أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - فهمي الكتوت - الذكرى التاسعة لوفاة شيخ النقابيين والابن البار للطبقة العاملة















المزيد.....



الذكرى التاسعة لوفاة شيخ النقابيين والابن البار للطبقة العاملة


فهمي الكتوت

الحوار المتمدن-العدد: 1641 - 2006 / 8 / 13 - 10:18
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


قبل تسعة أعوام رحل عنا المناضل الوطني والنقابي البارز موسى قويدر بعد حياة مليئة في النضال والتضحيات، كرس حياته دفاعا عن الطبقة العاملة ونضالها من اجل التحرر والديمقراطية والاستقلال الوطني، فقد ارتبط اسمه بنشوء وتطور الحركة النقابية والعمالية في فلسطين والأردن، وبرز قائدا عماليا وزعيما نقابيا على كافة المستويات المحلية والعربية والدولية، وربط نضاله النقابي بالنضال السياسي، فأصبح علما سياسيا ونقابيا، حيث أدرك بحسه الوطني والطبقي وخبرته النضالية الطويلة المستندة للمنهج العلمي الجدلي ، أن نضال الطبقة العاملة من أجل تحسين شروط استخدامها وتحديد ساعات العمل ووقف التعسف والاضطهاد عن العمال لا يمكن تحقيقه إلا بوجود تنظيم عمالي نقابي وسياسي يخلق حالة توازن اجتماعي ، لذلك ناضل مع رفاقه العمال من أجل إيجاد تشريعات توفر مظلة قانونية للتنظيم النقابي ، مدركا بأنه يمكن ممارسة العمل السياسي في ظروف سرية ، أما العمل النقابي فلا بد من توافر الشروط والقوانين التي تضمن ممارسته بصورة علنية.
أدرك مبكرا ضرورة ربط النضال الاقتصادي بالنضال السياسي فإلى جانب نضاله النقابي في فلسطين في جمعية العمال العرب ومن ثم في مؤتمر العمال العرب، ساهم بنشاط في النضال السياسي ضد الهجمة الصهيونية الاستيطانية على فلسطين وضد المستعمرين الإنجليز من أجل الاستقلال الوطني الفلسطيني، وقد انتسب لعصبة التحرر الوطني الفلسطيني عام 1943 للتعبير عن طموحه الوطني في النضال من أجل التحرر والديمقراطية والاستقلال وكذلك لمحاربة الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية. وعندما اضطر إلى مغادرة مدينة يافا عام 1948 بسبب نكبة فلسطين، انتقل إلى نابلس وواصل نضاله السياسي والنقابي من أجل إيجاد مظلة قانونية لنضال العمال خاصة بعد إغلاق فروع مؤتمر العمال العرب وجمعية العمال العرب بعد النكبة، لعدم وجود قوانين تسمح بمواصلة نشاط هذه المؤسسات النقابية، وعلى اثر الظروف التي نشأت بعد الكارثة التي حلت في فلسطين، وقيام واقع جديد، وإعلان الشيوعيين الفلسطينيين والأردنيين عن قيام الحزب الشيوعي الأردني في ربيع عام 1951 كان قويدر أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الجديد، حيث انخرط في النضال الوطني و النقابي، فإلي جانب نضاله من اجل قضايا الطبقة العاملة وإيجاد تنظيم نقابي واصل نضاله مع رفاقه من اجل مقاومة الاستعمار البريطاني وتعريب الجيش وإلغاء المعاهدة البريطانية، وتحقيق الاستقلال الوطني ومواصلة النضال من اجل استرداد الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، وتعرض للاضطهاد والاعتقال والتشرد بسبب مواقفه الوطنية والعمالية، إلا أن ذلك لم يثنيه عن أهدافه النبيلة.
عبر العمال عن ارتياحهم لصدور الدستور الأردني عام 1952 وخاصة ما تضمنته المادة (23) التي فتحت الطريق أمام إصدار تشريعات عمالية حيث نصت على مايلي:
1- العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة ان توفره للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به .
2- تحمي الدولة وتضع له تشريعا يقوم على المبادى الاتية:
أ‌- إعطاء العامل أجرا يتناسب مع كمية عمله وكيفيته.
ب- تحديد ساعات العمل الأسبوعية ومنح العمال أيام راحة أسبوعية وسنوية مع الأجر.
ج – تقرير تعويض خاص للعمال المعيلين وفي أحوال التسريح والمرض والعجز والطوارىْ الناشئة عن العمل.
د – تعيين الشروط الخاصة بعمل النساء والأحداث.
هـ – خضوع المعامل للقواعد الصحية.
و- تنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون.
وعلى أهمية هذه المبادئ الدستورية والتي تشكل أساسا مناسبا لإصدار تشريعات عمالية، فقد انطلق ورفاقه العمال من أجل تحقيق قوانين وتشريعات تعكس هذه المبادئ الدستورية، فصدر عام 1953 قانون نقابات العمال رقم (35) حيث بادر مع رفاقه النقابيين بتنظيم صفوف العمال مستفيدين من القانون الجديد وتم تأسيس(10 ) نقابات عمالية خلال فترة وجيزة، وكان من بينها نقابة عمال الخياطة التي كان عضوا مؤسسا فيها، وقد تواصل مع النقابين من أجل تأسيس اتحاد عام للنقابات، وفي 25/7/1954 تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد العام لعمال الأردن وانضوت تحت لوائه (6) نقابات عمالية، نقابة عمال الخياطة ونقابة عمال الأحذية ونقابة الدخان ونقابة البناء ونقابة الفوسفات ونقابة سنجر.
