أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - دروس ما بعد الحرب اللبنانية الاسرائيلية















المزيد.....

دروس ما بعد الحرب اللبنانية الاسرائيلية


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 1660 - 2006 / 9 / 1 - 10:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بصرف النظر عن الموقف من الحرب التي اندلعت في الثاني عشر من آب أغسطس الجاري، ومن الطريقة التي انتهت بها، وجه صمود المقاومة الإسلامية أمام قوات الاحتلال الإسرائيلي تحديا، وبالتالي إحراجا كبيرا أيضا، للعديد من الإطراف العربية والإقليمية والدولية، الرسمية والشعبية على حد سواء، يتوجب على كل منها الرد عليها في المستقبل القريب إذا لم تشأ أن تذهب ضحية مضاعفاتها السياسية والاستراتيجية.
فقد شكل تحديا لم يسبق له مثيل لإسرائيل أولا، صانعة الحروب، التي اعتادت على الانتصارات السهلة والسريعة والخسائر المحدودة، إن لم تكن المعدومة، متمترسة وراء دبابات جنودها التي لا تخرق، وسلاح طيرانها الذي لا يطال. فقد وجدت إسرائيل نفسها غارقة في حرب برية، في مواجهة قوات غير نطامية تجهل مواقعها، ولم تجد طريقة للالتفاف عليها سوى إتباع استراتيجية الأرض المحروقة التي اتبعتها الولايات المتحدة سابقا في فيتنام، وقادت إلى مأساة إنسانية انعكست آثارها سلبا على الرأي العام العالمي برمته. ولأول مرة يواجه الجيش الإسرائيلي تحدي تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ومن وراء ذلك انهيار نظرية الردع القائم على القدرة على القتال والانتصار في أي حرب محتملة يمكن للعرب أن يشنوها على إسرائيل، منفردين ومجتمعين معا. وستكون مهمة استعادة القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، صدقيتها الردعية، شاقة جدا بعد انتهاء العمليات الحربية الراهنة.
وشكل صمود حزب الله ثانيا، تحديا كبيرا وحاسما للإدارة الأمريكية التي اعتقدت أنها تستطيع إعادة السيطرة على مصائر البلاد العربية، والمشرق العربي بشكل خاص، بالقوة. واستخدمت إسرائيل كذراع ضاربة لتحقيق هذا الهدف. وهو تحد موجه بشكل خاص لإدارة المحافظين الجدد، أصحاب خطط التغيير والانقلاب، الذين دفعتهم غطرسة القوة إلى الاعتقاد بأنهم يستطيعون إعادة بناء الواقع كما يشاؤون، وحسب أفكارهم المريضة وأوهامهم، مهما كانت عواقب هذا البناء أو آثاره على مصالح الشعوب والمجتمعات ومصيرها.
وهو يشكل تحديا خطيرا للعديد من النظم العربية التي اعتقدت أنها، باستقالتها أمام التوسع الإسرائيلي المدعوم من قبل واشنطن، تستطيع أن تنقذ رهانها، وتحتفظ بوجودها، في مرحلة عاصفة من الصراع على تحديد مستقبل المنطقة ومصائر شعوبها، فوجدت نفسها متجاوزة من قبل هذه الشعوب نفسها، ومحاصرة أكثر فأكثر بطوفان القوى الإسلامية وغير الإسلامية المناهضة لسياساتها، والمستعدة لمواجهة العدوان الإسرائيلي الدائم، من وراء ظهرها وضد إرادتها. فهي محصورة اليوم أكثر من أي فترة سابقة بين مطرقة التدخل الأجنبي، العسكري والسياسي، الذي يقرر للمنطقة ويسعى إلى تحديد مصيرها لعقود طويلة قادمة، من وراء ظهرها، وسندان الحركات الشعبية، المسلحة والسلمية، التي تتهمها بالاستسلام والمشاركة في الجريمة والضلوع مع قوات الاحتلال والسيطرة الخارجية. هكذا، تبدو هذه الأنظمة اليوم معلقة في الفراغ، مفتقرة للحد الأدنى من الشرعية السياسية.

وهو يشكل رابعا تحديا لا نظير له للجيوش العربية النظامية التي قبلت الهزيمة أمام جيش إسرائيل، وانسحبت من المواجهة الوطنية للتفرغ للمواجهة الداخلية، فتحولت إلى أداة لضمان استقرار النخب الحاكمة وقاعدة لاستمرار النظم الديكتاتورية اللاشعبية. إن نجاح بضعة آلاف من مقاومي حزب الله في تعطيل آلة الحرب الإسرائيلية وتمريغ قادتها بالوحل لأكثر من شهر، وتكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة بالأرواح لم يعهدها من قبل، وايصال الحرب، عبر الصواريخ الصغيرة، إلى قلب المدن الإسرائيلية، عرى القيادات العسكرية العربية، وذرع الشك في مهنيتها وكفاءتها، ومثل اتهاما لها في التزامها وإرادتها الوطنية. وهي مضطرة الآن إلى إعادة النظر في مذاهبها العسكرية وتأهيلها، والتفكير من جديد بدورها ومكانتها في الحياة الوطنية: هل تكون أداة بيد المصالح الضيقة واللاوطنية القائمة وشريكة معها، أم تكون أداة الدفاع عن المصالح الوطنية والعربية.
وهو يشكل بصورة أقوى تحديا استفزازيا لؤلئك القادة الذين لم يكفوا خلال السنوات الماضية عن تسويق خطابات واستراتيجيات المقاومة والممانعة، لكن سرعان ما لاذوا بالصمت عندما أصبحت المعركة، التي نظروا لها طويلا، واقعا فعليا، وصار همهم الأول والأخير المساومة على استخدام نفوذهم داخل صفوف المقاومة للوصول إلى تسوية تضمن مصالحهم الخاصة، وتفك عزلتهم عن الدول الكبرى نفسها التي تقف وراء الحرب. لقد أظهروا بما لن يدع مجالا للشك أن المقاومة ليست شأنهم ولا مشروعهم، وإنما ورقة للمساومة من بين أوراق كثيرة أخرى، وأن دماء المقاومين اللبنانيين، لا تسمو على منطق التجارة المادية والسياسية والاستراتيجية.

