أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - عابر في الماضي















المزيد.....

عابر في الماضي


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 6910 - 2021 / 5 / 27 - 23:48
المحور: الادب والفن
    


الماضي والارتباط به محور أساسي في الرواية، فالكاتب في حواره من خلال شخصية زياد بدروي مع صديقه عماد القيس، عبر الرسائل المكتوبة والمنصوص عليها يؤكد على ذاكرة المكان، وارتباط هذه الذاكرة بذاكرة إنسان المكان، ولا يعتبر الابتعاد عن المكان حلاً للخلاص من الماضي "الابتعاد يزيدنا شوقاً لعناقه والذوب فيه"، فالماضي يشكل في شخصية زياد بدوري محوراً هاماً في تركيبته النفسية وظروفه، فهو الوحيد "أنا والليل وثالثنا سهر، وثلاثتنا لا أهل له"، ويرفض أن يجلس في مقاهي الثرثرة الفكرية وترهل الحالة الثقافية، يلتجئ للموسيقى والأغنيات، يلتجئ للحبر والورق والحلم، "أشتاق للأهل، للأصدقاء، التفت حولي، أين هم؟"، يخاطب الزمان: "ألا انصرف أيها الزمن، فأنا وإياك خطان لا يتساويان لا نلتقي"، ويلتجئ لدفتره وفيه يكتب.
يلتجئ الكاتب إلى تقسيم كل جزء من الكتاب إلى عدة فصول، ويبدأ الفصل عنده بالانتقال من نهاية سردية وحدث، فينتقل إلى سردية وحدث آخر تشكل فصلاً جديداً من الجزء الذي بدأه، دون الإشارة المكتوبة أو المرقمة لهذا الانتقال، تاركاً للقارئ أن يشعر بذلك بنفسه من خلال ترابط الحدث وإن تغيرت الصورة والمكان، فنلمس ذلك بوضوح في الانتقال مثلا من الفصل الأول للثاني من الجزء الأول، فرغم اختلاف المكان والحدث، إلا أن الذاكرة واستعادتها تظل تلعب دورها بقوة، وتمثل القاعدة التي ينتقل منها الكاتب لفصل جديد بدون أن يشعر القارئ بعملية قطع أو بتر في تسلسل الحدث في الرواية.
من الماضي وبأسلوب سلس ينتقل الكاتب إلى الحاضر فيعطي للرواية حبكتها وعقدتها، فهو ينقلنا من تداعيات الذاكرة إلى الحاضر وعمله الصحفي من خلال العديد من الشخوص، وكل من هذه الشخوص يمثل حالة وشخصية، فالشاعر نيسان في مناقشته يطرح فكراً وتحليلاً طبقياً يركز على دور الإنسان، مما يستدعي حواراً له علاقة بالثورات والفقر والكادحين، يبحر في أعماق الشخوص، ينتمي للأرض ويعتبر الإنسان سنابل محنية لأنها تحمل البذور، فكأنه ناظم حكمت الشاعر اليساري الذي دفع عمره ثمناً لأفكاره.
ومن هنا نجد أن الكاتب لجأ لسعة اطلاعه على الأدب والشعر والفلسفة، بعكسها على شخوص روايته، فكل منها يمثل حالة مختلفة، تتجمع في النهاية بصور إنسانية عديدة، تمثل الإنسان بأفكاره المختلفة، مما يجعل الرواية تحمل هدفاً فكرياً وهدفاً إنسانياً، فمن شخصية زياد البدوري بطل الرواية وشخصيته الأساسية، مروراً بصديقه عماد القيس فالجميلة المجهولة وصولاً للموسيقي أبو المهند حتى شخصية الشاعر والفنان نيسان، وأيضا شخصية المدرس حسن عرفان، ومن خلال شخوصه هذه يلجأ الكاتب وعلى ألسنتهم لإيصال أفكار يحملها، فيقول على لسان زياد: " نحن المهابيل الذين يدركون الحياة ولا يدركون كيف يمكن أن تعاش"، ويقول على لسان أبي المهند: "الموسيقى تخترق جدار صمتنا السميك وتذوبه"، وعلى لسان نيسان: "هذه الثورات أو غالبيتها إلى ماذا انتهت؟ أما طغمة عسكرية، وإما ديكتاتورية، وإما إلى الفشل"، ويقول على لسان المدرس حسن: "لو كنت أعلم أن مهنة المعلم ستصل إلى هذه الدرجة من التدني لما تعلمت أبداً"، وهكذا تتكرر عبارات تحمل أفكاراً وحكمة على ألسنة شخوص الرواية، لو جمعت على شكل عبارات منفردة لكانت فلسفة خاصة في الحياة وجماليتها.
وهنا لا بد من أشير أن الكاتب استخدم عبارات وضعت بين أقواس وهي كلمات وردت على لسان المدرس، فخرج المعلم من طور المعلم إلى طور القرف من الواقع الذي وصلت إليه رسالة المعلم، فاستخدم ألفاظاً لا تليق بمعلم، وهي كلمات عامية متدنية المستوى، وفي نفس الوقت أصبح الصحفي زياد هو من يوجه المعلم لكيفية السلوك لنيل الحقوق، وفي هذا استبدال غريب ومقصود لدور المعلم الذي كان يمثل المحرك في المجتمع، فتحول لمن يوجهه ويمنحه النصيحة ويعلمه أسلوب الثورة على الواقع.
