أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب علي العطّار - الهولوكوست اللبناني














المزيد.....

الهولوكوست اللبناني


نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)


الحوار المتمدن-العدد: 6949 - 2021 / 7 / 5 - 19:15
المحور: الادب والفن
    


أقوم إلى أوراقي كالذي تتخبّطه شياطين الحَيْرة من المسّ.. أعدَّ لها استطعتَ من عقلٍ لأرهب به عدو الله والإنسان.. وفي سبيل الحريّة أجاهد هذه الشياطين الساعات الطوال.. تغلبني مرّة وأغلبها أخرى.. تغلبني فأعكف على عبادة أصنامٍ ثلاثة؛ أخشع أمام "لاتِ البداية" فأقول؛ بأي شيئٍ أبدأ؟ وأسبّح "عزّى الدخول" فأقول؛ في أيّ بابٍ أدخل؟ وأكبّر "مناة المُضيّ" فأقول؛ في أيّ طريقٍ أمضي؟ وحين تكون لي الكرّة على الحيرة وشياطينها، يُبعثُ في نفسي نبيّ التوحيد فيحطّم الأصنام الثلاثة، ويرفع مكانها صنمًا واحدًا فقط.. صنمًا أرى فيه أبشع تجليّات الظلام.. وتعلو كلمة اليأس على أحرف الأمل.. هنا أكفر بالبدايات، فكلّ القصص سيّئة.. وأكفر بالأبواب، فكلّها موصدة.. وأكفر بالطرق، فكلّها توصل إلى جهنّم.

   أكملُ كلماتي بكل ما أوتيتُ من رباطة وعي.. وأكتبُها بقلمٍ ينزف حبرًا على صفحاتٍ محترقة فيزيدها إحتراقًا.. لكن، ويا لرحمة الإستدراك، سرعان ما تنطفئ تلك النار وتعود صفحاتي بيضاء كما كانت.. فأعود بقلمي اليها مندهشًا من ثلج الأمل الذي يهبط في تمّوز.. ولأنّ أوراقي تحب أن يذوب ثلجها بسرعةٍ تساوي سرعة سيلان الحبر، أمرتُ شمس الواقع أن تشرق عليها، وأن ترسل إليها الخيوط الزرقاء كي يذوب الثلج.. لكن، ويا لقساوة الاستدراك، عصت الخيوط الزرقاء ربّها واعتدت على أوراقي حتى عادت سيرتها الأولى.. أوراق محترقة.. وهكذا بين احتراقٍ وانطفاء كنتُ أكتب هذه الكلمات.. والغريب في الأمر أن قلمي الذي اعتاد على ضغط حبرٍ مرتفع بات الان يشكو من هبوط ضغطه ويعاني من كسلٍ سببه ارتفاع منسوب الاشمئزاز في العقل.. لم يكن الأمر طبيعيًا أبدًا.. كان انقلابًا على النظام.. وقد بُهِتَ الذي كفر.

   أنطلق في كلماتي من الواقع لأهرب منه دون أن أبتعد عنه.. المشهد مريعٌ جدًا.. يبعثُ على الموت اختناقًا بغاز الألم السام.. ورغم أننا لسنا قتلة ولا مجرمين، لكن ينفذّ بحقنا حكمًا بالإعدام الجماعي.. والذي يزيد الإعدام وحشية هو الطريقة التي نقتل بها.. ليست مقصلة نشنق بحبلها.. ليست بندقيةً نُرمى برصاصاتها.. ليست قذيفة نُنثر مع شظاياها.. لسنا نحرق كشهداء الهولوكوست النازي.. نحن نقتل بكيفيّة أضحت مدرسة في الإجرام.. وبنهجٍ صار سنّة كل مجرم.. وقتلتنا مرشدون في طريق الإستبداد، وروّادًا في كل مجالات التخريب، وفقهاء في وسائل التدمير، وأولياء في عقيدة الحرب، ودعاة في سبيل الفساد.. نحن الشعب اللبناني نُقتل ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.. نُقتل روحًا وجسدًا.. نُقتل عقلًا وقلبًا.. نشنق برغيف العيش.. ونرمى برصاص الذل.. ونتشظّى بقذائف الاستهتار بارواحنا.. ونحرق في محرقة القمع .. نحن أبناء القرن الجديد نقتل على أيدي شياطين القرن الماضي..نحن الأطفال، ملائكة البراءة، نشيخ قبل أن نعيش هذه البراءة.. نحن الشباب، بناة الزمن الاتي، نملّ الحاضر فضلًا عن الزمن الاتي.. نحن الشيوخ، الشهداء على الحياة، نقتل حرمانًا من أدنى مقوّمات الحياة.. نحن الذين تشاركت نساؤنا مع رجالنا لقمة الموت، وكلٌّ أخذ نصيبه من الألم.
  
هنا لبنان.. حيث كل سيّئ هنا.. الموت هنا.. والعذاب هنا.. والدموع هنا.. والآلام هنا.. والتشتت هنا.. والفِرقة هنا.. وكل الدول هنا.. الا لبنان.. ليس هنا.

   هنا لبنان.. حيث الطفل يبكي.. والشاب يبكي.. والشيخ يبكي.. حيث كل ذي قلبٍ يبكي.. وحيث كل ذي روح يموت.

   أكتب هذه الكلمات وأنا أحاول أن أسبق عقارب الساعة بزمنٍ طويلٍ بعض الشيئ.. أذهب بمخيّلتي الى زمنٍ لم يأتِ بعد.. وأراني أقرأها لنفسي ثم ابتسم ابتسامة أسى على أناسٍ لم يصلوا الى اليوم الذي ستنطفئ فيه الجحيم.

   أكتبُ وفي نفسي أملٌ كبير جدًّا.. بحجم نقطة النون في لبنان.

   أكتب وأنا مؤمنٌ بأنّ قتَلَتنا أصغروأضعف من أن يسرقوا هذه النقطة.. مؤمن بأنهم، مهما ازدادوا اجرامًا، لن يقتلوا لبنان.



#نجيب_علي_العطّار (هاشتاغ)       Najib_Ali_Al_Attar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب علي العطّار - الهولوكوست اللبناني