أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يوفال نوح هراري - هل أصبحت المطالبة بالعدالة في إسرائيل خيانة؟!















المزيد.....

هل أصبحت المطالبة بالعدالة في إسرائيل خيانة؟!


يوفال نوح هراري

الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 2 - 10:46
المحور: القضية الفلسطينية
    


هواجس مقلقة: هل أصبحت المطالبة بالعدالة في إسرائيل خيانة؟!



"يوم الغفران" هو موعد جيد لإجراء حساب صادق للذات، ليس على الصعيد الشخصي فقط، بل على الصعيد الجماعي أيضاً. طوال أعوام عديدة ظل النقاش بشأن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني محكوماً بحل الدولتين. في عهد بنيامين نتنياهو تخلت إسرائيل عن هذا الحل، وبعد انتهاء هذا العهد يجدر بنا أن نُجري حساباً للذات، وأن نسأل أنفسنا بصدق: إلى أين المسير من هنا؟ إذا لم يكن الحل دولتين لشعبين، فما هي الرؤية البديلة التي تطرحها إسرائيل، إذاً؟ عندما نتخيل المستقبل، ماذا نرى هناك بالضبط؟

تعالوا نفترض أن السيناريو الإسرائيلي الأكثر تفاؤلاً هو الذي سيتحقق، وأن إسرائيل ستنجح في تحقيق رؤيتها كاملة. كيف سيبدو الأمر؟ في مثل هذه الحالة، كما في سياستنا في مجال الأسلحة النووية، سيختار معظم الإسرائيليين إبقاء الأمور رهن الغموض. ولكن، عند العيش في إسرائيل بأذنين مصغيتين وعينين مفتوحتين، تبدو الرؤية البديلة واضحة وضوح شمسنا الشرق أوسطية.

باختصار، انتقلت القوى الحاكمة في إسرائيل من حل الدولتين إلى حل الطبقات الثلاث. فهي ترى، في مخيلتها، دولة واحدة بين البحر ونهر الأردن يعيش فيها ثلاثة أنواع من البشر: اليهود، الذين سيتمتعون بكامل الحقوق؛ العرب من الصنف أ (الدرجة الأولى)، الذين سيتمتعون بجزء من الحقوق؛ والعرب من الصنف ب (الدرجة الثانية)، الذين لن يتمتعوا بأي من الحقوق، تقريباً. هذا هو الواقع القائم اليوم فعلياً، وإذا ما أردنا الحكم وفقاً لنتائج التصويت في صناديق الاقتراع، فيبدو أن أغلبية اليهود في إسرائيل تفضل استمرار هذا الوضع، كما هو عليه الآن، إلى الأبد.

الشيطان في المصباح: حل الطبقات الثلاث ليس جديداً، إذ تطبقه إسرائيل منذ عشرات الأعوام بطريقة تدريجية، خطوة تلو أُخرى. لكن إسرائيل تنكر نياتها حتى الآن. المعاملة المختلفة التي تعتمدها تجاه اليهود، وتجاه العرب مواطني إسرائيل، وتجاه العرب غير المواطنين، يجري تبريرها بالادعاء أن هذا الوضع مؤقت تفرضه حاجات دولة إسرائيل الأمنية. واليوم أيضاً، حين يلقي ممثلون إسرائيليون خطابات علنية - في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على سبيل المثال - لا يجرؤون على الحديث صراحة عن حل الطبقات الثلاث باعتباره حلاً دائماً وثابتاً، لأن لهذا الحديث رائحة غير مرغوب فيها.

بدلاً من ذلك، يتحدث ممثلو إسرائيل مطولاً عن التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل، أو يشرحون كيف أنه على الرغم من كون الحيز الممتد ما بين البحر ونهر الأردن هو ملك لإسرائيل، كله، إلاّ أنها لن تمنح سكان نابلس أو بيت لحم حق التصويت، لأنهم ينتمون إلى كائن عجيب يدعى "السلطة الفلسطينية". إنه كائن فريد من نوعه أشبه بمصباح علاء الدين.

هذا الكائن حبيسٌ داخل مصباح صغير معظم الوقت، ولا يعيق شيئاً مما نرغب في تنفيذه. فإسرائيل هي المسيطرة على الأغلبية الساحقة من الأراضي ومصادر المياه، وعلى الحيز الجوي والرقمي، بالكامل، في الضفة الغربية. وتتدخل إسرائيل أيضاً، من دون توقف، في كل تفاصيل حياة السكان الفلسطينيين اليومية وتقرر، مثلاً، المدة الزمنية التي يستغرقها السفر من نابلس إلى بيت لحم، وما إذا كان بإمكان عائلة خليلية المغادرة للمشاركة في حفل زفاف قريب لها في الأردن. قلّبوا صفحات هذه الصحيفة وانتقلوا إلى الصفحة الأخيرة منها، ثم انظروا في الزاوية اليسرى من الأعلى. ستجدون هناك خريطة الأحوال الجوية المتوقعة. كل الحيز الواقع ما بين البحر ونهر الأردن - بما في ذلك قطاع غزة أيضاً - مصبوغ بلون واحد. لن تعثروا على السلطة الفلسطينية، ولا حتى بوساطة عدسة تكبير.