في الرواية وبأسلوب سلس ينقلنا الكاتب إلى حكايات شخوص روايته، فكل شخص فيهم يحمل قصة، وكل قصة فيها حكايات بين الألم والدموع، فأبو مهند سجين سياسي سابق دفع ثمناً باهظاً، ونيسان شاعر لا يجد أي اهتمام ببلده فيفكر بالهجرة، وزياد العاشق الذي فقد حب الطفولة وفعل به الزمن فعله من تركه وحيداً، يحلم بحب جديد يجعله يجتاز شتاءه العابر، فيلتجئ للكتابة والحلم حتى يظهر حبه القديم فيشكل له مأساة جديدة، والمدرس حسن عرفان الذي ترك التعليم وذهب للترجمة، رنيم التي تزوجت وهاجرت وعانت من زوج أناني لا يقيم للحياة الزوجية أي اعتبار، ولكن المشاعر والرغبة تشتعل في جسدها، نيسان الشاعر والفنان المتمرد الذي عانى من والده المتشدد في مفهوم الدين فطرده صغيراً من البيت، يتعب على نفسه حتى يصبح رجلاً، عاشق بصمت لإمرأة لم يصارحها ولكنها وحي لفنه وشعره، ينتمي للأرض والوطن حتى الجذور، نسرين الفنانة التشكيلية التي بقيت ذاكرتها مرتبطة بالطفولة والمكان والآخر وتحلم بالغائب والغد، رأفت الذي ترك القرية طفلا مع والده ولكنه عاد لجذوره بعد وفاة والده الذي هاجر.
زياد بطل الرواية ومحورها الأساس كان المدار للكاتب للحديث عنه وعن معاندة القدر له خلال أجزاء الرواية وفصولها، فالقدر لم يتوقف عن العبث معه عبر حياته منذ الطفولة حتى أصبح الشخصية الرئيسة في الرواية، ومن هنا يمكنني القول أن الكاتب تمكن من إجادة استخدام المفاجئة في الحدث في روايته، فحين تكون الرواية في اتجاه ما، نجد المفاجئة تأتي من اتجاه غير محسوب أبداً، وهذه ميزة تسجل لحساب الكاتب وقدراته.
الهم الوطني لم يفارق الكاتب في روايته، لكنه ابتعد عن أسلوب الخطابة والشعارات، لجأ إلى استخدام عبارات دخلت في الأحداث بدون الإشارة المباشرة للوطن، لكنها عبارات حملت معنى وأفكار وخدمت الفكر والوطن، فهو يخاطب أثينا في زيارة لها بقوله: " أنت يا أثينا أريد أن أقبل التراب الذي مشى عليه سقراط، ليس لأنه سقراط بل لأنه من تجرع السم وبكل شجاعة لإيمانه فيما يقول"، ثم يقول بعد مسافة من الكتابة: "بلدي هي الأخرى تضاء بشموع الراحلين والقادمين بعنف البقاء على الأرض، على التراب الذي تخضب بعرق الأجداد، بلادي هي الأخرى كان فيها مليون سقراط"، وفي قسم آخر يخاطب الوطن في نفسه بالقول: "آه يا بلادي رغم الأمل المفقود في واقعنا المتردي لكن تبقى الشموع تضيء حلكة السراديب التي تحاول أن تتطاول على ذاكرة الوطن"، ويرفض الهزيمة تحت شعار التفاوض ويقول على لسان الشاعر نيسان: "الشعوب التي تحترم نفسها ترفض أن تصافح يد قاتل أطفالها"، وعلى لسان الشاعر أمام مخابرات بلاده يقول: "الغير لا يريدوننا أن نحيا على أرضنا هذه التي تستحق الحياة".
"رام الله"



#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة وفاء للعمالقة
- الحب والحلم في -أفكار وأحاسيس أنثى-
- جاناريتا والصراع من الأسود للأبيض
- تمرد الأنثى في -مداي الف دهشة-
- الوجه الآخر لابتهال القرنفلة
- دوامة -منّ السَما-
- رحلة في قلب حبة سكر
- التوليدية في الحراك المصمت للفنان بشير أحمد
- سياحة أدبية مع رجع الكلام
- صباحكم أجمل/ سلواد حكاية عشق
- صباحكم أجمل/ سلواد حكايات الأجداد وعشق الجدات
- صباحكم أجمل/ ذاكرة سلواد
- صباحكم أجمل/ سلواد تروي الحكاية
- صباحكم أجمل/ كور والدر المنثور
- صباحكم أجمل/ سلواد لبؤة الجبال
- صباحكم أجمل/ كور وبعض من حكايات وطن
- صباحكم أجمل/ كور عمامة التلال
- صباحكم أجمل/ كور وبعض من حكاياتها -الحلقة الأولى-
- منارات مقدسية.. ذاكرة وحكاية
- صباحكم أجمل/من موقع معركة اليرموك إلى أم قيس


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - عابر في الماضي