أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحلام مستغانمي - محمد ديب... سيأتون حتماً لنقل رماد غربتك














المزيد.....

محمد ديب... سيأتون حتماً لنقل رماد غربتك


أحلام مستغانمي

الحوار المتمدن-العدد: 482 - 2003 / 5 / 9 - 04:34
المحور: الادب والفن
    


 

أكره أن أكتب مثل هذه الشهادات. ربما لأنها اعتراف بأن من حسبنا الإبداع يمنحهم مناعة ضد الموت، يموتون أيضاً. وربما لأن في كل شهادة نكتبها عنهم، نحن، لا نرثي سوانا. أما هم، فما عادوا معنيين بما نقوله عنهم. لقد رحلوا صوب "الأزرق المستحيل" بحسب تعبير الصديق صالح القزاز، الذي لم أكتب شهادة فيه يوم باغتني خبر موته. ربما لأن وقع رحيله عليّ كان مختلفاً في فاجعته عن وقع كل الذين عرفوه، لكونه الصديق الذي لم ألتق به يوماً، والذي علقت رنة ضحكته بهاتفي، وبعدها بثلاث سنوات، علقت نبرة حزنه المكابر المودّع استشعاراً بساعة الرحيل. فهل الذين لم نلتق بهم من المبدعين يتركون فينا أثراً أكثر من الذين عرفناهم؟

بعض أصدقائي من الكتّاب الذين اغتيلوا في الجزائر مثل يوسف سبتي والطاهر جاعوط، وبعض الذين ماتوا في غيبتي، تقبلت موتهم بواقعية أكثر، ربما لأنهم جيل قابل للموت... بحكم أنهم من جيلي.

أما رموز الأدب الجزائري ومؤسسو المجد الأدبي للجزائر، فما زلت أتعامل معهم كما لو كانوا أحياء. لأنني أحتاجهم قدوة من أجل البقاء على قيد الكتابة، ولكي تبقى قامتي الأدبية منتصبة بفضلهم. مالك حداد... كاتب ياسين... مولود معمري... محمد ديب... جميلين كانوا في أنفتهم وعزة نفسهم وشجاعة رأيهم، جميلين في نبوغهم وبساطتهم. فهم من جيل علمته الثورة التواضع أمام الوطن، الوطن الذي علمته الثورة انه أكبر من أن يولي اهتماماً بأبنائه أو يدلل مبدعيه. آخر هؤلاء الكبار ذهب الى نومه الأخير.. سكت محمد ديب. فاجأه الصمت تحت "شجرة الكلام"، هو الذي أصبح حديثه إلينا حدثاً، كان مشغولاً عنا بغور بحر الأسئلة التي لم تزد كلماته إلا ملحاً.

"لولا البحر، ولولا النساء، لبقينا أبد الدهر يتامى. فقد غمرننا بملح ألسنتهن... وهذا، من حسن الحظ حفظ الكثير منا... ولا بد من أن نجاهر بذلك في يوم من الأيام...!".

هذا ما جاء في كتابه "من يذكر البحر؟". أما نحن فنسأل: من يذكر "الحريق"؟ ... و"ثلاثية" محمد ديب التي صنعت منه في البداية "بالزاك الجزائر"، وجعلت الجزائريين يعيشون في السبعينات حال انخطاف وهم يتابعون تحويل تلك الرواية الى مسلسل أشعل النار في التلفزة الجزائرية، لفرط صدقه في نقل الهوية الجزائرية ووصفها بحيث لم يضاهه جودة حتى اليوم أي عمل سينمائي جزائري. في ذلك المسلسل اكتشفت محمد ديب الذي علقت نيرانه بتلابيب ذاكرتي، وصنعت وهج اسمه في قلبي. وعندما، بعد ثلاثين سنة، أصبحت بدوري كاتبة جزائرية تصدر أعمالها مترجمة في إحدى كبرى دور النشر الفرنسية، كانت مفاجأتي ومفخرتي في كونها الدار التي تصدر عنها أعمال محمد ديب. فقد أمدني بها ناشري هدية ليقنعني بمكانة مؤلّفيه الجزائريين اللذين هما محمد ديب وآسيا جبار، من دون أن يدري انه رفعني بكتاب الى قامة كاتب كان يكفيني فخراً أن أجالسه يوماً.

أخيراً اكتشفت من مقال للكاتب جيلالي خلاص، ذلك النزاع الذي وقع بين محمد ديب وبين منشورات "سوي" الشهيرة التي طلبت من الكاتب تغيير طريقة كتاباته، والتخلي عن طروحاته الفلسفية كي يحظى بإقبال أكبر لدى القراء. غير أن محمد ديب الذي ما كان معنياً مثل بعض الكتّاب المغاربيين المقيمين في فرنسا، بكسب قلوب القراء الفرنسيين وجيوبهم، فضّل بدل تغيير مساره الفلسفي... تغيير دار نشره!

يبقى أن الجزائر التي كانت تستعد بمناسبة سنة الجزائر في فرنسا للاحتفاء بمحمد ديب بما يليق بمقامه، من خلال ملتقى دولي وتظاهرات متعددة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، جاء تكريمها له متأخراً، حتى لكأن محمد ديب أراد بموته أن يستبقه ترفعاً وقهراً. ذلك ان تكريم الكاتب بحسب جبران، ليس في أن تعطيه ما يستحق، بل في أن تأخذ منه ما يعطي. ومحمد ديب لم ينس أنه زار الجزائر سنة 1981 مريضاً منهكاً، وطلب من الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، التي كانت تنفرد وحدها آنذاك بسوق الكتاب، أن تشتري حق نشر كتبه من دار "سوي" وأن تنشر كتبه المقبلة في الجزائر. غير ان استقبالها الحار له، وتفهمها لطلبه، لم يؤديا الى نتيجة. ولم تشفع له الوثائق الطبيّة التي احضرها لإثبات حاجته الى العملة الصعبة لكي يعالج في باريس. فاستناداً الى قانون جزائري كان يمنع آنذاك تسديد حقوق التأليف بالعملة الصعبة لأي جزائري، رفض وزير الثقافة في تلك الحكومة (الفائقة الحرص على أموال الشعب) نجدة أحد أعلام الجزائر وكبار مبدعيها. وارتأت الدولة ان حقوق مؤلف قد تخرب ميزانية الجزائر، وان لا بأس لأسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية من إعادته الى منفاه خائباً مجروح الكرامة.

من يومها ومحمد ديب يزداد توغلاً في منفى أراده وطناً لمرارة أسئلته، وقد أفضى به الى "شجرة الكلام" و"ثلوج الرخام".

مات صاحب "الحريق". واليوم سيأتون، حتماً سيأتون لنقل رماد غربته في صندوق محكم الإغلاق على مرارته، يغطيه علم الجزائر وسيمنحونه وساماً. ويكتبون مقالات كثيرة في جمالية عودة الابن الضال الى "وطنه". وسيكون لسان حاله، قول الأخطل الصغير: "أرجو أن يترك نعشي مفتوحاً عند قدمي، لأنهم سيمنحونني يومئذ وساماً... وسألبط بقدمي ذلك الوسام!" (عن الحياة اللندنية).

 



#أحلام_مستغانمي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟
- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...
- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحلام مستغانمي - محمد ديب... سيأتون حتماً لنقل رماد غربتك