ولكن، عندما نرغب في التنصل من المسؤولية - عن تطعيم السكان الفلسطينيين ضد فيروس كورونا مثلاً - لسنا في حاجة سوى إلى فرك المصباح فقط. فجأة يظهر هذا الكائن بكامل هيبته ويُسقط عنّا أية مسؤولية. "تطعيم سكان نابلس وبيت لحم؟ ما هي علاقتنا بهم؟ نابلس وبيت لحم ليستا تابعتين لنا أصلاً، وإنما للسلطة الفلسطينية".

لكن ربما كان بإمكاننا أن نكون أكثر صراحة ووضوحاً في "يوم الغفران" بالذات، حين يخلو كل شخص بنفسه وحيداً، أو برفقة مجموعة من الأصدقاء الذين يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم. ألا يمكننا الاعتراف بأننا نسير نحو حل الطبقات الثلاث؟ أي نحو دولة واحدة يعاني مليونان من مواطنيها التمييز في التعليم، وفي السكن، وفي الخدمات الشُرَطية، بينما ملايين أُخرى من سكانها لا تتمتع حتى بحق التصويت في الانتخابات؟ دولة واحدة فيها ثلاثة أنواع من الناس. دولة واحدة فيها نوع واحد من الناس متمتع بأفضلية في الأمن الشخصي، وفي الحركة والتنقل، وفي العمل، وفي كل شيء.

ثمة أشخاص يذكّرهم هذا بنماذج مختلفة من التاريخ. هذا ليس ذا صلة أو أهمية. ليس ثمة حالتان متطابقتان في التاريخ، وفي اللحظة التي تُجرى فيها مقارنات تاريخية تبدأ على الفور جدالات فيما إذا كانت الأمور متشابهة أو غير متشابهة، وإلى أي حد متشابهة، بينما يُنسى الأمر الأساس: ما يحدث هنا والآن. عن هذا يجب أن يدور الحديث.

خَوَنة: القاعدة الأولى الخاصة بحل الطبقات الثلاث هي أنه محظورٌ الحديث عن حل الطبقات الثلاث. ليس في العلن، على الأقل. محظور الحديث عنه في العلن لأنه من الواضح تماماً أنه ليس حلاً عادلاً. إنه نابع من منظور إلى العالم يضع فوق العدالة مبدأ آخر: الولاء القبلي. المؤمنون بمبدأ الولاء القبلي يعتقدون أن مجرد المطالبة بالعدل لمن هم ليسوا أبناء القبيلة بمثابة خيانة.

بينما يُحَرَّم الحديث العلني عن حل الطبقات الثلاث، تُرمى كلمة "خائن" في الفضاء، صباح مساء. "الخائن" في الأصل هو مَن يشي بأسرار عسكرية لدولة معادية. على سبيل المثال ماركوس كلينغبرغ، الذي سرّب إلى السوفيات معلومات عن برنامج الأسلحة البيولوجية الإسرائيلي. أما اليوم، فـ"الخائن" في عُرف إسرائيليين كثيرين هو كل مَن يعتقد أن العدالة تكون، أحياناً، أكثر أهمية من الولاء للقبيلة اليهودية. المعارضون لحل الطبقات الثلاث، باسم العدالة، حصلوا على ترقية من مجرد كونهم "ذوي النفوس الجميلة" إلى "خوَنة"، حتى لو كانوا يحملون رتبة جنرال في الجيش.

فكِّروا، مثلاً، في الموقف من المحكمة العليا التي تُتَّهَم هي أيضاً بالخيانة، أحياناً كثيرة. المشكلة التي تقف بين كثيرين من الإسرائيليين والمحكمة العليا لا تنبع من قرار حُكم قضائي عينيّ أو من هوية هذه القاضية أو تلك، وإنما من هوية المحكمة العليا ذاتها - كونها "محكمة العدل العليا"، وليس "محكمة الولاء العليا". فعلياً، لم تُجهض المحكمة العليا حتى اليوم أياً من الإجراءات أو الخطوات الأساسية التي تقودنا نحو حل الطبقات الثلاث، غير أن المعنيين بهذا الحل يتخوفون من احتمال أن تحاول هذه المحكمة في يوم من الأيام، ربما، معارضة هذا الحل باسم العدل ذاته. لذلك، هم يفضلون تصفية "محكمة العدل العليا" مسبقاً، لأنهم لا يريدون في الدولة مؤسسةً تضع العدل فوق الولاء.

يمكن فهم مَن يضعون الولاء فوق العدالة. ثمة ملايين السنين من التطور خلفهم. كل المخلوقات الاجتماعية - من النمل حتى الشمبانزي - تقدس الولاء للجماعة. صحيح أن الشمبانزي يعرف ما هو العدل، لكنه يأتي في نظرهم بعد الولاء، دائماً. في النزاع بين عضوين من السرب نفسه، يقف الشمبانزي إلى جانب الحق والعدل. أمّا في نزاع بين عضو من السرب وشمبانزي آخر غريب، فإن الشمبانزي يفضل القريب دائماً، حتى لو كان واضحاً تماماً أن الحق مع الطرف الآخر. هكذا يتصرف بنو البشر أيضاً في حالات عديدة، كما في الصراعات بين عصابات إجرام، أو في منافسات، و/أو خصومات بين فرق رياضية (عندما سجل مارادونا الهدف بيده، لم يحتج مشجعو الأرجنتين على غياب العدل، بل ادّعوا أنها كانت "يداً إلهية").

إن الحساب هنا واضح تماماً. في العديد جداً من الحالات، إذا ما فضّلتُ العدل على الولاء للقبيلة فسيعود هذا بالضرر على مصالحي، بل قد يعرّض حياتي للخطر. لكن لهذا السبب بالذات يطلقون على تفضيل العدل اسم "الأخلاق"، وليس "المصلحة". الأخلاق حاضرة في تلك الحالات التي تشد فيها المصالح في اتجاه ما، بينما تشد العدالة في اتجاه آخر. ما من شك في أن التصرف بطريقة أخلاقية هو أكثر صعوبة من التصرف بطريقة مصلحية. وهذا هو السبب، على ما يبدو، في أن الديانة اليهودية قد حددت يوماً خاصاً في كل سنة لكي نسأل أنفسنا: "هل نتصرف بطريقة أخلاقية كافية؟". لسنا في حاجة إلى يوم خاص كي نسأل أنفسنا "هل نتصرف بطريقة مصلحية كافية؟"، لأننا نسأل أنفسنا هذا السؤال كل الوقت، دائماً.

في "يوم الغفران" القريب، إذاً، وقبل أن نردد "أذنبنا، خُنّا، سَرَقنا"، يجدر بنا أن نسأل أنفسنا: ما هي المبادئ الأخلاقية التي نعرّف بموجبها الذنب والخيانة والسرقة أصلاً؟ هل نعتقد أن اليهود هم أشخاص علويون بطبيعتهم ويحق لهم التمتع بحقوق وامتيازات خاصة؟ هل نعتقد أن العدالة أكثر أهمية من الولاء القبلي أحياناً، أم أن الولاء للقبيلة هو المتقدم على العدالة دائماً؟ وعلى الرغم من ذلك هل ثمة طريقة للتجسير بين المطالبة القيمية بالعدالة والمطالبة القبلية بالولاء، من دون الحاجة إلى الاختيار بينهما، ومن دون أن تُعتبر المطالبة بالعدالة خيانة؟

*أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية في القدس ومؤلف كتب "موجز تاريخ البشرية" و"موجز تاريخ الغد" و"21 درساً عن القرن الـ21". المقال نُشر قبل "يوم الغفران" وننشره لأهمية تشخيصاته



#يوفال_نوح_هراري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أصبحت المطالبة بالعدالة في إسرائيل خيانة؟!


المزيد.....




- إعلام إيراني: إسرائيل تهاجم مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الر ...
- زيلينسكي يعول على حزمة أسلحة أمريكية موعودة لأوكرانيا
- مصر تحذر من استمرار التصعيد الإسرائيلي الإيراني على أمن المن ...
- لحظة استهداف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (فيديوها ...
- لقطات من داخل مستشفى الفارابي بمدينة كرمنشاه غربي إيران عقب ...
- ترامب: الأمر مؤلم لكلا الطرفين.. إيران لن تنتصر بالحرب على ا ...
- هل مقعد 11a هو الأكثر أماناً على الطائرات؟
- نتنياهو: إسرائيل على طريق النصر وعلى سكان طهران إخلاء المدين ...
- -سي إن إن-: ترامب يتجنب المواجهة مع إيران لكن الجمهوريين يحث ...
- قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزي ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يوفال نوح هراري - هل أصبحت المطالبة بالعدالة في إسرائيل خيانة؟!