أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليلى موسى - ثورة المرأة: عودة إلى الذات بعد زمن الاغتراب















المزيد.....

ثورة المرأة: عودة إلى الذات بعد زمن الاغتراب


ليلى موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6963 - 2021 / 7 / 19 - 12:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كثيرة هي المفاهيم والتصورات المبرمجة والناظمة لسلوكياتنا الراسخة في اللاوعي؛ نأتمر بأمرها وتُسيّرنا وفق أهوائها، حتى باتت جزءاً من النسيج الفكري والتراث الإنساني لدينا؛ نتوارثها جيل بعد جيل. تغلغلت في أدق تفاصيل حياتنا، وتحولت مع مرور الزمن إلى مقدسات وتابوهات نتطلع إلى الامتثال لها على أنها المعيار والنموذج الأمثل للفوز بقبول الأخرين والمجتمع. ولنثبت أننا أناس نعيش وفق الحقيقة، وما نقدمه ونقوم به على أنه الحقيقة عينها، من دون أن نتجرأ على استجواب أنفسنا ولو بحوار داخلي بين ذواتنا.
السؤال؛ ما هو مصدر وحقيقة هذه التصورات والمفاهيم؟ وهل هي حقاً انعكاس لحقيقتنا وطبيعتنا؟ وإذا كنا نعيش وفق الحقيقة؛ لماذا نعيش كل هذه الأزمات والكوارث؟.
إنها المحظورات والخطوط الحمراء التي تربينا وترعرعنا عليها على أنها الحقيقة، بل كل الحقيقة المطلقة. إنها المثالية والقدرية وحتى مجرد التفكير بالابتعاد عنها يعني الموت بعين، وجزاء الاقتراب أو المساس بها هو الموت أو لعنة الإله التي ستحل علينا، أو النبذ والتكفير. هكذا نشأنا وترعرعنا، وهكذا نعيش وفق منهجية أدواتها ذواتنا فرضت علينا التعايش والاستسلام لها محققين سلام وهمي في عالمنا الداخلي ومبرمجين سلوكياتنا وفق تصورات ومفاهيم لم نبتكرها ونبدعها كحالة طبيعية لسيرورة التغيير والتطور الذي نمر به ونعايشه. في الوقت الذي نحن فيه منفصلون عن واقعنا، ونعيش زماناً ومكاناً غير زماننا، مجردين من هوياتنا، بل نعيش الاغتراب عن ذواتنا في أقصى درجاتها. ومن سخريات القدر ندافع ونقاتل ونضحي من أجل مفاهيم وتصورات نتوهم على أنها تمثلنا، أنها قمة التناقض عشناها ومازلنا نعيشها في الكثير من جوانبها. حتى يمكننا القول إن ما نحن عليه الآن، ما هو إلا موت سريري بحدِ ذاته، بل في الكثير من الأحيان تم تفريغ هذه المفاهيم والتصورات من مضامينها وجوهرها ورحنا نتمسك بالقشور على أنها حقيقة الحياة.
أوهمونا بأن الثابت هو الاستقرار والأمان والسلام، وأن التغيير هو الخراب والدمار. خلقوا لدينا فوبيا التغيير. التغيير الذي هو جزء من طبيعتنا البشرية حتى أصبحنا نُسَخّر كل جهد وطاقة نمتلكها لفرملة طاقاتنا المتدفقة والمتحركة نحو التجديد. بتلك الذهنية والعقلية أصبحنا أشد المحافظين على القديم والعيش في كنفه ومنفصلين عن التطور والتغيير الذي يعتريه محيطنا وواقعنا.
هذه المنهجية أخرجت أجيال على مرّ آلاف السنين وشخصيات نمطية مستنسخة مستهلكة شبيه بالروبوت عند الطلب، حتى بات من يحاول أو يعيش خارج هذه الدائرة يتم وصفه بالنشاز وعديم القيم والأخلاق والإنسانية ومجرد من الآدمية.
رغم كل تلك السياسات والممارسات نرى في جانب آخر تاريخ زاخر لشخصيات ثارت على كل ما هو مألوف ونمطي ومزيف واستطاعت تغيير بوصلة التاريخ عبر تصويبهم للعديد من المفاهيم والتصورات. وبكل تأكيد لم تكن مهمتهم سهلة بل كانت محفوفة بالمخاطر؛ بل و أشبه بمن يسير في حقل من الألغام. والبعض قدم حياته رعبوناً لدرب الوصول إلى الحقيقة التي تم تغييبها خدمة لأجندات وجهات وقوى معينة ومحدودة. ونحن اليوم مدينين لهم وبكل ما نعيش وفق الحقيقة، وإن كانت لبعض جزئياتها وتفاصيلها التي اكتشفوها وعرفونا عليها.
لطالما كان تمرير التصورات والمفاهيم تحت المجهر وتشريحها، وإعادة النظر فيها وكشفها بحاجة إلى ظرف وزمان ومكان مناسب. وكانت إحدى هذه الأرضيات هي ثورة 19 من تموز في مناطق شمالي وشرقي سوريا، وبشكل خاص ثورة المرأة التي تنامت وتطورت بالتوازي ومن داخل ثورة 19 تموز. فالثورة كمفهوم ولغة هي الثورة على ما هو مألوف، واصطلاحاً تعني تغيير المجتمع ككل أو في أحد جوانبه.
وهذا التغيير أو التطور ليس من الممكن حدوثه مالم يحدث تغيير في المنظومة الفكرية –المفاهيم والتصورات- التي تسيّر وتنظم سلوكياتنا وحياتنا اليومية. فكان من الضرورة الحتمية البحث عن أسباب الأزمات والمشاكل والتناقضات التي تعتري حياة المرأة، التي استطاعت من خلال هذه الثورة كشف النقاب عن العديد المفاهيم والتصورات التي كبلت وتكبل حرية وإرادة المرأة.
وتمكنت المرأة خلال فترة وجيزة من كسر جدار الصمت والعزلة المفروضة على قضية المرأة، وذلك عبر البحث عن ماهية وجوهر المرأة. فكانت هذه الانطلاقة بمثابة رعشة للعديد من النسوة للاستيقاظ من الثبات الأبدي الذي كن يعشن وفقه، والبدء برحلة الشك والبحث اليقين وحقيقة وجوهر المرأة.
فكانت النتيجة ثورة قلبت موازين التفكير وكشفت زيف ما كان يدعى على أنها الحقيقة. شيئاً فشيئاً بدأت المرأة استعادة دورها الطبيعي والطليعي والحقيقي في ريادة وقيادة المجتمع وبداية لتدفق القدرات والامكانيات الكامنة في داخلها؛ وتفجير لطاقاتها حتى تمكنت من تحقيق ما كان يعتقد على أنه من المستحيلات. وأذهلت العالم بقدراتها وتحولت إلى إلهام لجميع النساء المضطهدات في جميع العالم، ومازالت ماضية في ثورتها ومسيرتها التحريرية بإرادتها الحرة الواعية.
فواقع المرأة المعاش في مناطق شمالي وشرقي سوريا، بات كالينوع الذي ينفجر ويصعب السيطرة عليه، وهي ماضية في سيرورة مسيرتها النضالية التحريرية. تلك المسيرة المحفوفة بالمخاطر والتضحيات والمواجهات بدءاً من أصغر خلية في المجتمع –العائلة- إلى أعلى الهرم المتمثل بالسلطة. السلطة التي لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء ثورة المرأة هذه فراحت تحارب هذه التجربة الرائدة؛ وعملت على شيطنتها، ولم يدخروا جهداً إلا واستخدموها لضرب هذه الثورة وإفشالها، مع علمهم بشكل قاطع أنه لا يمكن النيل من هذه الثورة إلا من بني جنسها، و على رأي المثل الشعبي الدراج "القلعة تفتح من الداخل". وحتى مفهوم الفتح في الكثير من المواضع هو في حقيقة الأمر احتلال. لذا، نرى بين الفينة والأخرى تظهر بعض النسوة المسترجلة والمشبعة بالذهنية الذكورية تقوم بمحاربة واستهداف مكتسبات المرأة على أنها تعدي على قيم وحرمات المجتمع.
هذه الذهنية كانت السبب الرئيسي في خسارة مكتسباتها في العديد من الثورات التي قادتها وقدمت تضحيات جمة فيها بعد الانتهاء منها عادت إلى الحلقة الأولى التي انطلقت منها؛ ولم تحول التطورات التي حصلت مع سيرورة الثورة تقدماً يحقق تغييراً ملموساً في واقع المرأة ومسيرتها النضالية. لذا؛ وحتى نستفيد من دورس وتجارب التاريخ ونستخلص منها عبراً علينا رفع وتيرة النضال وتصويب وتعديل المفاهيم والتصورات التي اعتراها التحريف والتشويه بفعل السلطة والدولة. وكلنا إيماناً بقدرات وطاقات المرأة المتدفقة والمتجددة وطبيعتها المتغيرة والمرنة التي لا تعرف الخنوع؛ ولن تستلم لليأس بعد رحلة البحث الشاق والعودة إلى الذات بعد حالة الاغتراب التي دامت لدهور من الزمن.
وبالرغم من كل ما تتعرض له المرأة وحجم التهديديات والصراعات التي تواجهها، إلا أنها تمكنت من إحداث طفرات نوعية في ثورتها. فالمرأة التي ذاقت طعم الحرية واستنشقت هواءه يستحيل عليها قبول الرضوخ والعودة إلى الوراء. وستكون بداية الانطلاقة لشرارة العديد من الثورات النسائية في العديد من المجتمعات اللواتي يتطلعن لنيل حريتهن وتحرير مجتمعاتهن والإنسانية من نير العبودية والاستبداد.



