أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ماجلوار - إدوارد لويس















المزيد.....

إدوارد لويس


أحمد ماجلوار
كاتب

(Magloire)


الحوار المتمدن-العدد: 6933 - 2021 / 6 / 19 - 03:00
المحور: الادب والفن
    


عاجلاً أم آجلاً سوف يظهر لك اسمه.. إدوارد لويس، إدوارد لوي.. سواء كنت تبحث في الأدب الفرنسي، أو تهتم بالأدب العالمي بدون تحديدات، فسرعان ما سوف تأتي علي اسمه الصاعد في عالم الأدب كأصغر نجومه العالميين الذين تنفتح لهم الأبواب وتبتسم لهم الأقدار.
وكان السؤال الأول والأهم هو.. لماذا؟ وكيف؟ هل معقول (موهبة) إلي هذا الحد؟ هل معقول أن يأتي بـ(جديد) إلي هذه الدرجة؟ كانت النظرة الأولي تزيد من أولوية السؤال.. الاسم إدوارد لويس، حسناً.. مزيف بوضوح، وهذا مفهوم، تقريباً لا كاتب فرنسي يكتب بأسم ميلاده الطبيعي.. من مواليد التسعينات، وهذا يجعله أصغر كاتب أدبي يرتقي إلي المرتبة العالمية، ويثير المزيد من الاسئلة أكثر مما يجيب عنها.. وسيم، أبيض البشرة، أشقر الشعر، أزرق العينين!
موضوع صغر السن متماش مع الثقافة العالمية الحديثة، مقبول ومطلوب ان يكون النجم الأدبي صغير السن جداً بشرط أن يبرهن بكل الطرق انه قد قرأ التراث الأدبي السابق كله وهضمه وحدد منه موقفاً، وقد أثبت إدوارد لويس الشاب ذلك في كتاباته القليلة حتي الآن بكل الطرق الممكنة.
ولكن بقيت الصفات الشكلية لإدوارد لويس لتثير الحيرة، يفوح بذبذبات الثقافة الحديثة، بالصوابية السياسية، لكنه ليس ملون البشرة، ليس فتاة، وبالتأكيد ليس مُهاجراً، هل يُمكن لشاب أشقر البشرة الصعود بهذه السرعة في هذا الزمن وفي هذه الثقافة؟ الإجابات جاءت بمزيد من البحث.. قد يبدو إدوارد لويس الأوروبي الأبيض لا منتمياً إلي أية أقلية، ولكنه بالتأكيد علي الجانب الآمن ثقافياً لو جاز لي القول، الجانب الذي معه الأضواء الآن. شبّ إدوارد في الحقيقة عن الطوق كشاب مثلي الجنس، يشيح والده بنظره عنه حين يرتدي فستاناً في حفل للأطفال، ويكتشف غضب والدته المكتوم ذات يوم حين تنفجر فيه فجأة دون مقدمات قائلة لماذا تتصرف هكذا دائماً مثل الفتيات؟ يقول أهل القرية إنك مخنث. يا له من عار. جميعهم يهزؤون بك. لا أفهم لماذا تقوم بهذا؟!
حدث هذا في المنزل. المنزل في القرية التي تقع في الشمال الفرنسي. حسناً، كلنا جئنا من القري، وكلنا ولدنا في التسعينات، ومثلنا كلنا، بشكل أو بآخر،كان علي إدوارد لويس أن يغادر قريته ليكمل دراسته في باريس نفسها. إنه محظوظ، لقد ابتسمت له الأقدار.
لكن لا،
إن إدوارد الصغير –من باريس- لم يغادر المنزل قط. كانت كتاباته الأولي كلها عن المنزل. ومنذ البداية بدا من الواضح أن أدبه، ممثلاً لصوت جيله، سيكون أدب سيرة. في القرن العشرين كان الكُتّاب يتبارون في توريه السيرة في الأدب، لا، بدا هنا أن كل كلمة يكتبها إدوارد في كتبه جيدة التحرير ستكون مطابقة تماماً لما عاشه بالأسم حتي أنه يمكن بسهولة إزاله كلمة أدب من أغلفة تلك الكتب، مرحباً في القرن الواحد والعشرين.
يقول إدوارد عن كتبه الأولي أن الناشرين في باريس لم يصدقوا أن هذا النوع من الفقر موجود في فرنسا. لقد قضينا علي هذا النوع من الفقر منذ القرن التاسع عشر، أخبره أحد الناشرين في رسالة عبر الإيميل.
ككل فنان، كانت مرحلة تسوية الحسابات مع العائلة ضرورة عند إدوارد، لكنها في حالته جاءت في أعماله الأولي، "نهاية إيدي" و "من قتل والدي"، والذين وجد لهما ناشراً برغم وهلة إدعاء الاضطهاد السابقة، بل وحققتا مبيعات مدهشة كأعمال أولي، أثارتا موجه من ردة الفعل السياسية كنتيجة للمحتوي السياسي المضمن خلف قصص طفولة إدوارد.
