أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - تقريباً على ميقات الجمر














المزيد.....

تقريباً على ميقات الجمر


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 6984 - 2021 / 8 / 10 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


(الجوع يمد مخالبه في بطني، فألتهم أوراقي وأمشي..)، بهذه الكلمات للشاعر عدنان الصايغ يبدأ شاعرنا عز الدين جوهري ديوانه "تقريبا على ميقات الجمر"، ليجول بنا لتحقيق الفكرة التي بدأ فيها الديوان عبر تسع عشرة لوحة جميلة، وفي خلال تجوالنا في الديوان نلمس كم أن روح الشباب تلعب دورها في الأشعار، فالشاعر من مواليد 1978 وهو من الجيل الذي ولد وعاش في ظل أزمة المجتمع والوطن على امتداده، مرحلة الهزائم والانكسارات وتمزق الحلم الذي عشناه نحن الجيل الأكبر في العمر في ثناياه، فكان جيل الشباب ممزقاً ويشعر بالإحباط مما يرى ويلمس، فيقول: (خذ الوقت بعيداً، شعلة الحنين انطفأت، ما عاد للمطر ضجيجه العارم)، وهو يعاني الوحدة ولكنه يحلم بالغد رغم الوحدة: (وحيداً تأكلني الغابة، ويلتهمني العشب، وحيداً أسرق ناري، لأشعل الحرائق، أسرق العتمة)، كذلك نلمس بوضوح أثر الترحال على روحه، فهو متنقل بين بيروت ودمشق والجزائر: (سهواً أبحث عن مدني التائهة تحت المدى) ولعل دراسته للقانون لعبت في روح شعره مسائل أخرى فنراه يقول: (فقط أبواب موصدة وأخرى للنباح)، فنجد السؤال والبحث عن الإجابة يكاد لا يبتعد عن نصوصه.
إن التجوال في ثنايا نصوص الشاعر يحملنا للشعور بكم العاطفة المتأججة في داخله، وحجم الألم الذي يعتمل في نفسه، فحين نسمعه يهتف: (وداعاً لنبضٍ لا يحرض الدم على اللهيب) نشعر بذلك، لكنه لا يفقد الأمل أبداً رغم كل الألم: (إنني الآن أبتسم للزوايا، التي تكدست في العروق)، بحيث أنه صار يرى البلور: (إكليلاً من الياقوت وحنطة للجوعى الماضين نحو الحروب)، ويرى من خلال الحلم في المستقبل (الغيمة الراتعة قمح الفؤاد)، ويؤمن إيماناً كبيراً بأن السواعد الشابة يقع على عاتقها التغيير وتحقيق الحلم: (حين تنـزل الأمطار من ساعديك، فيورق الحجر).
الأرض بما تعنيه من مفاهيم لدى الإنسان لا تفارق شِعر عز الدين جوهري، فنجدها تتكرر كثيراً في شِعره، ويمنحها الروح حين يقول: (ها هي الأرض تزهو بك ويخضر الحجر)، ويؤكد دوماً أن الأرض تحتاج إلى محبيها وعشاقها، فهي الأم وهي المرأة.. هي الوطن، وبدون البذل لها لا يمكن أن تخضوضر: (هكذا يخضر الحجر، من ضلوعك في ضلوعي)، فالحلم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال العطاء، هذا العطاء الذي يصل إلى مرحلة تقديم الدم رخيصاً من أجل الفكرة/ الوطن: (من فرط دمك في دمي أنا نزلت)، فنجد الشاعر يرى من خلال التقديم والتضحية تحقيقاً للفكرة: (أحمل في يدي برزخاً، وأرضاً تميد وأشعاراً، بلون الريحان، وبساتينَ من فتات الريح، وسماءً زرقاء بلون البحر).
وهكذا نجد الشاعر يجول بنا في رحاب ديوانه، بلغة جزلة، لوحات جميلة، تحملنا لنحلق معها، فهو لا يكتفي فقط ببث المشاعر، ولا يقبل أن يزين الكلمات فقط، بل يقودنا عبر رحلة طويلة، عبر الأرض ورحلة البحث والأزمات والحلم، كل منها تداخلت في قصائده بجمال خاص، وفي كل شطرات شِعره رسم لنا لوحات من الآهات، من الحلم، فتراوح فيما يبوح به من الروح للروح، بين المشاعر الإنسانية، فكانت الأرض والوطن، وكانت المرأة وكان الحب؛ فهو يخاطب المرأة بقوله: (امتطي جسوراً بللها الحب، تنفسي آخر الماء)، فالحب عنده غير معزول عن الأزمة العامة، والمرأة عنده رفيقة المسيرة ورفيقة الدرب والمعاناة، فهي ابنة البلد وابنة الجبال، وليست مجرد جسد امرأة، فيصورها بلوحة رائعة، وكأنها فرس تصهل في الجبال: (توجعني بروقك اللاهثات بلمعانها، ورائحة كرزك جديلة، امرأةٍ تأتي من بني الجبال، تصهل بكل ما فيها من نقاوة).