لقد اعتبر قويدر ما تم إنجازه خطوة هامة على طريق النضال وأنه لابد من مواصلة العمل من أجل إصدار قانون عمل يضمن حقوق العمال في حماية الأجر وتحديد ساعات العمل وتأمين إجازات العمال … وبقدر ما كانت تتحقق بعض النجاحات للعمال، بقدر ما كانت تزداد ظروف النضال تعقيدا، فقد واجه النقابيون إجراءات تعسفية بسبب انتسابهم للنقابات و مطالبتهم بتنظيم العمل فتعرضوا للفصل التعسفي وحرم العديد منهم من لقمة العيش، فقد خاض مع رفاقه نضالا بلا هوادة من أجل تثبيت العمل النقابي والدفاع عن شرعيته والتصدي للفصل التعسفي، في ظل ثغرات خطيرة في الأنظمة والقوانين، والتي وقفت عاجزة عن حماية العمال، وقد لمس بتجربته الشخصية كغيره من المناضلين أن هناك علاقة مباشرة بين السلطة ورأس المال وأن السلطة في معظم الحالات لم تكن حيادية في الصراع الدائر من أجل تثبيت شرعية العمل النقابي، وأن هذه العلاقة كانت مسخره في نهاية المطاف لصالح رأس المال، وقد أراد البعض أن تكون النقابات شكلا بلا محتوى مسلوبة الإرادة غير قادرة على تحقيق مطالب عمالها، لذلك كان لابد أن تعتمد الحركة النقابية على نفسها في نضالها، فان قوتها لم تأتي بقوة القانون وحده بل بتعاظمها واتساع نشاطها وقدرتها على خلق توازن عبر المفاوضات وتوقيع الاتفاقيات الجماعية التي تكفل حقوق العمال.ألا أن ضعف تركيبة الطبقة العاملة الأردنية كونها حديثة العهد والتنظيم فلم يتوفر لديها الخبرات الكافية لمواجهة الضغوط والأساليب الملتوية، سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار محدودية المؤسسات الكبيرة، والطابع الحرفي الغالب على تركيبة الطبقة العاملة مما اضعف قدرتها التنظيمية وخلق صعوبات جديدة أمام نضالها. بالإضافة إلى سعي أعداء العمال لاحتواء بعض النقابيين وتقديم الامتيازات لهم، مما ساعد على بروز تيار انتهازي في صفوف الحركة النقابية، كل ذلك زاد من تعقيدات النضال وشتت القدرات في مواجهة الخصوم الجدد في خضم العملية النضالية النقابية.

لقد نشأ في الاتحاد العام لنقابات العمال وضعا استثنائيا نتيجة الظروف السياسية التي سادت في البلاد بعد أحداث أيلول عام 1970، حيث واجه خطر الانفلاش، بسبب الاضطهاد والتنكيل والملاحقة والاعتقال الذي تعرض له العمال والنقابيين، في ظل أجواء إرهابية أفرزتها أحداث أيلول 1970 ، وحالة الضعف التي عانت منها الحركة النقابية نتيجة تمزق قيادتها ومغادرة بعض أعضائها إلى خارج البلاد نتيجة الأحداث السياسية ، واستنكاف البعض الآخر عن العمل ، وارتماء فريق أخر في أحضان أصحاب العمل وحماتهم ، علما أن هذا الفريق عاد إلى مواقعه (تتلمذ هذا الفريق على أيدي الاتحاد الحر واتحاد العمل الأمريكي اللذان افتضح أمر عدائهم الشرس لقضايا الأمة العربية) ، قبل ان يركب الموجة في ظل الظروف التي كانت سائدة قبل أحداث أيلول 1970 ، وبذلك كشفوا عن زيف ادعائهم بالانتماء إلى العمال ومصالحهم ، وبدأت تحركاتهم مع الجهات الرسمية ، التي وجدت مناخا ملائما للتدخل في شؤون الحركة النقابية وفرض وصايتها عليها ، فقد أقدمت الجهات الرسمية بحل الهيئة التنفيذية للاتحاد العام للنقابات بحجة عدم وجود نصاب قانوني نتيجة استقالات مدبرة ، وقد حاول قويدر ورفاقه النقابيين وقف التدخل في شؤون الحركة النقابية ، إلا ان حجم الإجراءات كان اكبر بكثير من قدرات الحركة النقابية في تلك المرحلة ، ويقول قويدر في هذا الصدد " رغم الملابسات قبلت الاشتراك في الهيئة التنفيذية المعينة لا موافقة مني على هذه الإجراءات وإنما محاولة لمنع تدهور الوضع في الاتحاد وللمساهمة في المحافظة على استقلالية الحركة النقابية التي كان لي شرف الانتماء إليها عشرات السنين ، ولقد عبرت عن وجهة نظري بصورة مستمرة ومثابرة قبل إعلان قرار التعيين وبعده وفي الاجتماع الأول للهينة التنفيذية المعينة أعترضت على التعيين وطالبت بالعودة إلى مجلس الاتحاد ليقوم بمهماته في انتخاب هيئة تنفيذية جديدة . واقترحت تشكيل هيئة من رؤساء النقابات تشرف على عمل الاتحاد لحين إجراء الانتخابات وقد رفضت هذه المقترحات وأصرت الجهات الرسمية على قرارها هذا " لقد قبل قويدر هذه المهمة على مضض وبتأثير من رفاقه وذلك اجتهادا منهم بتفويت الفرصة على المتربصين في الحركة النقابية، ومحاولة لتخفيف التدخلات في شؤونها الداخلية، وقد فعل ذلك وحاول إيقاف السيل الجارف من التدخلات في شؤون الحركة النقابية، والإجراءات العرفية التي أقدمت عليها الجهات الرسمية إلا انه لم يستطع وخاصة في ظل هيمنة تيار مرتبط بنهج السلطة في الهيئة التنفيذية المعينة، تربطهم صلات وثيقة باتحاد العمل الأمريكي والاتحاد الحر المؤيدان للعدوان الإسرائيلي على البلدان العربية لقد فضح قويدر ارتباط هؤلاء المتنفذين ومحاولاتهم جر النقابات والاتحاد العام للتعامل مع هذه المؤسسات المعادية لقضايا أمتنا العربية، فقد أشار قويدر في مؤتمره الصحفي المنعقد في 28/3/1972 " لقد كانت نقابتا النقل البري والبترول ترتبطان مع ذلك واضطرت إلى التخلي عن هذه العضوية بعد افتضاح موقف ذلك الاتحاد من قضية العدوان الإسرائيلي ووقوفه موقف التأييد المكشوف لإسرائيل . ويضيف قويدر أنه ليس سرا أن صلات ظلت قائمة وزيارات غير عادية ظلت تتكرر من قبل هؤلاء لممثل الاتحاد الحر في بيروت وعندما أصبحت الظروف أكثر ملائمة جاء أحد ممثلي هذا الاتحاد إلى عمان بضيافة نقابة البترول .
