أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - دعاء حسن - ثقافة الاستبداد النمطي














المزيد.....

ثقافة الاستبداد النمطي


دعاء حسن
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 7169 - 2022 / 2 / 21 - 10:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تُعد الأفكار النمطية أفكارًا مسبقة، وهى أفكار يفرضها المجتمع على الفرد، بحيث تبدو في نهاية الأمر وكأنها فطرية، وينسبها المجتمع غريزيًا للأفراد باعتبارها اعتقادًا جماعيًا، تنميط الفكر هو بمثابة أداة استبدادية تنتهك ذهينة الفرد وتقيد حريته وحركته ونشاطه. إن الأفكار النمطية لا تختلف كثيرًا عن المفاهيم الأخرى كالعنصرية والتعصب والتحيز، ولكن المفاهيم النمطية لها أسبقية زمنية عن تلك المفاهيم الأخرى؛ إذ إن المفهوم النمطي لا يتجسد فى فعل مادى مباشر؛ بل يدخل في تشكيل تصوراتنا الذهنية، وصياغة مفاهيمنا الثقافية. فالفرد النمطي يتأثر تأثرًا جوهريًا بالمعتقدات التى يُرسخها المجتمع فى أعماق وجدانه، دون أن يشعر بأن عقله مقيد أو محدود في نطاق تلك المعتقدات، ويظن أنه يفكر تفكيرًا حرًا. لذلك تضطرب الهوية الإنسانية ما بين الهوية الدينية والنزعات العرقية والدوافع الجنسية.
واللافت للنظر إن الأفكار النمطية تتحكم فى الفرد منذ ولادته، وذلك عن طريق فرض تصورات الآباء ومعتقداتهم على الابناء، وتنميط رؤيتهم للأشياء والأشخاص والأحداث، واخضاعهم للعادات والتقاليد السائدة. إنه تنميط يتم تدجينه من قبل الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع، على نحو يصادر حرية التفكير لدى الفرد، ويسعى إلى خلق البعد الإنساني الآحادي. يقول دوركايم «عندما يتكلم الضمير فينا فليس نحن من نتكلم بل المجتمع»، وبذلك يكون العقل البشري هو نتاج اجتماعي، وإن الحقائق التي يملكها هذا العقل ويدافع عنها هي ليست حقائق مطلقة وإنما هي من نتائج قولبة فكر الانسان. مما أسهم فى هشاشة هذا العقل وضعف قدراته على التحليل والفحص والتمحيص؛ وهذه الحالة تسمى «العبودية الطوعية». وإذا حاول الفرد التمرد على تلك الموروثات التلقينية والتفكير بعيدًا عن عادات المجتمع وتقاليده يصبح منبوذًا. إن الأساس الذي تبنى عليه العلاقة بين الفرد في ظل ثقافة الاستبداد النمطي هى ثقافة تفتقر إلى أبسط مبادئ الحرية.
ويُعَد من أخطر أشكال العقل المنمط هو التدجين الدينى، فهو لا يقوم على أساس الدين فى جوهره، بل يقوم على أساس من التعصب والتطرف. فهو نمط يعتمد على إلغاء الآخر وتكوين صورة سلبية عنه بإعتبار أن المعتقد الديني هو الحقيقة المطلقة، و يصلح لكل زمان ومكان، ولا مجال للنقاش فيه ولا البحث عن أدلة تؤكده أو تنفيه، وإدانة وتكفير كل مختلف عن هذا الشكل الدوجماطيقي المنغلق فى التفكير، لقد إنصاع العقل الجمعي للأساطير الخرافية بوصفها معتقدًا دينيًا، مثل تفسير وتأويل بعض النصوص الدينية التى تتحدث عن السحر والحسد وغيرهما لكى تتماشى مع مصالح رجال الدين، زاعمين - كذبًا وبهتانًا - أن تلك التفسيرات هي من صميم الدين.
