|
مره الشرطة ومره الجيش
صبحي البدوي
كاتب
(Sobhi Albadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 6960 - 2021 / 7 / 16 - 18:34
المحور:
القضية الفلسطينية
مره السلطة ومره الجيش شعارات عمت كل ساحات الضفة العربيه المحتله واشغلت معظم وسائل التواصل الاجتماعي المحكي والمرئي منها وتناقلتها وسائل الاعلام المحلية والعالمية. هذه الشعارات كانت عباره عن ردات فعل واضحه لتكرار عمليات قمع السلطة الفلسطينية لقطاعات واسعه من الفلسطينيين المطالبين بكشف وتعرية قتلة الناشط السياسي والاجتماعي نزار بنات. لم تقتصر مطالب الحراكيين والمتظاهرين على عملية الاغتيال الاخيرة وانما تناولت عمليات القتل والتعنيف والملاحقة على ايدي اجهزة السلطة التي طالت معظم فئات المجتمع الفلسطيني. هذه الممارسات العنيفة من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية شكلت حالة جديدة في الفضاء العام تهدف لكسر الاخر وتطبيق ثقافة الاذعان عبر القهر للحفاظ على السلطة الحاكمة اي محاولة اخضاع هادفه لتحقيق هيمنة على الكل الفلسطيني. بالمقابل توسعت دائرة الخطاب لدى الكثير من المعارضين والموالين. فالموالي كان يرى في العنف المستخدم وسيلة للحفاظ على الامن اي عنف مشروع متسلحين بعبارات "كالحفاظ على مؤسسات الدولة والحفاظ على المشروع الوطني " ، هذا الفهم يتوافق مع طرح عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر بان الدولة هي هيمنة الانسان على الانسان باستعمال العنف المشروع ، بالمقابل لا يلتقي هذا الفهم مع التصور الماركسي للدولة على انها جهاز حماية للطبقة الحاكمة المهيمنة على موارد وخيرات البلاد وهنا يتقارب فهم المعارضة من السلطه. هذه الورقه ستناقش العنف المشروع واللامشروع في الحالة الفلسطينية وحالة التناقض التي تعيشها الشرعية الفلسطينية وحالة الافراط في استخدام العنف.
بلطجة امنيه ام شرعية
ينبغي النظر للحالة الفلسطينية الراهنة بالمرحلة المتخبطة والاكثر عنفية حيث يسودها عطل في الفضاء السياسي والقانوني، اي مرحلة الخلو الجديد من الوجود السياسي للانسان وحصر الانسان الفلسطيني في الاستهلاك والاعتماد على سلطة تتحكم في كل وسائل الحياة على دخله وحراكه . علاقة الفراغ واضحه تكسوها بطالة عاليه بين الشباب وسيطرة الطبقة الحاكمة على سوق العمل لخلق ثقافة التبعية والاستجداء. تبعية سوق العمل والبطالة دفعت باعداد كبيرة من ابناء الشعب للانخراط في صفوف الاجهزة الامنية لضمان دخل شهري مستمر وامتيازات تلبي متطلبات الحياة اليومية التي فرضتها سياسات الحكومة على المواطن بشكل عام. بالمقابل افراد الاجهزة الامنيه تقع عليهم مسؤوليات حفظ الامن وحماية النظام القائم وتطبيق كل ما هو مطلوب حتى الافراط بالعنف. حدد ماركس علاقات العنف بكونها آثارًا للايديولوجية المهيمنة التي توطد علاقات القوة لتطفي عليها شرعية المهيمن. هذه القوة المفرطة التي مارستها الأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين تستند على منظومة متكاملة اسست لها الطبقة الحاكمة والفئه المستفيدة من السلطة وتعيد انتاجها بشكل مستمر للحفاظ على البقاء وليس حفظ الامن او حماية المشروع الوطني . المتظاهرون لم يعتدوا على مؤسسات السلطة ولم يعنفوا افراد الامن بل كان صوتهم يعلو لتغيير منظومة اعتادت على كبت الحريات وقتل وسحل اي معارض. يحق لنا وصف سلوك السلطة الحاكمة واجهزتها الامنيه على انها عقيدة تحمل العداء والكراهية والحقد على الاخر وهذه العقيدة تحولت الى طقوس ورموز تختزل تجليات غرائز البقاء والقضاء على الاخر المختلف. مما لا شك فيه هنا تحولت هوية الشرطي او رجل الامن الفلسطيني من المنتمي للعام اي الكل الفلسطيني الى جندي يحمل عقيدة الالغاء لحماية شرعية المهيمن . بطريقة اخرى هذه الهيمنه مهدت الطريق الى تماثل افراد الاجهزة الامنية لفهم عقيدة الدفاع عن السلطة بكل اشكال العنف الغير مشروع وخلق ابناء شرعيين للحفاظ على النظام السياسي القائم. لا نخطأ حين نجادل ان قاعدة الولاء المطلق للنظام الحاكم قبل المجتمع ترتكز على علاقة العبد بالسيد والموقع من الدخل الشهري والسلم الوظيفي. باختصار هذة العقيدة الالغائيه تتنافى مع مفهوم المشروع الوطني وتعمل على اختزال الوطن والمشروع الوطني في شخص الحاكم على حساب الحيز العام. وانطلاقا من هذا التفكير تحث المؤسسة الامنية الفرد العقلاني ان يتخلى طواعية عن وطنيته وانسانيتة من اجل الحصول على منافع النظام السياسي وهنا يتسلسل مشهد السحل والتعنيف والقتل ايضا.