لقد سعت هذه المجموعات الى السيطرة على الاتحاد العام للنقابات بالتنسيق والتعاون مع الجهات الرسمية مستفيدة من الظروف التي تعاني منها الحركة النقابية نتيجة سياسة الإرهاب والتنكيل التي مورست بعد أحداث أيلول عام 1970 ، وقد عقدت صفقة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بصياغة نظام داخلي للاتحاد يضمن سيطرة بعض النقابات على الاتحاد مستفيدين من دعم الأجهزة الرسمية ، ويقول قويدر … وكان أول معالم الوضع الجديد إقدام هذه المجموعة على وضع نظام داخلي للاتحاد خلافا لصلاحيات الهيئة التنفيذية المعينة والمنصوص عليها في قرار تعيينها والمختص في إشرافها على انتخابات هئية تنفيذية جديدة خلال مدة شهرين ، وتعديا على حق مجلس الاتحاد الذي تنحصر فيه مهمة النظر في النظام الداخلي ، وكانت صياغة هذا النظام الجديد بصورة تكفل لنقابة بعينها السيطرة على الاتحاد وضمان اثني عشر مقعدا لها في مجلس الاتحاد وتقليص حق النقابات الأخرى وقد قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتبني المشروع بموجب كتاب رسمي مؤرخ في 13/12/1971 على الرغم من معارضة أربعة عشر نقابة مضمنه رفضها في مذكرة خطية مرسلة إلى الوزارة ومن سخريات القدر أن هذه النقابة التي قفزت إلى قيادة الاتحاد بفضل الإجراءات سالفة الذكر لم تجري انتخابات نقابية لاختيار إدارتها . فقد تقدم لعضوية الهيئة الإدارية لانتخاباتها لدورة عام ( 1972 ) (36) مرشحا قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بشطب أسماء (21 ) مرشحا من قائمة مرشحيها، وذلك لتمكن قائمة مكونة من (15) عضوا بالفوز بالتزكية. هذه النقابة التي مهدت لها الجهات الرسمية الطريق للهيمنة على الاتحاد العام لنقابات العمال. ولهذه الأسباب وقف قويدر طيلة الوقت دفاعا عن حق العمال بممارسة الديمقراطية لاختيار ممثليهم في النقابات في مواجهة التيار الانتهازي في الحركة النقابية الذي كان جل اهتمامه إضعاف نشاط الحركة النقابية وإجهاض التحركات العمالية الساعية لتحسين شروط عملها. لقد حورب قويدر من أصحاب العمل وممثليهم في السلطة ومن الانتهازية النقابية الذين شكلوا تحالفا معاديا لقضايا العمال، وقد كان يتمتع هذا التحالف بإمكانيات هائلة مستخدمين وسائل الترهيب والترغيب لاستقطاب العناصر الضعيفة التي يمكن أن تصطف في مجابهة قضايا العمال وتتحدى الإجماع العمالي. ويقول ابو يوسف لقد شكل تعديل قانون العمل المؤقت رقم67 عام 1971 أرضية مناسبة للتدخل في شؤون الحركة النقابية وأعطى القانون الحق للوزير بحل النقابات بحجة اشتغال النقابات " بالأعمال السياسية وترويج المذاهب الهدامة " وقد تصدت النقابات العمالية لقرارات الوزير ووقع (14) نقابة على مذكرة ضد هذه التدخلات. حيث تصدى الاتجاه التقدمي الديمقراطي بقيادته لتدخلات السلطة في شؤون الحركة النقابية وقاوم هذا الاتجاه قرار وزير الشؤون الاجتماعية والعمل القاضي بتقديم أسماء المرشحين للهيئات الإدارية للنقابات إلى الوزارة، وعلى الرغم من تأكيدات الوزير بأن ذلك الإجراء لا يتعدى حدود التأكد من مدى مطابقة المرشحين للشروط القانونية إلا أن الخطوات العملية كانت عكس ذلك تماما فقد جرى استثناء العشرات من المرشحين للهيئات الإدارية للنقابات وحرمانهم من المشاركة في الهيئات القيادية للحركة النقابية وذلك لإضعاف الحركة النقابية من الكوادر القيادية المجربة والمختارة من العمال، واستبدالهم بعناصر ضعيفة ومواليه لضبط وتوجيه حركة الاتحاد العام للنقابات بنهج وسياسات محددة. ويكفي الإشارة الى شطب عدد كبير من المرشحين للهيئات الإدارية لإتاحة الفرصة أمام مجموعة من الموالين للاستيلاء على قيادة الاتحاد بصورة غير شرعية كما سمح للعشرات من المرشحين المخالفين للشروط القانونية بترشيح أنفسهم.
