أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - safaa bouljdad - صفاء بوالجداد















المزيد.....

صفاء بوالجداد


safaa bouljdad

الحوار المتمدن-العدد: 7096 - 2021 / 12 / 4 - 18:24
المحور: الادب والفن
    


أرض الحب
كنت أفكر بها، فصوتها الأطلسي كان يزيد ليالي باريس رومنسية ويزيدني احتراقا بالحنين إلى البلد و أمي و قريتنا حتى أنه يذكرني بأول حب عذري ..خرجت من الحانة ورحت أتمشى تائها في متاهة الذكريات و المشاعر التي زادتها الكؤوس هيجانا ..لمحتها جالسة في كرسي مقابل للبحر بجانبها راديو تستمتع بتفاصيل وحدتها، حييتها بإماءة وردت هي التحية بابتسامة جعلتني أتشجع ،استأذنتها الجلوس و لم تمانع ..
كان الليل رائقا، ونور الكهرباء يغازل شعرها، أمسكت السيجارة بأصابعها الرقيقة ..بينما ينبعث صوت الأطلسية حادة وعكي رخيما بآهات حب صادقة تمزق الغسق وقلبينا..
يختفي وجهها الفاتن وراء الأصابع، وقد بدت شفتاها في حمرة قانية، لولا أسنانها البيضاء الصغيرة، لخلت فمها قطعة حمراء. كان الألم باديا على محياها، وكانت تنفث دخان السيجارة في عصبية وقلق. بادرتها وأنا أتأمل كل شيء فيها: مالي أراك قلقة حائرة؟ تكلمي.
أجابتني وعيناها تشعان ببريق يخطف الأبصار: إنني أخشى منك.
ـ تخشين مني؟؟
أخشى أن تفضحني، ألم تقل لي أن مهنتك أن تكتب قصص الناس؟؟
أجبتها: تكلمي ولا تخشي ... ومن يدري؟ فربما كان في إمكاني أن أساعدك.
التفتت نحوي ثم قالت وهي تنفث دخان السيجارة رافعة رأسها إلى السماء ليبدو نحرها كلوحة ثمينة هاربة لتوها من متحف اللوفر: لقد غادرت بلدي مفلسة تماما خاسرة لكل شيء. غنيمتي الوحيدة هي ابنتي وكومة جراح ما زالت تقض مضجعي ..
-كنت في سن السابعة عشرة آنذاك، مراهقة تختبر مشاعر الحب الأول، أدركت أنه علي الحذر، هناك في دوارنا لا نستطيع اللعب مع الصبية، فما بالك بالخروج معهم! أمر مستحيل طبعاً. الشاب كان محمد، لم ألتق به في مكان بعيد، فمنزل جدته كان قريب من منزلنا كان خفيف الظل والأهم من ذلك، بديع الجمال ولكن لا يتمتع بمواصفات الصهر المثالي.
أراد محمد أن يتقدم لخطبتي، لكن والدي لم يقبل بأي علاقة بيننا فبالنسبة له ، محمد الصعلوك المفلس لا يناسب ابنة الحاج المعطي الوحيدة .. خاصة وأنه ولد الخماس
لم نستطع الالتقاء، ولم تكن لدينا فرصة التحدث سويا كان من الصعب أن نحيا قصة حب.
نظراتنا الخاطفة التي تبادلناها بصمت كسرقة، لم تكن بمنأى عن جميع الناظرين، فأختي اكتشفت أننا نتبادل الرسائل، وهددت بكشف كل شيء لوالدي إن استمررت بأفعالي، أخبرتني أن ما أقوم به عار على العائلة وأنني لن أسعد بقربه، في تلك المرحلة ازداد الضغط علي فشعرت بالاختناق في حياتي وعلمت أن هذا الحب سيأخذني إلى المنفى.
وسط الضغط وعدم قدرتنا على الاقتراب من بعضنا لا بلمس ولا بكلام، قررنا الهرب سويا.
في إحدى ليالي شهر ديسمبر ، "كتبتُ له، فلنذهب إلى الدار البيضاء ، أرسلت الرسالة بعجلة ووجدنا حيلة مناسبة للهرب "في السابعة صباحاً، أوصلني أخي إلى المدرسة وهو يتذمر طول الطريق أنت فتاة مكانك البيت لا أعلم لما البا المعطي مصر على تعليمك .. كنت أستمع إليه بصمت و حنجرتي تكاد تنفجر بآلاف الكلمات.. كان عزائي أنها آخر مرة سيراني فيها ولن اسمع خطابه هذا بعد اليوم.
حملت معي كعادتي حقيبتي المدرسية، إلا أنها خلت هذه المرة من الدفاتر وامتلأت بأغراض أساسية تتناسب مع رحلة الهروب، وضعت فيها نقوداً كان قد تركها والدي في المنزل. بعد أن ابتعد أخي قليلاً عن البناء المدرسي، خرجت. مشيت قليلاً واتجهت إلى مكان اللقاء في ساحة قريبة حيث كان محمد بانتظاري، استغرقني كل هذا نصف ساعة فقط، كان الشارع شبه فارغ من المارة.
في تلك اللحظة عرفت أنني في موقف جاد لا تراجع عنه أبدا، بعد مضي ساعات على اختفائي، بدأ إخوتي بمهاتفتي، طلبوا مني العودة إلى المنزل وقالوا إن مكروها لن يصيبني إن عدت، ولكن لا، كانوا يريدون قتلي.
علمت أنني ربما سأموت إن عدت، بعد أن كشفوا أمر ذهابي مع شاب، الأمر الذي يعتبر قضية شرف، وفي بلدنا لا تزال جرائم الشرف قائمة. أهملت الاتصالات والتهديد، وأكملت طريقي مع من أحب ..كنت سعيدة، واثقة بنفسي وبقمة العشق.
كنت أتابع كلماتها وأنا أنظر إلى وجهها وقد ساد عليه شيء من الحزن، دعست سيجارتها المنتهية وأشعلت أخرى لتكمل الحديث..
-وصلنا الدار البيضاء حيث اكترينا غرفة مع الجيران ..هناك أقمنا مراسم زواج ديني زواج الفاتحة ، لم يحضر أحد من عائلتي ولكن كنت سعيدة. في تلك اللحظة شبح فكرة أقلقني، خفت أن يتمكن أهلي من إيجادي ويقترفون جريمة..
مرت أسابيع قليلة انتهى فيها المال الذي كنا نحمله وقست الحياة علينا، اضطررنا العمل في معمل للملابس بشكل غير شرعي، لساعات طويلة ومقابل أجر زهيد كنت أقول لنفسي، ما يهم هو أننا سويا وكل شيء سيكون على ما يرام. فبالنسبة لي كان الحب كافيا على الرغم من كل ما كان يحصل، ومن دون أي سابق إنذار حدث ما لم أتوقعه أبداً.
لا أذكر التاريخ جيداً، كنا نمشي في الشارع، ضحكت على شيء ما، ضحكت ملئ قلبي، ومع تعالي صوتي الفرح، ركلني وصفعني بيده على فمي. أحسست بالألم. قال لا يجب على المرأة الضحك بصوت لافت للأنظار. تحت تأثير الصدمة، اعتذرت له . بعد هذا الموقف لم يتوقف قط عن ركلي. قلت في نفسي، ضربني، ما المشكلة؟ هذا أمر عادي، ليس أمراً مهما.. في النهاية أبي يضرب أمي أيضاً.
روتين الضرب بات واضحاً بالنسبة لي. فيضربني إذا كان الطعام "غير مطبوخ جيداً" وعندما "لا أقدم الأطباق بشكل جيد" وإذا كان الطبق "غير مملح كما يجب". الأمر ذهب أبعد من الركل ولم يقتصر أيضاً على الوجه، تمادى الضرب واتسع حتى طال الجسد كاملاً.
كنت قد بلغت عامي الثامن عشر، ومضت أيام وتلتها أسابيع، وإذا بي أحس بدوار في رأسي، شيء في أحشائي .. علمت أنني حامل كنت سعيدة .. علمت أن محمد سيضربني ولكنني كنت سعيدة لأني سأرزق بطفل ،أخبرته بحملي وبدلا من أن يضمني و يسعد بمولودنا القادم بادر إلى التبرؤ منه زاعما أنني كما هربت معه وجعلت جسدي ملجأ له، فعلت ذلك مع شخص مجهول تركني ليتحمل هو المسؤولية بدلا عنه..
رجوته أن لا يتخلى عني، بكيت وصرخت .. لكنه طردني وهو يصرخ أخرجي أيتها العاهرة .