السلطة، الشرعيه ورجل الامن
يعرف علم الاجتماع السلطة انها القوة الشرعية التي يمارسها شخص او مجموعة اشخاص على شخص او مجموعة اشخاص اخرين وتستمد الشرعية من شرعية اهدافها التي تتوافق مع الصالح العام. ويعرفها ماكس فيبر على انها نوع من القياده التي تعمل لايجاد طاعة او ائتمار عند اشخاص ( فيبر 2015) والسلطة احيانا تمارس العنف المادي المشروع اما في حالة العنف الغير شرعي بهدف السلطة تصبح شرعية السلطة مشكك بها نظرا لاستخدام القوة بغير حق. يقول البعض ان الاحتجاجات الحالية تأتي في إطار استمرار فقدان السلطة الفلسطينية شرعيتها بشكل عام ورئيسها بشكل خاص. وفي نفس السياق ترى المعارضه ان الرئيس الفلسطيني يجسد كيانا عاجزا عن تحقيق آمال ومطالب الشعب الفلسطيني التي ولدت بعد اتفاقات أوسلو عام 1993. فقدان الشرعيه ليس بالموضوع الجديد حيث عبر عنه الاكاديمي الراحل الدكتور عبد الستار قاسم (2009)مبينا ان محمود عباس فقد الشرعية منذ عام 2009 و سياسته تعتبر وسيلة تكريس لوجود الاحتلال وتنفيذ اتفاق اوسلو وتبعاته . وحسب قاسم فقدان الشرعيه كان لاسباب عديده ومنها بطش الشعب وتحويل بعض الصلاحيات الخاصة بالمجلس التشريعي إلى الرئاسة الفلسطينية وايضا تم تحويل تبعية أجهزة أمنية من الحكومة إلى الرئاسة، وباختصار حصرت الشرعيه بالرئاسة الفلسطينية وحدها. يجب نستحضر هنا مفهوم التشارك والاجماع عند هابرماس (2012)حيث يقول لنا لا يمكن للشرعية إلا أن تمر عبر الفضاء العمومي الذي ينهل موارده من العالم المعيش حيث توجد الذوات. ويشرح لنا هابرماس بان كرامة الانسان مرتبطة بالمكانة التي يتخذها المواطن في النظام السياسي الذي خلقه بنفسه. ويؤكد العروي (2011)أن الدولة يجب ان تتسم بالشرعية والإجماع كي يرتبط بها الناس سلوكيا وذهنيا ويدافعوا عنها عقليا ووجدانيًا. ويضيف ايضا بان التوجهات الاستبدادية تحصر قوة الدولة في اجهزتها القمعية. فالحالة الفلسطينية في الوقت الراهن المتمثله بالتفرد والقمع والملاحقة تتوافق مع المفهوم الاستبدادي حسب العروي وتؤكد بان شرعية السلطة تسقط في حال استخدام العنف الغير شرعي والذي يهدد السلم الاهلي. يقول لنا احمد عياش (2019)كل دولة تحول عنفها القانوني والشرعي الى عدوانية مبطنة ضد مصلحة الشعب والوطن تنفيذا لمشيئة او مشاريع دولية او اقليمية تخطو خطوتها الاولى نحو انتحارها. إنّنا في هذا السياق إزاء عنف غير شرعي يحرص على أنْ يكون عنفاً شرعياً ( انظروا تصريحات قادة السلطة او القيادة الحالية لحركة فتح تشريع القتل او لا تستفزوا حركة فتح) فهو يمارس القمع باسم الدولة التي تنهض بالأساس بوظيفة حماية القوانين، وبعبارة أوضح إنّ الدولة مع العنف غير الشرعي هي دولة قمعية تزعم أنّ عنفها يحقق الامن لكل افراد المجتمع بغض النظر عن مواقفهم السياسية.