لقد فضح قويدر هذه التدخلات السافرة في شؤون الحركة النقابية ودعا لمقاومتها والتصدي لها وذلك في مذكرة الاستقالة من أمانة سر اللجنة التنفيذية الموجهة إلى وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في 28/3/1972، وعلى الرغم من كافة التدخلات في الحركة النقابية ألا أن حوالي ثلث النقابات نجحت في إحباط هذه التدخلات وحرمان السلطات من تحقيق أهدافها في هذه النقابات وكان على رأس هذه المجموعة موسى قويدر ورفاقه أذكر منهم النقابي المخضرم المرحوم نمر أبو عطية الذي رافق قويدر في مسيرته النقابية منذ أوائل الخمسينات، وحيدر رشيد وعبدا لرحمن المجالي وعبدا لرحمن الحايك و وجيه عرابي وقد قاطعت هذه النقابات انتخابات اللجنة التنفيذية ورئاسة الاتحاد لعدم إعطاء شرعية لهذه الانتخابات التي تمت نتيجة سلسلة واسعة من التدخلات في النقابات العمالية.
عبر الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عن تضامنه مع عمال الأردن والحركة النقابية الأردنية ممثلة بالقيادات النقابية التي تعرضت للاضطهاد والطغيان ، وكان نتيجة ذلك أن رفضت الاعتراف بالانتخابات غير الشرعية التي جرت وقررت عدم التعامل مع القيادة المفروضة على الحركة النقابية الأردنية ، كما أقدم الاتحاد العالمي للنقابات على خطوة مماثلة حيث عبر عن تضامنه مع الحركة النقابية الأردنية ورفض التعامل مع القيادة المفروضة على عمال الأردن . الا ان استمرار القطيعة مع الاتحادات العربية والدولية شكل عزلة على الحركة النقابية الأردنية وأصبح الموضوع مدار بحث وجدل، والحق يقال أن أبو يوسف كان يتمتع بموقف مميز حول موضوع شرعية الاتحاد حيث أصبحت هذه القضية الشغل الشاغل للحركة النقابية الأردنية لعدة سنوات، وتعددت الآراء حولها فقد تشكلت ثلاث اتجاهات رئيسية:-
الأول : تمثل بموقف قيادة الاتحاد التي كانت معنية بإعادة العلاقة مع الاتحاد الدولي للعمال العرب والاتحاد العالمي للنقابات بلا قيد ولا شرط ، متجاهلة مطالب الحركة النقابية الأردنية بتوفير الاستقلالية ووقف التدخل في شؤونها الداخلية ، ووقف اضطهاد النقابيين ومنعهم المشاركة في انتخابات العديد من النقابات .
الاتجاه الثاني: كان منطلقا من عدم رغبته بإعادة العلاقات بحكم تمتعه بعلاقة خصوصية مع فتحي الناجي ومحمد جادا لله (المعتمدين في الخارج كممثلين لعمال الأردن بحكم وجودهم في قيادة الاتحاد قبل مغادرتهم البلاد على اثر أحداث أيلول 1970)، وقد تمتع رموز هذا الاتجاه بعلاقات عربية من خلال هؤلاءالممثلين في الخارج.
الاتجاه الثالث : عبر عنه الاتجاه التقدمي الديمقراطي بقيادة موسى قويدر منطلقا من ضرورة استقلالية الحركة النقابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ووقف كافة الإجراءات التي تمارس ضد النقابيين والمطالبة بإجراء انتخابات ديمقراطية في كافة النقابات وكذلك في الاتحاد . وبنفس الوقت أكد مرارا وتكرارا انه لا يجوز أن يمثل الاتحاد العام لعمال الأردن من قبل أشخاص بالمنفى، وأن عمال الأردن بحاجة إلى دعم ومساندة العمال العرب وهم بحاجة إلى التواصل واللقاء بهم والتعرف على مشاكلهم وتقديم الدعم والمساندة لهم ، إما أن يتحفظ الاتحاد الدولي للعمال العرب على قيادات لا تتمتع بتأييد قواعدها العمالية ولم تأتي نتيجة انتخابات ديمقراطية فهذا كان أمرا مفهوما بالنسبة الى قويدر ، وفي كل الحالات ينبغي أن لا يحرموا عمال الأردن من الاتصال بالحركة النقابية العربية والعالمية . وكان يسعى باستمرار الى إزالة الأسباب التي أدت الى عزل الحركة النقابية عن عمقها العربي والعالمي.

واجهت الحركة العمالية ظروفا صعبه اثر الهجمة الشرسة التي تعرضت لها من جراء التدخلات السافرة في شؤونها الداخلية وإجراء انتخابات صورية أوصلت قيادات انتهازية على رأس معظم النقابات العمالية، وذلك لحرمان العمال من القيام بحركات مطلبيه وعدم وجود قيادات مخلصة لقضايا الطبقة العاملة تنظم حركتها المطلبية والتصدي للهجمات الشرسة التي تعرض لها العمال من أرباب العمل، عدا عن موجات الغلاء التي عرضت أجور العمال للتآكل، مما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للعمال وزادهم فقرا وبؤسا، لقد خرقت بعض المؤسسات الاتفاقيات الجماعية الموقعة مع القيادات النقابية وتوقفت عن دفع العديد من المزايا والمكاسب التي حققها العمال وسادت أجواء إرهابية بين صفوف العمال وتعرض العديد من النقابيين للاعتقال والتنكيل والاستدعاءات الأمنية، كما استفادت قيادة الاتحاد المدعومة من الجهات الرسمية من الظروف الناشئة حيث حاولت مجددا إعادة الصلة مع اتحاد العمل الأمريكي بقيادة جورج ميني المؤيد للعدوان الإسرائيلي على البلدان العربية، فقد شارك الأمين العام للاتحاد في مؤتمر عقده اتحاد العمل الأمريكي في عام 1973 وقد فصل من منصبه على أثر مشاركته في هذا المؤتمر.
