أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ديار الساعدي - قصة قصيرة :خط أحمر















المزيد.....

قصة قصيرة :خط أحمر


ديار الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 7117 - 2021 / 12 / 25 - 02:29
المحور: الادب والفن
    


خط أحمر

إن الفكرة تتجسد على شكل صاحبها...
قبل إطلاقك لفكرتك يجب أن تُفكّر بجدواها، حولك، لأنها كرصاصة تخرج من فوهة بندقية، متجهة صوب هدفها، هكذا تكون فكرتك بمستوى الرصاصة، بصوتها وسرعتها وإصابتها التي تُحدث حدثا أعظم، هكذا أريدك أن تتحرر من كل القيود، تتمرد تثور تدوس بقدميك على خوفك، فاخرجْ كطائر حر نحو السماء من سجن عقلك، حتى تُحلّق عاليا، عندها ستفكّر في الأشياء بطريقة مختلفة، تعرّيها من أشكالها المزيفة، تخيل أولئك العظماء الذين واجهوا الظلم والقهر والقتل والحرمان؛ لكي يسعد أبناء جلدتهم بنعمة الحرية، كـ: المهاتما غاندي, عمر المختار, مارتن لوثر كنج, تشي جيفارا, أريدك بتلك الدماء التي تفور، وبذلك الغضب الثوري، لتمحو كلّ المعوقات وتدمّر كلّ الحواجز وتجتاز كلّ الخطوط الحمر...
هكذا أريد أن تكتبوا موضوعاً بهذا المعنى...
لم تفارق ذاكرتي تلكم الكلمات: تحرر، ثورة، غضب، حرمان، قهر، تمرد، قيد، حاجز...
لطالما ردّدها على مسامعنا، متجوّلاً بيننا داخل الصف، بصوته الجهور. حتى أنّني إثر انفعالي معه، ذات يوم، أردت أن أصرخ بغضب: ثورة، ثورة. لقد حقّقت مرادي هذا بعدما خرج، مذكراً بإنجاز ذلك الموضوع، إذ انفجرت مع حنجرتي حناجر زملائي الطلاب كلّهم. فحين تحرروا من قيودهم، كما يريد، أطلقوا أصواتا عالية بالصفير والتهليل حدّ التهريج، كلٌّ يغني على ليلاه، بحيث حدث شجار بينهم.
عدتُ إلى البيت، وكلمات مدرّسنا ترنّ في رأسي، أفكر في الموضوع الذي سأختاره، للكتابة، حيث مجموعة أفكار تحوم حولي كسرب طيور. أتذكّر قولاً، نسيت أين قرأته!، بأن "الكتابة محض جنون صرف يُشبه طيراناً بلا أجنحة". هذا يعني أنْ تُحلّق في السماء لتصبح نجماً أو تسقط، فينكسر عنقك وتموت، محض خيالك الجامح.
فكرتُ أن أكتب عن الله، عزّ وجل، فأُخضع كلَّ قول في كتابه العزيز للعقل والمنطق. سيغدو موضوعاً جديراً بالاهتمام، حقّاً، لن يعترض عليه المدرّس، حتماً، وسيُثير جدلاً واسعاً بين الطلاب. لكنّ أبا أحدهم "رجل دين"، شيخ صاحب لحية طويلة مخضبة بحنّاء، قد يخبره ابنه عن فكرة موضوعي. سيحسبُني زنديقاً، أيْ ملحداً كافراً؟، فيُقيم عليّ حدّه: يقطع رأسي، بالسيف، ثم يرمي جثّتي في مكبّ النفايات!
لا، لا، لن أكتب عن هذه الفكرة التي ستؤدي بي إلى الهلاك.
دخلتُ في دوامة أفكاري، من جديد، لعلّي أجد موضوعا، أفضل من الأول، أكتبه متحرّرا من كلّ قيد، دون خوف، وفي الوقت ذاته أحمي نفسي من أيّ أذى قد يصيبني بسببه.
لاحت لي فكرة عن مختار محلتنا، مثلاً لجميع مختاري المحلّات، حيث هو نسخة مصغّرة من الدكتاتور الكبير. لقد سخّر لخدمته كلّ طاقاته، بأيديولوجية و سيكولوجية، لذلك لم يدع كبيرة ولا صغيرة إلا حشر أنفه المفلطح فيها. لهُ قابليتان حرباويّتان، نسبةً إلى الحرباء، هما: التحوّل بالموقف و التأقلم للحدث!: حزبي ببزة زيتونية، تحديدا، يطارد فارّين من الجيش/ قوّاد لبائعات الهوى، أمام بيوتهن الداعرة، يُسلِّم كي يستلم/ وليٌّ ضمن الخط الأول للمصلّين في المسجد، خلف إمامه تماما، يصلّي "خاشعاً متصدّعا من خشية الله"/ متعفّف قبالة البقالين، يرمقهم بنظراته المعروفة لهم، ليزوّدوه بالخضار والفاكهة مجّانا.
هذه الفكرة الحاضرة، أفضل من نظيرتها الماضية، مليئة بأحداث تعرّي دكتاتوراً صغيراً. سيكون موضوعها فريداً من نوعه، بالتأكيد، وسيحصل على درجة ممتازة من المدرّس بعد أن أقرأه أمام الطلاب. أكملت الموضوع مسروراً منتشياً، كفارس منتصر، لكنّ صاعقة دمّرت كلّ تعبي المرهق به، أي ضاع الانتصار، إذ تذكّرت أن ابن المختار معي في الصف! سيفشي موضوعي لأبيه، هذا مؤكّد، فيستشيط غضباً هذا الأخير فاتلاً كهرٍّ شاربه الطويل! ثم يكتب تقريراً بأنّني كتبت موضوعاً أسخر فيه من رمز وطني عند الدولة، ضمن درس التعبير، حيث يتّهمني بحمل فكر معارض لسياستها. حينئذ يزج بي في السجن، دون إعدام؟!، بعد أن أحضر جميع حفلات التحقيق، داخل غرف سرية، لأخرج منها فاقداً أجزاء من عقلي!