لكن الصمود البطولي لمقاومي حزب الله قد وجه تحديات كبرى أيضا لجميع أولئك الذين حلموا، من مثقفين وساسة وهيئات مدنية واجتماعية، بأن يكون الخيار ا لديمقراطي هو الخيار الأول، مقابل خيار المقاومة، أي أن تعطى الأولوية في الجهد السياسي الشعبي إلى إصلاح الدولة والسياسة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات، حتى يمكن إخراج البلاد من المطبات العديدة الواقعة فيها، وإنقاذها من فساد يكاد يقضي، إن لم يحصل بالفعل، على مباديء الحق والقانون والعدالة والمساواة فيها، أي على كل ما يجعل منها مجتمعات مدنية ومتمدنة، بالمعنى الأصيل للكلمة، ويجنبها السقوط في البربرية والعنف والمواجهات العمياء الذي يقدم عراق اليوم نموذجا حيا لانتشارها و توسعها بين الطوائف والتشكيلات القبلية والدينية والمذهبية والاجتماعية معا. فكيف يمكن تحقيق الديمقراطية مع الاختطاف السافر للإرادة الشعبية، وتحويل الشعوب إلى رهائن في مساومات دولية لا تنتهي، وكيف يمكن الإصلاح مع استمرار الدمار، والتهديد المستمر بتعميمه؟ وكيف يمكن بناء الدولة في سياق سياسات عالمية تخضع لقانون البلطجة الدولية، وتحييد الهيئات الدولية القانونية كالأمم المتحدة، وتأمين الحماية للمعتدي ومكافأته على المجازر المتكررة التي ارتكبها بحق المدنيين وتدميره المنهجي واللئيم للبنية التحتية لمجتمع كامل؟

لقد أحرج صمود حزب الله الجميع. النظم العربية التي تخلت، بما فيها النظم المتاجرة بالقومية، عن التفكير في أي رؤية إستراتيجية أو تخطيط لاسترجاع الأراضي المحتلة، أو تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، منذ انهيار محادثات جنيف عام 2000، وأصبحت تنتظر، كالمتبول في ثيابه، ابتلاع إسرائيل وتهويدها لما احتلته من الأرض العربية. وأحرج بالقدر نفسه المعارضات الديمقراطية التي اعتقدت أن تهافت النظم القائمة، وتغير موقف الدول الكبرى منها، قد جعل المراهنة على الإصلاح والديمقراطية حقيقة واقعة والبند الأول في أجندة الشعوب التاريخية. وأحرج المثقفين الذين اعتقدوا أن العلمانية هي الوريث الشرعي لانحسار القومية وتنامي ديناميكيات العولمة الثقافية والاقتصادية. فإذا بمصير المشرق العربي معلقا، أكثر من أي فترة سابقة، على مقاومة ميليشيا شعبية ومذهبية معا، تستمد قوتها الرئيسية، المعنوية والعسكرية، من ارتباطها الروحي والمادي ببؤرة الثورة/ الدولة الإسلامية الإيرانية، وتمفصلها عليها. وهي ثورة/دولة من خارج العالم العربي، وفي منظور الكثير من أبنائه، في تنافس معه.

كل هذا يطرح أسئلة كبيرة، أو يعيد طرح أسئلة مصيرية على الفكر والسياسة العربيين، سيكون من الصعب علينا التحرك مستقبلا في أي اتجاه قبل الإجابة عنها بصورة جدية وفعالة. ولا يشكل إجابة جدية وفعالة التمسح بخطابات المقاومة الاسلامية وإظهار الولاء لها، ولا الاختباء وراء المهاترات الكلامية، ولا الشكوى من جديد إلى الأمم المتحدة، ولا النحيب على الدولة الوطنية المقوضة. وللموضوع تتمة.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفية في الدولة والمجتمع
- واجب العرب تجاه لبنان
- الخسارة الثانية للجولان
- من المسؤول عن دمار الشرق الأوسط ؟
- الهرب إلى الأمام لن يجنب أحدا الهزيمة
- مستقبل المفاوضات السورية مع الاكراد
- الحداثة وتجديد الفكر الديني
- أسطورة الحداثة العربية
- الطائفية وتقويض الدولة الوطنية
- التوسع في العنف لا يحل مأزق النظام
- عندما يتحول الاصلاح إلى معضلة
- الأسدية في السياسة
- اغتيال الثقافة بعد اغتيال السياسة
- دفاعا عن ابن خلدون في مئويته السادسة
- في مخاطر إجهاض مشاريعنا الاصلاحية
- في سبيل مبادرة دولية لإطلاق الحوارات الوطنية الممنوعة
- إشكالية الاصلاح وإشكالاته في العالم العربي
- رؤية لمستقبل سورية الديمقراطية
- في أصل الضياع العربي
- الحداثة الرثة أنتجت من القهر أكثر مما أطلقت من الحريات


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - دروس ما بعد الحرب اللبنانية الاسرائيلية