#ليلى_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرتزقة حصان طروادة الطغاة
- عفونة ذهنيكم ترهق أرواحنا
- الفقر.. البيئة الحاضنة للتطرف والاستبداد
- ازدواجية المعايير الدولية
- المرأة هي الحياة الحرة
- صراع على المعابر بذرائع إنسانية لتمرير مشاريع سياسية واقتصاد ...
- حفيدات الآلهة الأم يحيين ثورتهن في مناطق شمالي وشرقي سوريا


المزيد.....




- منها شطيرة -الفتى الفقير-..6 شطائر شهية يجب عليك تجربتها
- ترامب يرد على أنباء بدء محادثات سلام مع إيران ويؤكد: نريد -ن ...
- في حالة الحرب.. هل تغلق إيران مضيق هرمز؟
- هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها بـ 149 هدفاً مقابل ل ...
- خامس يوم في معركة كسر العظم بين إسرائيل وإيران وواشنطن تدخل ...
- أوروبا الشرقية تستعد للأسوأ: مستشفيات تحت الأرض وتدريبات شام ...
- طهران وتل أبيب تحت القصف مجددا ـ وترامب يطالب إيران بـ-الرضو ...
- هل حقا إيران قريبة من امتلاك القنبلة نووية؟
- ارتفاع عدد الضحايا.. هجوم إسرائيلي دام على منتظري المساعدات ...
- كاتس يحذر خامنئي: تذكر مصير الدكتاتور في الدولة المجاورة!


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليلى موسى - ثورة المرأة: عودة إلى الذات بعد زمن الاغتراب