أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس فاضل عبد - رواية ليلة الحلم الايطالي .... وجماليات النص -بعد- ما بعد الحداثي















المزيد.....

رواية ليلة الحلم الايطالي .... وجماليات النص -بعد- ما بعد الحداثي


عباس فاضل عبد
شاعر وباحث اكاديمي

(Abbas Fadhil Abd)


الحوار المتمدن-العدد: 7003 - 2021 / 8 / 29 - 00:10
المحور: الادب والفن
    


ان النصوص التي تعتمد على مفاهيم السمو الارتقاء والحب والجمال الايمان الاشباع التطهير وغيرها من المفاهيم التي ترتكز على التفاؤلية الميتافيزيقة هي النصوص التي يطلق عليها (اشيلمان) نصوص ("بعد" ما بعد الحداثة) على اساس التمييز الجمالي بينها وبين نصوص (ما بعد الحداثة) ذات الطابع المتشائم العبثي والمشتت للعلامة والذي يقود الى ما يعرف بالتشائمية الميتافيزيقية .
تكشف رواية ليلة الحلم الايطالي للاكاديمي العراقي ماهر مجيد ابراهيم خروجا مقصودا من عباءة جماليات وافكار وتقنيات الما بعد حداثية وعبورها بمديات نحو مناهج ( " بعد" ما بعد الحداثة ) ، واقصد به (المنهج الادائي) للنص السردي ، والذي نادى به الناقد الامريكي راؤول اشيلمان عام 2012 كمشروع أدبي نقدي جمالي ، اذ مثلت الادائية مشروعا جماليا فكريا هو النقيض من جماليات وافكار (ما بعد الحداثة) على مستوى النص ، حيث، سلطة المؤلف في قيادة عملية السرد الروائي مابين الذاتي والموضوعي والتماهي القسري مع الشخصية المركزية ، وواحدية المعنى ، وغلق النص ، والسمو ، والتفاؤل الميتافيزيقي .
رواية ليلة الحلم الايطالي تدور بمركزية حول شخصية كثيفة ومبهمة لنحات شاب خسر كل عائلته ، يسكن منفردا في شقة في منطقة الكسرة ، يعاني من خسارات عديدة ، وله وجهات نظر فكرية وفلسفية في كل الاحداث التي تحدث ، يمر بظروف عاصفة عاطفية ونفسية وفكرية ، بيئته المحيطة به جُسدت بمجموعة من الشخصيات العابرة للتصنيف الطبيعي المعتاد ، فهي ذات تنوع عرقي وديني فحبيبته المسيحية (انسجام) و شخصية (ابو ادريس) اليهودي الذي اسلم في شبابه من اجل الزواج بحبيبته المسلمة وشخصية الشقي (فلاح ) القاتل الذي لا تقيده اي مقدسات او اعراف اجتماعية وشخصية الشهم (ابو احمد) والذي ضحى بحياته من اجل مبدأ ، والعديد من الشخصيات ذات الطابع المغاير والتي تتفاعل فيما بينها في خضم احداث مريرة حدثت في فترة زمنية من تاريخ العراق المعاصر ، اذ استطاع البطل (نبيل) من مسايرة كل هذه الشخصيات والتعايش معها ليعطي للقارئ مثالا للشخصية الكوزموبوليتانية التي تستوعب كل هذا التنوع والتفاعل معه ، وليس من سبب الا لارتباطها الحقيقي بالمكان الذي تعيش فيه وعدم التفريط به .
الخط الزمني للسرد مضى من الحاضر واستمر خطيا في تتابع الاحداث وفق رؤية قصدها الكاتب رغم لا واقعية الاحداث وصعوبة تصديقها لولا حدوثها في فترة عصيبة من تاريخ العراق المعاصر والاحداث العجيبة التي مرت في فترة العنف الاهلي والاحترابات الطائفية ما بين عامي 2005 -2007 وفي مكان صغير من بغداد يقع بين منطقتين يمثل الفارق بينهما كالفارق بين الجنة والجحيم هما منطقتي الكسرة الفقيرة والوزيرية المترفة وما يفصل بينهما هو شارع مثّل منطقة الاعراف ، مع الانتقال الى اماكن اخرى في بغداد تطلبها سرد الاحداث كالكرادة والفضل والمتحف البغدادي ومقبرة الانكليز في باب المعظم ، هذا التنوع في الشخصيات والامكنة كان مقصودا بعناية من خلال حبكة رسمت بدقة لايصال معان تمسك الانسان ببيئته ومحيطه رغم قسوتها ، وهذه مركزية الفكرة الاساسية في الرواية.
هيمنت رؤية السارد على كل احداث الرواية وعلى كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة بحيث لم يعطي للقارئ مجالا للرؤية الا من خلاله ، مما شكل احادية في الرؤية وقصدية عالية في ايصال دلالة معينة وبالتالي قادنا المؤلف الى واحدية المعنى مستخدما أسلوبا جماليا في التماهي القسري الذي يجعل المتلقي قادرا على الانخراط والاستجابة الى الابعاد الجمالية المجردة والتفسيرات الفلسفية العميقة لكل حدث يحدث في مسار السرد الروائي، وهذان المحوران المتمثلان في التماهي القسري مع الشخصية المركزية والواحدية هما جوهر اي نص ادائي.
ان التماهي القسري في (المنهج الادائي) يختلف جذريا عن اسلوب التماهي الاجباري او القسري الموجود اساسا في اساليب الرواية منذ نشأتها لغاية الان ، وذلك بسبب اعتماده على البناء المحكم لعملية القص والتي تقود المتلقي إلى تبني حلا ايجابيا وحيدا وملزما لجميع المشاكل التي تطرحها الرواية، لأنه يرتبط اصلا بالشخصية والتي تشكل النسيج البنائي لباقي الأحداث ، وما تقود او توجد من حلول تفاؤلية ينهض على واحدية المعنى المراد ايصالها إلى المتلقي، ويتم ذلك باستخدام وسائل قسرية دوغمائية تشكل الإطار الذي ترتكز عليه الرواية، وهذا الإطار القائم على قسرية التماهي يمتاز بوظيفة ثنائية او ما يسميه اشيلمان (بالتاطير المزدوج) فهو من ناحية يفصلنا مؤقتا وقسريا عن السياق المحيط به وبدفعنا دفعا داخل حدود العمل، ومتى ما أصبحنا في الداخل، فلا مفر حينها من التماهي مع شخصية أو فعل أو موقف لكن ضمن حدود العمل ككل.
و (التأطير المزدوج) ينقسم الى أداتين متشابكتين، يطلق على الأولى (الإطار الخارجي) أو إطار العمل وعلى الثانية بـ (الإطار الداخلي) أو المشهد الأصلي وتكون وظيفة الإطار الخارجي أو إطار الرواية العام - أضافة إلى كونه الحامل الرئيسي لفكرة التفاؤل الميتافيزيقي - هي فصل الرواية عن العالم المحيط بها، أي أن الإطار الخارجي يدق أسفينا بين العمل وسياقه ، أنه يفرض علينا مؤقتاً، إدراك الفضاء الخارجي بوصفه وراءاً فارغاً متعاليأ، فضلا عن أنه يفرض علينا التركيز مرة أخرى وتمييز كائنات ، وأفعال ، أو شخصيات معينة في العمل وهو ما يدفعنا دفعآ إلى داخل الرواية إلى (الاطار الداخلي) اوالمشاهد الإشارية المكونة من نمط معين من شخصيات بسيطة ذات كثافة او غموض وتتبنى نمطا معينا من الأفعال الإيجابية لتقوم بتقوية منطق الإطار الخارجي للرواية، وحتى تؤدي المشاهد الإشارية هذه الوظيفة يجب أن يتم التفكير بها ضمن إطار الرواية (الإطار الخارجي) ، فتعيد المتلقي مرة أخرى إلى الإطار الخارجي، وهكذا دواليك ، ليتم إحكام تأثير فكرة التفاؤل الميتافيزيقي التي تطرحها الادائية على المتلقي وتقديمها له كمعطى ثقافي ايجابي، وهذه هي نقطة الجدة في في طرح الادائية والمتمثلة في تناولها لشخصيات بسيطة ضمن الإطار الداخلي للرواية ثم الوصول بها إلى أسمى حالات التجاوز والعلو سواء في السلام الداخلي، الحب، الإيمان، العطاء في الإطار الخارجي للرواية ، ضمن بناء سردي مغلق، يتوافق فيه عمل هذين الاطارين، إذ تنتقل فكرة الرواية المثيرة للجدل بحركة بندولية ذهابا وايابا بين هذين الموقعين، فيقوي كل منهما منطق الآخر بطريقة دائرية مغلقة.
وهذا ما حصل مع رواية الحلم الايطالي ف (نبيل) السارد الكلي العليم والمشارك في الحدث شخصية كثيفة تحمل افكاراً فلسفية وروى فكرية عميقة فضلا على حرفيته في طرح افكاره ومنطلقاته الفلسفية في داخل مشاهد واحداث الرواية والتي توفر له دائما عنصرا جاذبا في علاقاته مع الاخرين وخصوصا النساء ، فعلى الرغم من تفاوت حدود هذه العلاقات في طبيعتها لكنها انشأت لنا مشاهدا او اطارا داخليا للرواية ، فعلاقته الغرامية مع زميلته في المتحف البغدادي (انسجام) تطورت بطريقة دراماتيكية بحيث ترك لنا المؤلف مساحة كبيرة من التأويل عن سبب انقطاعه عن مراسلتها حين ذهبت للعلاج الى امريكا طيلة سنة كاملة ، رغم العلاقة الحميمة التي تربطهما ، وكان السبب الظاهر هو لانشغالها بالعلاج لكن المنطق والقراءة العميقة تشي بغير السبب المعلن ، وتشير الى نرجسية وتعالي او سمو في شخصية نبيل ، وكذلك الحال مع صديقته (لقى) المترجمة والفتاة الارستقراطية والتي اهدته ثروة كبيرة لا تقدر بثمن وهي مجموعة من الآثار والتحف الفنية بعد ان غادرت العراق ، وصراعه الداخلي بين ان يبيعاها بمليون دولار ويعش سعيدا لباقي حياته او ان يبقيها معه ، كونه سادن وحارس لتاريخ سُرق اغلبه ، وكذا الحال في تعامل (نبيل ) مع (ابو احمد ) صاحب المطعم الشهم وصاحب الاخلاق السامية والذي خسر حياته نتيجة موقف اخلاقي استجاب فيه لحقيقة اخبره بها (نبيل) عن سبب قتل (رحومي) بائع الشاي والعديد من الاحداث الداخلية او المشاهد الاشارية والتي تشد وتجذب القارئ جذبا ليتماهى قسريا معها من خلال هيمنة صوت السارد (نبيل) المرسوم بدقة من قبل المؤلف ، فكانت حركية المعنى تتراوح جيئة وذهابا بين اطارين داخلي مثل المشاهد الاشارية لرؤى (نبيل ) وتفسيراته لما يقع من احداث كونه السارد الاوحد في للعملية السردية مشكلا اطاراً ذاتيا للعمل ، ومن جهة اخرى فأن الاطار خارجي (الاطار الموضوعي) تمثل بالمحيط المكاني والزماني للعمل وهو منطقة الكسرة خلال اعوام 2005 – 2007 والتي لا تشبة منطقة الكسرة التي نعرفها كقراء ، بحيث تمت عملية الغلق وحصر عملية السرد داخل هذين الاطارين مما عكس حرفية عالية لدى مؤلف الرواية في خوض الكتابة بطريقة السرد الادائي من خلال توظيف البعد الفني / الجمالي مع البعد الفكري / الفلسفي في التقاط اي حدث يمر ضمن البناء السردي للرواية.
هذه العملية في الكتابة تحتاج قدرة فنية عالية في الوصف والسرد ، وهو ما تحقق من خلال ادخال القارى في كرنفالية عجائبية وبتقنية عين الكاميرا التي لا تترك شيئا الا والتقطته ، ساردة رويتها بصوت سارد عارف متنقل ما بين الجمالي والفلسفي ، بحيث تصبح هذه الامكنة عبارة عن ايقونات من الجمال والبهاء ، رغم احداث الماساة والحزن التي تقع فيها، ان براعة الكاتب في الخوض في منطقة السارد العارف وهو يؤرخ لمكان دون الوقوع في تقريرية مباشرة في الوصف ، تهيئ له من خلال توظيفه لكل التقنيات السينمائية المتاحة في خطابة الروائي ، فطوال المسار السردي يعرض الكاتب مشاهد القصص وكانها لقطات سينمائية مجمعة عن طريق تقنية المونتاج ، واصفا كل حدث وكل مكان بدقة وكأن الوصف هو كاميرا تلتقط اقترابا وابتعادا ، فضلا عن توظيفه لتقنية الفلاش باك ببراعة خدمة لسرد الحدث ليخرج بحصيلة نهائية اخرجت هذا المنجز من العنق الضيق لاحادية الصوت السردي وهو ينهض بتعددية الاصوات داخله.
رواية ليلة الحلم الايطالي هي الرواية الاولى للكاتب ماهر مجيد ابراهيم والتي نجحت بشكل كبير في التعبير عن روئ وافكار وجماليات ( "بعد" ما بعد الحداثة ) والتي كما يبدو هي النتيجة الحتمية لحركية التاريخ وتغير قناعات البشرية المرحلية (العلمية ،الادبية ، الثقافية ، البلاغية) وفق مستجداته الآنية التي يعيشها ، وهي تشي بميلاد روائي من نوع آخر يتحرك بين منطقتين متوازيتين هما منطقة الفكري / الفلسفي ومنطقة الفني / الجمالي والمؤسس على القيمة الانسانية العميقة.



#عباس_فاضل_عبد (هاشتاغ)       Abbas_Fadhil_Abd#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية ليلة الحلم الايطالي .... وجماليات النص -بعد- ما بعد ال ...


المزيد.....




- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...
- الفيلم الكويتي -شهر زي العسل- يتصدر مشاهدات 41 دولة
- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس فاضل عبد - رواية ليلة الحلم الايطالي .... وجماليات النص -بعد- ما بعد الحداثي