غانية ملحيس
الحوار المتمدن-العدد: 7183 - 2022 / 3 / 7 - 13:17
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لم يكد العالم يصحوا من أهوال الحرب العالمية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد جائحة الكورونا أو “الفايروس الصيني ” كما أسماه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب . وتكبد خلالها نحو 17 مليون قتيل ( بسبب العجز الهائل للنظام الصحي وخصوصا في الدول المتقدمة التي شهدت المعدلات الأعلى في العالم للإصابات والوفيات). إضافة إلى خسائر مادية فادحة ربما تفوق في تداعياتها ، تلك التي عرفتها البشرية في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية. إذ انخفضت قيمة الدخل ل 99% من البشرية وفقا لتقرير منظمة أوكسفام في 17/1/2022 ، فيما بات ال 1% الأغنى من البشر يمتلكون ثروات تزيد بستة اضعاف عما يملكه أفقر 3.1 مليار إنسان.(نحو نصف البشريه). وتضاعفت ثروات أغنى عشرة رجال في العالم منذ بدء الجائحة في آذار /مارس/ 2020 بأكثر من الضعف، جلهم من مواطني الدول الغربية (8 منهم مواطنون أمريكيون، 1 كندي وآخر فرنسي) .
ولم يكد العالم يهنأ بإعلان منظمة الصحة العالمية أن حرب الكورونا قد وضعت أوزارها وإنهاء حالة الطواريء. ما أدى إلى وقف الإجراءات الاستثنائية في كافة دول العالم بتزامن ملفت. رغم ارتفاع أعداد الوفيات والإصابات من متحورات الفايروس التاجي المتتابعة في بعض الدول بأضعاف الأعداد التي استوجبت فرض حالة الطوارىء قبل عامين. إذ يبدو أن الفايروس التاجي قد استنفذ مهمته في إعادة تشكيل موازين القوى الاقتصادية بين الدول وداخلها. ونجح في إزاحة العبء الثقيل عن كاهل القطاع الخاص، فحرره من القيود الصارمة التي كانت تفرضها اتفاقات وقوانين العمل المحلية والدولية – والتي أوجبها الصراع الاستقطابي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي إبان عصر الثنائية القطبية.
فأتاح الفايروس التاجي الفرصة للتخلص السلمي من فائض العمالة دون كلفة مادية وسياسية (مئات الملايين على امتدادالعالم فقدوا وظائفهم بدون تعويضات )بعد أن ألغت قوانين الطوارئ المكتسبات المهمة التي حققتها الطبقة العاملة بتضحيات جسيمة في الأرواح على امتداد نحو قرن. وبات بالإمكان إحلال المنتجات التكنولوجية الحديثة محل ملايين العمال، دون خوف من ثورات تتوحد فيها الأغلبية الساحقة والمتنامية من الفقراء. كي تستأثر القوى النيوليبرالية المعولمة التي يقودها القطب الأمريكي الأوحد بثمار الثورة الصناعية الرابعة، وتتوطد هيمنتها الكونية .
حتى فاجأتنا الولايات المتحدة الأمريكية مجددا بالإعلان عن حرب وشيكة تهدد البشرية. وتخطط لشنها هذه المرة روسيا-القطب الثاني الصاعد بعد الصين -. لإعادة مجد الإمبراطورية القيصرية والاتحاد السوفياتي معا ! ، ما يوجب على الجميع التصدي لمواجهتها وإنقاذ البشرية !
ومن أجل ذلك ، بات استنفار جيوش الإعلام المتأهبة على امتداد العالم للتنبيه من الخطر الكارثي الوشيك. خصوصا وأن الإعلام أثبت كفاءة نادرة في التحذير من الخطر الوجودي للفايروس التاجي. وألزم دول وشعوب العالم قاطبة بالامتثال للإجراءات الأمريكية في الإغلاق وحظر التجول ووقف عجلة الاقتصاد. حتى في الدول التي لم تكن فيها أعداد ضحايا الجائحة تتجاوز في الإصابات بضع عشرات، ومن الوفيات أصابع اليد الواحدة .
ولأننا نعيش في عالم يحتكم لشريعة الغاب. ونحن الفلسطينيون والعرب خصوصا، وشعوب العالم الثالث عموما ،كنا ضحاياه على مدى قرون متصلة ، وما نزال . ما يتعذر علينا من حيث المبدأ القبول بادعاء الحق لأي دولة في الدفاع عن أمنها خارج حدودها . وباستباحة الأضعف وتعريض وجوده للخطر بحجة الدفاع عن النفس .
ولأننا في فلسطين أكثر من اختبر مرارة الاقتلاع القسري من أرض الوطن وذل اللجوء. وما نزال نعيش ويلاته للعقد الثامن على التوالي. فإننا وأشقاءنا من أبناء الشعوب العربية في العراق وسوريا وليبيا واليمن، أكثر سكان الأرض تأثرا بالتداعيات الإنسانية للاجتياح الروسي لأوكرانيا. البلد الذي شكل على مدى قرون عديدة جزءا حيويا من التاريخ والجغرافيا الروسية. واستقل عنها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك دوله. وتجند نظامه السياسي لتكريس استقلاله وسيادته عبرالسعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ، فاعتبرته روسيا تهديدا استراتيجيا لأمنها القومي يتعذر القبول به .
وعليه ، ولفهم ما يجري في هذا الكون الذي يبدو وكأنه بات يضيق بساكنيه. من المهم التدقيق في مصادر الخطر الحقيقي الذي يتهدد البشرية في القرن الواحد والعشرين. من خلال مراجعة سريعة للأخطار التي شهدها العالم خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية والتي تشير الى ما يلي :
أولا : أن الولايات المتحدة الأمريكية – زعيمة العالم الحر – هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت فعليا الأسلحة النووية ضد المدنيين العزل ، فقتلت 140,000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناغازاكي في السادس والتاسع من آب/ اغسطس/ 1945، لإنهاء استعصاء الإمبراطورية اليابانيه على الاستسلام.
ثانيا : أن الولايات المتحدة الأمريكية – التي تدافع عن حقوق الانسان- كانت مع عدد من الديموقراطيات الأوروبية الغربية قد أغلقت حدودها بوجه يهود أوروبا الشرقية الفارين من المجازر النازية. لدفعهم إلى المنفذ الوحيد الذي فتح أمامهم في فلسطين،وأشرف الانتداب البريطاني على تهيئته لاستقبالهم، ومن ثم تجنيدهم في دولة وظيفية ، يحتاجها الغرب الاستعماري للقيام بمهمة القاعدة العسكرية المتقدمة في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي للمنطقة العربية – الإسلامية الممتدة المستهدفة. كي تضطلع بتكريس تجزئتها، وإعاقة نهوضها، ومنعها من استعادة وحدتها. وتسهم ،بذلك، في إدامة الهيمنة الإمبريالية على مقدراتها.
وما تزال الولايات المتحدة الأمريكية وعموم الغرب يوفرون لإسرائيل حصانة تستثنيها من نفاذ الاتفاقات والقوانين الدولية. ويمنعون مساءلتها ومحاسبتها على جرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية التي تواصل ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي .
ثالثا : أن الولايات المتحدة الأمريكية مارست سطوتها على دول العالم . فتدخلت عسكريا، وحاصرت، وقلبت أنظمة الحكم في أكثر من أربعين بلد في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وتسببت في تجزئة الأوطان وتمزيق الشعوب وقتل وتشريد الملايين. وفيما يلي تذكير بتدخلات الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية :-
https://www.palestineforum.net/%d8%a3%d9%8a%d9%87%d9....
#غانية_ملحيس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