أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرحمن محمد محمد - رغبات مهشمة ونافذة على الروح















المزيد.....

رغبات مهشمة ونافذة على الروح


عبدالرحمن محمد محمد

الحوار المتمدن-العدد: 7170 - 2022 / 2 / 22 - 11:06
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قد لا يكون من الإنصاف أو الصواب ان نسمي الأدب و نصنفه بحسب جنس الكاتب أو الأديب، أي أن نصنفه إلى أدب نسوي وآخر رجالي أو ذكوري، فالأدب يتوجه إلى البشر رجالا ونساء ذكوراً كانوا أم اناثاً، والأدب أدب وأن تعدد واختلف من قاربه ومن كتب.
سنصادف بالتأكيد أقلاما متميزة وقامات سامقة في عالم الأدب من النساء تميزت وأبدعت وأصبحت مثالاً للتميز والإبداع في بلادها والعالم، والأمثلة كثيرة قد يضيق بها المجال هاهنا، لكننا نستطيع أن نتناول شخصية بارزة واديبة باتت تعرف على امتداد الوطن العربي والعالم ونسلط الضوء على احد أبرز أعمالها الكتابية وباكورة نتاجها المنشور وهي رواية "رغبات مُهشمة".
اخلاص فرنسيس ابنة لبنان وقد فتحت عيونها على العالم في قرية "علما"، لبنان عروس الوطن العربي وجنته الخضراء، الذي طالما تغنى بجمالة الادباء والشعراء، لبنان الحاوي وجبران وسواهم من كواكب الأدب وأعلامه. لبنان الحب والحرب والغناء والنقاء.
تنفرداخلاص فرنسيس في كتاباتها بأسلوب أصدق ما يوصف به؛ إنه سهل ممتنع فهي تُلبس نصوصها وكتاباتها شعرًا كان أم قصة ام مقالا ثوبا من الرمزية الشفافة والشاعرية المرهفة، وفي سلاسة من الربط والجذب المدهش، وكيف لا وهي التلميذة النجيبة لجيل من رواد الأدب في لبنان والوطن العربي وفي مقدمتهم الرائع جبران خليل جبران.
لبنان الجمال الآسر والدفء والأدب زاد في اتساع أفق الاديبة اخلاص وقراءتها لصنوف الأدب العالمي واطلاعها علية وبخاصة بعد هجرتها إلى امريكا زاد من فرصتها في التعرف غلى جوانب أخرى من الأدب والفكر العالمي، في انعكاس واضح لذلك على نتاجها الأدبي الذي يحمل مزيجا من الواقعية والرمزية الرومنسية ممزوجة بمسحة من الرومنسية المعتقة والحداثواية المتأنقة. لتضع بصمتها على صفحات الأدب العربي والعالمي.
في عملها البكر "رغبات مهشمة" الكثير من الجديد في عالم الرواية، ولعل من أبرز ذاك الجديد المزج الباذخ بين الشعر والنص السردي، لتضيف نكهة الشعر الصاخبة والهادئة في الآنذاته، للتناوب مع أحداث الرواية التي تناولت أحد أهم بديهيات بل ومقومات الحياة واقدسها وهو "الحب" وبكل ما تعنيه الكلمة من آفاق واسعة حب الوطن والناس والنصف الآخر والرغبة والشوق والحنين، وألقت بالكثير من الأسئلة في طريق كل من قرأها بل وقرأ ذاته في صفحات الرواية.
في رغبات مهشمة حب مهمش ورغبات وضعت على رف زمن ما، لكنها لم تهشم، بل تبرز في كل حين عبر الصراع المتلاحق والمتدفق في الحوارات الثنائية بين بطلي الرواية وكذلك في المونولوج الداخلي لكل منهما وفي حوارات بسياقات متباينة احيانا، تحمل الكثير من التفاصيل في الواقع والخيال والمعقول واللا معقول والقائم المعاش والماضي الفائت الذي لن بعود.
يحضر لبنان في أكثر من مرة في قلب الرواية فالعاشقة التي تحفظ ملامح وطنها عن ظهر قلب لا تنسى أدق التفاصيل التي امتزجت بدم قلبها، انه روحها بكل تفاصيله، تقول في ذلك: "بلدي، ماأجمل رائحة الصنوبروالشربين والأرز، ماأجمل شجرالزيتون، كم اشتقت إلى أصوات الحساسين في ربوعك" ثم يوقظها الوجع مما آلت إليه البلد لتنقل الصورة الأخرى:
"غيرت الحرب كل شيء أصبح غريباعليها، غيرت الحرب معالم البلد الذي ترعرعت بأحضانه أين الجبال التي كانت تتكلل بشجرالصنوبر، نراها الآن كومة من حجارة الأبنية الشاهقة، أين الدرب الطويل الذي كان ضباب الصباح يغطيه، أين انت ياوطني؟"
الأبرز في الحوار القائم والميلودراما الداخلية تلك المرأة التي أبت أن تدفن مشاعرها وأن تًغتال رغباتها، فتبوح لنفسها بما يختلج في خباياها وتصارح ذاتها وذلك أضعف الإيمان: "سألوذ الآن بحضن الليل، أدندن نغم الهوى في أحلامي، وأرسم تفاصيل اللقاء على وسادتي".
انها حوارات تحمل الكثير من الوجع والتناقض والتمزق الداخلي: "لا ، لا، قالت وابتسمت، لن أهزم من ذاتي، لن أدع هذه الأفكار تسيطر عليّ، ما دام في قلبي نبض بالحياة، فأنا عاشقة، ابتسمت لهذا التصميم، ارتمت على سريرها، انهكها التعب، والسهر وكثرة الأفكار المتطاحنة، ومعارك المشاعر، أسلمت عينيها للكرى وهي تردد آخر كلمات قالها لها"
تلازم اخلاص شخصيتها الرئيسية في الرواية، تَلبسها وتعيشها، تتعقبها وتترصد حتى أنفاسها، وإن نامت سهرت إلى جانبها كحارس لأحلامها، فهي امرأة تحاول قدر استطاعتها كسر قيود لازمتها، واستوطنت داخلها، وتجهد لتقفز فوق تلك الأسوار من حولها، فتنقل التفاصيل الدقيقة وكل حركة لها، وعدد أنفاسها وحتى تسريحة شعرها ولون قميصها وشكل حذائها، إنها امرأة تحفظ المرأة عن ظهر قلب.
"العيون تخبر ما عجزت الشفاه ان تنطق به، مرتبكة وعاجزة، الكلمات، تجتهد كي تقول لكن لا فائدة، مشدوهة..." وتنتقل إلى مشهد آخر يكاد يحسسنا بتلك الصورة الرائعة الاحساس، فنكاد نسمع ونرى ونتلمس تلك اللحظة: "وساد سكوت وصمت بينهما، سكت الكلام، وصمتت الشفاه، لكن العيون كيف لها أن تصمت، من يستطيع كبح جماح بوحها، إنها حقا نافذة الروح، ترى من خلال عينيه ما لا يعرفه عن ذاته، وتخترق نظراته روحها، ليرى تلك الطفلة المدللة، تلك الطفلة الانثى في جسد امرأة، يرى ارتعاش الخوف من العشق، ومن الوقوع في الحب، يرى فيها تاريخ بشرية بأكمله...."
تبرع الكاتبة ومن حس عال بالجمال الذي تربت على تذوقه، في نقل الصورة وتبث الروح حتى في تلك الجامدة منها، تتعمق في أعماق شخصياتها وتستنطقها، مع ذلك هي لا تغفل عن التعريف بها بشكلها ومظهرها ومشيتها، وها هي تصف لنا "شمس" بطل قصتها وصفا يكاد ينطق: "الحياة قد حفرت لها أخاديد وخطوطاً إن دلت على شيء فهي تدل على أنها لم تكن سهلة بيوم امامه، ولم يكن قد ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، كان يقول لها دائما، صنعت ذاتي بذاتي ونفسي عزيزة لدي، منذ صغري أصارع الحياة وأجازف، أغامر وأقامر، كم مرة كنت أُصدم بواقع ولكن أقوم من جديد..".
الحب والشوق والرغبات ومصاعب وفسحات الحياة التي قد تضحك في غفلة منها، العادات، المجتمع الأفق المحدود، العلاقات المتداخلة والمتشابكة، المرض والإرادة، ارادة التصميم على البقاء ورفض الاستسلام حتى الرمق الأخير كل ذلك يتجلى في مفردات وصور وفصول رواية "رغبات مهشمة".
تلتقط إخلاص فرنسيس صورا شتى منها، وفي انتقاء بهي لفضاء الصورة التي تنقلها، وتفاصيل الحدث الدقيقة والحس الانيق الملازم لتفاصيل قصة حب، ظاهرها بين شخصين وباطنها ومكنونها قصة مجتمع بأكمله قصة إنسانية، قضية حياة وموت، فناء ووجود، قصة تمرد على البقاء في قمقم المنع والردع دينياً كان أم مجتمعياً أم فكرياً، إلقاء للضوء على جانب هام من حياتنا وما يدور فيها، قصة حب في عالم يسمى بالعالم الافتراضي لكن حقائقه قائمة وشخصياته ملموسة وتعيش بيننا وقريبة منا، بل وقد تكون أي واحد منا ومن يدري؟.