من يُصدق أن القصة التالية قصة صبي من فرنسا: قرية صغيرة، الأب والأم غير متعلمان، خمسة أو ستة إخوة شئ من هذا القبيل، القرية كلها تعمل في المصنع حيث الأجور تقل وساعات العمل تزيد، الذهاب إلي المدرسة والعودة سيراً علي الأقدام. هل الظروف مألوفة؟ انتظر، إن المأساة تزداد شجناً، الأب يقع صريعاً تحت آلة ثقيلة سقطت علي ظهره في المصنع، يُصاب بالشلل ويلزم المنزل معتمداً علي الإعانات الحكومية، الابناء يغادرون المدرسة، الأم تخرج إلي العمل.
معهم حق في باريس، هذه بغداد بعد القصف وليس الريف الفرنسي. يبدو أن إدوارد سعيد كان محقاً، الكُتّاب الغربيون لم يسيئوا تصوير الشرق فحسب بل الغرب أيضاً. الآن جاء شباب مثل إدوارد لويس من كافة الأنحاء الغامضة أدبياً وسوف يتولون مهمة كشف المجهول.
لكن هناك تفصيلة صغيرة في الدفاتر الأنتخابية قد تبدو غير مهمة، القرية كلها صوتت لماري لوبان. لماذا يُعطي الفقراء أصواتهم لليمين المتطرف؟
بدت هذه هي نقطة المجادلة لإدوارد الشاب، لنقل نقطة الخوف، لقد نسي اليسار الفقراء. في الجانب الآخر، كانت الأحزاب اليمينية تتحدث إليهم مباشرة.
لم يكن مجدياً مهاجمة اليمين، كان المناخ الثقافي في فرنسا يسبح في مجال تأثير رواية "إخضاع" لميشيل ويلبيك التي تتخيل تحالف اليسار مع المسلمين لضمان فوز مرشح إسلامي "محمد بن عباس" برئاسة الجمهورية ضد الجبهة الوطنية وما يحدثه ذلك في بنية الدولة والمجتمع، كانت فانتازيا خطيرة -ومبالغ فيها جداً- تجعلك تتمني صراحة لو أن ماري لوبان قد فازت في الإنتخابات، كانت رواية مصممة بدقة شديدة ورفيعة المستوي، من العسير جداً مهاجمتها.
لذا وجّه إدوارد الشاب جام غضبه إلي اليسار. في الصفحات الأخيرة من "من قتل والدي" يقول إدوارد: لماذا لا نسمي الناس بأسمائهم في كتب السيرة؟ وينطلق من هنا معدداً الأسماء والإتهامات، ساركوزي، مارتن هيرش، هولاند، مريم الخمري، مانويل فالس، ماكرون. و يقع في خطأ الخلط بين حالة والده كمعاق وبين النقاش حول استحقاق إعانة البطالة.
لقد قتل كل هؤلاء والد إدوارد، يسميهم "مجرمون لم يدانوا" في ممارسة مثالية لصوت العصر. لقد أطلقوا رصاصة الرحمة علي اليسار بالتخلي عن الفقراء هكذا، الفقراء الذين كانت السياسة بالنسبة لهم –بعكس الباريسيين- مسألة حياة أو موت.
في باريس، تعرض إدوارد للإغتصاب الجنسي علي يد مهاجر جزائري ليلة رأس السنة عام 2012، الوقائع التي صورها في روايته ذات الأسم المبالغ فيه "تاريخ العنف"، الصادرة عام 2016.
القارئ في رواية "تاريخ العنف"، التي هي رواية باريسية كاملة هذه المرة، يعرف منذ الصفحات الأولي أنه بصدد كاتب أصيل متمكن، ناثر محترف، يكتب لزمانه وفي خلفيته الماضي الأدبي العميق.
وبرغم هذه الخلفية العريضة، إلا أن "تاريخ العنف" ليس سوي تأريخاً فردياً شخصياً لوقائع ليلة. وبرغم أن هذه الوقائع هي وقائع حب ثم اغتصاب إلا أنه نادراً ما تظهر جندرية الراوي، ولولا ذكر اسم الراوي (إدوار) في غير موضع لا تكاد تحس بهويته طيلة السرد، وهذه هي النقطة المحورية فيما يمثله أدب إدوارد لويس الشاب والثقافة التي يعبر عنها، لقد أصاغ قصة عالمية المحتوي يمكن للجميع بدون تفرقه الإتصال معها، لهذا ترتقي رواية "تاريخ العنف" في رأيي عن عمليه السابقين في كونها تضع لنفسها تواجداً فاعلاً في قلب الحركة الفكرية الشبابية المعاصرة عالمياً، وفي تقديمها لقصة بالمفهوم الكلاسيكي أيضاً، حدث وحبكة وبداية ونهاية، ضمن ذلك الإطار.
هذه الأعمال الثلاثة بتتابعها وموضوعاتها جعلت من الشاب صوتاً مطلوباً للجرائد العالمية. المكونات التي يقدمها كانت مغرية، أولاً التسعينات تعني العولمة إذن سوف يتردد صداه بعيداً، ثم المثلية الجنسية، النقد اللاذع لليسار، الصوابية السياسية، وجهة النظر التمثيلية لفرنسا الداخلية غير المعروفة، قصة الأغتصاب، إلخ. كان من الطبيعي بعد أن لفت الأنظار أن تصغي له النيويورك تايمز والجارديانز وأن يحصل علي ترجمات انجليزية لمقالاته في لوموند، منها مقاله السياسي الشهير "المانفستو" بالأشتراك مع كاتب آخر، وفيه يضع أجندة لإصلاح ما سماه بـ"صمت اليسار". المقال نشرت ترجمته الإنجليزيه لوس انجلوس ريفيو اوف بوكس، وما لفت نظري حقاً بشأنه هو التعليق الوحيد عليه، والذي أظنه خالداً، حيث قال المُعلق: حقيقة أنه لا أحد مطلقاً كتب تعليقاً علي المقال يمثل أبلغ تعبير عن "صمت اليسار"!
تُشغلني أوجه المشابهة بين إدوارد لويس وبين جيلنا من الكُتّاب العرب. في عالم تجني فيه الحركات اليمينية المتطرفة مساحات أوسع من التضامن الشعبي كل يوم، لا يسعنا إلا أن ننظر كيف يمارس كاتباً شاباً دوره التفاعلي والنضالي في المجتمع، بل كيف يُكون وجهه نظره ويبني لنفسه مرتكزاً/بوصلة سياسية تقود الطريق. إن لدينا الكثير من المشتركات مع إدوارد لويس ومثيليه من الشباب الأوروبيون، يتحدث إدوارد في مذكراته عن جدار برلين، وعن فيلم تايتانيك، القرية الفقيرة، ومواجهة الوالدين بثقافة مدرسية ثم التطلع إلي باريس. وفي روايته الباريسيه يحكي عن القراءة والمذاكرة وحياة الكتب والحب والمقاهي والأجهزة الإليكترونية. إن حياتنا بين أفريقيا وأوروبا لم تكن من قبل واحدة قط بهذا الشكل، وهذا هو ما يعطي جيل الألفية ميزته عبر تاريخ من المغامرات البشرية. لو كان لي أن ألخص الأمر في مشهد واحد معبر فأنني استرجع إنزعاج (إدوار) في "تاريخ العنف" من عنصرية ضابط التحقيق في اعتبار (رضا) الشاب الجزائري عربياً، بما تعنيه كلمة (عربي) في سياق شخص متهم بالأغتصاب والسرقة ومحاولة القتل في باريس، كانت النقطة التي تزعج (إدوار) أن (رضا) لم يكن عربياً، كان (قبلياً) من الجزائر، نسبة إلي منطقة القبائل، التي لها جالية في فرنسا وحدها تصل إلي 800 ألف شخص. هذا هو ما كان يعنيه، هذا الأنتباه الشديد لخلفية رضا، لم يكن عربياً برغم أنه من الجزائر. إن إدوار ليس عربياً لكنه قد يأكل لحم مُغتصبه، لكنه يُصحح هويته العرقية خلال ذلك.
في ذهني محاولة ابن النفيس، من خلال قصة الرسالة الكاملية لفاضل بن ناطق، تبرير الشئ بإنكار بدائله. لم يكن من الممكن أن يكون إدوارد سوي أوروبياً. فرنسياً، امتداداً واستمراراً لكل هذا التاريخ الأدبي الفرنسي. مادام ويلبيك فرنسياً، فلا يجب أن لا يُخرج أحد من يتعامل معه إلا فرنسا. كان يجب أن يكون من الريف ليحظي بتمثيل وتكون له إجازة انتقاد اليسار. كان يجب أن يكون مثلياً. كان يجب أن يكون موهوباً. كان يجب أن يكتب القليل وأن تبلغ مداه الآفاق. لم يكن له إلا أن يمر بتجربة "تاريخ العنف". إن مقادير إدوارد لويس الشاب لا يمكن أن تكون أضبط.
عنّ لي خاطر أخير، أردتُ أن أري كيف هي القرية التي نشأ فيها صديقنا الشاب، علي برنامج جوجل إيرث مضت لحظة تشبه المشهد من فيلم سبيلبيرج "اقبض عليّ لو استطعت"، ارجوك قل لي انك دوّنت اسم القرية الفرنسية مستر فوكس. اسم القرية: "هالين كورت"!
إن لي عشرة أعوام أعمل مُخططاً عمرانياً في مصر. أستطيع أن أقسم بشرفي أن هذه القرية لو كان لها مثيل في مصر أو أي بلد عربي لأعتبرت قرية نموذجية ونال مخططوها المجد والجوائز.
ماجلوار-مايو2021



#أحمد_ماجلوار (هاشتاغ)       Magloire#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ماجلوار - إدوارد لويس