أثبتت الحياة ان التدخلات في شؤون الحركة النقابية لم تثني القادة النقابيين وفي مقدمتهم مموسى قويدر ورفاقه عن مواصلة النضال من أجل رفع همم وعزائم العمال والتصدي للخروقات التي مورست من قبل بعض المؤسسات للاتفاقيات الجماعية وعاد العمال لتنظيم صفوفهم لمواجهة الظروف الجديدة. وقد شكل الاتجاه التقدمي الديمقراطي منبرا نقابيا لمواجهة التدخلات والاعتداءات على حقوقهم، وكان هذا المنبر يمثل قوى نقابية عديدة نجح في تنظيم صفوفه لدخول معترك النضال في المعركة الانتخابية لدورة عام 1974، وقد كشفت التطورات اللاحقة أن تدخلات السلطة في شؤون الحركة النقابية ومحاولة ترتيب الأوضاع لم تفلح في الحفاظ على تماسك اليمين في مواصلة قيادة الاتحاد لولا التدخلات الجديدة التي جاءت عشية انتخابات 1974 ، حيث شعر العمال بمدى الضرر الذي لحق بهم نتيجة هيمنة قيادة عاجزة عن الدفاع عن مصالحهم ، وما رافق ذلك من إجراءات اقتصادية مست حقوق ومكاسب العمال نتيجة ارتفاع الأسعار ، مما خلق مناخا مناسبا لحفز العمال في دخول المعركة الانتخابية للدفاع عن استقلالية نقاباتهم وإجراء انتخابات ديمقراطية لإيصال ممثلين حقيقيين لهم ، وقد جرى ذلك في معظم النقابات باستثناء (7) نقابات منع الاقتراب منها ومعظم هذه النقابات مددت لنفسها دورة جديدة بالتزكية وحرم العمال من حقهم في إجراء انتخابات فيها ، وقد نجحت القوى التقدمية و الديمقراطية في (14) نقابة عمالية ، وعلى الرغم من النجاحات الملموسة للاتجاه التقدمي الديمقراطي الذي مثل ضمير عمال الأردن إلا ان نتائج انتخابات قيادة الاتحاد لم تعكس الصورة الحقيقية للواقع ، فقد تمترست العناصر اليمينية المدعومة من الجهات الرسمية في مواقع مهمة تمثل قوة تصويتيه في داخل مجلس الاتحاد بسبب النظام الداخلي الذي فرض من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتواطؤ مع هذه العناصر ، بالإضافة إلى التدخلات السافرة التي أقدمت عليها الجهات الرسمية لصالح هذه القوى وقد وجهت مذكرة احتجاج لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل تحمل تواقيع (48) نقابي من قيادي على التدخلات التي جرت في الحركة النقابية . وجاء في المذكرة، مطالبة الوزير بإبداء الأسباب التي أدت إلى استثناء بعض المرشحين ومنعهم من المشاركة في الانتخابات في نقاباتهم، ومطالبته بالتخلي عن هذه الإجراءات ووقف التدخل في شؤون الحركة النقابية، وعلى الرغم من كافة التدخلات التي مورست حتى عشية انتخابات قيادة الاتحاد في ربيع عام 1974 والتي استخدمت بها كافة الوسائل والأساليب لأحداث تأثير على بعض المرشحين الرئيسيين، وكذلك على أعضاء مجلس الاتحاد، وكان ابز هذه التدخلات إرغام مرشح رئاسة المجلس بالتخلي عن موقفه في اللحظات الأخيرة والانسحاب لإتاحة الفرصة أمام مرشح السلطة بالفوز بالإضافة إلى الاستدعاءات والضغوطات التي مورست على أعضاء المجلس بهدف تغيير موازين القوى، وقد أحدثت هذه الإجراءات خللا في صفوف القائمة التي كان يقودها قويدر، مما استدعى ذلك إجراء تعديلات على الخطة في اللحظات الأخيرة وتقديم مرشح جديد لمنصب رئاسة الاتحاد رفيق الدرب سالم حجازين بدون إعداد وتحضير مسبق، على الرغم من كل ذلك فقد أسفرت النتائج عن فوز مرشح اليمين بفارق أربع أصوات فقط ، وتوزعت الأصوات بين القائمتين في عضوية اللجنة التنفيذية ،

لا شك أن ظروفا جديدة قد نشأت بعد انتخابات عام 1974 ، فقد أحرزت القوى الديمقراطية والتقدمية نجاحات ملموسة وأصبحت قوة أساسية لا يمكن تجاهلها في الحركة النقابية ، فقد تعزز نفوذها في النقابات وفي مجلس الاتحاد وحتى في اللجنة التنفيذية أيضا ، على الرغم من وجود الأغلبية لصالح الاتجاه الآخر ، إلا أنه لم يعد ممكننا تجاهل قوتها ، وان ظروفا موضوعية بدأت تتشكل لتحركات عمالية ، فقد شهدت النقابات العمالية وخاصة التي كان على رأسها هيئات إدارية منتخبة نشاطات عمالية ملموسة ، فقد استجابت هذه النقابات لإرادة عمالها وتقدمت بسلسلة من المطالب العمالية تضمنت زيادة الأجور وعلاوة غلاء المعيشة وتأمينات صحية إلى غير ذلك من المطالب وكان الأساس الموضوعي لهذه التحركات تدهور الأوضاع المعيشية ، فقد شهدت بداية السبعينات موجات متلاحقة من الغلاء وارتفاع الأسعار ، وارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال السنوات 72-75 بنسبة 286% حسب الإحصاءات الرسمية ، على الرغم من انخفاض أجور العمال وبؤس واقعهم الاجتماعي فهم محرومون من معظم الخدمات التي يصنعونها بسواعدهم وبجهدهم وعرقهم ويقدمونها لعلية القوم ، عدا عن حرمانهم من التأمينات الصحية فغالبية العمال لم يحصلوا على أي تأمينات صحية أو ضمانات اجتماعية ، نتج عن الأوضاع الجديدة التي يعاني منها العمال ظاهرتين.
