أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شريف حتاتة - حماية النيل من الحسد















المزيد.....

حماية النيل من الحسد


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7142 - 2022 / 1 / 21 - 00:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


--------------------------------------------
تعودت منذ أكثر من خمس سنوات أن أواظب على رياضة الصباح .. أستيقظ مبكراً قبل أن تطل الشمسس من بين العمارات ، وقبل أن ينهمر سيل السيارات من أطراف المدينة حاملاً معه أصواته المزعجة ، وغازاته السامة ... اجتاز المسافة القصيرة من شارع مراد لأصعد المزلقان إلى كوبرى الجيزة .. أتوقف عليه بضعة لحظات لاستنشق رائحة الهواء الطازج ، ثم استأنف السير إلى شاطىء المنيل .. أمشى على الرصيف الممتد حتى كوبرى الجامعة ، واجتازه عائداً إلى جوار النيل فى عكس الاتجاه . مسافة طولها ستة كيلو مترات ، أو ربما أكثر تستغرق منى ثلاثة أرباع الساعة . أسرح أثناءها فى حياتى .. فى أشياء لم تأت بعد .. أستمتع بالمناظر .. بالشوارع الخالية ، والمدينة قبل أن يلفها الضوضاء .. أتطلع إلى النيل .. أتتبعه فى ذهنى من المنبع حتى المصب . فقد رأيته فى قلب أفريقيا .. سرت مع النيل الأبيض والأزرق إلى حيث يلتقيان فى عاصمة السودان ، ثم تتبعته إلى أسوان .. والقاهرة ، ورأيت مياهه تختلط بالبحر فى رشيد ودمياط .. يبعث فى إحساساً بالخلود ، والرهبة .. حياته من حياتى .. وحياتى من حياته .. سرت معه مشواره الطويل .
ولكن فى هذه الأيام يثير عندى شعوراً جديداً .. شعوراً بالإشفاق ينتابنى فى بعض الأوقات .. فقد بدا عليه الاستسلام بعد أن حجز السد العالى فورته الحمراء .. بل أكثر من ذلك أصبح بالتدريج أحد ضحايا الانفتاح .. فخلال السنوات الخمس التى مضت لاحظت ظاهرة غريبة يبدو أنها فاتت على العيون الساهرة للسلطات .. ظاهرة اغتصاب لشواطئه تتزايد مع الأيام .. فقد استولى عليها بعض الأفراد ، أو الفئات التى يراد إرضاؤها .. وأقيمت عليها النوادى ، والكازينوهات ، والكباريهات والمطاعم .. أو رست عليها بواخر السياحة ، والعوامات .
وحيث أن جميع هذه الأشياء تندرج تحت باب الكعبة ، أو المنفعة الخاصة .. وحيث أن الملكية مقدسة ينبغى أن تصان وأن تجد الحماية الكافية .. وحيث أنه من حق أصحابها أن يشعروا بالأمان .. فلا مناص من بناء الجدران وإقامة الأسلاك الشائكة أو غير الشائكة ، وزراعة الشجيرات أو النباتات المتسلقة للأسوار .. وكلما كانت هذه الأستار عالية وسميكة كان هذا أفضل .. فهى تحجز الأشياء المقامة خلفها من عيون المارة ، والحساد .. ولا تترك مجالاً للفضول أو التلصص ، أو إثارة الأطماع .. وهكذا يصبح كل شىء تمام التمام .. ولكن الأهم من كل ذلك أنها تسمح بإخفاء النيل عن تلك العيون التى تنظر إليه بلا استحياء .. فتتحول مياهه إلى ملكية خاصة لا يراها إلا الذين دفعوا الثمن .. إنها تسمح بإخفاء النيل عن الأسر المصرية التى لم يتنبه إليها الحظ .. عن الشيوخ والشباب والأطفال .. عن الذكور والإناث الذين يخررجون فى ليالى الصيف باحثين عن نسمة هواء .. أو فى النهار باحثين عن أشعة الشمس ، إذا ما اشتد برد الشتاء .
