أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف هسوف - غرباء يحبون وطنهم














المزيد.....

غرباء يحبون وطنهم


عبداللطيف هسوف

الحوار المتمدن-العدد: 1667 - 2006 / 9 / 8 - 06:15
المحور: الادب والفن
    


حمل جلال صحيفته وخرج من المقهى ليتيه كما العادة في شوارع باريس. وهو يجوب أزقة بيكال، أحس بيد تمتد إلى كتفه، ثم تلا ذلك صوت متردد ومحتشم لامرأة تقول:
- حقا العالم قرية صغيرة. لو طلبت من السماء أن تحقق لي شيئا الآن، ما كنت لأطلب أحسن من اللقاء بك يا جلال.
استدار إليها، ثم حياها مبتسما:
- كيف حالك سحر؟ معذرة إن لم أسأل عنك من قبل، لقد فقدت أثرك تماما. من دون هاتف أو عنوان، لم أكن أدري كيف السبيل للسؤال عن أحوالك. المهم أنني أراك الآن وقد أنهيت محنتك بسلام.
- لا شئ ينتهي بسلام، إن الأحداث التي تتخلل حياتنا تؤثر بقوة على مصيرنا. اهتز يقيني وإيماني واستسلمت للأحزان التي أثرت على نفسيتي حين رأيت أمي تموت إثر المرض الخبيث الذي ألم بها. لكن بعد ذلك استرددت إيماني وثقتي في نفسي، وأصبحت مهووسة بالحياة أعشقها ولا أسمح أن تنطلي علي حيل تقلباتها. وأنت ما هي يا ترى أخبارك؟
- صعود ونزول. ركضت في جميع الاتجاهات وتطلعت لكل الآفاق، لكنني لم أصادف أي معنى لهذه الحياة يعين على تحمل مأساتها. مرت فترات أحببت فيها نفسي وأخرى كرهتها فيها. حل زمن افتخرت فيه بمن أكون وآخر احتقرت فيه من أصبحت، لأشيخ كما ترين أنا والزمن على السواء.
- قل كلاما غير هذا، فأنت لازلت في ريعان شبابك.
- لا يشيخ الناس بنفس الطريقة، فمن يحمل هموم عصره وآلام وطنه أينما حل وارتحل يشيخ بسرعة البرق.
- الوطن؟ عن أي وطن تتكلم؟
- أتكلم عن وطني ووطنك الذي تركناه وتنكرنا له لنهيم على وجوهنا في دهاليز الغربة المظلمة.
- بل الوطن يا جلال هو الذي تنكر لنا وأرغمنا على الهجرة بعد أن رمى بنا في أحضان التيه وجردنا من أبسط حقوقنا الإنسانية المتمثلة في العيش الكريم. إنها مؤامرة، مخطط جهنمي بوجوه جديدة ومخزن منتقى من خيرة المثقفين والسياسيين المحسوبين على المعارضة سابقا. والحاكم لا يريد أن يرى إلا ما يريد أو ما يسمحون له برؤيته. الوطن يا جلال هو موطئ القدم، لا مسقط الرأس حيث كثرت الهموم وضاقت باحة الأمل. أصبح الشباب في الوطن يا جلال يعيش عاطلا يربي الحماقة والأفكار الضالة، ومنهم من قرر أن يدخل هوة التشاؤم طواعية ليموت فيها طواعية. إننا نحن أبناء الجماهير الشعبية خلقنا ليرمى بنا في متاهات الصدفة. أصبحنا كما لو أننا عالقون في حلق ذلك الوطن الذي يتأهب لأول فرصة ليتخلص منا. لم يعد الملك هو الشيء الوحيد الذي يورث، بل إن الرئاسات والوزارات والوظائف السامية هي أيضا أصبحت تورث في بلادنا. وأبناء الوطن، أبناء الشعب، مهما تلقوا من علم، مهما درسوا ونجحوا، مصيرهم الشارع أو الوظائف الصغيرة. لشد ما يركبني الخوف أحيانا حين أسرد أرقام الفقر والأمية والبطالة والرشوة في بلادي.
كان صوت سحر يعلو محتدا في غضب، ثم يرق مختنقا أبح. تابع جلال متعمدا تعميق النقاش:
- لكن، ماذا قدمنا نحن لهذا الوطن؟ في أول فرصة نهجره ولا نقاوم من أجل هزم المتنطعين والوصوليين والبلداء والفاسدين الذين سدوا جميع منافذ الأمل.
- لن نضحي نحن أكثر من المستطاع والآخرون ممتثلون، خانعون، راضون بمصيرهم، مغلوبون على أمرهم.