الأولى:- هجرة الكفاءات العمالية للخارج وبشكل خاص لدول الخليج بحثا عن مصادر رزق تؤمن لهم حاجياتهم الضرورية والأساسية، مما أسهم في إضعاف بنية الطبقة العاملة الأردنية .
أما الظاهرة الثانية :- فقد تمثلت بالميل نحو التنظيم النقابي والتضامن العمالي والتقدم بمطالب جماعية لمعالجة أوضاعهم المعيشية لقد تبنى النقابيون المخلصون في الدفاع عن العمال هذه القضايا التي تؤرق العمال وتهدد أسرهم بالجوع والمرض والحرمان ، وقد قرر مجلس الاتحاد في جلساته المنعقدة في أيلول عام 1974 تشكيل لجنة نقابية لإعداد دراسة متكاملة عن أسباب الغلاء وما يعانيه جماهير العمال نتيجة الغلاء ووضع الحلول المناسبة لمعالجة هذه الظاهرة ، وتقديمها بمذكرة لرئيس الوزراء، وقد جاء في المذكرة … إننا نقدر الأعباء التي تفرضها معالجة هذا الوضع على موازنة الدولة ولكن هذه الأعباء يمكن تخفيضها أو حتى تلافيها كليا إذا ما اتجهت المعالجة تحميل الذين لا يشعرون بهذه الأعباء ويستطيعون احتمالها من خلال إجراءات تتخذها الحكومة بهذا الخصوص ، وقد تناولت المذكرة مجموعة نقاط أهمها ، المطالبة بزيادة الأجور من 20-30% ، تخفيض الأعباء الضريبية على ذوي الدخل المحدود وزيادة الرسوم الجمركية على السلع الكمالية واستخدام عائدات هذه الزيادة في تغطية نفقات أسعار السلع الضرورية للعمال وذوي الدخل المحدود ، إعفاء أبناء العمال وذوي الدخل المحدود من دفع الرسوم المدرسية ، وبدلا من الأخذ بمطالب العمال واصلت القيادات المفروضة على العمال نشاطها الإعلامي المعادي للمطالب العمالية بتحذير العمال وتشجيع أرباب العمل ، منطلقة من فلسفة اقتصادية متحيزة بأن " زيادة الأجور تؤدي إلى زيادة التضخم مما يضعف النشاط الاستثماري فالحفاظ على أجور منخفضة للعمال يحفز المستثمرين الأجانب للعمل في الأردن " وكانت بعض العناصر في الحركة النقابية تردد هذه العبارات كالببغاوات ، العمال يدركون تماما حاجة البلاد للتنمية الاقتصادية وأهمية اجتذاب المستثمرين للعمل في بلادنا ، ورغبة المستثمرين في وجود أيدي عاملة رخيصة ، لكن المستثمرين سواء كانوا محليين او أجانب لن يجدوا عمالا بمهارات إذا لم يوفروا لهم الحدود الدنيا من مقومات الحياة ، وحين يتهمون العمال بأن زيادة أجورهم تؤدي للتضخم ، فماذا يقول العمال حين يواجهوا الارتفاع المتواصل للغذاء والدواء وكافة مستلزمات الحياة ، من سكن وملابس وغير ذلك بالإضافة إلى الأعباء الضريبية المرتفعة

لقد شكل تحرك الاتحاد بصفته قيادة رسمية، حافزا للعمال لتطوير نضالهم للدفاع عن حقوقهم، فقد تقدمت النقابات العمالية بعشرات المطالب خلال دورة 74-76 وحققت نجاحات ملموسة نتيجة لوحدة العمال وتضامنهم وخاصة في المؤسسات الكبيرة وكان أبرز هذه المعارك التي شهدتها الحركة النقابية في تلك الحقبة، هي التي خاضها عمال ابرز شركتين في قطاعي النسيج والجلود، حيث دفعت الأمور نحو التأزم لرفض المطالب العمالية وعدم الاستجابة لإجراءات التوفيق التي نص عليها قانون العمل الأردني ، مما اضطر العمال الإعلان عن إضراب مفتوح في مطلع عام 1976 لتحقيق مطالبهم ، وقد شهدت الحركة النقابية حملة تضامن غير مسبوقة لانجاح هذه الحركة المطلبية، واستمرت إلى أن حقق العمال مطالبهم ، ويقول قويدر بهذا الصدد " أخيرا لم يكن أمام العمال بدا من التوقف عن العمل بسبب تصلب الشركة وتعنتها ورفضها المتواصل للاتفاق لتحقيق مطالب العمال العادلة ، وإفشالها لمساعي التوفيق التي بذلتها دائرة العمل ، وأخيرا استيرادها لعمال أجانب ليحلوا محل العمال الأردنيين في العمل بالشركة " وعلى الرغم من ادعاءات السلطة بالحياد اتجاه النزاعات العمالية إلا أنه ليس خافيا على أحد تحيزها اتجاه أصحاب العمل ، وقد عبر عن ذلك صراحة رئيس مجلس إدارة أبرز شركة دخلت معمان النزاع العمالي في تلك المرحلة ، حيث قال "أن هذه حكومتي وليست حكومة قويدر" وكان يعني ما يقول فبقي يمارس مخالفته للقوانين باستخدام عمال أجانب رغم وجود عماله محلية كافيه تغطي حاجة البلد ، أما موسى قويدر فقد زج به في السجن في شباط عام 1976مع رفيقه وأمين سر النقابة فتح الله العمراني.