في كثير من المواقع في شِعر الشاعر، لم يخرج عن فكرة الأرض والواقع، فلا نرى في شِعره المرأة المرسومة من الخيال، لكننا نجدها ابنة الواقع والمجتمع، وبالتالي نجد أنه يصف الذين تخلوا عن أرضهم بأنهم: (رحلوا كشتاء أخير)، وأنهم: (لم تعجبهم رائحة التبن تغزله صبايا الحقول)، فرحلوا من أرضهم إلى الغربة: (رحلوا إلى مدن نائيات)، فأرواحهم اغتربت عن واقعها، عن تراب الأرض، عن المرأة الملتزمة بترابها، فتخلوا عن (نسوة المروج يعجن الكسرة، يعبثن بالفجر)، ومع كل ذلك فهو لا يتخلى عن الحلم بالفجر القادم: (أرقب قطار العمرِ، القادم من وراء حجاب، نسقي أزهارنا العطشى، ثم ننام كعادتنا، إلى أن يأتي الصباح).
الأمكنة لا تفارق الشاعر، فهي تسكنه، فمن وطنه ومن الجبال، يتنقل بين الأمكنة، يذكر بيروت التي تسكن منه القلب، فبيروت ككل الأمكنة التي تسكن الروح، تصبح أجمل أنثى لا يمكن إلا أن يذكرها ويحلم بها: (وها أنت- يا بيروت- بكل خرابك، تكتسين الأخضر، من فصول هوانا الصعب، وتكتسين الأزرق الأزرق، من بحرنا، المفتوح على صهيل أنفاسك المعتمة).
الألم الذي يسود روح الشاعر وينثره على صفحات ديوانه، لا يتوقف أبداً، فالروح المرتبطة بالأرض والوطن والحب، تبقى تعاني الألم الذي لا بد أن ينتهي حين تحقق الحلم فتعود الحياة: (كما الأزهار ربيعاً)، فالألم في ديوان الشاعر ليس حالة ذاتية، ليست معاناة الأنا المجردة، بل هو ألم الإحساس العام، المعاناة للجميع، لذا كانت روح الشاعر تجول بين الأمكنة، والوطن، والغربة، والمرأة، والحب، وفي كل الحالات كان يبتعد عن الفردية، يبتعد عن الذات، فهو لا يرى أن بإمكان روحه أن تحلق وحيدة بدون أهل ووطن وأرض وحب.
وختاماً.. أرى في ديوان الشاعر تجربة روحية كبيرة، تؤكد هوية خاصة بالشاعر، فهو يرحل في هذه المسافة، يؤكد على الكلمات والمعاني التي كانت كفراشات محلقة، تشكل مشهده الشِّعري، مستخدماً تكثيف اللغة والاستعارة بلوحات جميلة، تعلمنا ماذا تعني الأرض، وماذا يعني الحب، وماذا يعني أن نكون نحن.
"رام الله- فلسطين"



#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألوان الفرح والوطن في خمسة قصائد
- الرحيل والحب والحلم في -نافلة الحلم-
- قمر و-كوفيد الاحلام-
- الحلم في -مرافئ الغيم-
- عابر في الماضي
- قصة وفاء للعمالقة
- الحب والحلم في -أفكار وأحاسيس أنثى-
- جاناريتا والصراع من الأسود للأبيض
- تمرد الأنثى في -مداي الف دهشة-
- الوجه الآخر لابتهال القرنفلة
- دوامة -منّ السَما-
- رحلة في قلب حبة سكر
- التوليدية في الحراك المصمت للفنان بشير أحمد
- سياحة أدبية مع رجع الكلام
- صباحكم أجمل/ سلواد حكاية عشق
- صباحكم أجمل/ سلواد حكايات الأجداد وعشق الجدات
- صباحكم أجمل/ ذاكرة سلواد
- صباحكم أجمل/ سلواد تروي الحكاية
- صباحكم أجمل/ كور والدر المنثور
- صباحكم أجمل/ سلواد لبؤة الجبال


المزيد.....




- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - تقريباً على ميقات الجمر