خرجت إلى الشارع فطال بي التجوال والبحث عن عمل شريف، في استجداء يائس، ولكنهم كانوا ينظرون إلي باستخفاف، كان نظراتهم تقتحمني عابرة، وكنت دائما أسمع نفس الجواب شاهدت كل شيء ..شاهدت الظلم بأفظع معانيه ورؤوس شياطين تتربص بي من كل جانب .انتابتني الأحزان والآلام.. ليس لي أحد.. إلى أين سأذهب وكل الأبواب أمامي موصدة؟
وأخيرا، ولكي لا تقتحمني الأعين مرة أخرى، قررت أن أسلك الطريق التي توصلني إلى اللذة والمال .. خلعت حجابي و شددت ابنتي إلى حضني وأنا أضحك بشكل هيستيري..
والعجيب أن المجتمع صفق لي هذه المرة بحرارة وصاح المعجبون بي في كل مكان
-ما أجملك
جئت إلى هذه الحانة واشتغلت مغنية وكان أحد الوجهاء الأثرياء معجبا بصوتي الرخيم ولكنتي الأمازيغية، كانت له حانة في فرنسا جلس يومها وانتظرني حتى أكملت عملي.. مد لي رقمه وعرض علي مرافقته للعمل هناك.. أخبرته أن لي فتاة ولم يغير هذا شيء في عرضه .. لم أكن أثق به لكنني قررت المجازفة والذهاب ففي الأخير لم يعد لي شيء أخسره ..
كل ما قتله وطني أينع في المنفى، فني .. جسدي .. حريتي، حتى نفسي لم أحبها قبل أن تطأ قدمي أرض المهجر.. حرة أنا في قبضة المنفى خفيفة مثلُ ريشة طائر.. وطني هو المنفى
بعد وصولي إلى باريس شعرت بالطمأنينة والسعادة ، شعرت بالحرية والإنسانية.. كنت أعمل ليلا في الحانة وأمضي يومي بين الاهتمام بطفلتي وقراءة الكتب ..وحدها معانقة الصفحات كانت تشعرني بالاستقرار النفسي، أتيه في عوالم أخرى تنسيني مرارة أيامي الماضية ..
عرض علي الرجل أن أعيش معه لكنني أقنعته بأني لا أريد العيش رفقة أحد.. عشت مع عائلتي وتركتهم، ثم عشت مع زوجي وتركته و الآن حان الوقت كي أعيش من أجلي أنا.. لم يشعرني هذا الرجل بالضغط قط، ساعدني حتى استقر وضعي، كل ما كنت في حاجة إليه هو أن أقرر مصيري وهو تركني أفعل ذلك.

وسكتت المرأة بعد أن خنقتها الدموع، رفعت صوت المسجلة وراحت تغني مع حادة غزالي يا غزالي اللي شافك باغي يديك.. يعطيك من اللسان الرطوبة حتى يقضي حاجتو ويخليك شعرت بنبرة الحزن والندم ..وشعرت باعترافاتها تنفذ إلى أعماقي، فلم أملك إلا أن أنظر إليها في صمت، وإلى دموعها في احترام



#safaa_bouljdad (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - safaa bouljdad - صفاء بوالجداد