أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بودهان - الهويات المقتولة















المزيد.....

الهويات المقتولة


محمد بودهان

الحوار المتمدن-العدد: 7097 - 2021 / 12 / 5 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رغم أن كتاب أمين معلوف حول "الهويات القاتلة" (les identités meurtrières)، الصادر بالفرنسية سنة 1998، يعرض لمفهوم الهوية في معناه الفردي والعرقي والطائفي الديني (صراع الطوائف الدينية بلبنان والشرق الأوسط)، والذي لا يميّزه الكاتب عن الجنسية ولا الانتماء إلى مهنة أو حي سكني أو فريق رياضي أو مذهب ديني...، وهو شيء لا علاقة له بمفهوم الهوية الجماعية للشعوب والأمم والدول والأوطان مثل أمازيغية المغرب وشمال إفريقيا، إلا أن المكانة الفكرية للكاتب، الذي هو عضو بالأكاديمية الفرنسية، جعلت من كتابه شبه مرجع يستحضره معارضو المطالب الهوياتية لتبيان أن مثل هذه المطالب قد تُنتج "هويات قاتلة"، بسبب ما قد تؤدّي إليه من فتن وصراع، وحتى اقتتال لدوافع عرقية وعنصرية. بل نجد بالمغرب مفكرا محسوبا على الأمازيغية يحذّر من "الهويات القاتلة" التي قد تنجم عن المطالب الأمازيغية في مستواها السياسي والهوياتي الذي يتجاوز ما هو ثقافي ولسني، حسب رأيه. هكذا يمكن القول إن مفهوم "الهويات القاتلة"، عنوان الكتاب المعني، أصبح بمثابة "ظهير بربري" جديد يُلوّح بـ"لطيفه" في وجه الأمازيغية، درءا للفتنة والتفرقة والطائفية، حسب مزاعم أصحاب هذا "اللطيف" الجديد.
لكن إذا كان هناك قاتل فهناك دائما مقتول. وإذا كانت هناك "هويات قاتلة" فهناك إذن هويات مقتولة. و"الهويات القاتلة"، التي يتحدّث عنها أمين معلوف، هي هويات تتقاتل من أجل الظفر بقتل ضحاياها التي هي الهويات المقتولة. فالإسلام السياسي، الذي ناقشه الكاتب بإسهاب، مُفردا له فصلا بعنوان: "عندما تأتي الحداثة من الآخر" (Quand la modernité vient de chez l’Autre)، يرمي إلى فرض الإسلام، في صيغته السياسية، كهوية وحيدة وكونية. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من قتل كل المعتقدات الدينية الأخرى التي لا تنتمي إلى الإسلام، أي قتل المسيحية والبوذية واليهودية والعلمانية واللادينية... هكذا يشكّل الإسلام السياسي حقا هوية قاتلة. أما المعتقدات الدينية الأخرى، مثل المسيحية عند المصريين والعراقيين والسوريين...، فهي تشكّل هوية دينية مقتولة. وهذا ما طبقته "داعش" بسوريا والعراق عندما سيطرت على هذه الأقاليم ما بين 2014 إلى 2017.
لكن بجانب هذه الهوية الدينية الإسلامية القاتلة، هناك توأمها الذي هو القومية العربية. فهذا التيار القومي يشكّل هو كذلك هوية قاتلة لأنه يرمي، هو أيضا، إلى فرض الهوية العروبية على كل الشعوب غير العربية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحتى تحقّق القومية العربية هذا الهدف، كان لا بد لها من قتل الهويات الأصلية لهذه الشعوب غير العربية. وهكذا عملت على قتل الهوية الفينيقية والكلدانية والأشورية والفرعونية... بالشرق الأوسط، والأمازيغية بشمال إفريقيا.
إلا أن خطورة هذا القتل للهويات غير العربية ستتضاعف عندما تحالف التيار القومي مع التيار الإسلامي منذ أن عقدا مؤتمرهما الوحدوي الأول سنة 1994، المسمّى "المؤتمر القومي الإسلامي". هذا التحالف بين التيارين ليس في الحقيقية شيئا جديدا، وإنما هو عودة إلى الوحدة الأصلية التي تجمعهما، والتي تلخّصها العبارة المسكوكة: "العروبة والإسلام". الجديد هو فقط تظافر جهود التيارين، بشكل واعٍ ومقصود ومدبّر، لقتل الهويات غير العربية بإدماجها قسرا ضمن الهوية العربية. والنتيجة أن الإسلام يُسخّر سياسيا، كما كان دائما، لخدمة العروبة ونشرها باسم هذا الإسلام، بحيث تُعتبر الهوية غير العربية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا هوية مخالفة للإسلام. ولذلك يجب قتلها واستبدالها بالهوية العربية حتى يُقبل إسلام أصحاب هذه الهويات، بعد أن يصبحوا عربا ويتخلوا عن هوياتهم الأصلية.
وقد وجد هذا التحالف بين القومية العربية والإسلام السياسي ببلدان شمال إفريقيا أخصب تربة لاختبار فعاليته كما يتجلّى ذلك في سياسة التعريب الهوياتي القاتلة للأمازيغية. وهكذا يُستعمل الإسلام، سياسيا وهوياتيا، هنا في المغرب وكل شمال إفريقيا، لقتل الهوية الأمازيغية بدعوى أنها تشوّش على لغة الإسلام التي هي العربية، وذلك عندما تطالب هذه الأمازيغية بحقها في ولوج المدرسة والإدارة وكل مؤسسات الدولة. أما القومية فهي "تقاتل" الأمازيغية لأنها ترى فيها تهديدا للوحدة العربية الوهمية. فرغم أن هناك صراعا مُعلنا بالمغرب بين الإسلاميين والقوميين الذين يعتبرهم الأولون عَلمانيين، إلا أن هذا الصراع يختفي، عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية، ليتحوّل إلى ائتلاف تعريبي من أجل قتل الأمازيغية. فالقومية العربية والإسلام السياسي بالمغرب، إذا كانا يشكّلان هويتين قاتلتين، فإن الضحية المقتولة هي دائما الأمازيغية. وحتى تنجح عملية القتل هذه على نطاق واسع لتأخذ شكل إبادة هوياتية جماعية، فإن التيار العروبي والتيار الإسلامي يجنّدان، لتنفيذ هذه الجريمة، جنودا ممن سبق أن قتل هذان التياران هويتهم الأمازيغية، ليصبحوا، بعد أن فقدوا هويتهم الأمازيغية الأصلية، من أكثر المتحمسين لقتل ما تبقى من هذه الهوية الأمازيغية، تزلّفا منهم إلى مدبّري عملية القتل حتى يجودوا عليهم بالانتماء إلى عروبتهم المزعومة لكيلا يبقوا كـ"لقطاء" بلا هوية ينتمون إليها بعد أن فقدوا هويتهم الأمازيغية الأصلية. هذا ما يفسّر أن قتلة الأمازيغية، سواء كانوا عروبيين أو إسلاميين، هم أصلا أمازيغيون حوّلهم التعريب، القاتل لأمازيغيتهم، من جنسهم الأمازيغي إلى جنس عربي زائف ومنتحَل، كضحايا لعملية تحوّل جنسي، قومي وهوياتي، يشوّه انتماءهم ويمسخ هويتهم.
فالكلام عن "الهويات القاتلة" يُخفي في الحقيقة واقعا حزينا ومرّا، وهو أن ضحايا هذه "الهويات القاتلة" هي هويات مقتولة. والتلويح بفزّاعة "الهويات القاتلة" هو لمنع هذه الهويات المقتولة من المطالبة بحقها في الحياة مرة أخرى. ولهذا نلاحظ أن أكبر عائق يحول دون التفعيل الجدي والحقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية، هو الذي تشكّله الأحزاب العروبية والإسلامية، التي ترى في عودة الأمازيغية عودة قاتلة لوجودها العروبي الوهمي والزائف. فما يستحقّ الاهتمام أكثر ليس إذن هو "الهويات القاتلة"، بل ضحاياها المتكوّنة من الهويات المقتولة، والتي هي في حاجة إلى من يدافع عنها ويعمل على إعادتها إلى الحياة كهويات أصلية وحقيقية لشعوب أصلية وحقيقية، مثل الشعب الأمازيغي بشمال إفريقيا. فالأمازيغية لم يُعرف عنها أنها كانت يوما هوية "قاتلة" لأية هوية أخرى، ولا سبق لها أن فكّرت ـ مجرد تفكير ـ في قتل الهوية العربية الأصلية والحقيقية للعرب الأصليين والحقيقيين ببلدان الخليج بشبه الجزيرة العربية. فما تسعى إلى قتله هو الهوية العربية المزوّرة بالمغرب وشمال إفريقيا، والتي يرفضها العرب الحقيقيون أنفسهم لأنها زيف وانتحال. هذا القتل للزيف والانتحال هو ما يخيف العروبيين، من قوميين وإسلاميين، لأنهم يخافون أن يكونوا كما هم، مطابقين لذواتهم، أي أمازيغيين في هويتهم الجماعية التي يحدّدها موطنهم واللغة الأصلية لهذا الموطن، والتي هي اللغة الأمازيغية.
لكن حبل الكذب قصير، كما يقال. فالزيف قد بدأ يفتضح وينكشف، والحقيقة تنجلي وتنبلج.



