من مسرح العبث تخفيضات خليوية

حسين خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 1646 - 2006 / 8 / 18 - 04:41
المحور: كتابات ساخرة
    

أخيرا استطاع السيد وزير الاتصالات إجبار الشركتين المشغلتين لخدمة الخلوي في سورية (كلمة خدمة هنا تعني خدمتنا نحن الجماهير الغفورة لأصحاب الشركتين الموقرين طبعا وغصبا) على الانصياع لقراره وعقد مؤتمر صحفي مشترك مع سيادة الوزير أعلنت فيه تخفيضات هائلة على أسعار خدمة الموبايل جعلت المواطن المنتوف الذي أصبح الموبايل من ضروريات حياته يرقص
طربا لهذه التخفيضات ـ وليس كالطير مذبوحا من الألم ـ .
تخيلوا أن تتحول البلد إلى حلبة رقص يشترك فيها 3.5 مليون مواطن ومواطنة (هم عدد مشتركي الخلوي) مع أقربائهم وأصدقائهم والمدعوين، كم سيكون الغبار هائلا والفرح عاما؟؟
لكنه ـ المنتوف ـ بعد إن انتهى من رقصه انجلى غبار الراقصين عن تفتيقات بهلوانية مسرحية اشتركت فيها الوزارة مع الشركتين اللتين لا نشك بأنهما متحدتان ضد المواطن منذ تأسيسهما ولم نر أي منافسة بينهما سوى في المزيد من نهب المواطن وسوء الخدمة مع ازدياد عدد المشتركين.
• أهم فصول المسرحية خفض الخوة الشهرية من 600 ليرة إلى 400 ليرة «عفارم» لكن يقابلها إلغاء ميزة الخمسين دقيقة المجانية(قيمتها 200 ليرة) التي منحتها الشركتان للمشتركين منذ اقل من عام!! صحيح أن الناس لم يكونوا يصدقون الشركتين في منح هذه الميزة بسبب «الثقة والاحترام» اللذين تتمتعان به لدى الجمهور لكن ما أعطاه السيد موبايل باليسار أخذه باليمين علنا وسماه السيد الوزير بكل ثقة واقتدار تخفيضات؟!!
يا الهي هل يحسبوننا أغبياء إلى هذه الدرجة؟! أم أنهم لا يهمّم رد فعل المتلقي لأكاذيبهم فهم صاروا يصدقون أنفسهم من كثرة ما كذبوا. . . .
• الفصل الثاني من المسرحية خفض قيمة دقيقة الاتصال بين الهاتف الأرضي والخلوي من 6 ليرات إلى . . . . . . (6) ليرات في أوقات الذروة (وهي تشمل معظم أوقات النهار)، وإلى (5.5) ليرة خارج أوقات الذروة (من الواحدة ليلا إلى التاسعة صباحا)!! وهذا الفصل تتداخل فيه الكوميديا مع التراجيديا لتصنع لنا مسرحا جديدا في ظل تراجع الحركة المسرحية في سورية، فالشباب مهمومون بتطوير كل مناحي الحياة في سورية ألم يشجعوا رويدة عطية في السوبر ستار وجنوا من تصويت السوريين فقط 60 مليون ليرة؟
• هناك عروض مغرية هي عبارة عن فذلكات لا يهتم بها معظم مشتركي الخلوي إضافة إلى قصة المصداقية التي تتمتع به الشركتان ففيهما الخصام وهما الخصم والحكم والوزير!! فمن يحاسب الشركتين على التزامهما بعرض (خدمة العائلة والأصدقاء) الذي يتضمن تخفيضا بمقدار 25% على قيمة المكالمات مع خمس أرقام خلوية ورقمين ثابتين يختارهما المشترك؟ أكيد أنها الوزارة!! فتأكدوا من تطبيق هذه العروض يا سادة!! وتضمنت التخفيضات الموعودة تخفيض 25% على الخطوط اللاحقة الدفع و20% على المسبقة الدفع أيام الجمعة بين 9صباحا و6 مساءً، ثم تأتي رسائل «الملتي ميديا» و خدمة «المجموعات المغلقة» الخاصة بالشركات وهي لا تختلف عن التخفيضات الوهمية التي سبق واستعرضناها.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الاتصالات مع «الشركتين» المشغلتين قال ـ والعهدة على الراوي ـ إن كلفة هذه التخفيضات 4.5 مليار ليرة سورية!! أليس عجبا أن تكلف تخفيضات وهمية هذا المبلغ؟؟ ووعد بتخفيضات وعروض قادمة مع انتهاء خريف البطريرك في الربع الرابع من عامنا الحالي، ونسي أن يضيف عبارة (إذا بقينا على رأس الوزارة).