وهكذا اكتشفت أن النيل يختفى بالتدريج .. وأننى لم أعد أراه ، إلا من فوق الكبارى .. اكتشفت أنه غدا محبوساً خلف الجدران .. لا يراه سوى حفنة من الأجانب ، أو العرب ، أو المصريين الأغنياء ساكنى الأبراج التى تمتد بطول الشاطىء .. فأدركت أن البقية الباقية من حقوق الإنسان المصرى تنقرض فى عصرنا هذا .. ومنها الحق فى أن يتنزه إلى جوار شاطىء النهر ، الذى أعطاه الحياة .. هذا إن كان من سكان القاهرة بالطبع .
وربما يتهمنى البعض بأننى صاحب خيال مريض .. ولكن هناك صورة تلح علًىً هذه الأيام ، صورة قد تتحقق بعد فترة لا أعلم بالضبط مداها . أقف فيها فوق كوبرى الجيزة بين آلاف الناس استيقظوا مثلى قبل أن تبزغ الشمس ، ليلقوا بنظرة سريعة على النيل قبل أن ينطلقوا فى شوارع المدينة ، أو سائراً على الأقدام فى الصباح بين جدارين .. جدار عال من العمارات يمتد بطول الشاطىء .. وجدار أخر يلتف حول النيل مثل سجن القناطر .

لحظة كاشفة فى أتوبيس مزدحم
---------------------------------------------
وقفت على ناصية الشارع حاملاً صندوق من الكارتون ، يحتوى على بقالة الأسبوع .. فأنا المكلف بشراء مختلف لوازم البيت .. أخذت ألوح لسيارات الأجرة المنطلقة فى شارع القصر العينى ، ولكن السائقين رفضوا أن يستجيبوا ، ربما بسبب الصندوق الذى وضعته على الرصيف بين قدمى . لا مفر من الأتوبيس .
قفزت الى أول أتوبيس وقف عند المحطة . فى الداخل زحام من الناس .. لمحت عيونهم تطل علىً بنظرة فيها يأس ، كأنهم مساقون فى سجن متحرك إلى الذبح . اندفعت نحو الفجوة المفتوحة عند آخر الأوتوبيس . فكراهيتى لضياع الوقت فى الانتظار،
لا يفوقها شىء . قفزت فوق السلم حاملاً الصندوق بين يدى .. ألقيت بنفسى وسط الزحام ، وبعد صراع فتحت لجسمى مكاناً بين أجسام ، وللصندوق مربعاً ، استقر عليه بين السيقان .. انطلق الأوتوبيس وأنا مازلت مهدداً بخطر العودة فجأة إلى الشارع ، ذلك أن الجزء الأعلى من جسمى كان معلقاً فى الهواء خارج الباب .. امتدت إلىً الأذرع حتى استقر بى الحال فى الداخل . وأخيراً وصلت إلى بر الأمان ، محشوراً بين الناس ، والقفف ، والأطفال . مدً إلىً أحد الشبان يده وأخذ منى الصندوق ، الذى ترك رباطه حزا عميقاً فى يدى ، ووضعه عند ركن الباب .. أمسكت بعمود معدنى مثبت فى السقف . أخرجت المحفظة . دفعت عشرة قروش للكمسارى الجالس على مقعده ، وكأنه ملك يتفقد شئون الرعايا فى حياد . وبعد أن أطمأنيت إلى استقرار أحوالى أخذت أنتبه إلى ما يدور بين الناس . سمعت صوت إحدى السيدات الواقفات إلى جوار الباب تقول : " حاسب يا خويا الواد حايضيع منى " .. فعلًق الكمسارى بصوت مرح .. " ولا يهمك .. حاييجى غيره " ، ثم أضاف " مانتو كويسين أهه . فين الزحام اللى بتشتكوا منه ؟ . دا الأتوبيس فاضى يا ناس " .
