|
( سوار الذهب ) هو السبب
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 7064 - 2021 / 11 / 1 - 02:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة جاءت للسودان فرصة التحول الديمقراطى الحقيقي حين أسقط الفريق عبد الرحمن سوار الذهب الحكم العسكرى لجعفر النميرى وقام بتسليم السلطة الى حكومة منتخبة . هي سابقة لم تحدث في كوكب المحمديين. ومع نُبل الفريق سوار الذهب فقد كان ما فعله أكبر خطأ ؛ إذ بكل دوافعه النبيلة وزُّهده في السلطة ، كان يمكن للفريق سوار الذهب أن يستمر في الحكم ، ليقوم بإصلاحات تشريعية وقانونية يتأسّس بها تحول ديمقراطى ، ينجو به السودان من متاهة الدوران بين حكم ديمقراطى ( صورى ) وانقلاب عسكرى . هذا ما ساد قبل سوار الذهب ، وهذا ما استمر بعده ، وسيستمر طالما لم تتجذر ثقافة الديمقراطية بإصلاح حقيقي لكل أبناء السودان . 2 ـ نعطى بعض التفصيلات : أولا : السودان الوطن والمواطنون : 1 ـ يتميز السودان بتنوع جغرافى واقتصادى واتساع في المساحة وموقع جغرافى يؤهله لكى يكون أثرى وأقوى دولة في أفريقيا وكوكب المحمديين . النظام السودانى لم يعرف الاستقرار السياسى ، لم يستمر فيه نظام ديمقراطى ولم يستمر فيه نظام استبدادى ، ولهذا لم تتح له الفرصة لاستثمار موارده . 2 ـ التنوع العرقى في أي دولة يزيدها تفوقا إن كانت ديمقراطية ، ويزيدها وبالا إذا كانت نظامها مستبدا . اللغة العربية هي الرسمية ولكن مع وجود حوالى 300 لغة محلية ، هذا مؤشّر هام على وجود تمييز ضد الأفارقة السودانيين . هناك قبائل عربية يعتقدون بتميزهم العرقى على الأفارقة ، حتى من المسلمين منهم . العرب في دارفور ارتكبوا مذابح ضد الأفارقة في الإقليم الذى يضم عشرات من العرقيات المختلفة . 3 ـ يضاف الى ذلك الفجوة الهائلة بين الذين يملكون والذين لا يملكون ، وهشاشة الطبقة المتوسطة ، وتنازع النخبة السياسية والمثقفة سياسيا خارج السلطة وداخلها . تشتتوا بين اليسار بأطيافه والاخوان والأحزاب الدينية السياسية . وتناسوا الأغلبية الساحقة من أهل السودان . تدخل الجيش بانقلابات عسكرية ، ثم كانت الكارثة بتسلل الاخوان اليه كما حدث في انقلاب البشير/ الترابى . السودان سياسيا 1 ـ أرسل محمد على باشا حملة عسكرية لاحتلال السودان عام 1821 ، وبنى الخرطوم عاصمة له ، وتوسع جنوبا وشرقا وغربا ،بما يقارب ما كان عليه السودان قبل انفصال الجنوب عنه . وبسبب الظلم قامت الثورة المهدية ، ونجحت في تحرير الخرطوم 1885 ، ولكن عام 1898 تمكن المصريون بمساعدة الانجليز من إعادة السودان الى التبعية المصرية الإنجليزية. 2 ـ حصل السودان على استقلاله في يناير 1956 ، لتبدأ مشاكل النخبة السياسية ، وهم من العرب السودانيين أساسا ، وبسبب نظرتهم المتدنية لأهل الجنوب الأفارقة فقد تحولت العلاقة السيئة الى أطول حرب أهلية في أفريقيا ، انتهت بانفصال الجنوب عام 2011 ، وكانت أكبر دليل على فشل الحكم في السودان سواء كان عسكريا أم ديمقراطيا . ثانيا : حكومات السدوان العسكرية والمدنية ثانيا 1 ـ تولى رئاسة السودان ( إسماعيل الأزهرى ) : 1956 : 1958 ، بحكومة مدنية ، وبسبب فشله عمّ السخط الشعبى . 2 ـ فقام إبراهيم عبود بأول انقلاب عسكرى ، واستمر عبود في السلطة من 1958 : 1964 . وفشل أيضا. 3 ـ فقامت ثورة شعبية أسقطت عبود وأرجعت الحكم المدنى بقيادة إسماعيل الأزهرى، عام 1964 . 4 ـ ثم جاء انقلاب جعفر النميرى عام 1969 ، وحدث انقلاب عسكرى أخر قصير العمر في يولية 1971 بقيادة بابكر النور وهاشم العطا ، وقضى عليه جعفر النميرى . وعاد للحكم وظل فيه يتخبط حتى قامت عليه ثورة شعبية في مارس / ابريل 1985 5 ـ هبت ثورة شعبية جعلت الفريق عبد الرحمن سوار الذهب ، القائد العام للقات المسلحة يطيح بجعفر النميرى ، ثم قام بتسليم السلطة طواعية الى حكومة منتخبة ترأسها الصادق المهدى 6 ـ الصادق المهدى بحكومته المدنية ظل في السلطة من مايو 1986 ، الى يونية 1989 . 7 ـ قام عمر البشير بانقلاب عسكرى تحت مسمى ( الإنقاذ الوطنى ) في يونية 1989 ، ومعه الاخوان ( المسلمون ) بقيادة حسن الترابى الذى كان وزيرا للعدل ثم الخارجية في وزارة الصادق المهدى وخان صديقه ( الصادق المهدى ) وانقلب عليه . أعلن البشير نفسه رئيسا مدنيا في أكتوبر 1993 ، واصبح حسن الترابى رئيسا للبرلمان 1996 . إختلف البشير مع الترابى فأدخل الترابى السجن مرتين في عامي 2001 ، 2004 . ومات الترابى في 5 مارس 2016 ، فاستراح البشير. البشير هو أسوأ من حكم السودان في العصر الحديث ، جمع في داخلة سيئات العسكر والسودان ، وشهد عصره مذابح في دارفور وغيرها جعلته مطلوبا للمحمكة الدولية مجرم حرب ، وفى عهده انفصل الجنوب عام 2011 . 8 ـ اشتعلت ثورة شعبية على عمر البشير ، فقام عليه انقلاب عسكرى استمر يوما واحد قاده الفريق احمد عوض في 11 ابريل 2019 ، ثم خلفه رئيس المجلس العسكرى الحالي عبد الفتاح البرهان ، ومعه نائب رئيس المجلس محمد حميدتى قائد ما يسمى بقوات التدخل السريع . انتقلت السلطة من المجلس العسكرى الانتقالي الى مجلس السيادة السودانى . قام هذا المجلس بتعيين عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء خلال الفترة الانتقالية ، وأدى اليمين الدستورية في 21 أغسطس 2019 . لم يتحمل هذا الوضع قادة العسكر ( البرهان وحميدتى ) فقاموا بانقلاب عسكرى في 25 اكتوبر 2021 . ومنتظر ـ حتى كتابة هذا المقال 31 أكتوبر 2021 ـ فشل الانقلاب. قد تعود حكومة مدنية للمرة الرابعة في السودان. 9 ـ المتوقع أن يظل السودان يعيش مدة طويلة بين انقلاب وثورة شعبية وحكم مدنى يعقبه انقلاب عسكرى . لماذا ؟ لأن الفريق سوار الذهب ، أنبل شخصية عسكرية في بلاد المحمديين ـ لم يستمر في السلطة ليؤسس إصلاحا حقيقيا ينجو به السودان . ثالثا : خلاص السودان من دائرة الانقلابات 1 ـ هو إصلاح دستورى قانونى ، يمهد على مهل للتحول الديمقراطى ، بمنع العسكريين من التدخل في السياسة ، ويتفرغون لحماية الوطن ، وأن يكون الشرطة لحماية المواطن وليس لقهره ، وتأكيد حرية الدين والتعبير والعمل السياسى والمدنى ، والمساوة التامة بين كل المواطنين أمام القانون، وبرعاية للفقراء والمحتاجين ، وإصلاح حقيقى للتعليم ، يتعلم فيه الطالبة حقوقهم الإنسانية والدستورية ،وتكوين أجهزة للمساءلة والمحاسبة ، والفصل بين السلطات الثلاث ، التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وتأسيس حكم لا مركزى في كل إقليم ، حيث ينتخب سكان الإقليم مجلسه النيابى والمدعى العام ورئس الشرطة. وتتفرغ الحكومة للتخطيط العام والعلاقات الخارجية . 2 ـ التحول الديمقراطى وتعليم وتجذير ثقافة الديمقراطية بين عموم المواطنين يستلزم وقتا وجهدا ، وقبل ذلك يستلزم إخلاصا . وهناك أمل في أن يتحقق هذا . فالجيش السودانى نشأ في ظل حكومة مدنية ، والشعب السودانى مُمثّلا في الهبّات الشعبية أصبح الرقم الصعب في تغيير الوضع القائم . لذا يجب على النُّخب السودانية أن تُصلح من شأنها ، حتى لا تظل في دوامات الفشل والانقلابات العسكرية . وبعد انفصال الجنوب وخسارة نحو مليون سودانى في الحروب الأهلية لا مفرّ من التفكير الوطنى العقلانى الذى يسمو فوق التطلعات الفردية والنزعات الحزبية والتعصبات القبلية . أخيرا ندعو للسودان الحبيب أن يكون سبّاقا لدخول العالم الديمقراطى .!
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ف 7 : التيسير في التشريع مراعاة للضعف والضعفاء
-
ف 6 : تشريعات خاصة بالطفل اليتيم
-
تعليم الطفل إسلاميا في رؤية قرآنية
-
هل منافع الخمر والميسر تجعلهما حلالا ؟
-
القاموس القرآنى : ( جنة / جنّات )
-
ف 6 : تعليم الطفل : ( صناعة الانسان )
-
ف 6 : رعاية الطفولة في الإسلام :( 4 ) رعاية المولود في فترة
...
-
ف 6 : رعاية الطفولة في الإسلام : ( 3 ) العفة الجنسية حماية ل
...
-
ف 6 : رعاية الطفولة في الإسلام:( 2 ) حق الطفل في الحياة قبل
...
-
ف 6 : رعاية الطفولة في الإسلام : ( 1 ) تحديد فترة الطفولة
-
ف 5 : شهامة العسكر المصرى العنيف في تعذيب الطفل المصرى الضعي
...
-
ف 4 : جريمة قتل الأطفال الضعفاء
-
ف 3 : عن ضعف الوالدين في شيخوختهما
-
ف 2 : لُطف الله بضعف البشر
-
ضعف البشر الجسدى في رؤية قرآنية ( 1 )
-
( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْ
...
-
كتاب ( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان
...
-
خاتمة كتاب ( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر ال
...
-
الفصل العاشر : صراع برسباى وشاه رخ: عام 841
-
الفصل التاسع : صراع برسباى وشاه رخ: عام 840
المزيد.....
-
جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل
...
-
40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
-
الإفراج عن خطيب المسجد الأقصى وقاضي قضاة مدينة القدس بعد أن
...
-
رئيس تحرير جيروزالم بوست ليهود نيويورك: هذا دليلكم للإطاحة ب
...
-
رئيس تحرير جيروزالم بوست: هكذا يمكن ليهود نيويورك إسقاط ممدا
...
-
أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وج
...
-
البيت الأبيض: واشنطن قد تدعم تصنيف جماعة الإخوان -إرهابية-
-
المحامي العام يكشف تفاصيل تتعلق بوفاة شاب في الجامع الأموي
-
من سوريا إلى ألمانيا .. العنف الطائفي وصل الشتات السوري
-
صحيفة سويسرية: الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بين التهديد
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|