مراقبون مهتمون بموضوع الخلوي في سورية دهاليزه وتعرجاته وكهوفه حسبوا الأرباح غير الشرعية التي ستحصل عليها الشركتان نتيجة الغبن الذي لحق بالبلد والشعب في عقود الخلوي بمبلغ مائتي مليار ليرة سورية على مدى 15 عاما هي مدة العقود، لكن تبين لهم الآن أن الأرباح غير المشروعة لهما (أو له) أعلى بكثير من هذا المبلغ لتصل إلى 500 مليار ليرة تستنزف من ميزانية البلد وتصب في جيب أحد (هل تعرفون من هو أحد؟؟!!)، احسبوا معي الـ 600 ليرة الخوة الشهرية منذ تأسيس الشركتين بوسطي مليوني مشترك لهما (600 * 12*5 * 2000000= 72مليار ليرة فقط لا غير)، وهاكم بعض جوانب الدلال الذي عوملت به الشركتان على حسابنا طبعا ـ ودائما على ذمة المراقب المتابع ـ :
• وضعت أسعار الخطوط وأجور الاتصال على أساس أن لا يزيد عدد المشتركين عند انتهاء العقد عام 2016 عن مليون وسبعمائة ألف لكلا الشركتين، لكنه زاد الآن عن 3.5 مليون وهذا يعني انخفاضا كبيرا في تكاليف تشغيل الشبكة، والوزارة ومؤسسة الاتصال (بافتراضهما أصحاب القرار في الحل والربط) «طنشتا» عن هذا التغيير الكبير في الشروط العقدية بما ينبغي ان يعني انخفاضا كبيرا في الأسعار!!
• يحتاج تشغيل كل مليون خط (مشترك) إلى 1690 دارة E1. ويتبين من قائمة أسعار الدارات المعمول بها عند دراسة الجدوى الاقتصادية أن رسم دارة الـ E1 هي سبعون ألف ليرة سوري شهرياً. وحرصا من الحكومة ومؤسسة الاتصالات على منح أرباح إضافية للشركتين بعد توقيع العقود قامت بعد يومين فقط من توقيع العقود أي في 14-2-2001 بعقد اجتماع مجلس إدارة مؤسسة الاتصالات ليقرر الموافقة على إجراء حسومات كبيرة على أجور الدارات وكان نصيب الدارة الأهم E1 التخفيض من سبعين ألف
ليرة سورية شهرياً إلى ثلاثين ألف فقط.
وبحساب مشابه نتوصل إلى أن الأرباح غير المشروعة تصل في هذا الباب الى 60 مليار ليرة سورية فقط!!
• قدرت نسبة الضرائب على أرباح الشركتين عند حساب الجدوى الاقتصادية بـ 63% منها لكنها تغيرت بعد توقيع العقود إلى 20% وبذلك تزيد أرباح الشركتين بمقدار 14 مليار ليرة سنويا!! ولم تتدخل وزارة المالية ولا الوزارة والمؤسسة المعنية رغم أن المالية لا تترك قرشا من رواتبنا بدون أن تأخذ خراجها منه فيما أصحاب الملايين يتنعمون بالإعفاءات والواضح أنهم سنوا قانون الاستثمار والإعفاءات الضريبية والتسهيلات لأنفسهم وأولادهم وأحفادهم من بعدهم ليعيدوا إدخال الأموال التي نهبوها من البلد تحت اسم الاستثمار مشكورين محاطين بآيات الشكر والعرفان على غيرتهم الوطنية وحرصهم على استثمار أموالهم المسروقة في الوطن الغالي، كيف لا وقد منحهم كل هذا الثراء والعز والجاه؟؟.