إذاً لأعزف عن هذه الفكرة، فكرة المختار الدكتاتور، حفاظاً على حياتي من جلاوزة السلطة.
ها أنا ذا، الآن، أسترخي سانداً رأسي إلى كرسيي وسارحاً في مخيلة أفكاري، تائها؟!، لعلّي أصل لجادة صواب فأنجز موضوعا دون أي ضرر بي.
بدأت الأفكار تتوالى على مخيلتي، كسحب متقطعة، فحاولت أن أختار الأفضل والمناسب والمؤثر، في الآن عينه، متجنبا كلّ العواقب الضارة. صار الصوت الجهور لمدرّسي يرن في مسمعي، بكلماته المؤثرة، فأحسستُ برغبة أن أكتب موضوعي عنه! بما أنه صاحب الموضوع، بمبدئه وتفاصيله، لن يقف حجر عثرة في طريقي. سأكتب عن كلّ ما فيه من جوانب إيجابية أو سلبية، وكلّي يقين بأني سأوفَّق، مركِّزا على أنّ له قلباً سمحاً ذا طيبة غير متناهية. خصوصاً وسامته، فهو (دون جوان) بين زملائه المدرسين، حيث خدمتْ علاقاته بزميلاته المعلمات...
فاجأته يوماً حين فتحت عليه باب المكتبة، أقصد مكتبة المدرسة، فوجدته في حالة عناق مع مدرِّسة التربية الرياضية، يستمطر شفتيها بمجونٍ متوهّجاً في الحبّ، حيث ارتبكا لا يعرفان ماذا يفعلان! سحبني من قميصي بقوة، فأرعبني جداً، إلا أن المدرّسة سحبتني منه وضمّتني لصدرها النافر: هدّئْ من روعك فإنه ولد طيب لن يخبر أحدا بما رآه! شعرتُ بقلبي عصفوراً بين يدي قطة، يااااه، وأنا أهزّ رأسي بـ: نعم، لن أخبر أي أحد.
هل أكتب عن الأخلاق النبيلة، ذات المواعظ الحميدة، التي لطالما حدّثنا عنها، كأنّه أبونا، كي نقتدي بها؟ لكنّني أعرف عنه، من خلال صدف، بلاويَ خطرة للغاية. فثمة، مثلاً فقط، تقاضيه رشاوى – تحت مسمّى "هدايا" – من آباء طلاب أثرياء.
لهذا لا أظنُّ أنه سيستقبل هذا الموضوع برحابة صدرٍ!، بل لن يقبل فكرته أصلا، حيث يعرّيه كاشفا معدنه...
أدري بأنه لا يستطع أن يؤذيني مباشرة، نعم، لكنّه سيُخسرني مرحلة دراسية كاملة، يقْدر، لذلك سأتجنّب هذا المأزق.
عادت دوّامة التيه، مرة أخرى، وأنا كمركب وسط بحر هائج، تأخذني أفكار وتجيء بي، علّني أجد مرسى. نظرت إلى ورقة أمامي، بجانب قلمي، فتحرّك داخلي: يجب أن أستنطق هذه الورقة لأملأ بياضها. فجأة دخل عليّ أخي الكبير، في غرفتي، فعاين أوراقا ممزّقة مبعثرة...
- ما هذه الفوضى؟
ـ أريد موضوعا مثيرا!
حاول إيجاد فكرة جديدة، بعدما أخبرته بكل أفكاري، لكنْ بلا أية جدوى. هنا قدحت عندي الفكرة التي أريدها، لأكتب موضوعها، دون أن تؤذيني. فشخصيتها لن تسبِّب لي مشاكل، ولا مشكلة، بل ستسامحني في كلَّ الأحوال!
- عمّن ستكتب؟
ـ عن أمّي!

القاص
بغداد – العراق



#ديار_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغطاة بعباءة أمي : قصة قصيرة
- قصص جدا قصيرة


المزيد.....




- 6 أفلام ممتعة لمشاهدة عائلية فى عيد الأضحى
- فنانة مصرية مشهورة تؤدي مناسك الحج على كرسي متحرك
- قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج
- أفراح وأتراح رحلة الحج المصرية بالقرن الـ19 كما دونها الرحال ...
- بسام كوسا يبوح لـRT بما يحزنه في سوريا اليوم ويرد على من خون ...
- السعودية تعلن ترجمة خطبة عرفة لـ20 لغة عالمية والوصول لـ621 ...
- ما نصيب الإعلام الأمازيغي من دسترة اللغة الأمازيغية في المغر ...
- أمسية ثقافية عن العلاّمة حسين علي محفوظ
- ثبتها الآن.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على نايل سات واستمت ...
- عروض لأفلام سوفيتية وروسية في بوينس آيرس


المزيد.....

- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ديار الساعدي - قصة قصيرة :خط أحمر