، إنها ذكرى الحجرية لما ننساه، إنها الدفء العميق حين يعترينا برد الغربة أو جفاء القلوب، إنها الحضن الدافيء حين يتحول الخارج إلى صحراء جليدية أو غابة همجية.
نظر إلى بيته آخر مرة قبل أن يموت وقال: ( وداعاً أيها البيت) مكث في المستشفى ثلاثة أيام ثم مات، إنها قصة صغيرة جداً ولكنها توضح حقيقة علاقتنا ببيوتنا، ودع بيته كأنه صديقه وحبيبه وأهله، ودمعه صغيرة لم يُخفيها رافقت الرحيل الأخير.
ندخل بيوتنا لنبدأ حياة جديدة ننجب الأطفال ثم الأحفاد وننسى كم أن هذه الجدارن غالية وحين يأتي الرحيل نشعر أننا أصبحنا حجر في ذلك الجدار أو قطعة خشب بذلك الباب، ففي البيوت فقط تمتزج الأرواح بالجمادات وحتى الأثاث يصبح لها قصة وأمل وحلم. فلماذا نبكي رحيلنا عن البيت الذي نحب رغم أنه جماد رغم أنه يوجد بيوت أجمل منه؟ لماذا هذا الحنين الأبدي لبيت الطفولة رغم أنه ليس سوى حجارة؟
لأننا أينما ذهبنا نترك جزء من ارواحنا حيث نكون، والبيوت أشد إخلاصاً من البشر وذاكرتها أبدية ولا تفني إلا بفناء الجمادات، حتى أنها تحزن لفراق أصحابها فتتحول بعد سنوات الهجر إلى أطلال، البيوت لا تحتمل الفراق مثل من البشر، بل تبدو أحياناً أكثر رقة من البشر لشدة تعلقها بمن يحيا بها، فتتهاوى من سنة وأخرى إلى أن تصبح أطلال تبكي الذين رحلوا.
في هذا الكون نعتقد أننا أسياده ولكن هناك أشياء بسيطة تقول لنا وفي كل يوم أننا لسنا أسياد بهذا الكون وأننا جزء متواضع من كل ما فيه وأننا يجب أن ندرك أننا وحده واحدة حتى مع الجمادات، فلا يمكن أن يمتلك الإنسان رؤيا ناضجة لوجوده دون إدراكه لمدى إرتباطه بكل ما في هذا الكون إبتداءاً ببيته حيث يُمضي حياته وإنتهاءاً بقبره الذي يشهد نهايته.



#سناء_أبو_شرار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إحذر الكآبة
- أقوى دوافع الإنسان هو ما يكر


المزيد.....




- ما الذي تواجهه النساء في اللجوء والنزوح والهجرة؟
- بريطانيا: اتهام توماس بارتي بالاغتصاب
- ممرضة كندية في -أطباء بلا حدود- تروي -جحيم 3 أسابيع في غزة- ...
- كيف تطورت كرة القدم النسائية في المغرب الذي يستضيف كأس الأمم ...
- الالتهابات النسائية..أسبابها وأعراضها وطرق علاجها
- سوريا تسعى لكشف مصير أطفال المعتقلين والمعتقلات المفقودين أث ...
- كلمة مؤسسة المرأة الجديدة بمناسبة اعتماد التقرير النهائي للا ...
- «تحقيق الاستقلال المالي» منحة المرأة الماكثة في البيت 2025.. ...
- غالبية تحقيقات الاغتصاب ضد الأطفال تُغلق في جنوب السويد
- “من هنا” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت في الجزا ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سناء أبو شرار - بيوتنا ليست من حجارة