بقي ان نهمس في اذن السيد الوزير اذا استطعنا ان نتطاول ونصل اليها: ان الناس يرون الحقائق على الأرض ولا يكترثون لما تقولونه في مؤتمراتكم الصحفية مع أصحاب الموبايل، ورغم انك ـ سيادة الوزير ـ قارىء جيد لما ينشر في المواقع الالكترونية السورية غير المغضوب عليها اسمح لي أنا العبد الفقير أن أذكّرك ببعض ما قاله الناس تعليقا على تخفيضاتكم الوهمية،
• فمبلغ الـ600 ليرة خوة لا معنى لها بعد هذا الازدياد الكبير في عدد المشتركين والغاؤها ضرورة لتظهر الوزارة مسؤولة عن رعاياها بدل ان تكون محاميا لشركة الخلوي.
• أما مبلغ الـ 50 ليرة التي تؤخذ بدل ميزة الكاشف فهي من السمات الخاصة بالتجربة السورية في استباحة البلد والناس من قبل شركة الموبايل، فهذه الميزة موجودة في كل شركات الخلوي مجانا حتى في بنغلادش.
• أما قصة أجزاء الدقيقة فقد مل السوريون من الحديث عنها، هل لديكم إجابة مقنعة في مبرر قيام الشركة المدللة بحساب الثانية الواحدة دقيقة ناهيك عن أجزاء الدقيقة؟ إن هذا وحده يشكل مهزلة حقيقية في ترك الحبل على الغارب لهم لشفط ما في جيوب المواطنين المجبرين على الإذعان لما تريده الشركة الخلوية الكلية القدرة؟!!
• في مصر هناك شركة فودا فون وهي تمنح المشترك مقابل كل دقيقة دقيقة مجانية ومقابل كل رسالة رسالة مجانية ورغم ذلك فان أسعارها ارخص من أسعار سيرياتل وسبيستل فأين نحن من التجربة المصرية؟!
• رغم حضور جماعة الخلوي مؤتمركم الصحفي وتأكيدهم على التخفيضات الخلبية لكنهم لحسوا كلامهم واعتذروا للشعب السوري لأنهم لم يتلقوا كتابا رسميا من مؤسسة الاتصالات حول إجراء التخفيضات إياها وكأن المؤسسة في طوكيو وأرباب الخلوي في ديريك زمن انعدام وسائل الاتصال لكنهم استدركوا فيما بعد وأكدوا التخفيضات!!
• تساؤلات المشتركين حول نظام الفوترة ـ إن كان هناك نظام ـ في شركة الخلوي لا تنتهي، ويتوقع الكثيرون أن الموضوع يحسب «مشايلة»، فأحدهم فصل هاتفه مدة 20 يوما من الدورة الخاصة به، أي انه تكلم عشرة أيام فقط وجاءت فاتورته قريبة من فواتير الأشهر الأخرى، آخر كان مسافرا خارج القطر لمدة 25 يوما ومعه موبايله، أي لم يستعمله احد في غيابه، فوجىء بالفاتورة هي هي، بحدود 1700 ليرة مثل معدله الشهري، هذان المثالان يجعلان الثقة تطير بيننا أكثر فأكثر أيها الخلويون؟؟
ختاما نقول إذا كانت قضية إيقاف شركتي (شركة) الخلوي عند حدها خارج إمكانات الوزير بل الوزارة كلها فأعلنوها وانسحبوا من الواجهة لأننا نعرف القصة وما لم يعد هناك ما يخفيه احد، لكن إذا كانت لديكم إمكانية التأثير والقرار فلماذا هذا الضحك على اللحى؟!

#حسين_خليفة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات