أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - القرار الأخير















المزيد.....

القرار الأخير


أحمد جدعان الشايب

الحوار المتمدن-العدد: 6942 - 2021 / 6 / 28 - 19:31
المحور: الادب والفن
    


يقول المثل الروسي :( ليس ثمة مشكلة في أن يحب ساشا ماشا ويتزوجها) .
وأنا أقول :لدينا مشكلة في أن يحب ساشا ماشا ولا يتزوجها .
والمشكلة الأعظم ,ألا يحب ساشا ماشا ويتزوجها.
ا
القرار الأخير

لملم أشياءه الخاصة , دامع العينين , ورحل.
لم تُجدِ زفراته اللاهبة , ولم ينفع سعيُه المتواصل لإنشاء عش الزوجية المأمول .
منذ كان طالباً في الجامعة , لم يتخذ قراراً ارتجالياً , ولم يتعجل لبناء علاقة حب مع أية فتاة , لإيمانه بأن الحب لا يمكن أن يتم بخطة مدروسة , ولا بقرار .
هو ينتظر اللحظة التي تشعره أن شيئاً ينسل من قلبه , ليفيض بهاء تزهو في ساحته العصافير , حين يحس بهذا , وتهيم نفسه بأنثى فتقلب كيانه , فهو في حالة حب.
كان يشارك في كل مشاريع الجامعة الترفيهية بحيوية تتدفق غنى ومعرفة , في المكتبة وفي المسرح , وفي المقصف أو الرحلات , وفي أمسيات التعارف .
ينقّل نظره بين الطالبات , يتسامرون ويضحكون , كان يحب زملاءه وهو صديق الجميع .
لكنه لم يحس بطرب يلاعب صدره , ولم ينسحب شيء من قلبه حتى هذه الساعة , التي يصعدون فيها تلال مضايا و سرغايا , يتكسر الثلج اللابد تحت أقدامهم فتغوص , يسقطون بلا وجل , وهم يتقاذفون بكتل الثلج النقية.
يتجه بعبثه الثلجي نحو الطالبة هيام فقط , التي تسرع بقذف عدة كتل صغيرة لملمتْها بين كفيها الناعمتين إلى ظهره وصدره , وظل كلُّ منهما يتقصّد الأخر , حتى اقتربا والتحما تعبين , تشابكت أصابعهما فشدّها نحوه لترمي برأسها على كتفه , وهما ينفثان لهاث الجهد والتعب واللهفة , يجلسان , وكلُّ منهما راح ينكش بلورات الثلج , وتتلاقى حرارة العيون من خلال همسات النجوى الراعشة .
أحبها واطمأن لحبها له, لا يكادان يفترقان , يرتّل لها تأوهاته, وتسجع بأنفاسها أمامه مضت الأيام ناعمة , دافئة , بهية , وما إن اقترب يوم الوداع , حتى صارحها برغبته الزواج منها , ولم تتردد , غنت ضحكاتُها , وكاد يطير إلى مدينته لينثر بهاءه في سمائها .
السعادة تقفز في خطوه وعباراته , وتبدو على شفتيه وعينيه , ابتسامة أمل لا تفتر .
أثناء عودته آخر الصيف إلى الجامعة للاطلاع على النتائج , لم يلتق بها , بحث عنها , شاهد اسمها بين قوائم الناجحين مع اسمه , فرح لتخرّجها معه , سأل عنها صديقاتها ومعارفها , عذّبه الوجد , وأحس أنه فقد جزءاً من روحه .
انكسر الأمل الجميل, حين علم أن أهلها أرسلوها عروساً لتاجر من دول الخليج .
تهدم صرح أحلامه , رجع إلى قريته وقد ابتلع فرحته وخيبته معاً. وغطى ضبابُ القنوط وسامته , وبريق عينيه , وبقي في عزلة طيلة أشهر .
* * *

لا سبيل للخروج من حلكة أوقاته , بغير الانخراط في العمل , فصار مدرساً ناجحاً و أخلص لعمله فأحبه .
مضت أيامه رتيبة قاحلة , يحاول الخروج من أزمته النفسية بشتى الطرق , فمرة يعيش بين الكتب , ومرة يساهم مع فريق كرة الطائرة , وكثيراً ما ضيع الأوقات في لعب الورق .
ودون أن يشعر , صار يهتم بالمدرسة روعة , كانت تلفت انتباهه .
فهو ينشدّ نحو المرأة التي تفيض أنوثة , تبدو له روعة مثل قطعة الزبدة في طبق دافئ , فهي تذوب رقة وعذوبة , رغم اعتزازها بنفسها , وإحساسها بالتميّز .
صار يتابعها بنظراته الخاطفة , ليسرق لمحة تعني له شيئاً , أو ليخطف لحظة تشرح بعض الرموز , شعر بميل إليها , أعجب بشخصيتها , تمناها أن تكون رفيقة تنتشله من آلام نفسه .
تكررت المشاهد الودية بينهما , وبادلته مشاهد المحبة , أحست به رجلاً تلتذ معه الحياة .
نظراتهما تنشر دفئاً رغم صقيع الشتاء , وابتساماتهما تحكي عما في صدريهما من استلطاف وراحة واطمئنان .
كأنه اتخذ قراراً بعد أن جمّل خيالُه صورة عائلة صغيرة تضمُّهما بحب , اتكأ على العزيمة و الشجاعة , ليفاتحها بشعوره نحوها , وبمستقبلهما , قالت له :
أعرف ما تريد .. أنا أيضاً أتمنى أن تكون زوجي .
لكنه شتم الخذلان الذي يلتصق بحياته , فهو لم يتوقع رفض أهلها له , ولم يرغب أن يضع أباه وأمه في موقف محرج , كان على ثقة أنها سترفض غيره , فهي مدرّسة , وتستطيع أن تختار شريكها , وتقرير مصيرها بنفسها , لكنها انصاعت لتطلعات أمها المادية فقط , تملأ عينيها المظاهر اللماعة , فتُقنع ابنتها أن الحب يأتي بعد الزواج , وتؤكد لها أنه الحب الأقوى , الذي يدوم , ويلوّن حياتها بالود والرضى .
أذعنت لرغبة أبيها , الذي يسعى ليؤمّن لابنته حياة بلا عقبات أو أزمات من أي نوع كانت .
قال لها : ستندمين يا ابنتي .. الفرق كبير بين طبيب وبين شاب لم يتم تثبيته في الوظيفة , هو لا يملك أي شيء لا بيت ولا سيارة , ولا عمل .. يا ابنتي أنا أعرف مصلحتك أكثر منك .. عليك أن تنسي ما كان .. وأنا لا أقبل أن ترمي بنفسك في المجهول .
لم تمض أيام , حتى أُعلنت خطبةُ طبيب أسنان على الآنسة روعة وانتهى كل شيء .
أُجهِضت أحلامه , فراح يغزل حوله خيوط عزلته من جديد .
* * *
مرت سنوات وهو خلي , لكنه مازال يقدّر الزواج إثر علاقة حب حقيقية , يعيب على بعض أصدقائه , أنهم يتزوجون فتيات لا يعرفونهن , أو لم يحبونهن قبل الزواج , ويعيب على بعضهم أيضاً , إقامة علاقات حب كاذبة , لا تؤدي إلى زواج , ويعيب على بعضهم التفاخر بعلاقات عاطفية مع سيدات متزوجات .
هو يرفض كل هذه الصور بين الرجال والنساء , يعتقد أن نتائجها وخيمة , كان يقول لهم بثقة :
كيف أقبل لابني أو بنتي , العيش مع أب غيري .. ومع امرأة هذا مستواها ؟.. وهل يرضى أي واحد منكم أن يقذف بابنه أو بنته في وسط فاسد ؟
عُيّن مدرساً في المعهد التجاري ومن بين طلابه فتيات , يتمنى أن يلتقي بواحدة تحرك أحاسيسه , فيميل إليها قلبه ليتزوجها , كزهرة يلتقطها من بين أشواك أيامه .
كان يَراهنّ مثل أخواته الصغار , أو كأنهن بناتُه .
كاد ينسى عواطفَه , ولكن ماذا يفعل إذا كان معجوناَ بحب الجنس الآخر ؟.
هذا الجنس الذي ينتشل الإنسان من صحرائه , ليخضر ويورق , وجد نفسه يتابع واحدة بعينها ,
وهي ليست مثل باقي البنات، لفتت نظره ( نغم ) كل تصرفاتها تشده , حتى دلعُها لم يشعر أنه مصطنع , وهو خبير بهذا , يراها عفوية عذبة , أحدثت بين أضلاعه زلزالاً رائعاً .
نظراته وابتساماته الصادقة الأنيقة جذبتها , فتحولت إلى نغم حقيقي , كأنها اسم على مسمى .
تميس في مشيتها , وكلماتها ألحان فيروزية , تنسكب في سمعه فتهز أحاسيسه .
في نهاية العام الدراسي , طلب منها أن تبلغ أهلها برغبته الزواج منها , لكنهم رفضوا.
قالت أمها : كيف تقبلين برجل بعمر أبيك ؟ .
وأبوها أكد لها أن سعيد بن صديقه يريدها بعد أن ينتهي من دراسة الصيدلة وتنتهي هي من معهدها .
* * *

غُرفتُه مثل شرنقة قاتلة , لكنه يجد فيها سلواه بعد كل خيبة , يقعد متفكراً , متسائلاً : هل كل الفتيات ينتظرن تاجراً أو طبيباً أو صيدلانياً أو مهندساً ؟.
هل كل فتاة أحبها وأرغب الزواج منها , تكون ضعيفة , مسلوبة الإرادة إلى هذا الحد .. لا تقاوم قرار أمها أو أبيها ولو بكلمة ؟
لماذا لم ترفض الفتاة ما يقرره أهلها من مصير ؟
هل أقامت مفاضلة بين حبها وبين مظاهر اجتماعية غير مضمونة .. فانتصرت المظاهر والثروة .. وخاب الحب ؟ .
أم هل أصابتني مصيبة أوسكار وايلد , ألا أحصل أبداً على ما أريده ؟.
بدا قليل من الشيب في فوديه , وبرز في أسفل صدره تكوّر مندفع إلى الأمام , ولم يعد يرى أصابع قدميه وهو واقف كلما أخذ حماماً.
* * *
أحس أن عمره اقترب من الأربعين , وتمكنت منه العزلة شيئاً فشيئاً , ولم يعد يتصرف كما كان , منطلقاً منبسطاً ومشاركاً , كأنه فقد حيوية الشباب فجأة.
كان يراقب أحاديث زملائه في المدرسة , يشكون صعوبة الحياة في هذا الزمن , ويعدّدون المصاعب من مسؤوليات الزوجة والأولاد , ومن تأمين السكن والطب والدواء واللباس والغذاء , وحتى تربية الأولاد ومتابعتهم المستمرة , ومشاكل البنات والصبيان في سن المراهقة .
ومع ذلك كل واحد يقترح عليه إذا انفرد به , أن يخطب فلانة أو فلانة , وينصحونه جميعُهم بالزواج قبل فوات الأوان , فالأيام تفر والعمر قصير.
وإذا كان في بيته , يسمع مثل هذا وأكثر , من أهله وأقاربه وجيرانه , وكثيراً ما بكت أمه وجدّتُه في لحظات عتب عليه , ليقتنع بجارتهم زهيدة .
لكنه في النهاية وافق , خوفاً من أن يهرب الزمن أمام عينيه , دون أن ينتبه , ليجد نفسه وحيداً في أواخر عمره , بلا زوجة ولا أولاد .
* * *
أقاموا الأفراح والزينات , وزّعوا الحلوى , ونشروا الطيب والزهور , غنى أصدقاؤه , ورقص أهل الحي ,ولما أزِفت ساعةُ الزفاف, صعِد إلى غرفته , ظلّ ساعة في حالة من الوجد , واجتاحته عاصفة من التفكير في مستقبل غامض لم يشارك في تأسيس أصغر مساحة فيه .
أصوات الفرح مثل مطرقة فولاذية تقرع رأسه , أغلق النوافذ , حضن دماغه براحتيه , تساءل :
- ( كيف تكون حياتي مع فتاة هي ليست لي ولا أنا لها ؟
كيف أعبّر لها عن أحاسيس كظيمة جامدة ؟
لماذا أوافق على قتل اللغة الجميلة في شفتي ؟
ولماذا أقبل الظلم لي .. وعسفي لها ؟
ما شكل حياتي ومعناها بلا حب حقيقي صادق ؟ )
قهره الخذلان المتكرر ,فانفطر حسرة على ما فات , تسرد لؤلؤ عينيه , ونشج , لكنه أخذ نفساً عميقاً , وأحس بالسعادة العابرة , لأنه في كل عمره الذي فات , صدف عن الفحشاء , وبقي نقياً إلا من حب قادم , هو على أمل أن يعشه مدى الحياة .
قرر أخيراً , نهض , بينما كانت أصوات الفرح تلسع نفسه مثل سوط , انسل بهدوء وغاب .
* * *

في اليوم التالي , اتصل من مقسم للهاتف , كان في صوته جرس يوشّحه الأسى .
- ألو .. اعذروني .. لقد وجدت نفسي غير مؤهل للزواج .. اطمئنوا ..أعيدوا كل شيء مثلما كان .. أنا في بيروت .



#أحمد_جدعان_الشايب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدالة والضواري
- صباح رائق.. وخيبة
- قراءة انطباعية في قصيدة ما الجدوى؟ لحمزة رستناوي


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - القرار الأخير