أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزار غالب فليحان - -وحُبَّ الفقيرِ الرَّغيف- حين يزوغ المجاز ...














المزيد.....

-وحُبَّ الفقيرِ الرَّغيف- حين يزوغ المجاز ...


نزار غالب فليحان

الحوار المتمدن-العدد: 6972 - 2021 / 7 / 28 - 12:01
المحور: الادب والفن
    


الرغيف رفيق الدرب منذ اللقمة الأولى، أول ما تهفو إليه قلوبنا قبل أن تقلبه أكفنا لتشرع أصابعنا في تقطيعه برفق لا يسمح بهدر قطعة صغيرة منه، نجعل في حافة “البلكوم” انخماصاً كخاصرة نجمع طرفيها كي نتمكن من ملء التجويف المتشكل بالمادة التي سنأكلها، وقد نقطع الرغيف قطعاً صغيرة فوق حساء كي نتناوله بالملاعق، وكثرما كان الرغيف القوام الرئيسي في زادنا إلى العمل في الحقول أو البيادر أو المصانع والورشات الصغيرة، ولعل صحبة الرغيف إلى مدارسنا أجمل صحبة، كنا نبلله بقليل من الزيت ثم نرش عليه الزعتر ونلفه في ورقة دفتر لنحشره بين الدفاتر والكتب في حقائبنا، وربما كان اللبن أو "المكدوس" بديلاً للزعتر تبعاً لتوفر هذه المادة أو تلك في "قطرميزات" أمهاتنا، وكثرما كانت كتبنا ودفاترنا تعبق برائحة تلك المكونات، وقد تعثر على بقعة زيت أو بقايا زعتر في صفحات دفتر أو كتاب أو في زاوايا الحقيبة، ويحصل أن تقعَ على نصف "عروس" زعتر يابسة كنتَ قد خبأتَها لمن أوقعتك عيناها في شباكها فظننت أنها تحب الزعتر، وإذ بها من هواة "القشقوان"، فتتركها شاهداً على فارق طبقي بغيض.
على موائدنا كان الرغيف يحضر بكامل هيبته، مستديراً مقمراً واثقاً أَنْ لا شروع في الطعام دون المرور بوجنتيه، تماماً كما كانت البسملة، مدركاً أَنْ لا اكتمال لنكهة أو شبع إذا لم نشركه كل لقيمة، وكان قدر ما هو مصدر قوة واكتفاء قدر ما هو نقطة ضعف تلاعب بها الطغاة، كان أضغف الإيمان حين يعز الطعام ويستفحل الإفقار، حتى غدا يدنا التي تؤلمنا والتي لطالما ضربت عليها الطغم الحاكمة كي تركعنا، حتى حُرِقَتْ كل آمالنا وقُزِّمَتْ كل تطلعاتنا إلى رغيف يبقينا على قيد الوجود نحيا بقدر ما يوفرونه، ويوفرونه بشروطهم إلى الحد الذي يبقيه بين الحلم والحقيقة كي لا يجمح بنا الخيال إلى ما يتجاوزه.
كل ذلك جعل من الرغيف مجازاً للوجود، نكون حين يكون ونفنى حين يعز، لم تكن علاقتنا به علاقة حبيب بحبيبته، ولا علاقة عاشق بمعشوقته، كانت علاقة محتاج بحاجة، حتى جاءت قصيدة محمود درويش "أجمل حب" ليقلب تلك الموازين حين اتخذ من علاقتنا كفقراء بالرغيف كمنقذ من العدم مجازاً لشدة الحب، الأمر الذي أعطى هذه العلاقة معنى من معاني الرفاه:
"أحبك حب القوافل واحة عشب و ماء
و حب الفقير الرغيف"
يستطاب للقوافل أن لا تمل الطريق فتكحل عيونها ببساط عشبي أخضر وبِرَكِ ماء وواحات، لكنها ستكمل الطريق دون أدنى شك إذا لم تقع عيونها على ذلك الجمال، لكن الرغيف كان للفقير ملاذاً من الجوع و خلاصاً من الموت، وكان الرغيف للطغاة عصىً يلوح بها كلما تجاوز الحلمُ الرغيفَ، ويعلم محمود درويش أن ثورات خبز نشبت في مئات ساحات الفقر عبر التاريخ، وأن الرغيف لطالما تصدر المشهد في تظاهرات الحرية التي كانت تطالب بأضعف الإيمان "خبز الكفاف".
ويعلم محمود درويش أن لا وقت للحب لدى فقير يبحث عن رغيف، فكيف سرق منه لحظة جوع وأحالها إلى لحظة حب، كان ثمة جوع للرغيف، جوع كثرما جعلنا نكره الرغيف لأنه مصدر إذلال وهيمنة، ويعرف محمود درويش أن لعاب أطفال الفقر يجف على شفاههم بانتظار كسرة خبز، ولم تكن كسرة الرغيف تأتي حَدَّ القول: "لو كان الرغيف رجلاً لقتلناه"، فمن أين أتى كل هذا الحب؟ وكيف وقع محمود درويش في حبائل مخيلة زائفة؟
ترى، لو لم يكن ثمة إفقار وإذلال ولم تكن ثمة هيمنة بحد رغيف أمضى من هيمنة بحد سيف، هل توجب أن يكون لهاث الفقير محموماً إلى هذا الحد؟ ولما كان هذا اللهاث جلياً في أربع جهات الأرض، هل يصح سوقه مجازاً لشدة الحب لـ "نبقى رفيقين دوماً"؟



#نزار_غالب_فليحان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سلوى النعيمي- ذاتَ بَوْحٍ في -كتاب الأسرار- ...


المزيد.....




- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزار غالب فليحان - -وحُبَّ الفقيرِ الرَّغيف- حين يزوغ المجاز ...