أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاذ محمد - قضية الموت في أدب نجيب محفوظ















المزيد.....

قضية الموت في أدب نجيب محفوظ


معاذ محمد

الحوار المتمدن-العدد: 7159 - 2022 / 2 / 11 - 08:14
المحور: الادب والفن
    


عندما تُطرح مسألة تأثر نجيب محفوظ بمدرسة التحليل النفسي وأستاذها الأول " فرويد " ، نجد أن النقد منصباً علي رواية " السراب " دون غيرها ، وكأنها تجربة شاردة للكاتب لا تتوازي مع أفكاره في تلك المرحلة (ما قبل الثلاثية ) . ومن أجل تحليل أكثر ترابط ، قررنا تركيز العمل علي قضية من القضايا الوجودية التي تأثر محفوظ برؤية فرويد لها ، قضية تحمل دلالات ثرية استخدمها محفوظ لتعميق جذور أفكاره الفلسفية والتقدم خلال مراحل إبداعه الروائي

أسبقية الموت
" في ظلمة الفجر العاشقة ، في الممر العابر بين الموت والحياة ، علي مرأة من النجوم الساهرة ، علي مسمع من الأناشيد البهيجة ، طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا "

في افتتاحية " الحرافيش " يوحي محفوظ بأسبقية الموت علي الحياة في فلسفته الأدبية ، فالرغبة في الحياة بما هي حركة تنافي الحالة الأولية الساكنة " لا تبدأ بالولادة بقدر ما تتخلق بيقين الموت " (1)

وهو ما يتطابق مع رؤية فرويد للموت كـ " غاية " تنزع إليها دوافع تدمير الذات عن طريق عملية تلقائية تهدف إلي إحياء حالة قديمة ، حالة مبدئية تركها الكائن الحي وراءه في زمن ما . هي الحالة اللاعضوية [ أي : حالة المادة الجامدة قبل التطور العضوي وظهور الحياة مع الخلية البدائية ] وهي نقطة اختزال كامل للتوتر ينحو إليها الإنسان كهدف قديم ترسخ في أعماقه اللاشعورية ، وهجره تحت ضغط الظروف الخارجية ، فالكائن الحي لم يكن لديه من مبدأ وجوده ميل إلي التغير أو الحركة ، وإنما للحفاظ علي حالة السكون والثبات . " إن الموت غاية كل حي ، وإذا ألقينا بنظرة إلي الوراء قلنا : إن الميت قد وجد قبل الحي " (2)

إنكار الموت
" ما أقبح الضحايا . دعاة الهزيمة . الهاتفون بأن الموت نهاية كل حي . وبأنه الحق . إنه من صنع ضعفهم وأوهامهم . نحن خالدون ولا نموت إلا بالخيانة والضعف " (3)
بعد الصدمة التي تلقاها جلال بموت أمه ، لحقت به المأساة مرة أخري بموت حبيبته " قمر" . هام بالمستحيل ، وأنكر الموت فاعتبره مصير العاجزين فقط . وشرع في بناء مئذنة أسطورية يتحدي بنائها الموت والعدم .

يفترض فرويد أن الانسان يعلم بأن الموت شيء طبيعي لا يمكن إنكاره ولا سبيل إلي الإفلات منه ، لكن سلوكه يٌظهر خلاف ذلك ، فهو يستبعد الموت ويخرسه . وعندما يفكر الإنسان في الموت لا يستطيع تصور موته هو ، بل يتخيله بوصفه متفرج يشاهد موت الآخرين . " لذلك فإننا قلنا من خلال التحليل النفسي أننا في أعماقنا لا نعترف بأننا سنموت ، وأننا بمعني آخر نعتقد في لاشعورنا أننا خالدون " (4)
" اللاشعور لا يصدق أن الموت سيجري عليه ، وهو يتصرف لذلك كما لو كان من الخالدين " (5)
يٌعرف فرويد اللاشعور بأنه الطبقات الأعمق من العقل التي تتألف من الدوافع الغريزية ، وهو لا يعرف السلبيات أبداً، لذلك لا يعرف أنه سيموت - لأن الموت معني سالب - ومن ثم كانت كل غرائزنا لا تعرف الموت ، ولا تخشاه تبعاً لذلك

" شيخ الزاوية : كلنا أموات ولاد أموات
جلال : لا أحد يموت " (6)
اقتنع جلال بأن الانسان حين يتكيف مع فكرة الموت يمنحها قداسة ما ، ويشجعها كي تصير حقيقة خالدة لا يرقي إليها الشك . فاستهزأ بالحارة وسكانها حيث رأي رضاهم عن الموت ، عبادة له . وبعدما ناشد الخلود عند " شاور " وآمن بأن الموت قد مات . ازدراه الموت بأن جاءه في حوض للدواب ، فغاص في الماء العكر ومن حوله العلف والروث .
وتلك الرؤية قد تشربت بها روايات عديدة لمحفوظ لا الحرافيش فقط . فهو يقول في أصداء سيرته الذاتية :
" كان‏ ‏الموت‏ ‏مازال‏ ‏جديدا‏ ، ‏لا‏ ‏عهد‏ ‏لى ‏به‏ ‏إلا‏ ‏عابرا‏ ‏فى ‏الطريق‏ ، ‏وكنت‏ ‏أعلم‏ ‏بالمأثور‏ ‏من‏ ‏الكلام‏ ‏أنه‏ ‏حتم‏ ‏لا‏ ‏مفر‏ ‏منه ‏، ‏أما‏ ‏عن‏ ‏شعورى ‏الحقيقى ‏فكان‏ ‏يراه‏ ‏بعيدا‏ ‏بعد‏ ‏السماء‏ ‏عن‏ ‏الأرض "

في رواية ( قشتمر) يقول أحد الصغار : " نينة قالت لي إننا كلنا سنموت " ويعقب الراوي قائلاً : " لا يتصور أن تموت أمه أو يموت أبوه. وليس في قوله جديد فيما يبدو ولكن شعورهم آمن بأن الموت حتم مؤجل إلى أجل غير مسمى. كلنا نسلم بالموت بألسنتنا، أما قلوبنا فترمي به إلى موضع في الزمان قصي. "
يشير فرويد إلي أن الحالة التي التقت فيها النظرتان المتعارضتان للموت ، كانت حالة البدائي في العصور القديمة حين يموت أحد أحبابه . فهو لا يعي الموت إلا بوصفه انتهاءً للحياة ، ولكنه أمام الحزن والاسي الذي يولده موت أحبائه ، رفض الاعتراف بالموت بشكل كامل . فهو يتقبل الموت كحقيقة ، ولكنه سيرفض بعد الان أن يعترف بأن الموت نهاية الحياة ، فذكري الميت لن تفارقه ، وسيعتمد علي تلك الذكري ليتصور نمط لحياة أخري بعد الموت حيث أوحت إليه التغييرات التي يحدثها الموت بتقسيم الفرد إلي جسد وروح ، بل إلي أرواح عديدة .. وأصبح تذكر الميت لفترة طويلة الأساس لافتراض أنماط أخري للوجود ، وأعطاه تصور الحياة التي تستمر بعد الموت الظاهري

إذاً فقد كان الموت دافعاً لنشأة تصورات الإنسان القديم عن الحياة الآخرة ، والروح ، والخلود ، والأخلاق.

- ها أنت تتحدث عما وراء الموت
- من أين أتيت ؟ .. ألا يشبه الظلام الذي أتيت منه الظلام الذي ستذهب إليه بعد عمر طويل ؟ .. وقد أمكن أن خرج من الظلام الأول حياة فما يمنع من أن تستمر الحياة في الظلام الثاني ؟ (7)

أما في العصر الحديث فإن الموت يعد دافعاً إلي التفكير في الحياة والخوض في تجربتها كما يصرح محفوظ ، ومن جانب آخر يرصده فرويد ، فإن مقاومة الميول العدوانية التي تدفعنا إليها غرائز الموت هي سبب تقدم الحضارة وارتقاء الثقافة .

مصادر :
1- قـراءات فى نجيب محفوظ ، أ.د يحيى الرخاوى . الهيئة المصرية العامة للكتاب . 1992
2- ما فوق مبدأ اللذة ، سيجموند فرويد . ت: د/ إسحاق رمزي .. الطبعة الخامسة ، ص71
3- ملحمة الحرافيش . نجيب محفوظ
4- الحب والحرب والحضارة والموت ، سيجموند فرويد . ت: عبد المنعم الحفني . الطبعة الأولي 1997 . ص28
5- الحب والحرب والحضارة والموت ، سيجموند فرويد . ت: عبد المنعم الحفني . الطبعة الأولي 1997 . ص 33
6- ملحمة الحرافيش . نجيب محفوظ
7- خمارة القط الأسود . نجيب محفوظ



#معاذ_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين في أدبيات الحزب الديموقراطي الاشتراكي بألمانيا . بين ر ...
- المخلص بين الماركسية والدين : لينين و المسيح
- الماركسية والدين - رؤية فنية
- إضاءات علي أزمة السد


المزيد.....




- مهرجان للأدب الروسي في جنوب الهند
- يسرا: هذا ما شجعني على خوض تجربة فيلم -شقو-
- -أوقفوا تسليح إسرائيل!-.. الممثل خالد عبد الله يطلق نداء في ...
- مهرجان كان: السعفة الذهبية... منحوتة فاتنة يشتهيها مخرجو الس ...
- مزرعة في أبوظبي تدّرب الخيول لتصبح نجوم سينما.. شاهد كيف
- ثلاثة وزراء ثقافة مغاربة يتوجون الأديب أحمد المديني في معرض ...
- مشاهدة المؤسس عثمان ح 160.. قيامة عثمان الحلقة 160 على فيديو ...
- فروزن” و “موانا” و “الأميرة والوحش” وغيرها من الأفلام الرائع ...
- جامعة كولومبيا الأميركية تنقل الرواية الفلسطينية الى العالم ...
- مالك بن نبي.. بذر من أجل المستقبل


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاذ محمد - قضية الموت في أدب نجيب محفوظ