أحمد جمال يسن
الحوار المتمدن-العدد: 6976 - 2021 / 8 / 2 - 09:15
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
حسم التاريخ خلال دوراته الكـُـبرى - ظهور الديانات ، إضمحلال الحضارات - ؛ و نهاياته الصـُـغرى - إنهيار المنظومات الفكرية - جدلا ً واسعا ً ، لا على ماهية الثورة و كنهها ؛ و إنما بالأساس على حتمية إنبثاقها و تولـُـدها .
* الـــــثـورة :
لم تأت الحركات الثورية فى العالم العربى بتعريف مـُـغاير للثورة من حيث ُ كونها ... " تغيير شامل و كامل يحدُث عندما تـُـصبح القوى القديمة على إختلاف أنماطها و أشكالها غير قادرة بالفعل على مواجهة مـُـتطلبات المـُـجتمع القائم " (1)
أو هى ... " فورة صاعدة ذات تأثير عميق المدى على حياة المـُـجتمع الإقتصادية و السياسية و الأيديولوجية " (2)
أو أنها ... " تـُـحدث تغييرا ً جذريا ً فى الظروف الإجتماعية ، و فى مؤسسات الناس العقائدية ، و حياتهم الفكرية " (3)
هذا و إن كـُـنا نود أن نتحدث عن نكهة خاصة ، أو سمة مـُـغايرة إنفردت بها الحركات الثورية فى العالم العربى ، فإن ظاهرة تـصـديـر الــــثـورة تظل هى العلامة الفارقة و المـُـميزة ، حتى أننا لا نعرف لها مثيلا ً فى ثورة من الثورات ، أو فى حركة من حركات الإصلاح الإجتماعى ، بل أبعد من ذلك فإننا لا نعلم أن أيا ً من الأديان قد صحبه ُ شئ من عملية التصدير هذه ، فكـُـل الثورات ، و كـُـل حركات الإصلاح الإجتماعى كانت وفق إطار جـُـغرافى مـُـحدد ، و حتى الأديان فإنها لم تتجاوز هذا الإطار الجـُـغرافى إلا بعد عـُـقـُـود من الزمان ؛ بخلاف حالات فردية من التبشير بالثورات و حركات الإصلاح الإجتماعى و الأديان على حد ٍ سواء .
* تـُـونــس ؛ أبو القاسم الشابى ... إذا الشعب ُ يوما ً أراد الحياة :
عـُـنوة ً و إقتدارا ً خطفت تـُـونــس الأضواء ، و سحبت البـُـساط من كـُـل الأحداث الجارية أو حتى المـُـتوقعة منها ، بما فيها إستفتاء السودان ، و حرمته ُ حتى من حـُـظوة أن يكون الحدث الأهم لعام 2011 حسب كـُـل التوقـُـعات .
هـُـنا يجب أن نعترف بأن ... " الثورة الإجتماعية لا تنشب بمـُـجرد مشيئة فرد مـُـعين أو بـُـناءا ً على إرادته ، و لكنها تستلزم لقيامها ظـُـروفا ً موضوعية و أ ُخرى شخصية " (4)
* الـــبــوعــزيــزى ... يقف بهامته المديدة جنبا ً إلى جنب مع أحرار البشرية العـُـظماء ... من أمثال سـبـارتـاكـوس أو بـُـوجـاتـشـيـف ... :
و هذا التقرير من دون شك لا يتنافى مع كون " الـــبــوعــزيــزى " مـُـلهم الثورة التـُـونسية - بل كـُـل الثورات العربية - يقف بهامته المديدة جنبا ً إلى جنب مع أحرار البشرية العـُـظماء ؛ من أمثال سـبـارتـاكـوس ملهم أشهر ثورة عبيد 71 قبل الميلاد ؛ أو بـُـوجـاتـشـيـف الفلاح الروسى الذى قاد فى عام 1772 م ثورة عارمة عبرت الفولجا ... رغم أن الإمبراطورة كاترين الثانية كانت قد أصدرت قرارا ً بمنع المـُـواطنين من التدخـُـل فيما لا يخـُـصهم " خاصة ً شـُـئون الدولة " ؛ أو حتى دانـــتـــون الذى خطب فى الجماهير الفرنسية " الـوطـن فـى خـطـر " ؛ أو تـومـاس جـيـفـرسـون فى دفاعه عن حق الجماهير فى السعادة ، أى الــــثـورة ؛ أو جــنـاح و نــهــرو و غــــــانــدى فى الهند ؛ أو تـــيــتــو و كــارديــل فى يوغسلافيا ؛ أو كـــاســـترو و جــــــيــفــارا فى كوبا ؛ أو هــــوشـى مـــنـه فى فيتنام ؛ مـُــرورا ً بــ لـــومـُـومـبـا ؛ و نـِــكــرومــا ؛ و مــحــمــدوضــيــا ؛ و نـــيــريــرى ؛ و ســيـكـوتــورى ؛ و ســـنــجــور ؛ و مـُـحـمـــد نــجــيـب فى أفريقيا .