لاشك أننا سنكون أيضًا في مواجهة مجتمع ذكوري محض، الهيمنة فيه ليس الرجال فقط، بل الموروث الفكرى الذكوري بشكل عام حتى بين غالبية النساء. إن فكرة الإيمان بتفوق أصيل لجنس "الرجل" على الآخر"المرأة"، ومن ثم حقه في السيادة، فهي فكرة مترسخة فى عقول مجتمعاتنا الشرقية. سنجد مثلًا مقولة شعبية عبثية «ست بـ 100 راجل» من أكثر المقولات الشائعة فى مجتمعنا التى تبدو فى ظاهرها وصف المرأة بالمروءة والشجاعة والنخوة، في حين أن جوهرها ينطوي على إهانة كبيرة للمرأة باعتبار الرجل هنا رمز للقوة ومكارم الأخلاق. وكثير من الاعتقادات والمقولات التى يروجها المجتمع؛ إنما يفعل ذلك من أجل تعزيز الذات الذكورية وتضخيمها، وإعطائها شكل من أشكال القداسة.
لم يتوقف الاستبداد النمطي على ذوبان الفرد فى الكيان الاجتماعى الخامل الذى يسوده التخلف والخرافة وتشويه القيم والأخلاق، بل تمكن من اختزال المجتمع في الدولة، واختزال الدولة في شخص الحاكم. لقد ارتبط مفهوم الاستبداد السياسى بشعب غير واعي خانع للطاغية وخاضع له، ويساعد الحاكم للبقاء في الحكم، وبرضى أن يساق أمام الحاكم كالقطيع. لذلك تُعد المجتمعات الهشة المنمطة فريسة سهلًا للوقوع في شباك التبعية، الحاكم يأمر بما يشاء، وليس على الشعب إلا السمع والطاعة؛ لكونه فاقدًا للوعي، وغير محصن ثقافيًا وفكريًا، وغير مؤهل للتحاور والتشاور. لذلك تقوم السلطة بتزييف وعى الجماهير بما يتلائم مع مصالحها، وتوهم الشعب بأن ما تفعله هو فى صالحها باستخدام قواها الناعمة لإقناع الجماهير. وفى حالة التنميط السياسي توجه الجميع ضمن نفس النمط بواسطة التحريض والاستهواء للعواطف ولأفكار السلطة السائدة، والميل إلى تحويل الأفكار النمطية المرتبطة بظواهر مدمرة للإنسانية إلى فعل وممارسة مباشرة، وهكذا لا يعود الفرد هو نفسه، وإنما يصبح كائن فاقد الأهلية لا إرادة له، ومغيب الوعي.
لا ريب إن الأفكار المسبقة المغروسة قسرًا فى أذهاننا هي أشد القيود الفكرية سجنًا للوعي والمعرفة والأرتقاء الحضاري الجمعي. لذلك لابد من مراجعة التصورات العامة في ثقافة المجتمع التي يتم فرضها على كل فرد من أفراد المجتمع، وتلقينهم إياها منذ الصغر، فلابد من مراجعتها بممارسة النقد لأنفسنا ولجميع أفكارنا السابقة وقناعاتنا المختلفة، وتوسيع مدارك الأفق بالإنفتاح على الآخر وكل الأفكار المختلفة، وطرح أفكار جديدة مما يساهم في تعزيز القدرة على الإبداع والابتكار، وعودة السلطة لأصحابها الحقيقيين فى تقرير مصيرهم.



#دعاء_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبح العوز المادي
- الأناركية..والسلطة


المزيد.....




- هكذا أنشأ رجل -أرض العجائب- سرًا في شقة مستأجرة ببريطانيا
- السعودية.. جماجم وعظام تكشف أدلة على الاستيطان البشري في كهف ...
- منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي محذرًا: الشرق الأوسط ...
- حزب المحافظين الحاكم يفوز في انتخابات كرواتيا ـ ولكن...
- ألمانيا - القبض على شخصين يشتبه في تجسسهما لصالح روسيا
- اكتشاف في الحبل الشوكي يقربنا من علاج تلف الجهاز العصبي
- الأمن الروسي يصادر أكثر من 300 ألف شريحة هاتفية أعدت لأغراض ...
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب -نشاطات تخري ...
- حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره ويستهدف مواقع للاحتلال
- العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.. من التعاون أيام الشاه إلى ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - دعاء حسن - ثقافة الاستبداد النمطي