الشاب الذى أخذ مِنى الصندوق نحيل الملامح ، شاحب الوجه ، يرتدى نظارة طبية تكاد تخفى عينيه تماماً .. إلى جواره فى الصف الأخير فتاة ترتدى ثوباً زاهر الألوان . قوامها ممشوق ، ورأسها مرفوع فى كبرياء ..فيها تلك الحلاوة الطاغية ، الوحشية التى تجدها أحياناً فى فتيات الأحياء الشعبية ، رغم أنواع الحرمان . عيناها السوداوان تبرقان فى ذكاء وشعرها مسترسل فوق الفستان .. تبدو مثل الزهرة البرية التى قد تقع عليها ناظريك صدفة فى الأحراش .. ظننت أول الأمر أنها فى صحبة الشاب ، ولكنى لاحظت بعد قليل أنهما لا يتبادلان الكلام .. وأنه ظل شاخصا بوجهه المتجهم إلى الأمام . كدت أقع على إحدى النسوة الجالسات بسبب انطلاق الأتوبيس من إحدى المحطات ، فأفسح لى مكاناً ضيقاً إلى جواره .. ولكن فى اللحظة نفسها ، بدت على وجه الفتاة علامات الاستنكاف . أدركت أنه يسعى إلى إلغاء بقية المسافة ، التى تفصل بين جسمه وجسمها فشكرته ، وظللت واقفاً فى مكانى .
أغلب الراكبين تبدو على وجوههم وملابسهم ، ومن القفف التى يحملونها معهم أنهم من الأرياف . جزء من ذلك التيار ، المتزايد الزاحف دون توقف من النجوع ، والقرى ، والمراكز ، يوحى بتقلص الأرض ، وسبل العيش إزاء فيضان السكان .. الوجوه كلها فيها شحوب مستسلم ، وكأنهم ليسوا أصحاء ، وليسوا مرضى تماما . أناس فى حالة شبع كاذب يحافظون عليه بالكاد .. أو كأن الألم الذى يعانون منه ، مدفون فى الأعماق لا تراه إلا العين الفاحصة الباحثة عن الداء . لا أحد يشكو من الزحام ، أو يئن من ضغط الأجسام ، ولا يخرجون عن صمتهم المطبق ، إلا فى القليل النادر ، كأن كل منهم مستغرق فى عالمه الخاص .. أو تعودوا هذا الإهدار اليومى لأدميتهم فلم يعد يستوجب الاحتجاج .. بين الحين والحين أسمع صوتاً نسائياً خافتاً يقول " حاسب يا خويا رجلى " ، أو رجل يهمس عن " إذنك أنا نازل " .
فى كل محطة تندفع أفواج جديدة تحمل القفف ، والأطفال ، أتصور أنها لن تنفذ إلى الداخل أبدا ، فلم يعد هناك مكان يسع أصغر الكائنات ، ومع ذلك تحدث حركة مستترة فى الأجسام .. موجة خفية تجتاز الكتلة المتراصة من الناس ، وتؤدى إلى تبادل المراكز ، وحركة التفاف حول المقاعد ، أو زيادة الضغط على البطون والصدور والأرداف ، ليتسع المكان ، وكل هذا يتم دون جلبة ، أو صياح .. مجرد كلمات تتردد هنا أو هناك ، أو صوت احتكاك الأقدام أثناء التنقلات .. حتى الأطفال صامتون .. لا بكاء ولا نحيب ، ولا نواح ، وكأن أثقال الحياة رابضة على الأنفاس ، كاتمة كل الأصوات . وفى لحظة انتابنى إحساس ، بأن تحت هذا لسطح الساكن شىء يتراكم ، فسرحت .
ولكن طوال المسافة التى اجتازها الأتوبيس ، من شارع القصر العينى إلى الجيزة مارا بالمنيل لم أشعر بالضيق ، أو النفور ، من هذا الجو المخنوق ، ومن هذا الالتصاق المستمر بعشرات الأجسام ، ولا من رائحة العرق ، والتراب العالقة بالثياب .. ولم أشعر بالإشفاق عليهم .. أو على نفسى ، فقد أعادتنى هذه الرحلة القصيرة إلى أشياء مضت .. إلى أيام الشباب .. إلى جسم قوى لا يتملكه الإعياء .. قادر على حمل الأثقال والزج بنفسه وسط الزحام .. فأنا الآن أتحمل مثلهم .. أنا جزء منهم من هذا الصبر والعناء .. من رائحة العرق والتراب . من الجهد المطلوب للبقاء .. مكانى الحقيقى هنا . إنه ليس فى السيارات اللامعة ، أو شرفات الفنادق ولا فى المؤتمرات التى تناقش كل الأشياء ، ما عدا تلك التى تهم هؤلاء . ولا حيث أصبحت السياسة حرفة ، والعلم تجارة ، ولا فى جلسات اللحم المشوى ، والويسكى والثرثرة الفكرية فى الحديقة .. لحظة كالضوء الكاشف ، لحظة تضىء بدورها الباهر .. تأتينى من عيونهم العليلة .. لست ضد الاستمتاع ولسست ضد الحياة المريحة ، ولكن هناك ثمن لكل الأشياء ، وثمن الصدق فى هذه الأيام غداً كبيراً حتى فى الحزب الواحد أو داخل الأسرة ، أو مع الأصدقاء .. فنحن نعيش فى زمن البترودولار. فى التبعية لحداثة الأمريكان ، وللماضى باسم التراث . فى زمن العملة الصعبة ، والخرافة ، وجهين للعصر الواحد ..
هبطت فى المحطة ممسكاً بالصندوق بين يدى . خطواتى خفيفة فوق الشارع .. وتردد فى أذنى هدير الأتوبيس وهو ينطلق نحو الميدان .
ليلة فى القرية
---------------------------
وقفوا على شاطىء الترعة فى صمت . وأشجار الصفصاف تنحنى على سطح المياه مثل رؤوس النساء الباكيات على ضياع الحياة .. النخيل يحيط بمئذنة الجامع ، ويصعد معها إلى السماء . وهدوء القيلولة يلف القرية .. لا يقطعه سوى نباح الكلاب أو رفرفة الملابس المنشورة فوق الأكواخ ، أو رنين شاكوش الحداد على ناصية الشارع .
كانوا خمسة رجال .. الجلاليب تلف حول أجسامهم الضامرة تبدو كمجموعة من خيال المآتة ، المنتصبة فى حقول الأرز الصفراء . أتطلع إلى الوجوه الكالحة ، والشفاه المصبوغة بالتبغ. تقدم نحوى رئيسهم ، وسلم على باليد . أشرت إلى خطين من الرمل الأصفر يمتدان من سور الحديقة ، إلى الترعة يزداد لونها اخضراراً كلما هبطت الشمس . قلت : " المسافة طولها سبعة عشرة متراً . نحتاج إلى حفرة عمقها نصف متر لنسقط فيها أجزاء الماسورة الأسمنت . سنضع فوقها طبقة تقوية ثم نقوم بردمها " ..
ألتفت إلى الرجال الواقفين عند شاطىء الترعة ، فانتابنى الشك فى هذه الأجسام الهزيلة ؟ نحيت شكوكى جانبا وأضفت :
" الآن نريد أن نتفق على السعر".
قال رئيسهم .. رجل شاربه أشيب يرتدى طاقية من الصوف الخشن ، ويلفها بلاسة كان لونها أبيض فى يوم ما .
" تحت أمرك .. حدد أنت " .. فقلت :
" خذوها مقاولة " .
أزاح الطاقية إلى الخلف ، وأستغرق فى شىء ما على سطح الأرض .. أسمع صوته المبحوح ينطق فى همس .. " سبعون جنيهاً " .
" لا كثير .. خمسون فقط .. " .
أعرف أن العرض الذى قدمته سخى ، ولكنى أريد أن انتهى فى أقرب وقت .. حدث قليل من الشد والجذب تعالت فيها الأصوات بالاحتجاج .. حسمها الرئيس بجملة مقتضبة .
" لأجل خاطرك يا بك خمسة وخمسون جنيهاً " .
جلست على جذع شجرة .. النسوة يغسلن الملابس ، وبنت صغيرة تقفز كالسمكة فى مياه الترعة الخضراء ، فيلمع جسمها الأبيض وسط الرذاذ .
خلعوا الجلاليب .. بصقوا فى اكفهم ثم أمسكوا بالفئوس والشقارف . السيقان الرفيعة السمراء مثل الحطب الجاف .. والعضلات كالأسلاك المشدودة إلى آخر مداها . سأبيت الليلة على الشاطىء فى ضوء القمر .. راقت لى الفكرة لحظة ثم توجست خيفة .. أسراب الناموس ستزحف على فى الظلام . والشبورة ترقد بثقلها الخانق فوق بيوت القرية . قال رئيسهم :
" يالله يا رجالة " .