سلاسة الأفكار والتطور في المشهد الدرامي والانتقال العذب بين لوحة وأخرى ما يميز الرواية، إلى جانب الرهافة في الحس الإنساني الرومنسي الذي يجرنا إلى التعاطف كليا مع شخصياتها، والانحياز للحب والجمال والانتصار لقيم الحب والعطاء وصفاء النفس، تأخذنا عبرها إخلاص فرنسيس إلى أجواء حميمية بتنا نفتقد إليها ونحتاجها، وتذكرنا دوما بأن رغبات "مهمشة" لن تهشم روحاً تصبو للخير والحب والجمال.
أما عن الكاتبة فالأديبة إخلاص فرنسيس من قرية "علما" في لبنان، تأثرت وعاشت الحرب الأهلية في لبنان، مما ترك الأثر الكبير في حياتها وبرز ذلك في كتاباتها المفعمة بالحس الإنساني، كما كان للجانب الجمالي والطبيعة الساحرة أثرها البالغ، وهاجرت إلى أمريكا في عام 2014لتعمل في مجال التعليم.
كان حلم الكتابة والرسم بالقلم من أكثر الأحلام التي كانت تراودها، وكان لها ذلك في حياتها الجديدة إذ لجأت إلى عوالم الكتابة وبنهم وحب منقطع النظير، تقول الأديبة اللبنانية عن الكتابة: "...الحرف الجميل الذي يخترق الروح، والكلمة الحلوة تبقى آثارها إلى أبعد مدى
 لذا أكتفي بأن أكون فكرة وكلمة في كيان امرأة أحبّت الحياة برغم ما فيها منمنغصات وآلام،أناسليلة الحرب، انتصرت عليها بالحبّ، الحبّ جوهر الحياة، والإله الذي لا يُغلب، ولي من الإيمان مايجعلني مُتيقنة أنّ لي السّماء..."
أما عن نفسها فتقول: "خاطرة في قلبالحلم، حبّ الحياة والجمال صومعتي 
فلسفتي بنت الحياة أنا
أخطاؤك وخطاياك لن تقتلني، الإرادة دائماً حيّة خضراء عندي،شكيمتي لاتلين، وعقلي يأبى الاستسلام، وقلبي نابض بالحب والحياة، المشاعر لا يمكن لأحد مهما بلغ جبروته أن يقهرها، ويوقف سيلها الهادر،
أما الروح فهي طائر حرّ لا يعرف سوى الحرية".
ما كان يشغلها دائمًا المناداة بالحريات العامة وخاصّة حريةالمرأة في المجتمعات العربية، فمازالت تخضع لثقافة ذكورية، لذلك بدأت رحلتها بالتعرّف إلى نساء من مختلف الدول العربية والعالم مما ساعدها ذلك على إبداعها وإنتاجها.
أما نتاجها الأدبي حتى الآن فهو:
ديوان شعر " وأمضي في جنوني" (٢٠٢٠)
"مرفأ الحكايات" مجموعة قصصية قصيرة مشتركة توزيع دار نبطي للنشر الإمارات (٢٠٢٠).
"على مرمى قُبلة" مجموعة قصصية مؤلّفة من ٢٨ قصة قصيرة (٢٠٢٠) إصدارداريافا للنشر-الأردن.
"رغبات مهشّمة" رواية توزيع الأهرام مصر (٢٠١٩).
"العشق المقدّس" يتناول ٢٠ شخصية من الكتاب المقدّس.
أما أعمالها قيد الطباعة: مجموعة قصصية "ظل النعناع" و"نفحات من العمر" مشترك، "كوفيد ١٩ الجائحة وظلالها تنويعات إبداعية بأقلام عربية" وهو مجموعة من المقالات والشعر وقصص قصيرة مشترك.



#عبدالرحمن_محمد_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عامودا ...جمر يتقد في الذاكرة
- “علاوي” على موعد مع الحياة
- عمر حمدي “مالفا”… ثورة اللّون
- -عشق ثلاثي الأبعاد- بين صقيع أوروبا ودفئ دمشق
- -درمالا- عادات وتقاليد من ذهب
- أشتاقك في هديل احتراقي
- كهوف مكرون وعبق التاريخ والفلسفة
- “كوباني.. مملكة الماء والغرانيق”.. مدينة تولَد مرتين
- قراءه في كتاب تاريخ كردستان... إمبراطورية الكرد الأيوبيين/ ا ...
- محمود عزيز شاكر… نصف قرن مُكلّل بالعطاء. حاوره/عبد الرحمن مح ...
- الشاعر والقصيدة… من يكتب الآخر؟
- أرواح ثائرة في “رغبات مُهَشَّمة”
- قراءة في كتاب -مالفا MALVA- -بين صخب اللون وهمس الشعر-
- عيد الهالوين …بين طقوس الحصاد والاحتفاء بالموتى


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرحمن محمد محمد - رغبات مهشمة ونافذة على الروح