لقد اكتشفت السلطة أن كافة إجراءاتها وتدخلاتها في شؤون الحركة النقابية منذ حل اللجنة التنفيذية للاتحاد وحتى انتهاء دورة 74-76 لم تحقق أهدافها فالنهوض العمالي والتحركات النقابية جاءت على عكس توقعات هذه الجهات، ولذلك اكتشفت انه لا بد من وجبه جديدة من الإجراءات والتدخلات بهدف إضعاف وترويض الحركة النقابية واستيعابها لإجهاض الحركة المطلبية العمالية. وقد جاءت التدخلات الجديدة عبر تعديل المادة (84) من قانون العمل الأردني والتي أعطت وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الحق بإعادة تشكيل النقابات ودمجها بصورة كيفية بما يسمح تقويض نشاطها والحد من دورها الذي أصبح يشكل خطرا على مصالح كبار الرأسماليين من خلال تنامي الحركة المطلبية، وتعميق الوعي لدى العمال، وقد جاء قرار التعديل في ظل حملة مطاردة واعتقالات بين صفوف العمال والحركة النقابية واستخدام كافة الوسائل لإبعاد العمال عن نقاباتهم وكان أبرز هذه الإجراءات اعتقال موسى قويدر وفتح الله العمراني في شباط عام1976 بعد نجاح الاضطرابات العمالية وتحقيق أهدافها، وقد تصدت الحركة النقابية لهذه الإجراءات عبر سلسلة من التحركات بهدف حماية استقلالية الحركة النقابية ومنع التدخل في شؤونها الداخلية، ووجهت مذكرة إلى وزير الشؤون الاجتماعية والعمل والى وزير العمل الجديد حيث تم استحداث وزارة مستقلة للعمل في هذه الفترة، وقع عليها (16) رئيس نقابة، كما جرى التوقيع على العرائض العمالية لاستنكار تعديل المادة 84 من قانون العمل وكذلك دفاعا عن المعتقلين النقابيين الذين زج بهم في السجون لإضفاء جو من الإرهاب وتخويف العمال وإبعادهم عن النشاط النقابي، ومحاولة لربط النشاط النقابي بالنشاط السياسي، كما استهدفت اعتقال قويدر والعمراني والعديد من الكوادر النقابية في مختلف النقابات لإفساح المجال أمام العناصر الانتهازية لكي تملئ الفراغ الذي أحدثه غياب القيادات النقابية والاستيلاء على هذه النقابات، على الرغم مما لحق بالحركة النقابية من ضعف وتراجع نتيجة تعديل المادة (84) من قانون العمل الأردني، والدمج الكيفي الذي أقدم عليه وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بهدف إضعاف النقابات التي أتهمت بالمشاكسة نتيجة تبنيها للمطالب العمالية وعدم رضوخ قادتها لكافة الضغوطات التي مورست بحقهم بما في ذلك الاعتقال والتنكيل من ناحية والإبعاد عن قيادة النقابات من الناحية الأخرى ، كما جرى مع أبو يوسف وغيره من النقابيين رغم لم تنجح محاولات فرض عناصر انتهازية بديلة في هذه النقابات ،وقد حافظت معظم النقابات على وجهها النقابي التي أنشئت من أجله صيانة الحقوق العمالية والدفاع عنها . فقد احتفلت الطبقة العاملة الأردنية في الأول من أيار عام 1976 حسب تقاليدها التي أرساها قويدر في مهرجان عمالي في دبين، ولكن في هذه السنة لم يكن قويدر على رأس المهرجان يلقي خطابه المعهود في العمال، فقد حرم من المشاركة واحتفل على طريقته بزنزانته، ورفع العمال والنقابيون يافطاتهم وهتفوا بالمطالبة بالحرية لقويدر، وواصلوا نضالهم وتنظيم حملاتهم التي شارك فيها النقابيون في مختلف بقاع الأرض مطالبين بالإفراج عن المعتقلين. وقد استرد حريته في أيار عام 1977 الذي فاجأ العمال بحضوره إلى دبين لمشاركتهم في مهرجانهم العمالي السنوي. لقد غادر السجن شامخا مرفوع الرأس، قائدا وزعيما عماليا، وكان صموده يمثل صلابة الطبقة العاملة وتحديها للاستغلال الرأسمالي، وقد تزامن خروجه من السجن مع انعقاد كونفرنس الحزب لعام 1977 حيث انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وكان انتخابه بمثابة تقدير لدوره القيادي في صفوف الطبقة العاملة، بالإضافة الى إعادة الاعتبار الى قويدر الذي عانى في تجربته الحزبية من ظلم رفاقه في وقت من الأوقات ، فقد أعلن فؤاد نصار في إحدى الجلسات التحضيرية للكونفرنس … لقد حان الوقت لإعادة الاعتبار الى أبو يوسف الذي تعرض للظلم في حياته ، وللأسف الشديد لم تكن المرة الأخيرة التي تعرض بها لمثل هذا الظلم ، فقد ذاق طعم الظلم مرة أخرى ودفع ثمنا باهظا لموقفه السياسي رافضا المساومة على قناعته السياسية معرضا أسرته لضنك الحياة وقسوتها ، لقد شاركته ام يوسف رفيقة دربه مسيرته النضالية وكانت سخية في عطائها وتقلبت بها الحياة بمعايشة صور نضالية متعددة ، من مشاركته للاختفاء أثناء ممارسة العمل السري ، الى زياراتها المتكررة إلى أبو يوسف في السجن ، او سهر الليالي بانتظار عودته في ساعة متأخرة من اجتماعاته اليومية ، بالإضافة الى دورها الشخصي ودور أبناءها بالعمل الوطني العام في مختلف الأصعدة ، لاشك ان شعورا مزدوجا يختلج المرء في ظروف كهذه ، ففي الوقت الذي يشعر بالسعادة لاستيعاب أسرته لتضحياته ووقوفهم جنبا الى جنب معه في مختلف مراحل مسيرته النضالية ، الا انه بنفس الوقت قد يشعر أحيانا بعذاب الضمير لما يسببه لهم من معاناة للنتائج المترتبة عليهم نتيجة هذه التضحيات .