- أتفق معك، كل واحد يخدم وطنه بقدر المستطاع. لكن إن أعلناها ثورة سلمية من أجل بناء البلد، وجدنا للممتثلين والخانعين والجبناء مكانا في سلم هذا البناء. يجب تحديد الدور الذي سيلعبه كل واحد منا ولو ضؤل. طبعا يجب أن يكون دور المثقفين والسياسيين والعالمين بالأمور أكبر وتضحياتهم يجب أن تفوق تضحيات الآخرين.
- العالمون بالأمور والمثقفون والسياسيون يبحثون عن مصالحهم الشخصية داخل أحزاب فرخت كالجراد هنا وهناك. وحتى الأحزاب الوطنية والتقدمية أعجبتها اللعبة بعد أن دخلتها. أما الساهرون على تسيير البلاد، فهم يستردون بالحيلة أو العنف ما يعطونه باللطف للجماهير المغلوبة. وكل من صعد إلى الحكم يعلق مشاكل البلد على الماضي، إلى حين يصعد غيره ليكتشف ثقبا كبيرا في خزائن مصالح ومؤسسات الدولة.
تابع جلال في جزع:
- أظن أن ما تعلمناه داخل هذا الوطن الذي يسعى لبناء ديمقراطية حقة اليوم هو الكثير من الاحتجاج مع القليل من الصبر وتحمل المسؤولية. يجب أن نوطن نفوسنا على تحمل تخلفنا، ثم السعي للخروج منه.
قالت سحر بصوت كسير:
- لشد ما تخنقني برودة أعصابك وتفاؤلك المبالغ فيه. صبرنا حتى هرينا يا جلال. أظنك لم تجرب البطالة عشر سنوات متتالية وأنت حاصل على الإجازة. حتى عندما اشتغلت بعد سنوات من الانتظار القاتل، كانت أجرتي لا تبل ريقا ولا تشفي غليلا. لم يحدث شهرا أن فاض درهم واحد على حاجتي، بل كنت أستلف ممن كانوا حولي لأسد رمقي. أنا جربت الويل في وطن الويل يا جلال.
وهي تقول هذه العبارة الأخيرة، ذرفت عيناها دموعا ظن جلال أنها لن تتوقف أبدا. حين هدأت سحر، بادرها جلال بالقول:
- يا صاحبة، إنك لن تنتزعي حبك لوطنك وإن تظاهرت بالغضب عليه. لست من طينة الذين يعيدهم إلى الوطن الفلكلور وصناعته التقليدية وفنادق الفساد والشمس والبحر، بل إنك ممن يحملونه هما في قلوبهم وفكرهم، يبيت ويصبح معهم أينما حلوا وارتحلوا، وإن سافروا بعيدا عنه بآلاف الكيلومترات، وإن تركوه خلف البحر المالح هناك.
ودع جلال سحر وهو يحس بالمرارة تقطع قلبه. آلمه كلامها كأنه سب أو قذف في حقه لا في حق الوطن. هذا الوطن الذي أصبح أبناؤه يضمرون له مر اللؤم. ردد في صمت: كيف السبيل للخروج من هذا التخلف الذي أصبح يعشش في ثنايا هذا الزمن الذي لم نعد نملكه وأصبح لغيرنا؟ الكل ينتقد، الكل يحتج، لكن لا أحد يعمل داخل خندقه لوضع لبنة يرتفع فوقها البنيان الذي ننشده. نعلق جهودنا على جذوع النخل، ثم نلوك الكلام الفارغ ليغرق مدى أحلامنا في مدى انكسارات إخفاقاتنا، كأن ما يبنيه صفوة أبناء وطننا تماثيل من الثلج تذوب لحظة الاكتمال .



#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في كل جيل أباطيل
- نعرفهم جميعا...
- كيف كان المستعمر الفرنسي ينظر إلى المغاربة وسلاطينهم؟
- الإثنيات المغربية: التشكيلة المتنوعة، محاولة المستعمر تعميق ...
- الزلاقة والأرك: معركتان يمدد بهما المرابطون والموحدون حكم ال ...
- سكان المغرب الكبير الأولون - البربر أو الأمازيغ: تحديدهم بال ...
- سكان المغرب الكبير الاولون - البربر أو الأمازيغ: بالأصل الإث ...
- هل تصنع السلطة مثقفا حقيقيا؟
- مقاومة حفنة من الرجال وانتصار أمة بكاملها - لبنان يهزم العول ...


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف هسوف - غرباء يحبون وطنهم