و لعلنا نجزم بأن " الـــبــوعــزيــزى " لن يكون أخر مـُـلهمى الثورات ، و أن الثورات العربية لن تكون أخر الثورات ؛ ما دام هـُـناك من يـُـغذى الشر و الظـُـلم على وجه الأرض أو يستبد برأيه .
* الـــبــوعــزيــزى عـبـر بـإنـسـان الـمـنـطـقـة الـعـربـيـة بـــرزخ الخــوف ... :
إننا يجب أن ننحنى أمام هامة " الـــبــوعــزيــزى " الذى عبر بإنسان المنطقة العربية - المـُـروض الداجن - برزخ الخوف ؛ و حلق به بعيدا ً كما لم يفعل ذلك ثائر من الثـُـوار .
* تــُـــونــس ... درسـت حـُـكـومـات و شـُـعــُـوب الـمـنـطـقـة ... الـحـُـكـومـات كـيـفـيـة الـتـشـبـُـث بـالـسـُـلـطـة ؛ و الـشـُـعــُـوب أيـديـولـوجـيـة الـصـُـمــُــود :
لم يكن من الغريب ان يقف العالم مـُـنبهرا ً من ثورة " تــُـــونــس / الـــبــوعــزيــزى " التى درست حـُـكـومـات و شـُـعــُـوب المنطقة ؛ الـحـُـكـومـات كـيـفـيـة الـتـشـبـُـث بـالـسـُـلـطـة ... و الـشـُـعــُـوب أيديولوجية الـصـُـمــُــود ؛ و أوجدت رهانا ً حاسما ً حول من سيـُـنهى الدرس أولا ً ؛ الـحـُـكـومـات أم الـشـُـعــُـوب ؛ ما جعل كـُـل الثورات اللأحقة دفقة ٌ من دفقات الثورة الـتـُـونسية و ومضة ٌ من ومضاتها .
* الـــــثــورة ... و الـــتـأخــُــر فـى إتـــخــاذ الـــــقــرار :
فى الــــــســودان كما فى تــُـــونــس ؛ كان لـِـتأخـُـر القرار السياسى فصل الخطاب فى نجاح الثورات العربية
و إننى أزعـُـم أن التأخـُـر فى إتخاذ القرار قد أفقد - الجبهة الإسلامية القومية / عمر البشير - بوصلة إدارة الأزمة " هى أزمة من وجهة نظر النظام ... و ثورة من وجهة نظر الـثــُـــوار "
و كان كـُـل تأخـُـر لا يعنى سوى مزيد من التنازُلات لصالح الثــُـــوار ؛ يـُـقابله حالة من الإرتباك - و الدهشة - فى صـُـفوف النظام .
إن تلك الحالة الـمـُـتوهمة من الإستقرار ؛ قد أفقدت النظام - أو بالأحرى جميع النـُـظــُـم العربية - المقدرة على الـتـنـبـؤ المـُـسبق بالثورة ؛ من إنبثاقها و حتى نهاياتها .