ارتفعت الفئوس فى الهواء وهوت فوق الأرض . توالت الضربات القوية تشق السطح الذى تصلب من ثقل الشاحنات المحملة بالطوب والرمل .. خطر فى بالى : إذا استمروا على هذا المنوال سيرهقون بعد ساعة على أكثر تقدير .. نظرت إلى ساعتى .. الشمس ستسقط بعد ثلاث ساعات أو أقل .. لا جدوى من التوتر .. الحياة فى القرية لها إيقاعها الخاص الذى يكاد لا يتزحزح .. تركت لنفسى العنان .. استمع إلى أصواتهم وأسرح .. وأستغرق فى الهدوء .
سقطت الشمس ، وأضاءت السماء بلونها الأحمر .. طارت العصافير كالسهام السوداء لتحتمى فى الشجر .. لفنا الظلام ، وصعد القمر .. صوت الفئوس وهى تدب فى الأرض لا ينقطع .. أسمع أنفاسهم اللاهثة .. بين الحين والحين يتوقفون دقائق .. يحكون الحكايات أو يسخرون من أحد شخصيات القرية .. أو يضحكون فى مرح كالأطفال . أرى أسنانهم تومض فى الظلام ، والتقط القهقهات فأبتسم .
أخرجوا من باطن الأرض الطوب ، والحجر وقطعة ضخمة من الخشب محاطة بشنبر من الحديد حاولوا أول الأمر أن يكسروه بالفئوس ، فلما عجزوا حفروا حوله .. بعد أن كشفت عنها الأرض ، أدركنا أنها كانت تستخدم لتثبيت قلوع الصنادل التى مازلت تمر بين الحين والآخر على ترعة القضابة . شعرت بأجسامهم مشدودة كأنها ستتمزق ، ولمحت العرق على وجوههم يلمع فى ضوء القمر .
حفروا الحفرة على امتداد المسافة التى حددتها لهم ، بحيث يتراوح عمقها بين نصف متر عند الترعة وستين سنتيمترا إذا ما اقتربت من سور الحديقة .. أسقطوا فيها مواسير الأسمنت . يرفعونها بشق الأنفس ثم يدحرجونها فوق الأرض . عندما حاولت أن أرفعها معهم ، كدت أن أسقط من الإعياء .. " قالوا عنك يا بيه " .. فى أصواتهم نبرة إشفاق وسخرية مستترة .
كانت الساعة العاشرة والنصف مساء ، عندما ردموا آخر جزء من الماسورة تحت الأرض .. اغتسلوا فى الترعة . ارتدوا ملابسهم ، ثم وقفوا ينتظرون فى صمت .
سألت :
" كيف ستعودون إلى صالحجر .. ؟ معى سيارة يمكن أن نركبها " .
قالوا :
" لا داعى للتعب .. معنا الفئوس والتوصيلة ، والقفف سنلفحها على أكتافنا ونمضى .. الجو صحو .. والليل قمر .. " .
جلست خلف عجلة القيادة .. أسمع أصواتهم تتردد فى الليل ، وأتتبع ضحكاتهم تملا حوارى القرية .. تنتابنى أحاسيس مختلطة .. السعادة للعمل الذى أنجز .. والهدوء الذى أحمله معى من القرية . وشعور آخر غامض أقرب ما يكون إلى الخجل .
من كتاب " فى الأصل كانت الذاكرة " 2002
------------------------------------------------------------------------------



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية لا تموت
- امرأة من ايران
- خواطر فى سرادق العزاء
- بلد فوق قمة العالم
- الوجه الآخر من القمر
- إنهم لا يزالون الخطر الأكبر: عن «الإخوان المسلمين» أتحدث
- عن حال العرب في ظل «الفوضى الخلاقة»
- تمرد الطبقة الوسطى لا يصنع ثورة
- اليسار وإنقاذ الرأسمالية
- العولمة والعولمة البديلة
- شقة إلي جوار الكنيسة
- العولمة والأصولية يُدعمان الأسرة الأبوية
- هذا الكلام الجميل عن الديمقراطية
- افساح الطريق امام السيطرة الامريكية الاسرائيلية الامبريالية ...
- الخطاب الاصولي والمرأة وفكر ما بعد الحداثة


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شريف حتاتة - حماية النيل من الحسد