وعلى ضؤ المتغيرات التي شهدها العالم في نهاية القرن الماضي، والتطورات المحلية ومن بينها صدور قانون الأحزاب، وما تقتضيه هذه المستجدات من إجراء مراجعة شاملة في الحزب، عقد مؤتمر الحزب في عام 1992 تحت شعار إجراء مراجعة " فكرية وسياسية وتنظيمية " في حياة الحزب بهدف تحقيق الديمقراطية في الحياة الحزبية ، واستخلاص العبر والدروس من تجربة الحزب فكريا وسياسيا لطرح رؤية علمية للمرحلة القادمة ، اخذين بعين الاعتبار أهمية العمل من اجل إيجاد إطار ديمقراطي تقدمي عريض لاستيعاب التيار الديمقراطي في المجتمع ، وشارك أبو يوسف بحيوية في الحوار الدائر في المؤتمر حول هذه الموضوعات، والتي أسفرت عن قيام الحزب الديمقراطي الاشتراكي ، وفي ختام أعمال المؤتمر انتخب قيادة للحزب ، كان أبو يوسف أحد أعضاءها التي انتخبته عضوا في المكتب السياسي ونائبا للامين العام للحزب . تمتع أبو يوسف بشخصية حيوية ديناميكية وبحس مرهف اتجاه القضايا الوطنية والعمالية وقد تابع باهتمام قضايا العمال ، وكان مستشارا ونصيرا ومدافعا عن حقوقهم ، فكان يستقبل العمال والنقابيين طيلة الوقت ، ليس فقط بمقر الاتحاد العام للنقابات بل وفي منزله أيضا لتقديم المشورة والبحث في مختلف القضايا العمالية سواء كانت فردية أو جماعية ، وكان يجد الوقت للمساهمة بالعمل الوطني العام والمشاركة باللقاءات والاجتماعات السياسية مع مختلف القوى ، وكذلك في الندوات واللقاءات الصحفية ، والاجتماع مع المسؤولين على مختلف مستوياتهم لشرح ظروف العمال والدفاع عن قضاياهم والمطالبة بتطوير القوانين العمالية وإصدار قانون الضمان الاجتماعي ، أما الثقافة العمالية فكان يوليها اهتماما خاصا فقد كان ينظم الندوات الثقافية العمالية ويشارك بمعهد الثقافة العمالية بمحاضرات متخصصة بقضايا العمال تسهم في تعميق الوعي العمالي والوطني وإعداد الكوادر النقابية ، ومن أهم محاضراته حول العمال العرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث يكشف بمحاضرته عن الظروف التي يعيشها العمال العرب ، وأشكال الاضطهاد الطبقي والقومي الذي يتعرضون له ، فقد كان ينبري للدفاع عن العمال الفلسطينيين ، وكان متواصلا معهم يتلقى أخبارهم ويعمم رسائلهم التي تتناول ظروف نضالهم الوطني والاجتماعي ، أما محاضرته الثانية فكانت حول الهستدروت التي يكشف من خلالها زيف ادعاء هذه المنظمة الصهيونية العنصرية بأنها منظمة طبقية ، فكان من أهدافها الرئيسية هو تشجيع الهجرة إلى فلسطين والاستيطان ، بالإضافة إلى كونها منظمة عنصرية معادية للعمال العرب.



#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- خبر سار.. زيادة رواتب المتقاعدين بالجزائر في شهر مايو 2024 ت ...
- راتبك بزيادة 100,000 دينار..وزارة المالية تعلن بعد التعديل س ...
- لندن تستدعي سفير روسيا احتجاجا على -نشاط خبيث- على أراضيها
- “مصرف الرافدين” 25,000,000 دينار سلفة للموظفين والمتقاعدين ب ...
- رابط التسجيل في دعم العمالة الكويتية 2024 بالرقم الوطني عبر ...
- حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين شهر مايو 2024 والرابط المخصصة ...
- “افرح قبضك زاد!!”.. قيمة زيادة رواتب المتقاعدين في العراق 20 ...
- بريطانيا.. وقفة احتجاجية داخل كلية لندن الجامعية لدعم الشعب ...
- أبو الغيط: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئا ثقيلا لا يمكن تحمل ...
- موعد صرف رواتب المتقاعدين وكيفية الاستعلام عن رواتب التقاعد ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - فهمي الكتوت - الذكرى التاسعة لوفاة شيخ النقابيين والابن البار للطبقة العاملة