لقد تـرهـل النظام السودانى - و جميع أنظمة المنطقة - من الــفــسـاد ؛ بل إنـَّـه ُ مــات إكـلـيـنـيـكـيـا ؛ و أصبح أشبه ما يكون بـجــُــثـة النبى ســُــلــيــمــان { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة ُ الأرض تأكل ُ منسأته ُ فلما خـر تبينت الجن ُ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المـُـهين } (5)
كان النظام السودانى - نظام الجبهة الإسلامية القومية / عمر البشير - و بإمتداده التاريخى إلى الوراء ؛ هو الأسوأ ؛ و الأكثر قـسـوة ً و فــسـادا ً ؛ إمتد ذلك لنحو من ثلاثين عاما ً ؛ نكل فيها النظام السودانى - نظام الجبهة الإسلامية القومية / عمر البشير - بخيرة و صفوة العـُـقول و الكوادر السودانية ؛ التى هى بالأساس من خيرة و صفوة العقول و الكوادر العربية و الأفريقية ؛ لم يكن الـــســُــودان يستحق ذلك ؛ و لو لم يكن الـــســُــودان عظيما ً أبيا ً لما صمد كـُـل هذه المـُـدة بوجه هذه الهجمة .
* الإلـــتــفــاف عــلـى الــــثـورة ... الــمـُـمــكــن و الــمــُـســــتــحــيــل :
فى بـُـلدان مثل الـــســُــودان و تــُـــونــس ؛ و هى بـُـلدان عرفت و ما تزال تنظيمات سياسية أيديولوجية مـُـتعددة ، و ضاربة بجذورها فى القدم لنحو من مائة عام - كـالــيــســــار الـــسـودانـى - فإنـَّـه ُ من غير المـُـتصور أن يتم الإلتفاف على الثورة بسهولة و كأن شيئا ً لم يكن ؛ على إعتبار أنها - أى الثورات - مـُـجرد إنقلاب أبيض على الـسـُـلطة .
* تـــصـنـيــف الــــــثـورة ... نحن بإزاء ثورات قـيـمـيـة أخـلاقية ... وعى و تحـضـُـر الثـورات العربية تجاوز فكرة عبث الثورة :
ليس بالإمكان التحدُث عن الثورات العربية على إعتبار أنها ثورات إجتماعية أو حتى ثورات طبقية ؛ فالطبقة الوسطى - فرس الرهان فى عملية التغيير الإجتماعى الطبقى - درست ، و إندثرت مـُـنـذ ُ أمد بعيد فى عـُـموم المنطقة العربية ؛ إذن نحن ُ بإزاء ثورات قيمية أخلاقية بالدرجة الأولى .
لقد كانت الثورات العربية على درجة عالية من الـــوعـى و التحضـُـر تجاوزت معها أو بها فكرة عبث الثورة - كـُـل التفلـُـتات التى وقعت كانت من أزيال النظام و مـُـعاونيه و المـُـنتفعين به - ... عملية تنظيف الميادين فى تــُـــونــس و الـــــســُــودان ؛ و تقاسـُـم المأكل و المشرب و المأوى ... كل هذا يجعل منها بالأساس ثـــورة قـيـمـيـة أخــلاقـيـة .
* نــِــــــداء ُ الــــــــــــــــــــثــــورة :
قد آن للثورة أن تولد و أن تحيا
إن لم يكن بأبنائها ؛ فبشعاراتها ... ثـــورة ُ عــدلٍ و نـمـــاء
لا لأجلنا فحسب ؛ و إنما لأجل أجيال ؛ ما من شك قادمة ؛ قدوم هذه الثورة
التى الشك ُ فى أمرها خيانة ؛ و التهاون ُ فيها معصية
إن إرادة الـشـُـعــُـوب لا تــُــقـهر
و أن الــــثـورة لـتـخـتـمـر كـالـبـركـان ... لـتـتـفـجـر نـــــارا ً مــُــحـرقـة
و نـُـورا ً ســـاطــع *
__________________
- الــمـــراجـــع :
- (1) موسوعة الهلال الإشتراكية - الطبعة الأولى - صفحة 166 .
- (2) الموسوعة الإشتراكية - صفحة 166 .
- (3) الموسوعة الإشتراكية - صفحة 166 .
- (4) الموسوعة الإشتراكية - صفحة 167 .
- (5) الـقــُــرآن الكريم - سورة سبأ .
*** كـُـتبت هذه المادة بالتزامـُـن مع إندلاع الــــثـورة فى تــُـــونــس و مــصــر و لـــيـبـيــا مع إسـتـصـحـاب الــــثـورة الـــــســُــودانـــيـة مــُـؤخـــرا ً .
*** أحـــمـد جـــمـال يـسـن 7 أغــُــســطــُـس 2020
#أحمد_جمال_يسن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