#محمد_بودهان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرنسية كناشرة للعروبة ومناهضة للأمازيغية
- مأزق الأمازيغية
- لماذا لا يمكن للإسلام السياسي أن ينجح بالمغرب؟
- هل تراجعَ إسلام المغاربة بإسقاطهم للحزب الإسلامي؟
- الأمازيغية في خطاب 20 غشت 2021
- من المخاطَب بدسترة الأمازيغية؟
- هل يكفي قانون 55.19 لتحسين أداء الإدارة لصالح المرتفق؟
- الوحدة في التنوّع أم التنوّع في الوحدة؟
- خدعة مفهوم -المشترَك-
- المخيال العروبي والأمازيغوفوبي
- بين -تامازيغت- و-تامغرابيت-
- ومتى التطبيع الكامل مع الأمازيغية؟
- في ادعاء أن الأمازيغية غير نافعة
- ماذا ستستفيد الأمازيغية من تطبيع المغرب مع إسرائيل؟
- الوظيفة التعريبية لفلسطين بالمغرب
- أحرضان، أحد آخر الرجال الأحرار
- انتصار التطبيع على -التضبيع-
- حزب بمرجعية أمازيغية أم دولة بنفس المرجعية؟
- دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي
- عندما كنت -رجعيا- وفخورا بـ-رجعيتي-


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بودهان - الهويات المقتولة