السلم الاهلي الى اين
السلم الاهلي يشكل اهم مقومات الدوله وعماد بقاءها وصحة اي مجتمع تكمن في التشارك والاجماع كما اشرت سابقا. السلم الاهلي يعتمد على شرعية واهلية السلطة الحاكمة في تسيير امور الناس في الحكم حسب القانون. بالمقابل يرى البعض ان السلم الاهلي يكون عرضة للانهيار عندما تسئ السلطات ويتفشى الفساد داخل اجهزة الدولة. يناقش محمد ابو لبده (2016) ان تفشي الفساد داخل أجهزة السلطة الفلسطينية وسرقة الأموال وتفشي المحسوبية في التوظيف والترقيات في أجهزة السلطة، وتفضيل ابناء الفصائل على الكفاءات و عدم رفع الغطاء عن ابناء التنظيمات الذين يمارسون ممارسات تضر بالسلم الأهلي والبناء المجتمعي كلها عوامل تهدد السلم الاهلي. فالسلم الاجتماعي إذن هو حالة السلم والوئام داخل المجتمع نفسه وتطبيق القانون واحترام الحريات. ومن هذا المنظور فإنّ العنف في الشارع الفلسطيني على ايدي اجهزة الامن الفلسطينية يتنافى مع القوانين المنظّمة للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات لما ترتب عنها إلحاق الضرر بالآخر بصرف النظر عن نوع هذا الضرر وحجمه واثاره على النسق الاجتماعي
الخاتمه الممارسات اليومية في الشارع الفلسطيني والتي تمثلت في قمع المتظاهرين وسحلهم واعتقال البعض منهم وملاحقة الصحافة المحلية والشتم والاهانه بحق شخصيات بارزه وابتزاز للبعض وانكار الحقيقة وتجاهل المطالب اليوميه وتخوين الاخر كلها ممارسات تقع ضمن العنف اللاشرعي والذي يهدف بالمحصلة الاخيره على قهر واستغلال الاخر لصالح الطبقة الحاكمة، وحسب فوكو " ارغاما والزاما للاخر بفعل ما لايرغب فيه وما لم يختبره". أشكال التقاتل، أو التحريض عليه، أو تبرير استخدامه، بسبب حالة الاختلاف في قضايا الوطن والمجتمع كلها عوامل اللاشرعية التي تهدد السلم الاجتماعي
المراجع
عبد الستار قاسم: نخشى ان يقوم عباس بخداعنا ويعود للاتفاقيات http://www.omamh.online/post/2019
عبدالله العروي، 2011 درس الدولة المحور الثالث :الدولة بين الحق و العنف (الجزءالراابع ) https://falsafatona.blogspot.com/2011/04/blog-post_24.ht
محمد ابو لبده 2016, السلم الأهلي أساس بناء المجتمع وتطوره، https://www.aman-palestine.org/media-center/6338.html
احمد عياش 2019 العنف الشرعي والعنف غير الشرعي https://al-hiwarnews.com/%
Max Weber in Weber s Rationalism and Modern Society, translated and edited by Tony Waters and Dagmar Waters, Palgrave Books 2015, pp. 136
#صبحي_البدوي (هاشتاغ)
Sobhi_Albadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقصاء السياسي حتى القتل
المزيد.....
-
بعد اتهامه بالاعتداء الجنسي.. جاي زي يظهر إلى جانب بيونسيه و
...
-
الجيش الأمريكي: إحباط هجمات حوثية على مدمرتين وسفن في خليج ع
...
-
رئاسة إقليم كردستان تكشف حقيقة تدهور صحة بارزاني
-
موفد المعارضة السورية السابق إلى جنيف: علاقات روسيا وسوريا م
...
-
مدفيديف يبدأ زيارة للصين تستغرق يومين
-
واشنطن تعلن بقاء قواتها في سوريا وتحدد مهمتها الرئيسية
-
روسيا والهند تناقشان توسيع مجالات التجارة وآفاق التعاون في م
...
-
السفير الإيراني في سوريا ينفي تصريحا نسب له حول نهب المساعدا
...
-
نتنياهو يرفض اتهامات الفساد، ويتهم -وسائل إعلام معادية ونظام
...
-
التلفزيون السوري تحت سيطرة المعارضة.. نشيد ديني يثير التفاعل
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|